|
المتسولة الشامخة
احمد عيسى نور
الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 00:19
المحور:
الادب والفن
المتسولة الشامخه في ساعات الصباح الأولى نَهضتُ باكراً لأقوم بفتح محل أخي الذي أضطُر لظروف معينه إلى التغيب عن عملهِ وعدم فتح المحل في ذلك اليوم ، ولأنني لم أتعود على ذلك فقد أحسست بصعوبة في الأمر ، وشعرت بضيق فأنا لا أنهض مبكراً في أكثر الأيام ، كما أنني اعتقدت أني سوف أقوم بعمل شاق وأضطر إلى بذل جهد استثنائي في المحل. فتحت المحل وأخرجت كرسي من داخله ووضعته أمام الباب وجلست عليه أنضر إلى الناس وأراقبهم ،فهذا يدفع بعربةٍ يبيع فيها الأشياء الرخيصة ويصيح بأعلى صوته وهو يمشي لترويج بضاعته ، وذاك قد افترش الأرض ليبيع الملابس ، ثم بدئت أنضر للناس التي تمر قرب المحل وأتساءل مع نفسي من هذا؟ وماذا يريد هذا من ذاك؟ وماذا تفعل تلك الجميلة هناك قد تكون......... أستغفر الله من الصباح أن بعض الظنِ أثم.
في لحضه تفصل بين الثانية والثانيه توجَهت نحوي أمرآه قد غزا الشيب شعرها وهي ما زالت في مقتبل العمر لم تتجاوز العقد الثاني ؛طولها فارع؛ووجهها مشرق كالشمس؛ضفائر شعرها المدلاة؛مهرة عربية تراها فى استقامة الرقبة؛واتساع مساحة الصدر؛وخصرها الملفوف؛إذا تحركت اهتزت اهتزاز الجميلات التي تراقصت على أنغام الدفوف القارعة ، سبحان من خلق ، وبادلتني تحية الصباح فبادرتها بتحية صباحية أجمل منها ، تأملتها وإذا بالسواد يلفها بأثواب لا هي بالية ولا هي مقبولة بل بين هذا وذاك، دخلتْ متشحة بالضباب وحزن معمّر في عينيها ،تنهار قربي وتفتح أناتها حتى السماء : احتقنت طفولتها العاشقة للحب وللحياة ،عوّدت نفسها على الجدية والوقار في حياة لا هدنة فيها . بَدئتُ أُدقق فيها أكثر فجاءت عيناي بعينيها وقرئتُ فيهما شيئاً من الحُزن لكنه يلف وراءه تعبير أخر يدل على القوة وليس على الضعف هي في حسّة سوء لا تُحسد عليها، استجمعت قواها وكفت عن التفكير المضني ووقفت وقفة فيها الكثير من المعاني خطت بضع خطوات إلى الأمام ويداها ترتعشان ولم اعرف ما هو السبب. وَقَفت أمامي فأردت أن اعرف ماذا تريد فإذا بها تطلب الصدقة ، فتحتُ عينيّ متعجباً أمرآه بهذا الجمال وهذا القوام الجميل والمشي القويم وتستجدي وتطلب الصدقة! . رجعت الى نفسي وتمالكتها ثم أجبتها لكِ ما طلبتي ولكن هل لي أن أسألُكِ بعض الأسئلة ؟ أجابت بارتباك تفضل . قلت انكِ أمرآه لا يدل مظهرها على طلب الصدقة فما الذي دفعكِ إلى هذا العمل؟ تغيرت ملامحها واختفت التعابير التي تدل على الاستعطاف وطلب المساعدة لتتحول إلى مسحة من الحزن والانكسار مع بعض التردد في الجواب ، ألا أنها سيطرت على نفسها وقالت : الحاجة هي التي دفعتني إلى ذلك، إنني تركتُ بيتي وأطفالي وتوجهت لطرق أبواب لا أعلم مَن ورائها ولأقدم الشكر على أي شيء يعطوني إياه سواء ثميناً أو تافهاً رخيصاً، وربما يرفضون طلبي وترجع يداي فارغة ، برغم ذلك أستمر وأطرق الأبواب بل قد أتعرض لكلمات ما أُنزلت في معجم ولا تكلم فيها شخص أبد الدهر ، ولكنني أريد أن أعود بابتسامة على وجهي لأطفال تركتهم جياعاً في أرض الدار نظرت إليها ولم تقوَ نظرتي على مواجهتها حاولت وحاولت وإذا بها تقدم لي مفتاح الكلام الذي بحثت عنه وتمنح نظراتي عدة المصارحة لأكشــف لها وجوه الحقائق . -أين ألأب وما هو دوره؟ حَزنت أكثر وملأ الدمع عينيها واسترسل الدمع على خديها ثم أجابت ، لقد توفي أثر عملية انتحارية قام بها احدهم فالأحداث قد أثقلت كاهلنا جميعاً وأفقدتنا الأهل والمال والعيال ، أنا لم تكن خسارتي بفقدان زوجي فقط بل على أثرها فقدت إنسانيتي واستقراري وتحولت الى متسولة تعيش على فتات الآخرين الذين لا يعطون إلا البالي وما زاد عن حاجتهم ، وهذا الصباح أقسم لكَ إني نهضت لأبحث عما أطعم بهِ أطفالي فلم أجد رغيف خبزٍ أو حتى ثمنه فماذا أفعل؟ هل اطرق باب الجيران الذين أصابهم الملل مني ؟ أم أنتضر
عسى أن يأتي أحدهم وبيدهِ رغيف خبز يتصدق بهِ علينا وربما لا يأتي! فلم يتبقى أمامي إلا التوجه للاستجداء وطلب المعونة والصدقة لسد رمق أطفالي ، ليس سهلاً على الأم أن تترك أطفالها وتلجأ إلى الشارع بحثاً عما يساعدهم في هذه الحياة الصعبة فالحياة لا يعرفها إلا من جربها ولا يجربها إلا من عاشر الناس وعرف نفوسهم وكيف يتصرفون . هذا العمل متعب ومذل ويسلُب مني كرامتي ويجعلني عُرضة لسماع كلمات لا أتقبلها لو كانت الظروف غير هذه ، ولكنني ألان أسمعها وأصمت وأستمر بالسير،أنني من أجل أطفالي أفعل المستحيل كما أنهُ لو كان زوجي على قيد الحياة لما كُنتُ هكذا كلص تطارده كلاب في عتمة الليل تغرق في الظلام, تتهالك عطشا ووحدة. ، جدتُ عليها بما أمكنني بعد أن انتهى الحديث، وذَهَبت وتركتني في حيرةٍ من أمري فقبل هذا كنتُ أُشكك في كل شخص يطلب الصدقة أما ألان فأنا اشعرُ بالحُزن والأسى على كل من يتسول وأحمله على محملٍ حسِن .
أنتهى أخوكم أحمد عيسى نور
#احمد_عيسى_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقابر الجماعية / الجزء الثاني
-
المقابر الجماعية / الجزء الاول
-
الحي الميت
-
أنتِ الحبيبة
-
لا تنازُل
-
التعاون قصة للاطفال والكبار
-
ياليتنا مثل النمل
-
العيد
-
الشيطان قصة واقعية
-
الخائن
-
لماذا يا حبيبي
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|