|
الإتجار بالديمقراطية البرلمانية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 12:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عالمنا اليوم يكاد لا يكون هناك دولة بدون برلمان ، ولكن عالمنا اليوم ، ابعد ما يكون عن الديمقراطية . ففي الولايات المتحدة الامريكية ، تسيطر الشركات الاحتكارية على الاقتصاد والسياسة الامريكية الداخلية والخارجية بشكل فج . وفي اوربة القارة ( الديمقراطية ) العتيدة ، بينما كانت الشوارع تغلي بمظاهرات مناهضة الحرب على العراق ، صوتت البرلمانات على قرار المشاركة فيها . كما ان اصوات المظاهرات المليونية لم تصل للبرلمانات التي تقر سياسة اقتصادية معادية للجماهير وللشعب المستضعف بمختلف فئاته الاجتماعية من عمال وفلاحين وطلبة وعاطلين ، وفي فرنسا وفي غيرها من ( الديمقراطيات ) التقليدية لم تمنع الديمقراطية البرلمانية من صعود حكومات يمينية ونسختها مطابقة للأصل ( اشتراكية ) ومن تفشي العنصرية ضد المهمّشين والضعفاء من عرب وأفارقة وأسيويين وغجر ، بل وحتى في توزيع الثروة بين فئات الشعوب الاوربية على اساس عرقي ( بلجيكا ) . البرلمانات كانت ايضا واجهة للأنظمة العسكرية في باكستان ، مصر وتركيا وغيرها قبل ان تتحول ايضا الى واجهة لتنظيمات اخوانية متزمتة ومعادية للديمقراطية التي اوصلتها الى ما لم تكن تحلم به في يوم من الايام . كما ان وجود برلمانات ديمقراطية في بعض البلاد لم تمنعها من الاستغلال والقمع والاضطهاد العنصري والطائفي ، بل ان هناك انظمة عنصرية مثل اسرائيل وميانمار ، لم يتعارض احتفاظهما مع طبيعتهما العنصرية . وفي المقابل لم يكن النظام البرلماني ضمان لحماية رؤساء وحكومات يسارية جاءت بانتخابات الشعب ولم تأت بثورة او انقلاب ، وابرز هذه النماذج الشيلي ، غرينادا ، نيكاراغوا و فنزويلا وباكستان على بوتو . في العديد من البلدان العربية التي عرفت ربيع الاخوان ، لا تزال الاحزاب قائمة او التي يمكن ان تقوم في ظل القوانين الجديدة ، غير ’معبرة إلا عن مصالح الرأسماليين بشرائحهم ، في حين يعبر الاخوان بدرجة عن الطبقة الوسطى ، بينما لا تجد الجماهير العريضة من عمال وفلاحين ومستضعفين وغلبة وعاطلين من يمثلها . علينا ان ندرك ان الديمقراطية البرلمانية في حد ذاتها ، لا تعبر عن شيء إلا عن توازنات القوى خارجها ، وقد تكون لعبة ، بل وأداة للسيطرة المقننة ، في ايدي الطبقة الحاكمة ، رأسمالية كانت ، او عسكرية ، او اذن الديمقراطية البرلمانية كما هي عليه اليوم في البلاد العربية كما في البلاد المتقدمة اضحت عبارة عن قطاعا تجاريا جديدا ضمن باقي القطاعات المدرة للربح والمبوأة للحظوة وتقلد المهام الجديدة . انها اضحت وسيلة لتغيير المواقع الاجتماعية والسلوك ،وحتى الارتماء المصطنع في بعض الممارسات البرجوازية التي تتم بشكل مشوه ، حيث يغلب الطابع التطبع . من هنا نتساءل هل الديمقراطية هي مطلب النخبة او مطلب الجماهير المغيبة عن الديمقراطية ؟ بالرجوع شيئا الى التاريخ ، سنجد ان الديمقراطية وحقوق الانسان منذ ثمانينات القرن الماضي اتخذت صبغة سياسية حربائية ، اي صبغة حل سحري لكل مشكلات العالم وخاصة في البلدان المتخلفة . وفي وقت سابق كانت الثورة والتنمية هل الحلول السحرية المبشر بها ، اما اليوم فان الانتلجانسيا لوحدها تصرخ مرددة ( الديمقراطية ، الديمقراطية ) كوسيلة للارتقاء الاجتماعي لا كغاية لممارسة ديمقراطية للتأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي . واذا غضضنا البصر عن الجانب اليوتوبي في هذا المنزع ( الديمقراطي ) ، وافترضنا انه العلاج الملموس لا دواء التخلف التاريخي ، فبإمكاننا ان نتساءل : الى اي حد يشكل المطلب ( الديمقراطي ) وسيلة للنهضة والخروج من زقاق التاريخ ؟ والى حد يمثل ( حاجة اجتماعية ) فعلية وحقيقية ؟ اليس المطلب ( الديمقراطي ) مطلب الانتلجانسيا السياسية اكثر مما هو مطلب الجماهير ؟ في سنة 1980 اجرى السوسيولوجي سعد الدين ابراهيم دراسة حول " اتجاهات الرأي العام نحو مسألة الوحدة " تبين فيه ، أن الاهتمام بمسألة الديمقراطية والمشاركة السياسية ، جاء في المرتبة السادسة ضمن هموم الوعي العربي الاخرى ، كالخلافات العربية العربية ، والصراع العربي الاسرائيلي ، ومشكلات التخلف والتنمية ، والهيمنة الاجنبية ، والمسألة الاجتماعية المتعقلة بالتفاوت الطبقي . فرغم الاهتمام الاقصى الذي توليه الانتلجانسيا السياسية والثقافية والتكنوقراطية لمسألة الديمقراطية ، فإن اغلبية الرأي العام العربي لا تشاطر النخبة همها الاول ، لأنها غير معنية به ، ما دامت تستعمل ككمبراس لاغتناء ووصول النخبة المتهافتة . في سنة 1980 نشر " منتدى الفكر العربي " بعمان دراسة حول " كيف تفكر النخبة العربية في تعليم المستقبل ؟ " ، عالجت اهم التحديات المستقبلية التي تواجه المواطن العربي . وقد جاء ترتيب التحديات كالتالي : التحدي الاقتصادي – التكنولوجي ، التحديات البيئية – الديمغرافية ، المسألة الاجتماعية ، التجزئة العربية ، التهديدات الخارجية ، وأخيرا المسألة الديمقراطية التي لم يذكرها كتحد رئيسي الا 11 في المائة من افراد العينة المدروسة . كما تبين فيها ان معظم من اعتبروا الديمقراطية تحديا رئيسيا هم من حاملي الدكتوراه ( 75 في المائة ) وشهادات الدراسات العليا ( 12 فاصلة خمسة في المائة ) او الدرجة الجامعية الاولى او ما يعادلها ( 12 فاصلة خمسة في المائة ) . ان نتائج هاتين الدراستين ، مع ما هو ملاحظ الآن من تهافت وجري وركد مع غياب بل موت المبادئ والأصول ، لهو كافي لدعم فرضية حول كون المطلب ( الديمقراطي ) هو مطلب النخبة وليس مطلب الجماهير التي توظف ككمبراس لا تستفيد من ريع الديمقراطية . وتفسير هذا هو ان الجماهير غارقة في همومها العملية ، وفي متطلبات حياتها اليومية ، وجاهدة من اجل الكسب ، والحصول على شقة او ارض او كراء بيت ، او تعليم الابناء او البحث عن شغل لأبنائهم من حملة الشواهد العاطلين او المعطلين .. لخ فما هو ملموس بالنسبة لهؤلاء الذين يشكلون القاعدة العريضة من الجماهير هو تحسين مستوى العيش ، اما ما عدا ذلك فهو اقرب الى الحلم والترف والبذخ ، ويدخل في باب المطالب المعنوية البرجوازية . ومن المؤكد ان الجماهير تطرح المسألة السياسية لا في صيغتها المجردة و المؤسسية والتنظيمية والقانونية ( " تنزيل " الدستور ، البرلمان ، الديمقراطية ، توزيع السلطات ، تداول الحكم ...لخ ) ، بل تطرحها في صيغتها الملموسة المتعلقة بسلوك ونزاهة او عدم نزاهة هذا الحكم او ذاك ، هذا الوزير او ذاك ، هذا المسئول او ذاك ...لخ . ان التشخيص الديمقراطي للمسألة السياسية يتطلب قدرا من الثقافة العامة ، ومن الثقافة السياسية ، ومن القدرة على التجريد لا يوفرها المستوى الثقافي الحالي للمواطن العربي . وانشغال الجماهير بإنتاج قوتها وتدبير امورها المعيشية من جهة ، وانحدار مستوى ثقافتها السياسية ، هما العنصران الاجتماعي والمعرفي الأوّلان في عدم تمثلها للمطلب الديمقراطي . اما النخبة ( السياسية والاقتصادية والتكنوقراطية والثقافية ) فهي اكثر الفئات الاجتماعية اليوم ارتباطا ب ( الديمقراطية ) وتشبثا بالمطلب ( الديمقراطي ) . اولا لارتفاع مستوى ادراكها السياسي من ان الديمقراطية وسيلة للتسلق الاجتماعي ، والاغتناء القصير والسريع / وتبديل المراتب والأوضاع ، وتغيير العلاقات ، بالاستفادة من المصالح الجديدة غير المنظورة سابقا ... لخ ولإرجاعها لمظاهر الخلل في الاداء الاجتماعي الى مسألة المشروعية والتمثيلية ، وثانيا لان الديمقراطية كنظام ستمكنها من استفادات معنوية ورمزية ومن فوائد مادية وسلطوية . فالديمقراطية بهذا المعنى مطلب عضوي ان لم نقل مهني للنخبة ، لأنها هي المؤهلة لتشكيل المؤسسات ( الديمقراطية ) مؤسسات الاغتناء السريع ، والدخول فيها سواء كانت محلية ام وطنية . فالمؤسسات تبقى هي الفضاء الارحب للنخبة ، وهي مجال فعلها وتأثيرها واستفادتها . ولعل هذه النعم البرجوازية هي التي تزيد في تجميل الديمقراطية في اعين النخبة المجتمعية ، حيث ’يفتح امامها بابا مشروعا لاقتسام السلطة وفوائدها وخيراتها . وهذا ما يجعلها تتغاضى عن عدم توافر الشروط التاريخية لتطبيق الديمقراطية في مثل هذه المجتمعات . فقد علمنا تاريخ المجتمعات المتقدمة ان السّيرورة الديمقراطية هي نتاج تطور ونضج كل من المجتمع والفرد قوامه الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والتمييز بين مقتضيات الحياة الروحية والحياة الدنيوية في المجال السياسي ، وأساسه استقلالية الفرد ووعيه بذاته وبحقوقه وواجباته ، وإسناد السلطة السياسية في المجتمع على مشروعية مستمدة من المواطن ذي الحقوق الكاملة ، ومبدأ تداول السلطة بين اوسع الفئات الى غير ذلك من الشروط الاجتماعية والفكرية . ذلك ان عدم توفر هذه الشروط ، يجعل الديمقراطية نبتة برية غريبة في محيط غريب عنها ، وتجربة تهدد المجتمع بالتفكك وبالتحلل الى نعرات اقليمية واثنية وجهوية في غياب سلطة مركزية قوية ، وشحوب مؤسسات الدولة الوطنية بكل تقاليدها المرعية والتاريخية ومعاييرها ونواميسها الضابطة ، وهذه الظاهرة غير المفهومة بفعل تدخل لوبي المصالح الشخصية المستفيد من هكذا اوضاع غير طبيعية ، هي سبب كل ما يجري اليوم بالصحراء المغربية . ان الديمقراطية لعبة سياسية عصرية ذات حدين ، فهي يمكن ان تكون مطية المجتمع الى تحقيق التطور والتقدم والوحدة اذا ما تحققت ضمن التوازنات المذكورة ، كما يمكن ان تكون منزلقا يقود الى هاوية التفكك والحرب الاهلية ( الوضع الخطير اليوم بالصحراء ) . ولعل التوازن بين هذين الميلين يظل من مسؤولية وتقدير النخبة الاجتماعية التي اختارت الديمقراطية سبيلا لتحديث نظام الممارسة السياسية وسيادة الشفافية ، فذاك وحده ما يبرر ان نجعل من الديمقراطية خلاص مشاكلنا وبالضبط بأقاليمنا الجنوبية . اما استمرار التلاعب والتدليس والكذب وسياسة العام زين والاستئثار بالمؤسسات لتصفية الحسابات وتمرير القرارت المغلفة بالعديد من الاشارات ، ’ينذر بكوارث عاصفة ستقلب المنطقة في غضون السنتين المقبلتين . ان الوضع في الصحراء خطير وما سينجم عنه سيضر بحقوق المغرب وتاريخه . ان تضرع الانفصاليين بغياب الديمقراطية وحقوق الانسان ليبرروا دعاويهم للانفصال ، وخوضهم انتفاضة جماهيرية انفصالية ، مع ما سيترتب من خسائر على الارض ، سيدفع مجلس الامن الى استصدار قرار ينصص صراحة على الاستفتاء ، وإصدار قرار من هذا الحجم سيعطي للانفصاليين ذريعة العودة الى الحرب بدعوى تطبيق قرارات الامم المتحدة ، وهو ما يعني دخول القضية الوطنية في مأزق لن تخرج منه بسلام . اذن لا بد من استعمال الديمقراطية ليس في حل الاشكاليات الداخلية العالقة ، بل في تثبيت الوحدة الوطنية للمغرب . وعلى جلالة الملك ان يفتح اعينه جيدا حتى يتبين له الخيط الصحيح من الخيط الهش . لقد ولى زمن الكذب وقول العام زين . الوضع خطير وخطير جدا وعلى الملك التحرك قبل فوات الاوان ، حيث لا ينفع الندم .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية وترويض القدرة السياسية في المجتمع
-
الاخوان الفاشيون
-
الإستعارة في اللغة السياسية
-
- امرأة عند نقطة الصفر -
-
الطب والامبريالية في المغرب
-
حين يصبح الانقلاب والتزوير مشروعا
-
منظمة -- حزب -- تيار
-
ادوات اشتغال المخزن
-
دراسة تحليلية لماهية المخزن -- المخزن عقيدة وليس مؤسسة .
-
جدل عن غياب العاهل محمد السادس خارج المغرب
-
الطريق الاستراتيجي الثوري للدولة الفلسطينية
-
المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية
-
بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت
-
برنامج حركة 3 مارس
-
كتمان العلم والحق في الاسلام ( علماء ) فقهاء السوء
-
اساطير الاولين
-
مشروعية الملكية اساس استمرارها
-
الاتجار بالديمقراطية يضر القضايا الوطنية
-
البطالة
-
الجهة المتقدمة -- الحكم الذاتي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|