|
عناصر الفكر السلفى: مقارنة بين السلفية المصرية والوهابية السعودية
إيمان فخرى احمد
الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 05:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عناصر الفكر السلفى: مقارنة بين السلفية المصرية والوهابية السعودية مقدمة انطلاقاً من أهمية ودقة المرحلة التى تعيشها دول المنطقة بأسرها وخاصة مصر بالتطورات المتلاحقة فى الأحداث منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وحتى تاريخ إنهاء هذا البحث فى شهر أغسطس عام 2013. والتى شهدت صعود للتيار الاسلامى ممثلاً فى الاخوان المسلمين فى مصر إلى سدة الحكم، واعقب ذلك بعام واحد خروج مظاهرات حاشده ضد الرئيس الاخوانى محمد مرسى وجماعته، وتطالبه بالرحيل، وحسم الأمر بإلقاء وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسى بيان بعد اجتماعه بتاريخ 3/7/2013 مع القوى السياسية ومن بينها حزب النور ذو المرجعية السلفية، ليعلن عن اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتعطيل العمل بالدستور وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا شؤون البلاد؛
وفى هذا السياق تأتى أهمية استجلاء الواقع الفكري لأحد أهم التيارات الإسلامية وهو التيار السلفي الذي كان له حضور قوي على الخريطة السياسية لمصر بعد الثورة، والذي تثور حوله العديد من الأسئلة، حول الكيانات التى تمثله فى مصر والمبادىء الحاكمة له، وعلاقته بالوهابية في المملكة العربية السعودية، خاصة وأن بعض ممارساتهم متشابهة؟ وبالتالي يُثار التساؤل هل أن الوهابية تمثل فرعاً من السلفية أم أن كلاهما متطابق فى المعنى والمبادىء؟. وتسعى هذه الدراسة إلى محاولة الاجابة على هذه الأسئلة من خلال تناول النقاط التالية:
أولاً: تعريف السلفية وجذورها ثانياً: تاريخ الدعوة السلفية وأهم التيارات المنضوية تحت لوائها ثالثاً: أهم مبادىء ومفكرى الوهابية السعودية ثم الخاتمة التي سٌتعرض فيها أوجه التشابه والاختلاف بين التياريين من حيث المبادئ والأفكار وكذلك الممارسات السياسية.
أولاً: تعريف السلفية وجذورها 1- تعريف السلفية لغة واصطلاحاً: تعرف السلفية لغةً من أصل "سلف"، والسلف هم المتقدمون؛ عرّف اﺑ-;---;--ﻦ-;---;-- ﻓ-;---;--ﺎ-;---;--رس ﻓ-;---;--ﻲ-;---;--" معجم مقاييس اللغة ": (سلف، اﻟ-;---;--ﺴ-;---;--ﻴ-;---;--ﻦ-;---;-- واﻟ-;---;--ﻼ-;---;--م واﻟ-;---;--ﻔ-;---;--ﺎ-;---;--ء أﺻ-;---;--ﻞ-;---;-- ﻳ-;---;--ﺪ-;---;--ل ﻋ-;---;--ﻠ-;---;--ﻰ-;---;-- تقدم وسبق، ﻣ-;---;--ﻦ-;---;-- ذلك السلف الذين مضوا، واﻟ-;---;--ﻘ-;---;--ﻮ-;---;--م اﻟ-;---;--ﺴ-;---;--ﻼ-;---;--ف: المتقدمون. كما عرفها الراغب الأصفهاني في كتاب "المفردات":(السلف: المتقدم، ﻗ-;---;--ﺎ-;---;--ل اﷲ-;---;-- تعالى :ﻓ-;---;--َﺠ-;---;--َﻌ-;---;--َﻠ-;---;--ْﻨ-;---;--َﺎ-;---;--هُﻢ-;---;--ْ ﺳ-;---;--َﻠ-;---;-- ً َﻔ-;---;--ﺎ-;---;-- وَﻣ-;---;--َﺜ-;---;-- ً َﻼ-;---;-- ﻟ-;---;--ِﻠ-;---;--ْﺂ-;---;--ﺧ-;---;--ِﺮ-;---;-- َ ِﻳ-;---;--ﻦ-;---;--] اﻟ-;---;--ﺰ-;---;--ﺧ-;---;--ﺮ-;---;--ف:56] ؛ أي : معتبراً متقدماً، وفي ذلك يُقال "ﻟ-;---;--ﻔ-;---;--ﻼ-;---;--ن سلف آﺮ-;---;--ﻳ-;---;--ﻢ-;---;--" :أي آباء متقدمون، وجمعه: أسلاف وسلوف.(1 ) أما السلفية من حيث الإصطلاح الشرعي فهي "منهج لفهم الدين علي نحو ما كان عليه السلف الصالح"، وفي ذلك يُشار إلى السلف الصالح، ويتم الاستناد إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام والذي رواه البخاري ومسلم "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وبالتالي يقصد بالسلف هم الجيل من الصحابة والتابعيين وتابعي التابعيين في صدر الإسلام. وإن كان بعض أئمة السلف كان لهم أتباعهم وأحزابهم فإنها كانت جماعات سلمية لاتستخدم العنف والسلاح في تطبيق مبادئها. واستناداً إلى هذا التعريف يتم دحض أفكار الجماعات التي تبرر استخدامها للعنف باسم تطبيق نهج السلف الصالح(2 ). ويمكن تلخيص معنى السلفية بالاستشهاد بالشيخ محمد الغزالى، والذى يرى أن السلفية "ليست فرقة من الناس تسكن بقاعاً من جزيرة العرب وتحيا على نحو اجتماعى معين، وإنما السلفية تعد نزعة عقلية وعاطفية ترتبط بخير القرون وتعمق ولائها لكتاب الله وسنة رسوله، وتحشد جهود المسلمين لإعلاء كلمة الله دون النظر لعرق أو لون" (3).
2- جذور السلفية ومبادئها: يمكننا تقسيم المراحل التى مر بها التيار السلفى إلى ثلاثة مراحل، نتاولها بإيجاز، وهى السلفية الأولى (بداية ظهور السلفية)، السلفية الوسيطة (الوهابية) والسلفية المعاصرة، وفى هذه النقطة سوف نتحدث بشكل مختصر عن السلفية الأولى وعن السلفية المتأخرة، حيث أننا سوف تناول التيار الوهابى بالتفصيل لاحقاً فى هذا البحث؛ فقد مثلت محنة خلق القرأن عام 218هـ، الظهور التاريخى الأول لبدايات تبلور المذهب السلفى والنزعة السلفية أو ما يسمى بـ السلفية الأولى، وقد تضافرت عدة عوامل ساعدت على ظهور هذا التيار ومنها وصول المتوكل إلى سدة الحكم وانتصاره لأهل السنة وإمامهم أحمد بن حنبل، وتبنى أفكارهم، وعمل على اضطهاد المعتزلة. وقد رد ابن حنبل جميل إلى المتوكل من خلال فتواه بتحريم الخروج على الحاكم حتى لو كان فاجراً، والعامل الثانى هو تعمق فكر المعتزلة فى أمور دقيقة مما جعل فكرهم فكر صفوة وليس فكر عامة، فضلاً عن أنهم بالغوا فى الاعتماد على العقل والمنطق(4 ). ولكن بعد أحمد بن حنبل خف صوت السلفية، وابتعدت عن التأثير بين الناس، حيث حل محله المذهب الأشعرى على الساحة العقيدية، وهذا مهد إلى ما يسميه بعض المفكرين الظهور الثانى للسلفية في أواخر القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية كرد فعل على الإصلاحات العقلية التي أدخلها الإمام الأشعري على عقائد أهل الحديث، ووصلت السلفية الأولى إلى قمة نضوجها معه، واعتبر ابن تيمية والذي كان من فقهاء الحنابلة أن تلك الإصلاحات خروجاً عن السنة، فعمل على إحياء عقائد أهل الحديث مستنكراً التأويلات التي قدمها الأشاعرة للأحاديث التي أخذت منها تلك العقائد وأطلق ابن تيمية على طريقته عنوان ( منهاج السلف الصالح )، فعرفت دعوته بالسلفية لأنه كان يدعو إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتي - على رأيه - حاد عنها الأشاعرة والفرق الأخرى، ولم يقف عند هذا الحد، بل عمل على إظهار عقائد جديدة لم يناد بها ابن حنبل ولا أحد قبله، كقوله بأن السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والاحتفال بمولده الشريف والتبرك بآثاره والتوسل به وبأهل بيته وزيارة القبور بدعاً وشركاً ومخالفة لعقيدة التوحيد، وأنكر كثيراً من الفضائل الواردة في أهل البيت عليه السلام المروية في الصحاح والمسانيد. وبسبب هذه التعديلات والإضافات، فقد عّد ابن تيمية عند أتباعه مجدداًعظيماً ولقبوه بشيخ الإسلام. ولكن دعوته على مستوى الأمة لم تلاق القبول وبقيت محصورة في مناطق محدودة من الشام ومصر، وقد تصدى للرد عليه فقهاء ومحققو أهل السنة والفرق الأخرى، وسجن في مصر لسنة ونصف لإدانته بالتجسيم والتشبيه، ثم سجن ثانية في دمشق حيث توفى هناك عام 728 هجرية . وما لبثت دعوته أن خبت وضعفت بعد حقبة قصيرة من الزمن( 5). وجدير بالذكر أنه لم يذكر أن ابن تيمية وشيوخ السلفية فى ظهورها الأول والثانى لم يطلقوا على أنفسهم " سلفية " وإنما كانوا يشيرون لأنفسهم بأهل السنة والجماعة لاعتقادهم أنهم الفرقة الناجية المتبعة للمنهج الصحيح لأهل السنة والجماعة، ولكن مصطلح السلفية ظهر فى أواخر عهد الدولة العثمانية كما سنرى لاحقاً فى تناولنا للسلفية المتأخرة. (6 ) ويجمل الشيخ محمد أبو زهرة جذور السلفية فى قوله أن السلفين هم من نحلوا أنفسهم ذلك الوصف وكانوا من الحنابلة، وزعموا أن جملة أرائهم تنتهى للإمام بن حنبل ثم تجدد ظهورهم فى القرن السابع عشر هجرى على يد ابن تيمية –كما أسلفنا- ثم ظهرت تلك الأراء فى الجزيرة العربية فى القرن الثانى عشر هجرى وأحياه محمد بن عبد الوهاب، ومازال الوهابيون ينادون به( 7). أما عن سمات السلفية الأولى والثانية، فيمكن إجمال أهمها فيما يلى:(8 ) 1- وضع أساس العقيدة فى ظواهر النصوص والتعامل الحرفى مع النص والجمود عليه ورفض التأويل. 2- الأخذ بكافة الأحاديث حتى الأحاد منها من غير شرط، إذ يقول ابن حنبل (الحديث الضعيف، خير إلينا من الرأى). 3- ذم الكلام والنهى عنه، من خلال رفض المناظرات وعلماء وعلم الكلام. 4- رفض التصوف والابتعاد عن المتصوفة والنهى عن الجلوس إليهم أو الأخذ منهم، فيذكر عن ابن تيمية أنه أطلق على المتصوفة أهل الضلال. 5- السمع والطاعة لولى الأمر، فلا خروج على الحاكم حتى ولو كان جائر. 6- الغلو فى تقدير مشايخهم، خاصة بن حنبل، والذين قالوا عنه أنه ما خدم أحد الاسلام مثلما خدمه بن حنبل. أما عن السلفية المتأخرة، والتى ينسب إليها ظهور مصطلح السلفية بهذا المسمى، وليس مصطلح أهل السنة والجماعة والذى أطلق على بن حنبل وبن تيمية وأتباعهما، وفى السلفية المتأخرة يمكن التمييز بين تيارين (السلفية الإصلاحية والسلفية الجهادية). فالسلفية الإصلاحية هى حركة سياسية ومذهب فكرى، تهدف إلى إعادة إحياء النهضة والحضارة الاسلامية عمادها القرآن والسنة ومذهب السلف الصالح، وكذا تخليص العالم الإسلامى من الاستعمار الأجنبى، ومن أهم المبادىء التى ارتكزت عليها هو عدم التعارض بين العقل والدين، وبين الدين والعلوم الحديثة، وبذلك فهى تتقبل صحة العديد من النظريات الفلسفية الغربية وتستفيد منها لتجديد وتنشيط الفكر الإسلامى، ومن أهم رواد هذه الحركة هو جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا. والأهم فى هذا الصدد، أن مهد هذه الحركة كان فى مصر، ويعزى السبب الرئيسى لظهورها -والذى تزامن مع ضعف وانهيار الدولة العثمانية- هو الواقع المصرى أنذاك، حيث بدأت البدع والخرافات تنتشر وحتى فى أرجاء الأزهر نفسه، وتحولت أنشطة الأزهر إلى ممارسات جامدة لا علاقة لها بالواقع ولا حياة الناس. وإزاء هذا الوضع كان هناك فريقين، الأول ارتأى أن يتم اللحاق بركب الحضارة الغربية والتخلص من كافة القيود الفكرية حتى الإسلامية منها. أما الفريق الثانى فقد ارتأى إصلاح حال المسلمين.(9 ) وبالتالى ظهرت هذه الحركة لتدعو لنبذ الفرقة والعمل على الاقتداء بالسلف الصالح وترك الأفكار الممتزجة بالشعوذة، وفهم الإسلام والاجتهاد فيما يخص المواقف المختلفة والجديدة وفي هذا تسأل الأفغانى"بأى نص سد باب الاجتهاد؟"، وبالتالى فإن هذا التيار من السلفية قد أعطى دوراً كبيراً للعقل على خلاف تيارات سلفية أخرى قدمت النقل على العقل. وفى هذا الصدد، يمكن إجمال أهم سمات السلفية الإصلاحية فيما يلى: 1- اعتبار الإسلام أساس كل تطور، وأنه ضرورى من أجل كل تقدم. 2- توحيد الأمة الاسلامية ضد المستعمر الغربى من خلال نبذ الخلافات المذهبية (اتحاد المسلمين على الاختلاف كما عبر عنها الأفغانى). 3- بعث الإسلام وربطه بالعصر الحديث، دون الاكتفاء باتباع السلف الصالح فى مجال العقائد الإيمانية على طريقة الحنابلة. 4- محاربة الفساد السياسيى والاجتماعى فى المجتمعات الإسلامية. 5- مقاومة ثقافة الجيل الجديد من العلمانيين المتشبعين بالثقافة الأوروبية. 6- التوفيق بين العقل والنقل، والتأكيد على دور العقل فى تثمين الدين الاسلامى. 7- التركيز على نظرية المقاصد الشرعية فى الفقه، وإطلاق حركة اجتهادية تستوعب التغيرات فى حياة المسلمين. 8- تنقية الإسلام من الخرافات والبدع. 9- تبنى التعليم الدينى كقاعد للتنشئة الإسلامية الصحيحة، وتطعيمه ببعض العلوم العصرية الغربية المفيدة. أما السلفية الجهادية فقد ولد الفكر السلفى الجهادى التكفيرى على يد المفكر سيد قطب من خلال كتابه "معالم فى الطريق"، والذى أصبح منهاجاً للجماعة الاسلامية المتشددة، وارتكز هذا الكتاب على مفهومي جاهلية المجتمع وأن الحاكمية لله (هذين المفهومين استمدهم قطب من فكر أبو الأعلى المودودى) (10 )، فمصطلح السلفية الجهادية يطلق على حاملو فكر الجماعات الاسلامية الحديثة مثل القاعدة ومناصريهم للتعرف على أنفسهم، وهم بالتأكيد يودون نسبة نفسهم إلى السلف باعتبارهم خير قدوة، ولكنهم يركزوزن على موضوع الجهاد باعتبار أن باقى التيارات السلفية قد أغفلته وتقاعست عنه. ويميز هذا التيار نفسه عن باقى التيارات السلفية بإيمانه بجدوى العنف ( 11). وبدون الدخول فى تفاصيل حول انتشار هذا الفكر فى العديد من دول العالم الإسلامي، وإعلان الجماعات المعتنقه له مسئوليتها عن العديد من العمليات والتفجيرات فى مصر وعديد من دول العالم، فيمكننا استقراء أهم ملامح السلفية الجهادية كما يلى: ( 12) 1- اعتماد مفهوم الحاكمية والجاهلية فى تكفير الأنظمة الحاكمة. 2- استخدام العنف كوسيلة للتغير الأنظمة الحاكمة، مما يمهد الطريق لإقامة الخلافة الإسلامية. 3- الدعوة إلى أسلمة الأمة من جديد، فالأمة فى نظرهم لاتعرف المعنى الحقيقى للتوحيد، وعرفت المجتمع والفرد المسلم على أنه ذلك الفرد أو المجتمع الذى يخضع لحاكمية الله وشريعته. 4- تصعيد الموجهة المسلحة وتوسيع دائرتها لتتجاوز النظم العربية إلى الولايات المتحدة والدول الغربية. وفيما يتعلق بالمصادر التى يعتمد عليها السلفيين فى تلقى الدين، فقد جاء في كتاب الرسالة للإمام الشافعي أن السلفيين يعتمدون في تلقى الدين على المصادر الآتية: ( 13) • القرآن الكريم : وهو المصدر الرئيسى عند السلفية ويستعينون على فهمه وتفسيره بالعلوم المساعدة على ذلك كعلوم اللغة العربية ، والعلم بالناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وبيان مكية ومدنية ونحو ذلك من العلوم . • السنة الصحيحة : والسنة عندهم هي كل ما صححه علماء الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من الأقوال والأفعال والصفات الخلقية أو الخلقية والتقديرات, والسنة منها الثابت الصحيح ومنها الضغيف، والصحة شرط لقبول الحديث والعمل به عندهم بحسب قواعد التصحيح والتضعيف، ولا يشترطون أن يكون الحديث متواتراً – بل هم يعملون بالمتواتر والآحاد على السواء. • الإجماع : اتفاق جميع رجال الدين المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور على حكم شرعى . فإذا اتفقوا سواء كانوا في عصر الصحابة أو بعدهم على حكم من الأحكام الشرعية كان اتفاقهم هذا إجماعاً والسلفيون لا يقرون قولاً ولا يقبلون اجتهاداً إلا بعد عرضه على تلك الأصول بل يجتهدون بآرائهم في ضوء تلك المصادر من دون أن يخالفوها – ثم إنهم يأخذونه بالقياس وهو حجة عند جمهورهم سواء كان قياساً جلياً أو خفياً . وخالفت الظاهرية فأخذوا بالقياس الجلى دون الخفى، ويعتقد السلفية ألا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح . وأن النقل مقدم على العقل فلا يجوز معارضة الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة وإجماع بحجج عقلية أو كلامية . وعموماً فإن الأخذ بالقياس يجوز عندما لا يوجد نص في مسألة بعينها أو عند وجود نص غير واضح الدلالة أو غير صريح. أما عن القواعد العامة الحاكمة للمنهج السلفى، فيمكن إجملها فى تقديم النص على الرأى والقياس والتأويل، فإذا وجد النص يفتى به، ولا يلتفت لما خالفه، فالنصوص مقدسة. والاستدلال بالأيات القرآنية وكافة الأحاديث الواردة عن الرسول (ص) ونقلها عنه الصحابة حتى الأحاديث الأحاد، كما أقر ابن حنبل القياس للضرورة (فإن لم يكن فى المسألة نص ولا قول صحابة ولو حتى أحاديث الأحاد، يتم اللجوء إلى القياس(14 ). واتصالا بما سبق، تقوم السلفية على ثلاثة أصول، نتناولها بايجاز:(15 ) 1-التوحيد: ولا يعني هذا الأصل ما يؤمن به وما يفهمه كثير من الناس من معنى التوحيد، وهو أنه لا خالق إلا الله، بل يفهم السلفي ويعلم من معاني التوحيد ثلاثة معانى، أولها الإيمان بصفات الله سبحانه وأسمائه على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى دون تحريف أو تأويل. فالله سبحانه وتعالى قد وصف نفسه في كتابه في آيات كثيرة جداً وما أخبرنا الله بذلك عن نفسه؛ إلا لنصدق ونؤمن. المعنى الثانى للتوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى وحده بالعبادة وهذا لا يعنى الصلاة والزكاة والصوم والحج فقط، بل يعنى عدة أشياء على رأسها الدعاء، فلا دعاء لغير الله ويختص الله بكل أنواع من الحب، والتعظيم، والخشية، والخوف. وثالثاً، الإيمان بأن لله وحده سبحانه وتعالى وليس لأحد سواء حق التشريع للبشر في شؤون دنياهم. 2- الاتباع: والمقصود به هنا هو اتباع الشريعة الاسلامية (القرآن والسنة) وماعدا ذلك يعد بدعة، والمعنى الثانى للاتباع هو اتباع الدليل، باحثاً عن الحجة من كتاب ربه أو سنة نبيه. وبذلك تتوحد صفوف الأمة، وينمو فيها معرفة الكتاب والسنة، وتزكو فيها الروح العلمية، مما يفتح للناس ميدان جديد لدراسة جادة للقرآن والسنة. 3-التزكية: ولها معنيان الأول هو أن التزكية احدى مهمات النبي صلى الله عليه وسلم وغاية من غايات رسالته، بل إنها غاية الوجود الإنساني كله. والمعنى الثانى: أنها السبب في دخول الجنة، بل هي الصفة الواجبة التي من لم يتصف بها؛ لم يكن من أهل الجنة. والسبيل لذلك هو اتباع شرائع الإسلام كلها؛ من: توحيد، وعبادة، وصلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وبر الوالدين، وصلة أرحام، ونهي عن الفواحش والمنكرات، ومعاملات تحقق العدل والإحسان؛ ما كل ذلك إلا لتحقيق هذه التزكية. ثانياً: تاريخ الدعوة السلفية وأهم التيارات المنضوية تحت لوائها 1- أصول الدعوة السلفية فى مصر: ترجع أصول الدعوة السلفية فى مصر إلى أواخر السبعينيات من القرن الماضي عندما انفصل مؤسسوها - وكانوا طلابًا في كلية الطب بجامعة الإسكندرية- عن الجماعات الطلابية الإسلامية التي كانت تسمى”الجماعات الإسلامية.” وكان من بينهم ياسر برهامي وهو الشخصية المهيمنة في التنظيم حاليًا. وقد ساهم موقف الدعوة السلفية ضد العنف ورفض الانخراط في الحياة السياسية الرسمية في أن تصبح مقبولة نسبيًا لدى نظام حسني مبارك. وبالتأكيد فقد تعرضت الجماعة في بعض الأحيان للقمع؛ وخضع قادتها لرقابة مشددة ومُنِعوا من السفر خارج الإسكندرية. ومع ذلك، استفادت الدعوة السلفية كثيرًا من الدعم غير المعلن لأجهزة النظام التي حاولت استخدام السلفيين لتقويض نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، وفي ظل هذه الظروف توسعت شبكات الجماعة خارج حدود الإسكندرية عن طريق الطلاب الذين جاءوا لتلقي تعليم الشيوخ قبل العودة إلى مدنهم. وفي فترة وجيزة شكلت الدعوة السلفية نواة أساسية لمنظمة تضم أقساماً وفروعاً مختلفة في ظل مجلس إدارة. كما قامت بإنشاء قسم للخدمات الاجتماعية في الأحياء السكنية ليشابه الأنشطة التي تضطلع بها جماعة الإخوان المسلمين. وقد سمح هذا للجماعة بإقامة علاقات قوية مع المصريين العاديين، على الرغم من أن معظم أنشطتها بقيت غير معلنة. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سمح النظام لعدد من الدعاة السلفيين، الذين كان من بينهم من له صلة بالدعوة السلفية، إطلاق قنوات تلفزيونية سلفية على الأقمار الصناعية المصرية. وأصبح الخطاب السلفي منذ ذلك الحين متاحًا للجميع، واكتسب جمهورًا كبيرًا من خارج الدوائر الأصلية للدعوة السلفية. وسرعان ما أصبح بعض من هؤلاء الدعاة، ومن بينهم محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، أسماء معروفة في جميع أنحاء البلاد.(16)
2- أهم الكيانات التى مثلت التيار السلفى المصرى: تجسد التيار السلفى المصرى فى عديد من الجمعيات والمجموعات منذ بدايات القرن العشرين الميلادي مثل جمعية «الهداية» التي قادها الشيخ محمد الخضر حسين لكن هذه الجمعيات كانت تنشأ ثم تنحل مع مرور الوقت.
وكانت هذه الجمعيات تهتم بالشعائر الإسلامية التعبدية المختلفة وتجريدها من البدع، والسعي لتنفيذها علي النحو الذي كانت عليه في العصور الإسلامية الأولى في عصر النبي محمد (ص) وعهد صحابته لاسيما الخلفاء الراشدين بشكل خاص، كما اهتم هذا التيار بالهدي الظاهر ويقصد به اتباع سنة النبي محمد (ص) في الأمور المتعلقة بشكل الملابس وشعر الرأس واللحية بالنسبة للرجال والحجاب وعدم إظهار التزين بالنسبة للنساء.(17 )
وهناك العديد من الجمعيات والجماعات السلفية التي لا تزال ناشطة حتى تاريخ كتابة هذا البحث، ولكننا سوف نركز على كيانين فقط وهما جمعية أنصار السنة والجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، باعتبارهما من أهم الكيانات المعبرة عن التيار السلفى.
• جمعية أنصار السنة وهي فصيل من الحركة الإسلامية التقليدية، لها مواقف متشددة حيال التصوف والصوفية، وقام الشيخ محمد حامد الفقي عام 1926 بتأسيس هذه الجمعية وهي تعمل بنشاط حتي الآن، وكان الشيخ محمد حامد الفقي من علماء الأزهر كما كان من مرتادي الجمعية الشرعية، لكنه اختلف معهم في إحدي جزئيات مسألة صفات الله تعالي وهي جزئية من علم العقيدة، وهي من المحددات التي تفرق بين الفرق الإسلامية المختلفة (كالمعتزلة والأشاعرة وأهل السنة والشيعة.. وغيرهم)، ولذلك أنشأ الشيخ حامد الفقي "جماعة أنصار السنة المحمدية" والتى تركز في خطابها علي محاربة بدع زيارة الأضرحة والصوفية، وتعتبر أن البعد عن الإسلام الأول هو أحد أسباب تخلف الأمة الإسلامية، كما أن مسألة وجوب الحكم بالشريعة علي مستوى نظام الحكم في الدولة حاضرة ومنصوص عليها في أدبيات الجماعة وميثاقها ولكنهم عندما يطالبون بها عبر الخطابة والكتابة والدروس المسجدية فإن ذلك لا يصحبه أي عمل سياسي آخر ومعظم علماء «جماعة أنصار السنة المحمدية» هم من علماء الأزهر الشريف حتي اليوم، ولها فروع كثيرة في كل محافظات مصر لكنها أقل حيوية من الجمعية الشرعية رغم أن فكرها الفقهي أكثر حيوية من فكر الجمعية الشرعية( 18). و تعد جمعية أنصار السنة الجماعة السلفية الرئيسية فى مصر، ومع توطد أواصر الجمعية مع العلماء السعوديين تأثرت الممارسات السلفية المصرية بالوهابية السعودية فى الملبس وطريقة الحياة. وقد أفتتحت الجماعة مراكز لها فى محافظات الدلتا مثل دمنهور والمنصورة، كما أصبحت الاسكندرية –ثانى أكبر محافظة مصرية- أكثر محافظة بها نشاط للتيار السلفى(19 ).
وبشكل عام فإن الجماعة لا تهتم بالسياسة بل تهتم بأمور العقيدة والتوحيد، وتعد هذه المدرسة امتداداً للسلفية السعودية، وقد انتشرت هذه الجماعة فى السودان واريتريا وتشاد وأفريقيا الوسطى( 20).
وتقوم الجماعة بإصدار مجلة شهرية بعنوان «التوحيد» والتى تعد بعيدة إلى حد كبير عن الحديث في السياسة وذلك بخلاف مجلات الجمعية الشرعية، بل إن هذا مثيراً للدهشة لأن الطرح الفكري لجماعة أنصار السنة أكثر التصاقاً بالسياسة إذا قارناه بالطرح الفكري للجمعية الشرعية -كما سنتناولها لاحقاً- بسبب حرص "جمعية أنصار السنة" الواضح والصريح في ميثاقها على طرح قضية الحكم بالشريعة والدعوة لها والإصرار علي أنها واجب شرعي لا سبيل للهرب منه وأنه السبيل الوحيد للإصلاح والخروج من أزمات الأمة الراهنة.
ويقدر عدد نشطاء جماعة أنصار السنة في مصر بعدة آلاف ناشط، لكنها قوية بما تملكه من مؤسسات خيرية ومعاهد علمية ومكتبات ومساجد وإن كانت الأخيرة تم ضمها لإشراف وزارة الأوقاف في محاولة حكومية لتكبيل الجماعة والحد من توسع نشاطها وتقليل عدد أعضائها.
وتوجد امتدادات لجماعة أنصار السنة المحمدية في بعض الدول العربية لكنها لا تتبعها تنظيمياً، وأهم جماعات «أنصار السنة المحمدية» خارج مصر توجد في جمهورية السودان، وهي هناك أقوي وأكبر من جماعة أنصار السنة في مصر رغم أن جماعة مصر هي الأصل، ولكن ربما يرجع السبب لحرية الحركة المتاحة للجماعة هناك بالمقارنة للجماعة في مصر.
أما عن أهم أهداف الجماعة، فسنذكر أهمها وفقاً لما أقره الشيخ محمد حامد الفقى: ( 21) 1- الدعوة إلى التوحيد الخالص وإلى حب الله. 2- إرشاد الناس إلى الأخذ بالدين من مصدريه (القرآن والسنة)، وأنه لا مجال للحيد عن هذين المصدرين. 3- الدعوة إلى حب الرسول (ص) واتخاذه أسوة حسنة والاقتاد به فى عباداته وأحكامه. 4- إرشاد الناس أن الحكم لغير الله سيؤدى الى الهلاك فى الدنيا والشقاء فى الآخرة. 5- مواجهة البدع ومحدثات الأمور. 6- محاربة الخرافات. 7- تحريم تشريف القبور والبناء فوقها واتخاذها مساجد والطواف حولها (فى إشارة إلى الرفض التام للصوفية). 8- التمسك بالرجولة لاستمرارالقوامة على النساء.
• الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية
وهى جمعية لا تمارس السياسة ولاتتكلم فيها ولا تتخذ أي مواقف سياسية، لكن الحاج عيسي عاشور صاحب دار الاعتصام أصدر مجلة اسمها "الاعتصام" واتفق مع الجمعية الشرعية على اعتبارها لسان الجمعية، وظلت هذه المجلة تكتب عن السياسة في العصر الملكي ثم امتنعت عن ذلك في عصر جمال عبدالناصر، وعادت لنفس النمط في عصر السادات ومارست المعارضة السياسية الإسلامية بحدة وكأنها إحدى صحف المعارضة مما دفع الرئيس أنور السادات إلي جعلها ضمن الصحف والمجلات التي تمت مصادرتها وفقاً للقرارت التعسفية التي أصدرها ضد قوى المعارضة المصرية في 5/9/1981، ولكن عادت تلك المجلة للصدور في عصر مبارك إلي أن توقفت مع انتهاء ترخيصها بوفاة صاحبها. ولم تتوقف مسيرة الجمعية عند هذا الحد، فقد أصدرت الجمعية الشرعية في السنوات الأخيرة مجلة باسم «التبيان» وهي تنحو منحى سياسياً أشبه بمجلة الاعتصام لكن الاتجاه الإخواني الذي تميزت به مجلة "الاعتصام" خفت قليلاً في «التبيان» وإن ظل بارزاً بها، ويعكس التوجه السياسي لهاتين المجلتين رغم تعبيرهما عن جمعية تنأى بنفسها عن السياسة حالة عدم الاقتناع بالالتزام الحرفي لقاعدة عدم الاشتغال بالسياسة كما جاء في أهداف تأسيس الجماعة، فتأثرها بجماعة الإخوان المسلمين يظهر بشكل قوي. ومن الجدير بالذكر أن الخطاب السياسي لمجلات هذه الجمعية ولبعض دعاتها في المساجد قائم علي أسلوب الإصلاح الجزئي العشوائي، فهو لا يطالب بتغيير شامل ومتكامل كما أنه لا يطرح برنامجا متكاملاً ومحدداً للإصلاح، بل يكتفي بتوجيه النقد لعدد محدود من المظاهر السلبية وقضايا الفساد والفشل السياسي والاقتصادي، وإن كان تركيزهم الأكبر على قضايا الفساد الأخلاقي، ويقتصر تناولهم لأي من هذه القضايا علي بعض جوانبها الجزئية دون الإطار الكلي لها الذي ينتظمه النسق السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي العام. وتركز الجمعية جٌل اهتمامها في مجال تنقية الدين من البدع والخرافات والتبرك والتمسح بالأضرحة أو النذر لها والصلاة فيها، وعلى الرغم من أنها لا تدعو للتمسك بمذهب فقهي محدد فإن من بين علمائها من يلتزمون بمذهب محدد بحكم دراستهم فى الأزهر الشريف، فالمرجع الأساسى لدعاة الجمعية الشرعية هو كتاب الشيخ محمود خطاب السبكي "الدين الخالص" وهو موسوعة فقهية تضم معظم الآراء الفقهية بأدلتها ثم ترجح أحدها. وتري هذه الجمعية أن مشكلة الأمة الإسلامية تكمن في البدع والخرافات التي دخلت على الدين ومنها العديد من طقوس التصوف، وأنه إذا تمت تنقية الدين من هذه البدع سوف يعود للأمة مجدها وعزها، وبالرغم من ذلك فإن موقفهم من الصوفية ليس بحدة فصائل إسلامية أخرى ، بسبب الطبيعة الصوفية التي تربى عليها السبكي في الأزهر، وبالتالي فإن الجمعية الشرعية تميل لتقسيم التصوف لنوعين نوع معتدل وهو الملتزم بالسنة ونوع متشدد وهو الذي يتضمن انحرافات عقائدية وفقهية(.22( وتنتشر فروع هذه الجمعية في جميع أنحاء جمهورية مصر وتعتبر من أقوي وأبرز المنظمات العاملة في العمل الخيري, حيث تمتلك أكثر من 350 فرعاً في مختلف أنحاء البلاد, ورئيسها حالياً هو الدكتور محمد المختار محمد المهدي, وهو من علماء الأزهر(23 ).
ومن هذا العرض يتضح لنا ملاحظة هامة بشأن التيار السلفى فى مصر، وتكمن هذه الملاحظة فى كونه ظل بدون هيراركية واضحة للسلطة أو كيان يتجمع فيه قادته على المستوى المحلى أو الوطنى. بل اكتفى دعاة السلفية أمثال ياسر البرهامى فى الاسكندرية بإعطاء الدروس والعظات حول الشريعة والعقيدة الاسلامية، وكانت فتاوي السلفيين عن عدم الخروج على الحاكم عادة ما تثير انتقادات كثيرة، وكان من أهم هذه الفتاوي ، ما أطلقه لطفى عامر –رئيس فرع جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور-حول إهدار دم البرادعى لمعارضته للرئيس السابق مبارك (24) ، إلا أن الجماعة قد أبدت استيائها من هذه الفتوى لاحقاً.(25 )
وقبل الانتقال إلى الجزء التالى من البحث والخاص بالوهابية، لابد أن نتناول التغيير المعاصر الذى طرأ على السلفية المصرية والمتمثل فى تأسيس حزب النور كأول حزب سياسى يعبر عن التيار السلفى فى مصر، وكذا سنتناول حركة سلفيو كوستا والتى تعد بمثابة دماء جديدة يتم ضخها فى شريان التيار السلفى المصرى، كما سنتناول السلفية الجهادية فى مصر بشكل سريع وتأسيسها منذ بضعة أيام لطائفة المنصورة، لتثبت أن السلفية المصرية متعددة الأفرع والتوجهات.
• حزب النور والخطاب السياسى الرسمى للسلفيين: كان موقف التيار السلفى من ثورة الخامس والعشرين من يناير موقفاً واضحاً، فمنذ بدء التظاهرات يوم 25/1/2011، قام محمد حسان – المحسوب على التيار السلفى- بإلقاء خطبة يؤكد على عدم شرعية الخروج على الحاكم وحث المصريين على عدم الانسياق وراء التظاهرات التى ستوقع البلاد فى دوامة الفوضى، ومع اشتداد وتيرة المظاهرات والاعتداء على المتظاهريين السلميين من قبل النظام السابق، ناشد الشيخ مصطفى العدوى عضو مجلس شورى العلماء السلفى فى مداخلة تليفونية له على احدى القنوات الفضائية يوم 4/2/2012 بعودة المتظاهرين إلى بيوتهم وأن من يقتل لا يمكن اعتباره شهيداً!!( 26). وبعد الإطاحة بمبارك، وعلى الرغم من انعدام خبرتهم السياسية، إلا أنه بتاريخ 15/6/2011 تم الإعلان عن إنشاء حزب النور كأول حزب سياسى للسلفيين فى مصر، وقد كان مدى كفاءة حزب النور في التنظيم وكتابة برنامج سياسي والقيام بحملات دعائية والتعامل مع وسائل الإعلام بمثابة مفاجأة لكثير من المراقبين. ورأس حزب النور منذ تأسيسه حتى 25/12/2012 عماد عبد الغفور والذى يعد الشخص الأول في الدعوة السلفية الذي اقترح تشكيل حزب سياسي. وعلى الرغم من أن عبد الغفور كان واحدًا من مؤسسي الجماعة الأصليين في أواخر سبيعينات القرن الماضي، فقد اختلف منهجه الشخصي عن الشخصيات الأخرى في الدعوة بسبب التأثيرات التي تعرض لها. فقد غادر مصر في مطلع الألفية الثالثة ليستقر في تركيا، لكنه عاد إلى البلاد بضعة أشهر قبل إندلاع الثورة. وبعد مناقشات مطولة، أقنع عبد الغفور في نهاية المطاف قيادة الدعوة السلفية بتأييد مشروعه. ولم يمثل هذا، كما رأى البعض، تحولاً أيديولوجيًا كاملاً للدعوة التي لم يعلن زعماؤها أبدًا أن ممارسة السياسة في حد ذاته حرامًا، بل احتفظوا بموقف أكثر غموضًا من خلال تجنب التدخل في الشؤون السياسية الداخلية في ظل حكم مبارك ( 27). كما تجدر الاشارة هنا إلى أن الخطاب الذي تبناه حزب النور في حملته الانتخابية يقدم تفسيرًا آخر عن سبب نجاحهم. ففي حين تم وصف مرشحي الإخوان المسلمين بأنهم "مرشحي النظام"، غالبًا ما قدم السلفيون أنفسهم على أنهم المرشحون الحقيقيون الوحيدون "المناهضون للنظام" والأطراف السياسية "الجديدة". وكانت هذه أيضًا طريقة ذكية ليس فقط للتبرير ولكن أيضًا للاستفادة من موقفهم قبل الثورة. كما صرح أحد المسؤولين في حزب النور حين قال: "قبل الثورة، كنا نرفض المشاركة في نظام غير شرعي، خلافًا لجماعة الإخوان المسلمين كنا نفضل أن نبقئ بعيدًا" . والآن، يقول لنا البعض :" لقد كنتم ضد السياسة - ولكن هذا ليس صحيحًا. كان لدينا طريقتنا الخاصة في ممارسة السياسة، وكان موقفنا في الأساس موقفًا سياسيًا".(28 )
وحول طبيعة الدولة ومفهوم الديموقراطية ومبدأ المواطنة، والسياسة الاقتصادية والدولية يتبنى حزب النور موقفاًً مغايراً للتيارات الإسلامية الأخرى التي ظهرت بعد الثورة. ففيما يتعلق بطبيعة الدولة، فقد عارض السلفيون بقوة فكرة "الدولة المدنية" في خطاباتهم، اعتقادًا منهم بأن هذا المصطلح بمثابة خدعة بلاغية ابتكرها أعداؤهم الليبراليون ليجعلوا فكرة "الدولية العلمانية" مقبولة. كما يرفضون نموذج "دولة مدنية بمرجعية إسمية" والتي يروجها تيار الإخوان المسلمون، ومع ذلك تدعي خطاباتهم بأن هناك نموذج إسلامي متميز من الدولة يتوافق مع الدولة العصرية، ولكنهم لم يوضحوا خصائص هذا النموذج( 29). ومن حيث تطبيق الديموقراطية، فحزب النور حاليًا يقر بشكل صريح بأهمية آليات ديمقراطية )أي الانتخابات على جميع المستويات والفصل بين السلطات وحرية التعبير، وما إلى ذلك.( وفي ذلك يميز حزب النور بين "إجراءات الديمقراطية"، و"فلسفة الديمقراطية"، التي يرفضونها فبالنسبة لهم، السلطان المطلق لله فقط وليس للناس، مما يعني أنه لا مجال للمناقشة بشأن تطبيق الشريعة، مع إدراك أنها مجموعة شاملة من القوانين لذلك يتضح السبب وراء التأييد القوي لرموز حزب النور لتغيير المادة الثانية من الدستور من “مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع” إلى “أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.” وعلى سبيل المثال يعني هذا أنهم ما زالوا يؤيدون تطبيق الحدود الإسلامية. وحول مبدأ المواطنة، فإن برنامج حزب النور لا يقدّم تفاصيل بشأن حقوق المسيحين ، حيث صرح فقط بأن “الشريعة تضمن الحرية الدينية للأقباط” وأن “لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات مثل المسلمين.” أما في الحوارات التي أُجريت معهم فأيد أغلب الرموز السلفيون البارزون إطارًا أكثر صرامة مقارنة بذلك الذي قدمه الإخوان المسلمون، فبالرغم من أن الأخير يعترف بفكرة المواطنة ومستعد لأن ينادي بالمساواة السياسية والقانونية بين جميع المواطنين، يميل السلفيون إلى تأييد نظام الذمة الإسلامي التقليدي، والذي نشأ أثناء فترة الخلافة الإسلامية. ووفقًا لهذا النظام، لا يُطلب من المسيحيين واليهود الذين يعيشون في دولة إسلامية تأدية خدمة عسكرية ويتمتعون بالحماية من السلطات، لكن يُطلب منهم دفع ضريبة خاصة تسمى الجزية. وتوضيح آخر للمواقف المختلفة المتعلقة بقضية الأقباط يتمثل في الاحتفال بعيد الميلاد في يناير 2012 . فبالرغم من تعليق الإخوان الملصقات في القاهرة يهنئون فيها “الإخوة المسيحيين” كما أرسلوا وفدًا رفيع المستوى إلى الكاتدرائية القبطية لتهنئة البابا شنودة قبل قداس عيد الميلاد، رفض السلفيون القيام بأي مما سبق، مؤكدين أنه محرم دينيًا تهنئة غير المسلمين في أعيادهم الدينية. ومع ذلك حرص معظم السلفيين على تأكيد أن هذا المنع ينطبق على المناسبات الدينية فقط، فتهنئة المسيحيين في المناسبات الشخصية، مثل الزواج، مقبول تمامًا.(30 ) وفيما يتعلق بوضع المرأة يتمسك حزب النور بعبارات عامة نسبيًا. فيعلن البرنامج “المساواة الكاملة في الكرامة الإنسانية بين الرجل والمرأة.” كما وضح السلفيون في المقابلات والبيانات بأن آراءهم أكثر محافظة من الإخوان. إنهم بشكل عام لا يشجعون على مشاركة المرأة في الحياة السياسية ويؤيدون الفصل الصارم بين الجنسين. وقد أبدى بعضهم استعداده فرض نظام خاص بالملابس للنساء. وفي نفس الوقت يحرص السلفيون على تأكيد أن ما هذا إلا جزء صغير من برنامجهم. أما على المستوى الاقتصادي، يميل حزب النور في اتجاه اليسار بدرجة أكبر مقارنة بالإخوان المسلمين. خصوصًا وأنهم يميلون إلى تأكيد دور الدولة في إعادة التوزيع، على النقيض من الإخوان الذين يؤيدون اقتصاد السوق بشكل أوضح. هذا الموقف متناسق مع خطابهم المستخدم استنادًا إلى رغبة في جذب دعم الطبقات الدنيا. أما على مستوى السياسة الدولية، فقد تبنى حزب النور في النهاية نفس الخطاب القومي الشائع لدى معظم الأحزاب المصرية، إسلامية كانت أو غير إسلامية، في أعقاب الربيع العربي. وفي سياق انتقدت فيه جميع العناصر السياسية تقريبًا الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة، كانت تتفق مواقف حزب النور مع الاتجاه السائد بشكل عام.( 31)
• حركة سلفيو كوستا:( 32) وهي حركة تنموية مجتمعية غير حكومية وغير ربحية أسست بواسطة فريق العمل مختلط فكرياً وأيدولوجياً وعقائدياً من أجل إيجاد بيئة طبيعية غير مصطنعة للتعرف على الآخر. وتتمثل رؤيتهم فى تحقيق نهضة مجتمعية من خلال تطوير الحالة العلمية والاقتصادية والمجتمعية للوصول إلي مجتمع قادر علي البناء والانتاج وتنشئة أجيال فعالة. ويتم ذلك من خلال عدة آليات، ومنها : - حملات توعية مجتمعية موسعة لتوعية الأفراد في المجالات المختلفة (صحية،اجتماعية، ثقافية). - الاهتمام بالتعليم والقضاء علي الأمية من خلال المساهمة في مصروفات التعليم للأسر الفقيرة ومحو امية الكبار. - توسعة آفاق النشء الصغير من خلال توفير مكتبات صغيرة بالجهود الذاتية. - النهضة الاقتصادية بالمجتمع من خلال إيجاد فرص عمل بواسطة تمويل بعض المشروعات الصغيرة (مثال:مصنع سجاد يدوي صغير،مشروع صندوق قمامة معدني ثابت...الخ). - أعمال خيرية بالتعاون مع جمعية سنابل الحمد الخيرية (تزويج فتيات يتيمات،إطعام وكساء المعوزين، بطاطين للفقراء، قوافل طبية، تبرعات مختلفة لتحسين الظروف المعيشية لقاطني عزبة الهجانة).
وتعكس حركة سلفيو كوستا نموذج للحركات الشبابية التي تبلورت بعد الثورة من الشباب الذين شاركوا في الثورة منذ بداياتها وكانت لهم مواقفهم السياسية الواضحة والمعارضة للسياسات السلطة الحاكمة بعد الثورة، وعلى الجانب الآخر، مثّل هؤلاء الشباب المبادئ السلفية بمعنى اتباع منهاج السلف الصالح مع الاعتراف بالحق في الخروج على الحاكم. وقد جذبت هذه الحركة العديد من الشباب إليها خاصة لأنها جمعت بين المبادئ الإسلامية والعمل الخيري والممارسة السياسية، وبالتالي تعد حركة سلفيو كوستا نموذجاً لدور الشباب في تطوير التيار السلفي. ثالثاً: أهم مبادىء ومفكرى الوهابية السعودية 1- أسباب ظهور الحركة الوهابية:
نشأت الوهابية كحركة إصلاح دينى فى القرن الثامن عشر ميلادى، ويمكن تقسيم الظروف التى أحاطت ودفعت فى اتجاه نشأه هذه الحركة، إلى ثلاثة فئات سياسية ودينية واجتماعية: أ- الحالة السياسية: حيث بدأت الدولة العثمانية والتى كانت تسيطر على المشرق الإسلامي. فقد كان سلاطينها - في ذلك الوقت - من الضعف بمكان بحيث لم يكن لهم من أمر الدولة شيء، بل كان الأمر استبدادياً بيد وزرائهم ورؤساء الجيش الإنكشاري الذين لا يعرفون من أمور السياسة شيئاً، وفوق ذلك فقد كان سلاطينها في ذلك الوقت مع زعماء الدولة الآخرين قد اشتغلوا بالملذات والشهوات، وأهملوا شؤون الدولة، واهتم الكل بأموره الخاصة. ومما زاد حال الدولة سوءاً التدهور العسكري الذي منيت به في ذلك العصر، فقد أخذت دول أوربا تتألب عليها من كل جانب، فقامت حروب بين الدولة العثمانية وبين دول النمسا وروسيا والبندقية وظهر ما يسمى عند المؤرخين بـ"المسألة الشرقية" أي تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بين الدول الأوربية الطامعة. وهي مسألة تقوم على أساس الاستيلاء على البلاد الإسلامية باسم الاستعمار ( 33). ب- الحالة الدينية : ونعني بها مدى تمسك المسلمين بالعقيدة الإسلامية في نفوسهم، ومدى تمسكهم في أسسها الصحيحة، ولما كان الإسلام عقيدة ومنهج حياة، وكانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - تبعا للإسلام - دعوة دينية سياسية معاً، لما كان الأمر كذلك، كان الأولى أن نتكلم عن الحالتين الدينية والسياسية معا دون فاصل ولكننا آثرنا الفصل حصرا للموضوع ولناحية تنظيمية بحتة. وفي هذه الفترة ظهرت تحديات دينية، بدأت تظهر الفرق والمذاهب المختلفة والأحاديث المغلوطة والمدسوسة ثم كان لاحتكاك المسلمين بالصليبيين في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) ثم المغول بعد ذلك - أثر في ظهور بعض الوثنيات تمثلت في تأليه الأولياء والصالحين. وقد زاد في تلك الفترة جمود علماء المسلمين - خاصة علماء الآستانة وعلماء الأزهر - وتمسكهم بالقديم أيًا كان. وقد شجعهم على هذا كره أصحاب السلطة في تلك الفترة للإصلاح أيا كان نوعه، ويعدون صاحبه كافراً، وعلى الجانب الآخر، كان لأصحاب الطرق الصوفية منزلة عظيمة عند العامة وأصحاب السلطة فنشروا بذلك بدعهم بين الناس، كاتخاذهم مغنيين وطبول، وأعلام وسبح كبيرة ورفع الصوت بالذكر والغناء وتعظيم شيخ الطريقة وتقبيل أياديه والتبرك به وغير ذلك من أنواع البدع التي وقعت فيها الطرق الصوفية، وكان انتشار نفوذ المتصوفين بدعم من السلطة المركزية، بل من فقهاء المسلمين أنفسهم، ووصل قوة نفوذ أصحاب الطرق الصوفية أن تولى عدد منهم مشيخة الأزهر فترة من الوقت، ولم تشمل هذه البدع أقاليم الدولة العثمانية فحسب، بل انتقلت للمناطق الإسلامية الأخرى، فبجانب بدعة إقامة القباب على قبور الأولياء والتبرك فيها تنتشر في تلك المناطق الإسلامية الطرق الصوفية ببدعها المختلفة.(34 ( الخلاصة أن العالم الاسلامى كان يعانى من تدهور سياسى نتيجة ضعف الدولة العثمانية وشروعها فى الانهيار، وكذا تدهور على الصعيد الديني تمثل فى انتشار التصوف والممارسات المغلوطة حول أولياء الله الصالحين والطوف حول مقابرهم وتقديسهم.
وفى هذا السياق، نشأت الحركة الوهابية على يد محمد بن عبد الوهاب فى شبه الجزيرة العربية، وهو رجل دعا إلى أفكار بن تيمية وقدماء الحنابلة الذين دعوا للسلفية والاقتداء بالسلف الصالح، وكان يدعو إلى القضاء على التصوف بلا هوادة(35 )، ومن الجدير بالذكر أن لقب " الوهابية " لقب لم يختاره أتباع الدعوة لأنفسهم، ولم يقبلوا إطلاقه عليهم، لكنه أطلق من قبل خصومهم - على اختلافهم - تنفيرا للناس منهم، وإيهاماً للسامع أنهم جاءوا بمذهب خامس يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى واللقب الذي يرضونه ويتسمون به هو " السلفيون " ودعوتهم " الدعوة السلفية ".
ج- الحالة الاجتماعية: فقد كانت شبة الجزيرة العربية – مهد الوهابية- من أكثر أجزاء العالم العربى تخلفاً وتسودها صراعات قبلية ولم تكن بها أى موارد سوى تربية المواشى وبعض الزراعات فى بعض أجزاء من اليمن وكان نظام الرق منتشراً بشكل كبيراً بما يخالف قواعد الإسلام، والأهم هو قيام القبائل بشن حروب وغارات على بعضها البعض، مما مهد الطريق للاحتلال الغربى كما أوضحنا فى النقطة الخاصة بالحالة السياسية ( 36).
وفى إطار التخلف السائد فى شبة الجزيرة العربية، فقد أمر عبد الوهاب أهل نجد بتعلم الإسلام وأصوله والمذاكرة فى المساجد كل يوم بعد صلاة الفجر وبعد العشاء، ومعرفة أركان الإسلام، وارتبط التثقيف الإجبارى عند الوهابية بضرورة أن يعرف الإنسان-حتى غير المتعلم- ثلاثة أصول هامة وهى (معرفة الله الواحد، معرفة الإسلام، ومعرفة الرسول)، وهذه الحملة الثقافية النادرة من نوعها كانت بمثابة أهم التعليمات التى أرساها محمد بن عبد الوهاب، فألزم الناس بالتعليم وكان إمام المسجد كل يوم يستعدي اثنين أو ثلاثة ويساعدهم على تلقين تلك المعلومات، واستمر الموضوع هكذا حتى انتشر التعليم.( 37)
2- أهم مصادر ومبادئ الوهابية
أ- المصادر التى تعتمد عليها الوهابية
تعتمد الوهابية على ثلاثة مصادر وهى: • القرآن الكريم: ألف محمد بن عبد الوهاب كتاباً باسم " أصول الإيمان " وأفرد فيه فصلاً بعنوان " الوصية بكتاب الله "، وبين فيه اعتقاده في القرآن الكريم في رسالته إلى أهل القصيم حيث يقول " واعتقد أن القرآن كلام الله مترل غير مخلوق،منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده".(38 ) • السنة النبوية: فقد اهتم محمد بن عبد الوهاب أيضا بدراسة الحديث النبوي. ويظهر اهتمامه بالسنة النبوية في دعوته بقيامه باختصار فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر، وسيرة الرسول لابن هشام ليسهل على أتباعه الرجوع إليها. وقد استند الشيخ محمد بن عبد الوهاب على قول الإمام مالك "بأن كل شيء يؤخذ قوله ويترك إلا النبي" وعليه فالوهابية تعمل بسنة النبي إذا بانت لهم أنها سنة صحيحة عن رسول الله ولم يقدموا عليها قول أحد كائنًا من كان.(39 ) وجدير بالذكر؛ أن هذا كان فى بداية الدعوة الوهابية، لكن على أرض الواقع، قام بعض ممن يسمون علماء الوهابية بالتمادي إلى أن خرجوا وعلقوا على أحاديث كتب السنة النبوية ، وحكموا عليها بما يناسب مذهبهم وقاموا بطباعته أونشرها لتفرض على الناس، بل ويقدمون على تحريف الأحاديث طبقاً لما يرتأوه، ومن ذلك قيام الدكتور عمر الأشقر بتحريف بعض كلمات حديث أبى سعد الخدرى الثابت فى صحيح البخارى لإثبات عقيدته بأن الله يتكلم بحروف وأصوات. حيث ذكر الأشقر نص الحديث كالتالى (يقول الله تعالى:يا أدم، فيقول لبيك وسعديك. فينادى بصوته: إن الله يأمرك أن تخرج من أمتك بعثاً إلى النار)، فى حين أن الحديث كما ورد فى صحيح البخارى نصه كالتالى (يقول الله تعالى:يا أدم، فيقول لبيك وسعديك. فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من أمتك بعثاً إلى النار)، وهذا بالتأطيد مرتبط بقضية التجسيم لدى الوهابية فهم يرون أن الله سبحانه وتعالى جسم له حد وغاية(40 ). • آثار السلف الصالح: فقد اهتم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من علماء الدعوة بالآثار الصحيحة التي وردت عن سلف الأمة الإسلامية المشهود لهم بالصلاح والعلم، وأهمهم طبقة الصحابة رضي الله عنهم، وطبقة التابعين وتابعيهم ، وخاصة الأئمة الأربعة المشهورون وهم: أبوحنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وكثيراً ما يجد الباحث في مؤلفات الشيخ وأتباعه من علماء الدعوة أقوالاً لهؤلاء الأئمة وغيرهم مسرودة في مؤلفاتهم ورسائلهم لتأييد ما يوردونه. وقد تأثر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بثلاثة من علماء السلف تأثراً كبيراً، وهم أحمد بن حنبل، وأحمد بن تيمية، ومحمد بن القيم. فبالنسبة للإمام بن حنبل فكان من الطبيعى أن يتأثر محمد بن عبد الوهاب بمذهبه نظراً لانتشار مذهبه في نجد(41 ). ولكن الامام الذى تأثر به جُل التأثر كان ابن تيمية، فقد درس مؤلفات ابن تيمية وتعمق فيها وأخرجها من حيز النظر إلى حيز العمل. والوهابية لم تزد فى مجال العقائد التى جاء بها ابن تيمية شيئاً، ولكن الوهابيون شددوا فيها ورتبوا أموراً عملية لم يكن قد تعرض لها ابن تيمية، لأنها لم تكن موجودة فى عهده(42 ) .
وفى هذا الصدد، يبرز اختلاف جوهرى بين السلفية والوهابية، فالأخيرة لا تأخذ بالإجماع اللهم فيما يراه علمائها بالإجماع ويرددون مقولة للإمام بن حنبل (من ادعى الإجماع فهو كاذب)، عندما يصادم قولهم أى إجماع. ويتذرعوا بهذه المقولة لنفي الإجماع( 43). ب- أهم الأفكار والمبادىء التى قامت عليها الوهابية تكمن المبادىء الأساسية للدعوة الوهابية فى تنقية معنى التوحيد من شوائب الشرك وإخلاص الدين لله، وعدم الالتجاء وطلب العون إلا من الله، وعدم الغلو فى تمجيد الرسول (ص) بما يخرجه عن حدود الطبيعة البشرية، وتحديد معنى الرسالة التى كلف بإبلاغها، وتمقت الوهابية التعقيدات التى أدخلها المتكلمون والفلاسفة والصوفية، ولكنهم فى الوقت ذاته لا يمانعون من الاجتهاد (44) .
ويكمن إجمال المبادىء الحاكمة للفكر الوهابى فيما يلى:
1- التوحيد: ويعرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب التوحيد بقوله " هو إفراد الله سبحانه، بمعنى توحيد الربوبية ( وهو توحيد الله بأفعاله مثل الخلق والرزق والإحياء والإماتة) و توحيد الألوهية ( توحيد الله بأفعال العبادة مثل الدعاء والنذر والاستعانة والاستغاثة والتوكل وغير ذلك) و توحيد الأسماء والصفات ويقوم على الإيمان بكل ما ورد في القرآن والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته وعدم التعرض لها بشيء من التكييف أو التشبيه أو التأويل). كما يرى أن" التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن من عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وأبليس(•)" (45 ). 2- نبذ التصوف وعاداته غير الإسلامية: فقد تحدث بن عبد الوهاب عن كرهه للتشفع بالأموات وأولياء الله الصالحين، وأنه من الشرك أن يطلب المسلم من الأموات شفاعتهم حتى ولو كان الميت هو النبى (ص)، وقد انتقد عبد الوهاب انتقاداً حاداً زيارة القبور والغلو فى قبور الصالحين، وأن ما يفعله العامة عند قبور الصالحين والأولياء وغيرهم مناف لتوحيد الألوهية تمام المنافاة (46 ). 3- تقديم النقل على العقل (وهى نقطة التقاء بينهم وبين المذهب السلفى): فيرى بن عبد الوهاب أن كل محدثة فى الدين من خارج الدين هى بدعة، والبدعة هى أى شىء ليس له أصل فى نصوص القرآن والسنة، ومن هذه البدع بالنسبة لهم على سبيل المثال الاحتفال بالمولد النبوى(47 ) . وفى هذا المقام لابد أن يذكر ما قاله الإمام البربهارى فى كتابه شرح السنة (أكل مع يهودى ونصرانى ولا أكل مع مبتدع)، وبالتأكيد مع الوقت أصبحت كلمة مبتدع تطلق على كل من يخالفهم الرأى( 48)، وفى هذا الصدد لم تولٍ الوهابية وزناً للاجتهاد تمسكاً منهم وتقديساً للأئمة الراحلين، وحجتهم استحالة وصول أى من العلماء الآن إلى مرتبة الاجتهاد (49 )، وهذا بالتأكيد جمود فكرى واضح فى الفكر الوهابى. 4- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: ويعنى الحزم في تطبيق أوامر الدين الإسلامي على أتباعها واجتناب نواهيه، وجعلت كل مسلم في المجتمع الإسلامي مسؤولاً عن هذا التطبيق حسب استطاعته، وهذا ماأطلقت عليه الدعوة اسم " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ". ولهذا يرى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .بالقدر الذي توجبه الشريعة الإسلامية ومبادئها(50 ). وفي هذا الصدد، لسنا فى حاجة إلى التدليل على الدور الذى تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حالياً فى السعودية من أعمال تخالف طبيعة الإسلام السمحة، فضلاً عن كونها لا تعاقب سوى عموم الشعب، أما سيدات العائلة المالكة وكبار رجال الأعمال المتبرجات لا تقترب منهم وتغض الطرف عنهم. 5- التكفير والقتال: كان لدى بن عبد الوهاب قناعة تتلخص فى أن دعوته لكى تنتشر، فلابد أن تٌؤمن ضد أعدائها والمعارضين لها، ووجد ضالته فى محمد بن سعود (51 )
وفى هذا السياق، نرى أن الانحراف فى الدعوة الوهابية بدأ بالتحام الفكر الوهابى العقائدى مع قوة السلطان محمد بن سعود، فيقول السير همفر وهو جاسوس بريطانى فى الشرق الأوسط، أن الحكومة الإنجليزية عملت على التقريب بين سعود وعبد الوهاب لأنها فطنت أن الحكومات الدينية أشد نفوذاً وأكثر دواماً، ومنذ توقيع التحالف بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود عام 1744م شنا حرب استمرت ما يقرب من الأربعين عاماً فى الجزيرة بأسرها. وبعد الحرب العالمية الأولى ارتكب آل سعود تحت اسم الوهابية أفظع الجرائم لتوسيع رقعة دولتهم فى ظل الصراع بين الشريف حسين فى الأردن وآل سعود فى نجد والحجاز، وعقد آل سعود عام 1915 معاهدة مع الإنجليز تتضمن اعتراف الإنجليز بأنه ملك على نجد والإحساء والقطيف والجبيل وملحقاتها والمرافىء التابعة لها( 52). وساعدت القيادات الوهابية آل سعود فى حربهم لتوحيد القبائل فى شبة الجزيرة العربية وإخضاعها لحكمهم من خلال تدريب المقاتلين، وظل الأمر كذلك حتى إقامة المملكة العربية السعودية عام 1932 واستمرت الرابطة الوطيدة بين آل سعود والوهابية(53 ) حتى تاريخ كتابة هذا البحث. ونرى أن تحالف الوهابية مع آل سعود سواء بتحفيز من الإنجليز أم بدون الانجليز كان قادم لا محالة، لأن محمد عبد الوهاب كان يحتاج قوة السيف لنشر مذهبه وآل سعود كانوا فى حاجة إلى قوة تساعد قوة سيفهم وليس هناك قوة أفضل من الدين.
رابعاً: الوضع الحالى للوهابية فى المملكة العربية السعودية فى هذا الجزء نتناول الوضعية الحالية للوهابية فى السعودية، ومن خلال أبرز معالمهما وهى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر(الشرطة الدينية فى السعودية)، ويكفينا فى هذا الصدد الإشارة إلى ما تنص عليه المادة التاسعة من الباب الأول لواجبات الهيئة من أن: "على أعضاء هيئات الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر القيام بواجبات الهيئة والتي أهمها إرشاد الناس، ونصحهم لاتِّباع الواجبات الدِّينية المقررة في الشريعة الإسلامية، وحمل النَّاس على أدائها، وكذا النَّهي عن المنكر بما يَحول دون ارتكاب المحرَّمات والممنوعات شرعًا، واتِّباع العادات والتقاليد السيئة، أو البدع المنكرة"(54 ). وهذه الهيئة لها تجاوزات عديدة، ومنها قيام أعضائها بضرب شاب سعودى حتى الموت والسبب إطالة شعره، والحادث الأبرز هو حريق مدرسة للفتيات فى الرياض ورفض هذه الهيئة خروج الفتيات للشارع، بحجة أنهن لم يكن مرتديات العباءة!!(55 ). وفى يوليو من العام الماضى (2012) تم إدانة الهيئة بتسببها بحادث سيارة أثناء مطاردة دورية من الهيئة لشاب سعودى وزوجته وولدهم، دون أن يتم الإعلان عن سبب المطاردة من الأساس( 56). بل وإن الهيئة لها نفوذ قوى فى المملكة، لدرجة أنها تقدم للمحاكمة من يسىء إليها خاصة من الصحفيين والنشطاء السياسيين الليبراليين( 57). وليس أدل على ذلك من مطالبة المحكمة الجزائية في مدينة جدة بالسعودية بإقامة حد “الرِّدة” على مؤسس الشبكة الليبرالية السعودية، "رائف بدوي"، بتهمه "تطاوله على رموز دينية وارتكابه لمخالفات شرعية عديدة" وذلك على خلفية انتقاده لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمؤسسة الدينية السعودية.(58 ) ومؤخراً تم إلقاء القبض على المفكر الليبرالى تركى الحمد، بتهمة إزدراء الدين الاسلامى بسبب بعض من تغريداته على موقع التواصل الاجتماعى (تويتر)، وكان من بين هذه التغريدات، تغريدها نصها(العالم مشغول بقدرة إيران النووية ونحن مشغولون بقيادة المرأة للسيارة..هزلت) (59) . وقد أثار هذا الاعتقال حفيظة الكثير من المثقفين السعوديين بل والعرب أيضاً، حيث قام مجموعة من هؤلاء المثقفين بتوجيه رسالة إلى ولى العهد السعودى للمطالبة بالإفراج عن تركى الحمد، والذى لم يفرج عنه حتى تاريخ الانتهاء من هذا البحث( 60).
وفى هذا الإطار يمكنا القول أن الوهابية المعاصرة فى السعودية وضعها قوى للغاية متمثلة فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإن كانت بدأت تتعالى بعض الصيحات المطالبة بالتغيير والتى اقترنت بالتأكيد مع انتشار الانترنت وتزايد عدد الشباب السعودى المتعلم، مما أجبر السلطات السعودية على اتخاذ قرارات مثل إعطاء المرأة السعودية حق الانتخاب في مجلس الشورى والترشح والانتخاب في مجالس البلدية، وكذا قيام الناشطة منال الشريف ببث فيديو على موقع اليوتيوب وهى تقود سيارتها رغم أنه غير مسموح للنساء القيادة فى السعودية، وإن كانت قد اعتقلت لمدة 9 أيام بسبب قيامها بذلك(61 ). نخلص من هذا إلى أمرين، فمن ناحية يتضح أن القبضة الوهابية هى بالتأكيد قبضة قوية فى السعودية، أما على الناحية الأخرى، فتظهر مؤشرات كثيرة تدل على وجود تذمر بين فئات الشباب السعودى خاصة الفتيات لأنهم الأكثر عرضة للقهر والظلم، وأن القبضة الوهابية المتشددة تحتاج لوقت طويل قد يتخلص منها ومن سماتها المجتمع السعودى وخاصة المرأة، ولكن التغيير ككرة الثلج، حالما يبدأ يكون من الصعب إيقافه.
الخاتمة (نتائج الدراسة)
طرحت الدراسة فى بدايتها عدة أسئلة متعلقة بالعلاقة بين الوهابية والسلفية المصرية، وأهم المبادىء التى قام عليها كل منهما. وفى ختام الدراسة يمكننا القول أن مصطلح السلفية ليس من المصطلحات المتفق على تعريفها كما هو شائع، بل هو من أكثر المصطلحات التى يثور اختلاف حول معناها نظراً لأنها تضم تيارات متعددة، فالسلفية ليست واحدة، بل هى متعددة. أما فيما يتعلق بالعلاقة بين الوهابية والسلفية، فالثانية أقدم وأسبق من الأولى. ولكنهما يتشاركان فى أن كلاهما قد نشأ كردة فعل حيال التأخر الدينى والمجتمعى الذى شهدته المجتمعات الإسلامية وقت ظهور كلاهما. فقد أوضحنا أن بداية ظهور السلفية ارتبطت بأحمد بن حنبل الذى حارب فتنة خلق القرأن وتلا ذلك ظهور آخر للسلفية بعد تدهور وضعف الدولة العثمانية وشيوع الجمود الفكرى لدى مشايخ الأزهر فى مصر . أما الوهابية فارتبط ظهورها فى القرن الثامن عشر ميلادى فى شبه الجزيرة العربية على يد محمد بن عبد الوهاب نتيجة لشيوع الممارسات غير الإسلامية وانتشار الجهل بالدين.
إذن فكلاهما دعوة قامت بالأساس للتجديد ولنفض الغبار عن الممارسات الاسلامية الخاطئة فى محاولة للرجوع والتشبث بممارسات السلف الصالح والمسلمين الأُول وإحياء نهضة الإسلام بكتاب الله وسنته.
ولكن من أهم أوجه الاختلاف بين الوهابية والسلفية المصرية، أن الأخيرة ظلت دعوى دينية غير مقرونة بالسياسة لا عند ظهورها ولا فى مراحل تطورها اللهم إلا مؤخراً بظهور حزب النور كأول حزب سياسى يعبر عن التيار السلفى وكذا ظهور تيارات أخرى يكون لها دور اجتماعى فعال وتلقى قبول كبير من أوساط السياسين والشعب المصرى وهى حركة سلفيو كوستا، أما الوهابية فاقترن توسعها بالسياسة والحروب التى خاضها بن عبد الوهاب مع محمد آل سعود وتمخضت عن تأسيس المملكة العربية السعودية.
أما على صعيد المصادر التى استندت إليها كل منهما، فنجد أن السلفية اعتمدت على القرآن والسنة والإجماع، فحين أن الوهابية تعتمد على القرآن والسنة وآثار السلف الصالح، ولم تضمن الإجماع فى مصادرها الأساسية.
ويبرز اختلاف آخر بين السلفية المصرية والوهابية بخصوص طريقة الانتشار، فالوهابية انتشرت بحد السيف، ولكن السلفية المصرية تطورت تطوراً تاريخياً من الأفغانى لمحمد عبدة لمحمد رشيد رضا، فكان تطورها وانتشارها سلمياً ولم تتدخل فيه أى قوة سياسية أو تستند الدولة إلى الفكر السلفي، على خلاف الحال مع الوهابية التى قامت على أساسها المملكة العربية السعودية.
ولكن السؤال الملح هو، هل ظلت الدعوة السلفية والوهابية على حالها دعوة تجديدية، أم تغيرت بمرور السنين والظروف؟، ومن استقراء الواقع المصرى والواقع السعودى الوهابى نستطيع القول أن السلفية المصرية بدأت كحركة تجديدية ترفض الجمود، ولكنها بمرور الوقت أصبحت حركة جامدة اختزلت الاسلام فى جلباب ولحية وتركت جوهر الاسلام الذى نادى به الرسول (ص) والصحابه الأُول. وتأثرت بجمود التيار الوهابى نتيجة العلاقات الوطيدة التى تربط بعض الجمعيات السلفية المصرية وعلماء الوهابية السعودية والتى توطدت بشكل أكبر بعد اكتشاف النفط فى السعودية، وكانت هذه العلاقة سبب فى انتشار الزى الوهابى (النقاب) فى مصر فضلاً عن عديد من الأفكار المغلوطة حول الإسلام بشكل عام ووضع المرأة بشكل خاص. لا نود التعميم بأن كل التيارات السلفية تأثرت بالوهابية، فهناك تيارات انبثقت من السلفية المصرية تعمل على تنمية المجتمع وتحظى باحترام وتقدير وتثمن جهودها وموافقها معظم التيارات السياسية فى المجتمع المصرى مثل حركة سلفيو كوستا.
فعلى الرغم من وجود فروق نظرية بين السلفية والوهابية، إلا أن التطبيق على أرض الواقع يشهد أن كلاهما واحداً مع وجود فروق باهتة بينهما، فالوهابية كانت حركة دينية مجددة لكنها انقلبت بفعل السياسة والسيف لحركة تحمى دولة وهيئة أمر بالمعروف والنهى عن المنكر بعيدة كل البعد عن تطبيق مبادىء الإسلام وتفرق فى المعاملة بين أسرة آل سعود وباقى الشعب، ففتواهم لا تطبق كما أسلفنا الذكر على أميرات العائلة المالكة. والسلفية المصرية بدأت كحركة تجديد فكرى أنتهت إلى أن تكون مصدر رزق عديد ممن يطلق عليهم شيوخ وعلماء المتأسلفين أو شيوخ الفضائيات كما أود أن أطلق عليهم. فضلاً عن الانتكاسة التى مٌنى بها التيار السلفى المصرى عندما تم إنشاء حزب سياسى يمثله، ومن وجهة نظرى أيضاً ليس أدل على هذه الانتكاسة من المهاترات واللغط الذى ثار حول هذا الحزب وبعض من أعضائه وانتهاء الأمر بتقديم عديد من أعضائه استقالتهم واعترافهم أنه كان من الأفضل أن يظلوا فى مجال الدعوة وألا يتطرقوا لمجال السياسة. ومع البوادر التى تلوح فى الأفق حول حظر إقامة أى حزب على أساس دينى فى الدستور المصرى الجارى تعديله حالياً، مما يضع حزب النور أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو اعتزال العمل السياسى والثانى هو إجراء تعديلات فى برنامجهم وايديولوجيتهم بما يتناسب مع المرحلة الحالية التى تمر بها البلاد، خاصة وأن العديد من المحللين يرون أنهم قد قفزوا من سفينه الاخوان قبل غرقها، مما يؤكد رغبتهم فى الاستمرار فى المعترك والمشهد السياسى. قائمة المراجع 1 ﺳ-;---;--ﻠ-;---;--ﻴ-;---;--ﻢ-;---;-- ﺑ-;---;--ﻦ-;---;-- ﻋ-;---;--ﻴ-;---;--ﺪ-;---;-- اﻟ-;---;--ﻬ-;---;--ﻼ-;---;--ﻟ-;---;--ﻲ-;---;--، اﻟ-;---;--ﺴ-;---;--ﻠ-;---;--ﻒ-;---;-- واﻟ-;---;--ﺴ-;---;--ﻠ-;---;--ﻔ-;---;--ﻴ-;---;--ﺔ-;---;-- : ﻟ-;---;--ﻐ-;---;--ﺔ-;---;-- واﺻ-;---;--ﻄ-;---;--ﻼ-;---;--ﺣ-;---;--ﺎ-;---;-- وزﻣ-;---;--ﺎ-;---;--ﻧ-;---;--ﺎ-;---;--، متاح على الموقع التالى: http://alqiyamah.files.wordpress.com/2008/03/as-salaf-was-salafiyah-syaikh-salim-bin-ied-al-hilaly-pdf-113-kb.pdf 2- محمود لطفي عامر، معني السلفية لغة واصطلاحًا، متاحة على الموقع التالى: http://www.al-sunna.net/articles/file.php?id=3173 3- أحمد زغلول شلاطة، الحالة السلفية المعاصرة فى مصر، (القاهرة: مكتبة مدبولى، 2011)، ص27. 4- د. كريم السراجى، الأسس الدينية للاتجاهات السلفية،(لبنان، دار السلام، 2010)، ص ص 53-55 5- أسعد وحيد القاسم، أزمة الخلافة والامامة، متاح على الرابط التالى: http://shiaweb.org/books/khelafa/pa59.html 6- محمد نبيل الشيمي، السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية 1/3، 10/5/2012، متاح على الموقع التالى http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=307036 7-محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الاسلامية، (دار الفكر العربى، 1976)، ص176. 8- د. كريم السراجى، مرجع سابق، ص ص 59-61. 9- المرجع السابق، ص ص 74-82 ا10-لمرجع سابق، ص 95. 11- أحمد زغلول شلاطة، مرجع سابق، ص 48 12- د. كريم السراجى، مرجع سابق، ص ص 93-94. 13-محمد نبيل الشيمي، السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية 1/3، مرجع سابق.
14-د.محمد عمارة، السلفية، (تونس، دار المعارف، 1994)، ص ص 23-24. 15-عبدالرحمن عبدالخالق، الأصول العلمية للدعوة السلفية، نص الكتاب متاح على الموقع التالى: http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%88%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9%20**/%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8B:%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF/i146&d91936&c&p1#s3 16- ستيفان لا كروا، شيوخ و سياسيون: نظرة داخل السلفية المصرية الجديدة، موجز السياسة لمعهد بروكنجز الدولى، يونيو 2012، ص1، متاح على الموقع التالى: http://www.brookings.edu/~/media/research/files/papers/2012/6/07%20egyptian%20salafism%20lacroix/stephane%20lacroix%20policy%20briefing%20arabic.pdf 17-عبد المنعم منيب، الحركات السلفية في مصر.. رؤية تحليلية، متاح على الموقع التالى: http://vb.khutabaa.com/showthread.php?t=566#.UNmVquTckxE 18- عبد المنعم منيب، مرجع سابق. 19- P4, Jonathan Brown, Salafis and Sufis in Egypt, Carnegie papers, December 2011,
available on the following link: http://carnegieendowment.org/files/salafis_sufis.pdf 20- احمد زغلول شلاطة، مرجع سابق، ص ص 208-209. 21- المرجع السابق، ص ص 214-215. 22- عبد المنعم منيب، مرجع سابق 23- محمد نبيل الشيمي ،السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية التيارات السلفية في مصر2/3، 10/5/2012، متاح على الموقع التالى: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=307035
24- Jonathan Brown, Op.Cit, p4. 25-حسام لطفي ورامي محمد، التنكر من صاحب فتوي اهدار دم البرادعي، متاح على الموقع التالى: http://www.alwakei.com/news/5066/index.html
Jonathan Brown, Op.Cit, p6- 26-. 27-ستيفان لاكروا، مرجع سابق، ص2. 28-المرجع السابق، ص2. 29-المرجع السابق، ص3. 30-المرجع السابق، ص3. 31- المرجع السابق ، ص4. 32-الموقع الرسمى لحركة سلفيو كوستا: http://www.salafyocosta.com/default_ar.aspx?id=64&Name=%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%86%D8%A7 33- محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، ص 5 متاح على الموقع التالى http://islamstory.com/uploads/multimedia/books/da3watibnabdalwahabwaasarha.pdf 34-المرجع السابق، ص ص 9-11. 35-حسن بن على السقاف، السلفية الوهابية: أفكارها الأساسية وجذورها التاريخية، (بيروت: دار الامام الرواس،د.ت)، ص 19. 36-عبد الواحد السعيد محمود، الوهابية نشأة مشبوهة وحركة انحراف، ص3 متاح على الموقع التالى: http://www.4shared.com/rar/i17u1osv/_online.html? 37- المرجع السابق، ص ص 29-30 38-محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، مرجع سابق، ص 29. 39- المرجع سابق، ص30. 40-حسن بن على السقاف، مرجع سابق، ص ص 79-80.، ص 58. 41- محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، مرجع سابق، ص 31. 42-أحمد زغلول شلاطة، مرجع سابق، ص 31. 43-حسن بن على السقاف، مرجع سابق، ص81. 44-محمد إسماعيل المقدم، خواطر حول الوهابية، (الاسكندرية: دار التوحيد للتراث، 2008)، ص 17. • ونتيجة لاهتمام الشيخ بمسألة التوحيد منذ أن كان طالبا للعلم فقد ألف كتابا يبحث في هذا الصدد وسماه " كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد "، جمع فيه آيات وأحاديث في بيان التوحيد والترغيب فيه، وبيان الشرك والتحذير منه. 45-محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، مرجع سابق، ص ص 37-38. 46-محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، مرجع سابق، ص 42، ص44،. 47-المرجع السابق، ص 48. 48-حسن بن على السقاف، مرجع سابق، ص86. 49-محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان، مرجع سابق ، ص ص 60-61. 50-المرجع سابق، ص 53. 51-المرجع سابق، ص 56. 52- عبد الواحد السعيد محمود، مرجع سابق، ص15، ص23. 53- Christopher M. Blanchard, The Islamic Traditions of Wahhabism and Salafiyya, CRS Congeress Report, January 2008, p2. 54- أحمد الزومان ، واجبات هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، متاح على الموقع التالى http://www.alukah.net/Sharia/0/9023/#ixzz3HpnmtwET 55- دينا حسن، صحفية سعودية: "هيئة الأمر بالمعروف" لها تجاوزات قد تصل للقتل، 10/1/2012، متاح على الموقع التالى http://www.boswtol.com/politics/news/12/january/10/48651
56-إدانة هيئة الأمر بالمعروف بالتسبب في حادثة الباحة، 10/7/2012، متاح على الموقع التالى http://www.alarabiya.net/articles/2012/07/10/225639.html 57- 97%من الشعب السعودي مع الهيئة....محاكمة صحفيين ومواطنين ارتكبوا وقائع « كذب وتجنٍ » على الهيئة، متاح على الموقع التالى http://www.burnews.com/news-action-show-id-2833.htm 58- الحكم بإعدام مؤسس الشبكة الليبرالية السعودية رائف بدوي، 23/12/2012 ، http://www.tazapresse.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D8%A5%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7/ 59- توقيف الكاتب السعودي تركي الحمد يحيي الجدل حول علاقة السلطة بالدين،3/1/20132، متاح على الموقع التالى http://www.france24.com/ar/20130103-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84-%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A5%D9%87%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%85-%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
60- أدونيس منتقدا اعتقال الكاتب السعودى تركي الحمد: الأولى اعتقال من يحاسبون المفكرين، 1/1/2013، متاح على الموقع التالى: http://tahrirnews.com/news/view.aspx?cdate=01012013&id=3a0c5480-ef6b-49cb-a2a8-db1bcb46b80e
61- المرأة السعودية تكتسب حق التصويت مع وقف التنفيذ، 26/9/2011، متاح على الموقع التالى: http://arabic.euronews.com/2011/09/26/saudi-women-s-vote-still-four-years-away/
#إيمان_فخرى_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الحجاب فريضة إسلامية أم أنه ظاهرة لها بعد سياسى
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|