|
في الذكرى الخامسة لاغتيال كامل شياع ومن الحب ما قتل.. يا صديقي
جمال العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 23:44
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
استأذن المفكر برهان غليون في استعارة عنوان كتابه "اغتيال العقل" كمدخل لاستذكار المغدور الشهيد كامل شياع وان كان موضوعه محنة الثقافة العربية، إلا أن محاور عديدة فيه تلقي الضوء على أسباب اغتيال العقل واستهداف رموزه عبر التاريخ، وفي جميع مراحله. إن استحضار أسماء ضحايا الفكر يبين كيف أن محنة الثقافة ليست إلا مظهرا لمحنة أعم وأشمل، وأزمة "عقل" دون شك متعددة الجوانب تتمثل باختصار متواضع بتبني المفكرين الرأي المخالف السائد في عصرهم، وهو جوهر الصراع مع عقلية الاستبداد والتخلف والظلام التي اغتالت عبد الله بن المقفع، والحلاج، وحسين مروة، ومهدي عامل، وكامل شياع. فالمجتمع البربري كما يقول غليون يعيش بدون مقاييس، أي بدون قواعد معقولة ومنظمة، سواء أكانت مقاييس روحية أم عقلية أم مادية، ومقياسه الوحيد هو القوة المجردة، أي البطش، وتحركه غريزة التسلط أو الخوف، أو العدوان بديلا للمباراة في الإبداع والانجاز والمواهب العقلية، وتتحكم به، نفسيا وواقعيا، لا يستطيع ولا يعرف السيطرة عليها، فيخرجها في صورة مؤامرة فردية، أو عشائرية، أو طائفية، أو سياسية. إن إدراك هذه المعطيات، تعطي الدليل لمعرفة أسباب اغتيال "كامل شياع" كظاهرة ثقافية، ونموذج فكري حر. فالفعل الإجرامي لم يستهدف "شياع" كاسم، أو كمسؤول في وزارة الثقافة - وان كانت قوى الظلام ستكون سعيدة في مغادرة كامل موقعه- بل هو يتعدى ذلك إلى فعل الإزاحة، إزاحة النماذج الحداثوية وفكرها التنويري من ان يكون لها دور مؤثر وفاعل في عملية التغيير، لو في عملية التحويلات السياسية والاجتماعية والثقافية. ان هذه القوى تمارس (العدوان) وهو سلوك مريض وشاذ ملازم لمنهجها، وتركيبتها الاجتماعية والنفسية والثقافية، انه متكرر وهائم، وطليق لا حدود له، يمارسه الفرد، والجماعات، والسلطة، بدوافع شتى، منها الخوف والقلق والتملك.. وتحديدا مع ما يتعارض فكريا واقتصاديا مع مصالح تلك القوى.. التي تمتلك ادوات التصفيات الجسدية.. إن منظومة استبدادية يمتد تاريخ تشكيلها في العراق إلى بدايات القرن العشرين مازالت قادرة على تجديد نفسها والخروج علينا بأمراض جديدة، هي ذاتها التي تمارس القتل باغتيال العقل. وعوامل تشكيل المنظومة تجذرت في حياة العراقيين وتغلغلت في نسيج ثقافاتهم، مازلنا نرزح تحت وطأتها، ونسير في دياجير ظلمتها، وان تغير الزي الذي ترتديه، سنظل نعاني سطوتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، إذ لم يعد الإنسان في هذا العصر أسيرا لأفكار الضلال والانخداع، هناك تيار يتصاعد مؤمن بالتنوير والحرية، والحداثة، مؤمن بالعقل والتوق إلى الحقيقة والتحضر بأشمل معانيه وأرقاها، إنها الغايات التي يمضي نحوها الإنسان في تحقيق إنسانيته، ليمزق الحجب ويبدد الظلام في مجتمع تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية. لقد أراد كامل شياع للحياة الإنسانية نظما لا يمكن العبث بها، بفعل عقلي كان يصبو إليه، ينبع من فهمه لمعنى الحق، المنبثق من جذوة المعرفة، حين تغدو الحاجة إلى الفهم ضرورة اساسية كالحاجة إلى الهواء والغذاء، فكان هذا النزوع يضطرم في عقله وقلبه ووجدانه، صادرا عن تيقظ وتنبه كضرورة ثقافية وإنسانية. لقد اكتسب كامل "مناعة" خاصة، ميزته عن الآخرين، تلك التي تصد الظلام ، والتخلف، وتحرر الايدولوجيا من الجمود، وترى الثقافة جهدا حضاريا، ومشاركة لفعل إبداعي ترقى بالكيان الفردي والوطني والإنساني إلى أعلى المراتب والدرجات. إذ لم يكن "شياع" كائنا حالما، بل كان متيقنا من أن الحياة لا تسمح بالانطلاق وراء الأوهام والخيالات، وإهمال الإمكانات الإبداعية لها، أو تبديدها، كان مؤمنا بقدرة عقل الإنسانية لا بعددها، وبالمنجز لا بالدعاء. فهل كان كامل وفق هذه المعطيات مؤمنا بقول مونتسكيو "إن كل مواطن مدعو للموت في سبيل وطنه، ولكن ليس من احد مضطرا للكذب في سبيل الوطن"؟. لم يكن كامل "مدعيا" بحب الوطن، بل كان هائما به، هذا الوطن المصنوع من الصور والخيالات، حتى وان كان بعيدا هائما عنه. أو ضعف الحماس في هذا الحب أحيانا، لأنه لا يدخل في باب الرذيلة والخيال، الوطن كما يصفه كامل: محطة في حياة الإنسان تتفرع منها جميع المحطات، تحكمنا بقوة شبه قدرية، بان نظل متعلقين بها رمزيا، حتى لو هجرناها فعليا. ان نظل مشدودين إليها بقرابة دم، حتى لو أودعنا مصائرنا خارجها.. ومن الحب ما قتل، يا صديقي الحبيب.
#جمال_العتابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لننقذ تموز من (هذا الحب القاسي)! تبقى التجربة مشروعاً دائماً
...
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|