جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 20:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة في الموقف السعودي الداعم للثورة المصرية
جعفر المظفر
يكاد موقف السعودية من مصر أن يكون عصيا على الفهم. كثيرون فوجئوا دون شك بهذا الدعم الواسع والثمين لنظام مصر الجديد الذي ولد في أعقاب عزل الرئيس الأخواني. في العقدين الأخيرين كان سياق الأحداث واضحا وقد تسيده صعود الحركة الإسلاموية على حساب تراجع العلمانين الوطنيين والقوميين واليسارين, وكان دور السعودية في تمكين هذه الحركات الإسلامية كبيرا, ولذا كان متوقعا على صعيد الإستنتاج المنطقي أن يكون موقفها مواليا لحركة الأخوان المسلمين بدلا من الوقوف مع الثورة المصرية التي إندلعت لتسترد هوية مصر العلمانية الوطنية.
وإذا أضفنا موقف السعودية الداعم لثوار سوريا ضد نظام الأسد (العلماني), الذين يشكل الأخوان المسلمون ثقلا اساسيا بينهم, فإن الصورة على صعيد التحليل المنطقي ربما تصبح أكثر غرائبية, ولذا لم يكن غريبا أن تفاجأ الأكثرية بالموقف السعودي وتروح تفتش عن تفسير لائق له.
لا بد في بداية الأمر أن نقف أمام حقيقة أن المملكة السعودية نفسها كانت تأسست على تحالف وثيق بين عائلة محمد عبدالوهاب من جهة والعائلة السعودية من جهة على عقد (نصرة) مفاده أن تدعم الحركة الوهابية حكم العائلة السعودية مقابل أن يطلق الملك السعودي يد الوهابيين على صعيد التشريع الديني والدعوة. لكن أفضل ما في الإتفاق ظل متجسدا بإصول العقد الذي أطلق يد الحاكم السعودي في السياسة وأدى ذلك بطبيعة الحال أن يبقى نشاط الوهابيين محصورا في حركة التبشير والدعوة وفي المجالس التشريعية الدينية. وهكذا إرتبطت حركة النشأة بهذا العقد المفصلي الهام الذي منع إهتمام الحركة السلفية الوهابية بالشأن السياسي وجعلها حكرا على العائلة السعودية وقد حال ذلك بكل تأكيد دون تطور الحركة السلفية فكريا وتنظيميا بإتجاه سياسي كما ستكون الحال مع الأخوان المسلمين.
في عام 1928 حدث إختراق سيكون خطرا على مستقبل على دور السعودية في المنطقة, وأيضا على صعيد داخلي, لأنه سيفقدها حق أن تكون ممثلة شرعية للإسلام السياسي. ذلك التطور هو تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر التي تميزت عن الحركة الوهابية السلفية في كونها,على عكس الوهابيين السلفيين, لم تتناصف حقوق السياسة والتشريع بينها وبين العائلة السعودية, بل أنها أعلنت منذ بداية التأسيس عن كونها حركة سياسية إسلامية أممية تسعى لتوحيد الأمة الإسلامية من خلال نظام الخلافة, وبهذا بدأت تناقضها الفعلي مع حكم آل سعود الذين حاولوا بدورهم أن يكونوا قيادين للعمل الإسلامي على الساحة الدولية والإقليمية.
لكن أخطار ذلك الحدث لم تكن قد بانت ملامحه على السطح بعد لأسباب تعلقت بطبيعة الصراع في تلك المراحل, فلقد كان النظام السعودي جزءا فاعلا في المنظومة الدولية المعادية للشيوعية والإتحاد السوفيتي. أما على الصعيد المصري المحلي والعربي العام فقد كانت السعودية تخوض معارك مجابهة مع التيار القومي ممثلا بالناصرية والبعثيين, وكان من الطبيعي لهذه التيارات الإسلامية المتباينة أن تجتمع لمجابهه أولئك الأعداء المشتركين, وأن تتوارى مرحليا مجموعة التناقضات التي قدر لها بعد ذلك أن تبرز على السطح حال إختلاف معطيات الساحة العالمية.
إن مرحلة جديدة بتناقضات جديدة ستكون بمعطيات جديدة وبتحالفات مختلفة.. ذلك هو شأن السياسة في مجمل تاريخها. وحدث بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي أن خفت الحاجة إلى حالة الإستخدام والتوظيف التي كانت قائمة بين التيارات الإسلاموية, وخاصة في الحرب الأفغانية ضد الوجود السوفيتي العسكري فيها وفي تفعيل دورها المعادي للشيوعية في بطون الإتحاد السوفيتي الرخوة ذات الأكثرية الإسلامية.
لكن تطورا خطيرا سوف يرتب التحالفات بإتجاه آخر. لقد أدت الهجمة الإرهابية على بنايتي المركز العالمي للتجارة في نيويورك إلى هزة عالمية شديدة كان من نتائجها أنها عجلت من سقوط أو إسقاط الكثير من الأوراق اليابسة, وكان من ضمن ما تغير, إضافة إلى الحرب الأمريكية ضد إرهاب القاعدة وضد نظام صدام, أن تغيرت التحالفات أيضا على ضوء ترتيب القوى ضد الأعداء المركزيين الجدد.
بداية إستخدمت أمريكا أقصى درجات العنف في حملتها ضد الإرهاب, غير أن تراجع الأداء الأمريكي بهذا الإتجاه والخسارة الباهضة للحربين, العراقية والأفغانية, قد أدت بدورها إلى تراجع نفوذ الجمهوريين لصالح الديمقراطيين بقيادة أوباما الذي لم يتراجع بعد فوزه عن الدور العالمي لأمريكا وإنما إستبدل وسائل تنفيذه. ولقد إرتأى أوباما أن إحدى أفضل الطرق لمواجهة الإرهاب الإسلاموي هي في التحالف مع التيار الإسلامي "المعتدل" الذي يمثله الأخوان المسلمون والذي بدأ يتضحم حجمه ويتصاعد تأثيره بحيث بات يستحق إعترافا أمريكيا بكونه بديلا سياسيا لقوى المراحل السابقة.
هذا الإتجاه كان من الطبيعي أن يخفف من قوة التحالف الأمريكي مع السعودية ودوره في المنطقة ولكي يكون لحساب الأخوان أنفسهم, وجاءت أحداث (الربيع العربي) لكي تعبر عن هذا المتغير الذي بدأ يفرض تاثيراته على عموم المنطقة, وصار من الطبيعي أن يتقدم الأخوان بأنفسهم لكي يكونوا أصحاب الإسلام السياسي في المنطقة والعالم كبديل عن الإسلام السعودي.
في هذا الإتجاه لا بد وأن يكون السعوديون قد أدركوا أن خطر الأخوان المسلمين عليهم قد بدأ يتقدم كثيرا على خطر مجموع الحركات العلمانية , وطنية كانت أم قومية أم ماركسية, فصار الإسلام السياسي السعودي في مواجهة قوى أخطرها قوة البديل الأخواني الذي ينافسهم سواء على قيادة العمل السياسي إقليميا وعالميا أوعلى صعيد شكل الدولة الإسلامية الخلفائية التي تتناقض مع شكل ونفوذ الدولة السعودية. وكان من الطبيعي أن لا يتوقف هذا التخوف من ذلك الخطر الجديد في الساحة الإقليمية والدولية لوحده وإنما أيضا إمتد ليضع عينا على الأخطار التي يمكن أن تهدد بنية الدولة السعودية نفسها وبنية الأنظمة الحليفة للسعودية وفي المقدمة منها الإمارات والكويت, حيث أعلنت الأولى عن إكتشافها لمؤامرة يدبرها الأخوان ضد حكومة الإمارات, أما الكويت فقد أتعبها كثيرا نفوذ الأخوان في الشارع وفي مجلس النواب فراحت تعمل على مخاصرته وتقزيمه.
إن خطر البديل من داخل الدار أو المحيط غالبا ما يكون أشد خطرا من النقيض من خارجه, فلقد كان من السهل جدا أن تلتزم السعودية خطابا سياسيا معاديا للقوميين واليساريين والشيوعين لكن قدرتها على تأليف خطاب سياسي وشرائعي كفء في مجابهة الأخوان لم تكن فاعلة, ولهذا فإن خطر البديل الأخواني بدأ يتقدم على مجموعة الأخطار الأخرى.
وهكذا أصبحت السعودية في مواجهة العديد من أنواع (الإسلامات)..
أولا كان هناك الإسلام الأخواني المتحالف مع الإسلام التركي, الصاعد هو أيضا بقيادة أردوغان, لملئ فراغ الساحة العربية الذي بدأ يخلو من فرسانه القوميين واليساريين, والذي يضم في جبهة واحدة أيضا قطر التي باتت تعمل كمراسل عسكري وسياسي للإمبريالية الأمريكية الجديدة والتي تحولت بوجود القرضاوي وفضائية الجزيرة إلى واحدة من أهم مراكز الأممية الإسلامية الجديدة.
والإسلام الثاني كان هو الإسلام الإيراني, المفيد في بعض جوانبه للزعامة السعودية من حقيقة أنه كان إسلاما من السهولة تجييش الكثيرين من العرب وبقية المسلمين ضده من خلال تفعيل الخطاب القومي أولا ( ثقافة الفرس المجوس) أو من خلال التذكير الفعلي بمطامع الإيرانيين في الأراضي العربية والإتيان بالعديد من الشواهد التي تؤكدها, وكل ذلك لم يكن ممكنا أن يحصل ضد الأخوان المسلمين الذين يشاركون السعوديين إسلامهم وقوميتهم, ولهذا قلت أن خطر الإسلام الأخواني كان أشد من خطر الإسلام الإيراني الذي لم يكن كله مضارا بل أنه كان يحمل اسس ثقافة التحشيد التي تصب في النهاية لصالح الخطاب السعودي ذاته.
على الأرض السورية كانت السعودية تقاتل ضد أخطار الإسلام الإيراني.. أما على الأرض المصرية فصارت تقاتل ضد أخطار البديل الأخواني والإسلام التركي والإسلام القطري التي لن تتوقف فقط على إزاحة النفوذ السعودي الإقليمي والدولي وإنما ستكون لها القدرة على زعزعة أساسيات بناء الدولة السعودية ذاتها.
وأزعم إن وقوف السعودية مع الثورة المصرية ضد نظام الأخوان لا يمكن أن يفهم إلا من خلال هذه الجولة التاريخية والسياسية السريعة, فهي قد تحمل تفسيرا معقولا لأحداث بدى فهمها عصيا على كثير من السياسيين والمثقفين.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟