|
عندما يصبح الانسان نفسه كذبة كبيرة
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4189 - 2013 / 8 / 19 - 16:10
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عندما يصبح الانسان نفسه كذبة كبيرة **************************** لا بد من أخذ مسافة بعيدة وأنت تغرق في مستنقع الأحداث العربية ، كي لاتغرق تماما ، ويبقى الأمل في الانقاذ ممكنا . ما يحدث لبعض مثقفينا ، أو من اعتبرناهم مثقفين ، هو بمثابة ذهان عصابي ، او شيزوفرينيا متمكنة ، وعوض ان يناقش القضايا من وجهة الخطأ والصواب ، فانه يناقشها وكأنه اله لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، وعليك أن ترى ما يرى وتسمع ما يقول ولا شيئ آخر . قمة الديكتاتورية والأنانية الفجة ، لكنها مستحكمة ليس فقط في هذه الفئة التي تكاثرت بعد ان تراجع مثقفو الجماهير الذين لا يخشون في مصالح الشعوب لومة لائم ، ولا عتمة سجون الحاكم، ولا تهديدات المخبرين الأنذال . ان ثقافة تصديق الوهم هي ما أنتجته صفقات البترودولار ، الخليجأمريكية ، والوهم كما يعرفه "خليل حلاوجي " هو : الوهمُ في واقع الحال هو أن تظنّض نفسك عارفا بتفاصيل لا يعرفها الآخرون " ، بمعنى أنك السميع البصير العليم ، ومن دونك محض أشباح لا عقل لهم ولا نظر . قمة التنفج والانتفاخ ، رغم ان قانون النسبية أصبح من ابجديات التداول الجدالي ، ولا يمكن لأي مثقف حداثي ان يتنازل عنه . لكن ما الذي دهاني ، وأنا شاهد عيان على زيف المثقف وادعائه وكذبه ، وانتصاره للخطأ والفضيحة ؟ . ولتفسير هذا التكالب والانبطاح العدميين نجتزئ هذا التفسير العقلي والمنطقي للأستاذ "خليل حلاوجي " - الإنسان يلجأ إلى الكذب على ذاته وتصديق اوهامه وتضليل قناعاته عن طريق إخفاء الحقيقة التي يتوهَّم أنها خطِرة على وجودِه الإجتماعي أوالاقتصادي أو الثقافي حتى !! . هنا مكمن الداء وسبب الظلماء ، الخوف على وجود اجتماعي أو اقتصادي او ثقافي ان لم يوالي أصحاب السلطة ، فهو لم يصل بعد الى مرتبة ميشيل فوكو ليقول مثلا : أنا لست ضد السلطة ، بل ضد تجاوزات السلطة " ، وهو لن يصل بعد هذا التذلل والمسكنة الى قول الحق في وجه حاكم جائر ، ولو تجلى هذا الحاكم في شرطي أو رئيس تحرير ، ذلك أن الانحدار الأخلاقي والسقوط الشخصي لا قرار له ، فكلما تنازل الانسان عن قيمة من قيمه المثلى، صار عليه سهلا أن يتنازل أكثر ، الى أن ينحط ويذوب في فرن العدمية ، ليتحول كمعدن رخيص الى سيف صدئ ، لا يقطع غير ظله . ليس سهلا ان تقبض على الجمر /الحقيقة في زمن الزيف والوهن الثقافي ، فعليك أن تواجه العالم لوحدك ، ذلك أن كل التمترسات الايديولوجية لم يعد لها من يقين الا لغة الشتم والتهديد والتكفير والوعيد والفراغ الفكري والعدمية المعرفية، أما مقارعة المنطق بالمنطق والحجة بالحجة ، والعقل بالعقل ، فذاك ما لم يعد مثقفنا الطاووسي بقادر على اجتراحه . ومن يدافع عن العراء غير العراء نفسه ؟؟؟. لم يعد صادما أن نواجه اليوم كذبة الانسان ، انسان الأكذوبة ، فعندما نتخلى عن أخلاقنا الانسانية المثلى ، وعندما نبيع قيمنا بأرخص الأثمان ، انتصارا للهوى والرغبات المكبوتة ، ونبيع ضمائرنا للفاشلين الذين لم يعملوا شيئا غير التسارع والتكالب من أجل مناصب سلطوية ، دون أن يقدموا للأمة علما أو تقنية او صناعة أو تنمية أو مستوى تعليمي ينقذ أبناء وشعوب الأمة العربية من هذا التخلف المعرفي الصارخ ، وهذا التردي الاجتماعي المنكَر ، وعندما نبيع انفسنا لتجار الدين الذين يملأون اسماعنا بلغة سمعناها منذ نصف قرن ، دون أن يُعلوا من قيمة اسلام العلم واسلام العدالة والمساواة والقيم العالية ، فهذا لايعني الا شيئا واحدا ، هو أن هناك أجندة غريبة تتسيد حياتنا اليوم وقبل اليوم ، يحوك مضمونها ويترجم أبعادها مثقفون ادعائيون ، لكن عند الامتحان يعز المرء او يهان . حقيقة تراجع المثقف لم تأت من عدم ، فمن يهن يسهل الهوان عليه ...ما لجرح بميت ايلام ..ومن يبيع ذاته يسهل عليه أن يبيع أمته ، فليس هناك أغلى من الذات الا في مواضع قليلة . لم يعد للمثقف العربي من دور في الوطن العربي ، وأغلب المثقفين واعون بهذه الحقيقة ، ولعل هذا هو السبب في دونية سعر المثقف الذي كان قبل عقدين يزلزل واقع المجتمعات والبنى الفوقية ، وحيث يموت الضمير يصبح الجسد مجرد آلة يمكن ان تتوقف عن العمل ، او يمكن التحكم فيها بالضغط عن بعد ،دونما الحاجة الى الاقتراب منها وطلب شيئ منها ، فهي تتحول الى آلة تنفيذية بالفطرة ، مادام أن المطلوب منها هو الوقوف الى جانب ما ، فاذا تراجع وضعف جانب الشعب والجماهير ؛ فان الجانب الآخر يظل هو السلطة ، خاصة في مرحلة غدا فيها تشييئ الانسان والانتصار للمادة واغراءات الحياة الدقيقة والتفصيلية سجنا بلا حدود ، ومتاهة لا مخرج لها . أما الذات فيلزمها حصانة فولاذية تستمد طاقتها وقوتها من الحصانة الانسانية ومن رؤيا عميقة لكينونة الانسان نفسه ،قبل كينونة المثقف الذي هو انسان قبل أن يكون مثقفا . لكن حين يفقد المثقف انسانيته ، فهو يصبح مجرد حيوان انبطاحي ، وجرثومة ناقلة للمكروبات . أما بخصوص الآلة التنفيذية بالفطرة فان البيولوجيا والسيكولوجيا وعلم الاجتماع يقرون أن الانسان لايمكن أن يبقى بغير وظيفة ، فحين يفقد مادة حيوية قد يرتد الى وظيفة أكل ذاته وهذا مايحصل للمثقف العربي . فأين الانسان العربي ؟ ، لاوجود له ، ومن تبقى منه يتم اخصاؤه وتعديمه واحباطه ، وبنظرة سريعة وبسيطة لما تمر به الأمة العربية ، يمكن الجزم أنه دون معجزة سيصبح عسيرا علينا ان نلتقي بالانسان في العالم العربي .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغاربة والسياسة
-
اضاءات حول انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
-
اللعبة المصرية واحراق المرجعية
-
مصر والاختيار الأصعب
-
غياب المثقف ، والمثقف الانسان
-
البحث عن الغائب الحاضر -14-رواية
-
اليسار المغربي وحدة من أجل موت جماعي
-
عوربة الاقتتال
-
العرب ومجتمع الزيف
-
واقع الشعر من واقع العرب
-
ايران ولعب الكبار
-
الصمت بين المعنى والوجود
-
لاتصدقي تجار الدين
-
تحريف الجهاد
-
الحداثة هدف مؤجل
-
البيان حلم والممارسة واقع
-
ثمة أغنية في الحنجرة
-
الانسان ذلك المنحرف -1-
-
القضاء المغربي ، فجوات بحجم العار
-
قصة الدمعة -قصة-
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|