أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب















المزيد.....

قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 23:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب
طلعت رضوان
تناول علماء الأنثروبولوجى (علم الإنسان) قصة الخلق لدى الشعوب فى عصور ما قبل الكتابة، والتى يُطلق عليها التعبير الخاطىء (الشعوب البدائية) بينما التعبير الأدق هو الشعوب التى كانت (البداية) فى منظومة مسيرة البشرية. ولاحظ العلماء الذين درسوا آثار تلك الشعوب ، أنّ الإنسان خـُلق من طين . وكان من أبرز هؤلاء العلماء السير جيمس فريزر مؤلف موسوعة (الغصن الذهبى – 12مجلدًا ضخمًا) وأجرى دراسة مقارنة على أديان الشعوب القديمة. وفى كتابه (العناصرالقصصية الشعبية فى الإنجيل) جمع الكثير من القصص والخرافات، وقارن بينها وبين الديانة اليهودية، مثل قصة (خلق آدم) وطرده من الجنة وقصة نوح. وذكر أنّ الأصل القديم للمعتقدات الشعبية السابقة على اليهودية انتقل إلى الديانة العبرية، التى اتفقتْ على خلق (آدم) من تراب. وأنّ الإله العبرى خلقه على صورته. ومن ضلعه أخرج (حواء) وكانت نتيجة دراسة (فريزر) أنّ ما ورد فى التراث العبرى لا يختلف إلاّ فى التفاصيل عن خرافات وأساطيرالشعوب السابقة على اليهودية. ثم أورد بعض النماذج منها :
قصة بابلية ورد فيها أنّ الإله (بعل) عندما أراد أنْ يخلق الإنسان وجد التراب يابسًا ويصعب تشكيله. ففكر أنْ يُرطبه. فأرسل إلى الآلهة الأخرى لحضور اجتماع مهم. فى هذا الاجتماع قام الإله (بعل) بقطع رأسه فسال منه الدم الذى اختلط بالتراب ، فبدأ الآلهة تشكيل الإنسان من هذا التراب المُبلل بدم الإله الأكبر(بعل) وفى تفسير الاختلاف بين أخلاق البشر، تقول أسطورة يرويها سكان جزائر(ببلو) أنّ الدم الذى خلط الإله به التراب، كان دم حيوان. وفى كل مرة يخلق فيها الإنسان يخلط التراب بدم صنف من أصناف الحيوان، فمرة يخلطه بدم الفأر، فتغلب على هذا الإنسان ونسله أخلاق الفيران، ومرة بدم ديك ومرة بدم حية إلخ. وتقول أسطوة أخرى آمن بها سكان منطقة فى النيل الأزرق اسمها (السلوك) أنّ الإله (جووك) كان أثناء الخلق يجوب أنحاء الأرض ، فصنع لون الإنسان حسب لون التربة (بيضاء أو سمراء أو سوداء) وتستمر الأسطورة على ذاك النحو إلى أن تقول ((إنّ الخالق قال لنفسه إنّ الإنسان لابد من أنْ يسير على الأرض ليفلحها، ولذلك أعطاه أرجل (الباشروش) ولابد له من حرث الأرض فيلزمه يديْن كى يمسك الفأس ويقطع الأعشاب. ولابد له من عينيْن وهكذا فى باقى أعضاء الجسد.
وفى أسطورة من إحدى الجزر النائية فى المحيط الهندى تقول إنّ الآلهة اختارتْ إلهيْن من بينها لعمل الإنسان الأول. فنجحا فى صنع الرجل والمرأة ثم ترك عملهما لباقى الآلهة. وفى مجمع الآلهة وافقوا على أشياء وعابوا أشياء. وأعادوا الإنسان للإلهيْن المُتخصصيْن، فأخذا يُصلحان من رأس الإنسان وبطنه. رضيتْ الآلهة بهذا التعديل. وصعد الإله الأكبر إلى السماء ليبحث عن روحيْن خالديْن ليضعهما فى جسدىْ الرجل والمرأة فتدب فيهما الحياة الخالدة. ولكنه نسى أنْ يأخذهما معه، فجاءتْ الرياح الأرضية ودخلت فى رئتيهما فتنفسا ودبّتْ فيهما الحياة، ولكنها حياة أرضية فانية. ويرى بعض العلماء أنّ تلك الأسطورة هى التصور الأولى الساذج لفكرة (الخلود) وهى الفكرة التى طوّرها المصريون القدماء فيما بعد. وفى قصة أخرى من القصص التى جمعها فريزر، تطرح السؤال التالى : لماذا كـُتب على الإنسان الفناء؟ هذه القصة (الأسطورة) تؤمن بها قبيلة اسمها (كومس) تسكن منطقة (تشينا جونج) شرق الهند. فيها تصور عن اعتقادهم عن أصل الخليقة. ويؤمنون بأنّ إلههم بعد أنْ خلق الشجر والحيوانات خلق الرجل ثم المرأة من الصلصال ، وظلّ نهاره كله يُشكل فى الصورتيْن حتى تعب فنام ليستريح. وإذا لم يسترح فلا يستطيع مواصلة عمله. وأثناء نومه جاءتْ أفعى فالتهمتْ الجسديْن اللذين صنعهما الإله. فصنع الإله جسديْن آخريْن للرجل وللمرأة. جاءتْ الأفعى وابتلعتهما. غضب الإله من أفعال الأفعى، فخلق كلبًا ضخمًا ليحرس جسدىْ المرأة والرجل أثناء نومه. ظهرتْ الأفعى للكلب فنبح عليها. استيقظ الإله وأبعد الأفعى. واختتم كاتب الأسطورة أنّ هذا هو السبب فى نباح الكلاب كلما رأوا جثة إنسان ((ولكن الإله ينام هذه الأيام نومًا عميقــًا، ونباح الكلب لا يوقظه فتبتلع الأفعى الإنسان. ولعلّ فى تلك الأسطورة البداية الجنينية للشك فى قدرة الآلهة والسخرية من فكرة وجودها من الأساس. وأنّ ذاك الشك يؤكد حقيقة أنّ الإنسان هو الذى (خلق) فكرة الآلهة وليس العكس، والدليل على ذلك أنه لا توجد آلهة بدو بشر يؤمنون بها ويعبدونها ، بينما يوجد بشر لا يؤمنون بأية آلهة.
وفى أسطورة أخرى تؤمن بها قبيلة (شير يمس) إحدى قبائل روسيا تقول إنّ الخالق بعد أنْ شكل الإنسان من صلصال صعد إلى السماء ليبحث له عن روح يحيا به. وجعل الكلب حارسًا عليه حتى يعود. ولكن (الشيطان) انتهز فرصة غياب الإله فأرسل ريحًا عاتية ، فخاف الكلب وارتعب وكاد يموت من شدة البرد. فأحضر له الشيطان رداءً من الفرو ليُغريه. أخذ الكلب رداء الفرو، وفى مقابل ذلك سمح للشيطان أنْ يعبث بالجسد الذى صنعه الإله فأفسده. ولما رجع الإله من رحلته السماوية، اكتشف أنّ التخريب الذى صنعه الشيطان بالجسد يصعب إصلاحه. فأخذ يُقلب الإنسان (ظهرًا لبطن) وهذا هو السبب كما تقول تلك الأسطورة فى أنّ جوف الإنسان قذر، فى حين أنّ ظاهره أملس جميل . وفى الختام لعن الإله الكلب فظلّ ملعونـًا.
ولتفسير فكرة أنّ الإله فى أغلب تلك الأساطير خلق الإنسان على شاكلته (أو على شكله) يرى فريزر أنّ الإله لابد أنْ يكون قد رأى صورته فى مرآة أو ما يُشابهها ليُصوّر شيئـًا مثل صورته. ونقل للقارىء أسطورة (دينية) يؤمن بها سكان إحدى الجزر فى الجنوب الغربى من سومطره. والأسطورة مكتبوبة بأسلوب أقرب إلى نظم الشعر وتقول: إنّ الإله الأكبر(لوو زاهو) كان يستحم فى نهر من الأنهار السماوية ذات المياه النقية الصافية. فلما رأى صورته مُنعكسة على صفحة الماء تاه فخرًا وزهوًا. فخطر فى ذهنه أنْ يخلق من التراب (إنسانًا) يُقلد فيه صورته. فأخذ من تراب الأرض ما شكل به إنسانـًا صغيرًا ووزنه. ثم وزن من الرياح ما يُعادله. وأدخل الريح فى أنف الجسد الذى شكله. فكان الإنسان الأول (سيهابى) كما أطلقوا عليه. وفى أسطورة يؤمن بها سكان إحدى جزر(الفلبين) تحكى أنّ الخليقة بدأتْ بكائن أول أو إله. وكان هذا الإله ضخمًا عظيمًا أبيض اللون ذهبى الأسنان. وجلس فوق السحب فامتلأتْ السماء بضخامته. وكان ناصع البياض، ولا يطيق من فرط حبه للنظافة أنْ يُعكر صفاء بياضه أى شىء، فتعوّد على أنْ يُرفرف بجناحيه ليُزيل ما يعلق بهما. ومن الأشياء التى تناثرتْ من جناحيه تكوّنتْ كومة كبيرة من التراب ، فخطر على ذهنه أنْ يجعل منها (الأرض) ثم فكر أنْ يصنع من التراب إنسانـًا (أنثى وذكر) وبينما كان مُنهمكـًا فى عمله أقبل عليه إله آخر اسمه (تاوو دالم تانا) وطلب منه أنْ يترك الأنف ليصنعه هو. وبعد مناقشة حادة أذعن الإله وسلمه الجسديْن، ثم صعد إلى السماء غاضبًا ، فنسى أنْ يُكمل أحد المخلوقيْن ليكون كالآخر. صنع (تاوو) الأنفيْن وجعلهما مكانهما، ولكنه لسوء الحظ جعل فتحتهما إلى السماء ورضى عن عمله وصعد إلى السماء مطمئنـًا ، فإذا بالمطر يهطل فيرتعش الجسدان وكادا يهلكان. ولما رأى الإله ما بهما من سوء جرى إليهما وأصلح الأنفيْن فكانا كما ينبغى أنْ يكونا.
وكان من بين تعليقات فريزر المهمة أنّ تلك الأساطير كانت تسعى لتفسير(أو لإقناع أنفسهم) بتفسير بعض الظواهر الطبيعية. وأنّ صوت الإله هو صوت المطرقة التى بها يعطى الإشارة لولاة الأطفال. وأنّ الأم أو الأب إنْ كان معهما سيف فإنّ الطفل سيكون (ذكرًا) وإنْ كان معهما (نول نسيج) كان المولود (أنثى) وأنّ المطر دموع الملائكة. وأنهم عبدوا الرياح المُدمرة إتقاءً لغضبها وعبدوا مياه الأنهار للاستمتاع بخيراتها إلخ .
وبعد آلاف السنين جاءتْ الديانة العبرية فنقلتْ قصة خلق الإنسان من تراب كما فعلتْ أساطير الشعوب السابقة على اليهودية، فذكرتْ التوراة أنه فى اليوم الأول خلق الإله السماء والأرض والشجر. وفى اليوم الثانى الماء إلخ وأخيرًا خلق الإنسان فى اليوم السادس ، وقال لنفسه (نعمل الإنسان على صورتنا. فخلق الله الإنسان على صورته) وفى اليوم السابع استراح ((من جميع عمله)) (سفرالتكوين- الإصحاح الأول) وجملة (استراح من جميع عمله) مطابقة تمامًا لجملة شبيهة فى الأساطيرالسابقة. وبينما كاتب التوراة ذكر أنّ خلق الإنسان كان فى اليوم السادس، إذا به يقع فى تناقض فى الإصحاح الثانى مباشرة، إذْ جعل بداية الخلق (آدم) لأنه ذكر فى بداية هذا الإصحاح الثانى ((كل شجرالبرية لم يكن بعد فى الأرض. وكل عشب البرية لم ينبتْ لأنّ الإله الرب لم يكن قد أمطر على الأرض. ولا كان إنسان ليعمل الأرض. ثم كان ضباب يطلع من الأرض (هكذا) ويسقى كل وجه الأرض. وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض)) وبعد عدة آيات قال ((وانْبَتَ الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل)) وهكذا كأنما من كتب الإصحاح الأول شخص آخر غير كاتب الإصحاح الثانى. وبعد أنْ خلق آدم كتب ((أوقع الرب الإله سُباتـًا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحمًا. وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم)) بعد ذلك تدخل القصة التوراتية فى موضوع الحية التى أغرتْ (حواء) بالأكل من شجرة بالجنة، فتم طرد حواء وآدم. وعلى عكس الشعوب القديمة التى لم تتطرق لمسألة الفرق بين المرأة والرجل، نجد التراث العبرى ينحاز للرجل ضد المرأة فيقول النص لحواء ((إلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك)) (تكوين:3) وهذا الموقف من المرأة نجده فى العهد الجديد ، ففى رسالة بطرس الرسول الأولى يقول ((كذلك أيتها النساء كنّ خاضعات لرجالكنّ )) (الإصحاح3) وهو ذات الموقف فى القرآن ((وللرجال عليهنّ درجة)) (البقرة/228) و((الرجال قوامون على النساء)) (النساء/34) وعن قصة خلق (حواء وآدم) نجد القرآن يتطابق مع التوراة فى أشياء ويختلف فى أشياء، فعن التطابق موضوع السكن فى الجنة. ثم الاقتراب من الشجرة المُحرّمة عليهما ثم الطرد (البقرة/35، 36) والاختلاف هنا أنهما خضعا لغواية (الشيطان) وليس لغواية (الحية) كما فى التوراة. ورغم أنّ القرآن لم ينص على خلق حواء من ضلع آدم، فإنّ بعض كتب التفسير أصرّ مؤلفوها على التطابق مع التوراة مثل تفسير الجلاليْن إذْ ورد فيه أنه تم خلق حواء من ضلع آدم الأيسر. ثم يأتى التطابق الثانى فى حكاية ابنىْ آدم (قابيل ويعمل فى الزراعة وهابيل راعى غنم) وعندما قدم كل منهما قربانا للرب فإنه تقبل قربان راعى الغنم ورفض قربان الزارع . ثم تنتقل القصة إلى موضوع قتل الشقيق لشقيقه (تكوين4 والقرآن المائدة/ من 27- 30) ويعود القرآن فيُكرر الحكاية فى سورة الأعراف /من 19- 24. وفى سورة طه- من 117- 123. وكما فى أساطير الشعوب القديمة أنّ الإنسان خـُلق من تراب نص القرآن أنه خـُلق من طين (الأنعام/2)
إنّ قصة (حواء وآدم) فى التراث العبرى تثير عدة أسئلة حول ابنيهما 1- لماذا تبدأ قصة الخلق بأنْ يقتل الشقيق شقيقه؟ هل تسعى القصة لتكريس البغضاء بدل المحبة ؟ 2- لماذا انحاز الإله (فى التوراة والقرآن) لراعى الغنم فتقـبّـل قربانه من اللحوم ورفض قربان الزارع من محاصيل الأرض الزراعية ؟ (أنظر تفسير الجلاليْن لسورة المائدة) وهل لهذا الانحيازعلاقة بما جاء فى التراث العبرى عن الانحياز لبنى إسرائيل والعداء لمصر وللمصريين كما ورد فى العهد القديم والقرآن بالتطابق التام؟ 3- أوقع التراث العبرى نفسه فى اشكالية منهجية خاصة بزواج المحارم، فلأنه بنى قصة الخلق على أنّ (حواء وآدم) هما البداية. وإذا كان لابد من (تعمير) الأرض بالبشر، فلا مناص إذن من أنْ يتزوج الشقيق شقيقته حتى تتم عملية التناسل. أى أنّ التراث الذى حرّم زواج الأقارب، وقع فيما نهى عنه. ولعل هذا ما جعل الشاعر أبو العلاء المعرى أنْ يصيغ تلك الاشكالية فى بيتين من الشعر فقال ((لو تذكرنا قصة آدم وفعاله/ وتزويجه ابنيه لبنتيه فى الخنا/ لعلمنا أصل الخلائق، وأنّ جميع الناس من أصل الزنا)) وكما حدث مع ابنىْ آدم، حدث شىء مشابه فى أصل موسى بن عمران، فوفق النصوص العبرية فإنّ عمران تزوّج من عمته، وكان ثمرة هذا الزواج (المُحرّم) أنْ أنجبا موسى (خروج – الإصحاح 6)
أما قصة الخلق فى الأساطير المصرية، فقد اعتمد كاتبوها على الخيال الخصب الذى ترجم بداية نشأة الكون من المحيط . وفى كتاب (الخروج إلى النهار) الشهير فى ترجمته الخاطئة ب (كتاب الموتى) نجد الإله (آتوم) فى اللوحة السابعة يقول: أنا آتوم تواجدتُ وحدى فى اللج الأزلى (نون) وفى اللوحة رقم 28رسم الفنان رأس إنسان يخرج من أوراق زهرة اللوتس وعلى جانبىْ الزهرة برعمان. والزهرة والبراعم تطفو فوق بركة مستطيلة. وهو رسم رمزى يُمثل بزوغ الشمس يوميًا حسب عقيدة (منف) ويعنى أنّ الشمس تولد كل صباح واسمها (نفر توم) ومعناه (الحُسن التام) وفى اللوحة العاشرة صورة لمركب السماء يجلس بداخلها الإله (آتوم) وهو هنا إله الشمس الغاربة وسط قرصه. ومركب السماء يعبر بها الساعات الإثنتى عشرة من ساعات الليل فى العالم السفلى (أنظر ترجمة محسن لطفى السيد) وفى مجموعة آلهة (منف) فإنّ الإله (بتاح) ((نطق بأسماء كل الأشياء)) وجاء شبيهها فى القرآن ((وعلم آدم الأسماء كلها)) أما قصة الخلق فى مدرسة (هليوبوليس) فتبدأ بإله الشمس (آتوم) الذى تكوّن فى المياه الأزلية (نون) قبل أنْ تتكون السماء والأرض وقبل خلق الكائنات الحية. وقف الآله فوق تل ثم صعد فوق حجر(بن بن) وفكر أنْ يخلق له زملاء (رفقاء) فحمل من نفسه. وبعد هذا الحمل تفل فكان الإله (شو) إله الهواء والإلهة (تفنوت) إلهة الرطوبة. ومع ملاحظة أنّ كلمة (شو) فى اللغة المصريه القديمة تعنى (البصق) وكلمة (تفنوت) تعنى (تف) ثم تزوج (شو) و(تفنوت) وكان ثمرة هذا الزواج أنْ أنجبا الإلهين (جب) إله الأرض و(نوت) إلاهة السماء. وأنجب (جب) و(نوت) كل من: أوزير و(ست) وإيزيس ونفتيس. وبعد هذا الزواج والإنجاب قرّرتْ الآلهة فصل (جب) عن (نوت) أى فصل السماء عن الأرض وكما جاء فى النص ((ففرّقنا بينهما)) وقد عثر الآثاريون على بردية تصور الإله شو وهو يرفع الإلهة نوت بينما يرقد إله الأرض (جب) إلى أسفل وفوق ظهر نوت سفينة الشمس (البردية محفوظة فى متحف برلين – برقم 8)
وإذا كان الإله (بتاح) فى ممفيس هو الخالق بالكلمة (كن فيكون) وهو خالق نفسه، فإنّ خلق الإنسان (أو صناعته) تولاها الإله خنوم بتكليف من (آمون) كان خنوم يجلس أمام آلة الفخار ويصنع البشرمن الصلصال. كما أنه صنع (بناءً على تعليمات آمون) نموذجيْن لكل إنسان : الأول للطفل والثانى ل (الكا) أى روح الطفل. وعند ولادة حورس ذهب خنوم بصحبة القابلة الإلهية (الداية بالمصرى) واسمها (حقت) إلى مكان الولادة التى تشرف عليها الإلهة (مسشنت) وفى متحف الأقصر جدارية بها رسم للإله خنوم وهو يُشكل على دولاب الفخارى الملك (حورس) وقرينه وبجواره الإلهة حتحور تـُقدّم رمز الحياة (متحف الأقصر- برقم 63) وفى كتاب تركه جدودنا المصريون بعنوان (آمون- إم- أوبى) ويرجع تاريخه إلى النصف الأول من الألف سنة الأولى . فى هذا الكتاب يقول الحكيم (آمون- إم- أوبى) : ((لقد خلقنى خنوم ممتازًا. إنه يُوجّه لسانى نحو الخير. إننى لم أدنس فمى بإهانة من أهاننى . إننى استجلبتُ المحبة لنفسى)) ثم يُوجّه نصيحته لابنه قائلا (( كن رحيمًا فى كل شىء. فلا تهزأ بالأعمى. ولا تسخر من القمىء. لا تـُسبب الضرر لأحد)) وقد عثر علماء الآثار على لوح مما يستخدمه تلاميذ المدارس (محفوظ فى متحف تورين) به بعض نصوص من الكتاب المذكور. وقد لاحظ العالم الكبير أدولف إرمان أنّ أحد التلاميذ نقل منه بعض الفقرات ، مما يدل على أنّ البرديات التى كتبها حكماء مصرالقديمة لأولادهم كانت تــُدرّس فى المدارس. وهكذا ارتبطتْ قصة الخلق فى مصر القديمة بالأخلاق والمثل العليا الرفيعة التى أطلق العلماء عليها (فجرالضميرالإنسانى) كما رصدتْ بعض ظواهر الطبيعة، مثل انفصال السماء عن الأرض ، وهى ظواهر لم يكتشفها العلم إلاّ بعد آلاف السنين. إنّ قصة الخلق فى الأساطير المصرية استهدفتْ الكثير من المعانى الإنسانية النبيلة. وطالما أنّ كاتب الأساطير(إنسان) لذا عكس ثقافته القومية وحضارته وهو يكتب تلك الأساطير، ولعلّ ما ورد فى (كتاب الطريقيْن) الذى تركه جدودنا ما يُوضح ذلك ، إذْ قال فيه رب الكون للآلهة (( لقد خلقتُ كل إنسان مثل أخيه. وخلقتُ الآلهة من عرقى.. أما البشر فخرجوا من دموع عينى))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية
- المثالية تعترض على بتر العضو الفاسد
- التشابه والاختلافات بين ثقافات الشعوب
- معبد إدفو : بناؤه وأساطيره
- لبننة مصر مشروع أمريكى / صهيونى / إسلامى
- سهير القلماوى وألف ليلة وليلة
- ألف ليلة والليالى المصرية
- السندباد البحرى والملاح التائه
- فهمى هويدى يعترف بأصوليته
- كعب أخيل والأصل المصرى
- عذرية الإنسان (نص لا يدّعى الشعر)
- الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى
- مصطلح ( متأسلمين ) ومغزاه
- قصص أبطالها حيوانات والأصل المصرى
- سيناء ضحية بين حماس وإسرائيل
- تحولات المستشار طارق البشرى
- إدوارد سعيد : داعية إسلامى
- المثقف بين الولاء للسلطة والولاء لشعبه
- لمصلحة من القتل والارهاب ؟
- الأحزاب الدينية والحداثة


المزيد.....




- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب