|
القرآن 9: الناسخ والمنسوخ
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4180 - 2013 / 8 / 10 - 09:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
استكمل هنا ما كنت قد بدأته حول طبعتي العربية للقرآن وانقل لكم ما كتبته في مقدمة كتابي حول الناسخ والمنسوخ قبل وضع النسخة المنقحة على موقعي، ولكن دون ذكر الهوامش لأن برنامج الحوار المتمدن لا يسمح بذلك. فأرجو القراء ابداء رأيهم.
وفقاً للمصادر الإسلامية استمر الوحي لمدة 23 عاماً وقد صاحب مجتمعاً متغيراً. وكأي نظام قانوني طرأت عليه تغيرات تحكمها ضوابط اختلفت حسب الزمان. وهنا يتدخل موضوع النسخ الذي يعرفه الفقهاء بأنه رفع الشارع حكماً شرعياً بدليل متراخٍ، وبذلك يتبين الفرق بين النسخ والتخصص. فالنسخ يكون فيه النصان الناسخ والمنسوخ غير مقترنين زماناً، بل يكون الناسخ متأخراً عن المنسوخ. وهذا يحدث عندما يتعارض نصان وعُرف تاريخ كل منهما فالمتأخر ينسخ المتقدم. وهنا تكمن اهمية معرفة تسلسل القرآن. وقد كتب العديد من الفقهاء القدامى والمعاصرين حول هذا الموضوع الذي لا غنى عنه لفهم القرآن، ومعرفته شرط لممارسة القضاء والإفتاء. وقد أثار موضوع النسخ خلافات في زمن النبي. واتهمه خصومه بتغيير الأوامر التي يعطيها للمؤمنين. فنزلت آيات قرآنية صرحت بأن هذا التغيير كان بإرادة الله: وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (70-16 : 101) مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (87-2 : 106)
ويميز الفقهاء المسلمون بين أشكال مختلفة من النسخ نذكر منها: - قد تنسخ آية آية أخرى مع بقائهما في القرآن. فيقال هنا: نسخ الحكم وبقاء التلاوة. ونذكر في هذا المجال نسخ حكم الآية 87-2 : 115 بواسطة الآية 87-2 : 144 التي حددت القبلة في الصلاة الى الكعبة. - قد تنسخ آية حكماً في آيةٍ أخرى ولكن كلتاهما رفعت من القرآن مع بقاء حكم الآية الأخيرة. فوفقاً لشهادة عائشة كانت هناك آية تمنع الزواج بسبب الرضاعة إن كانت عشر رضعات، فنزلت آية خفضت هذا العدد الى خمس رضعات وبقي هذا الحكم نافذاً ولكن اختفت الآيتان من القرآن. فيقال هنا: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم. - قد تنسخ آية حكماً في آيةٍ أخرى ولكن الآية المنسوخة تبقى في القرآن بينما الآية الناسخة اختفت منه. فهكذا ما زالت الآية 102-24 : 2 تسن على 100 جلدة في حالة الزنا ولكن هذا الحكم تم نسخه من آية اختفت من القرآن تسن على الرجم وفقاً للخليفة عمر. - هناك آيات أوحيت الى النبي ولكن نسيها من حفظها ومحيت مما كتبه كتبة النبي بأعجوبة. ونجد صدى لهذه الظاهرة في الآيتين 8-87 : 6-7 و 87-2 : 106. - هناك آيات أوحى بها الشيطان للنبي ونسخها الله لاحقاً كما تذكر الآية 103-22 : 52. وهذا ما حدث لما يدعى بالآيات الشيطانية والتي نجد لها صدى في الآيات 23-53 : 19-23. - هناك آيات قرآنية نسختها السنة. فمثلا سن القرآن على الوصية في الآية 87-2 : 180 ولكن هذه الآية نسخها الحديث "لا وصية لوارث". - هناك أحاديث نبوية نسختها آيات قرآنية. فمثلاً هناك حديث عن معاهدة تفرض إعادة كل من أسلم الى المشركين وذلك قبل فتح مكة. ولكن تم نسخ هذا الحديث بالآية 91-60 : 10. - نسخ متعدد: ففي موضوع الخمر تم منعه تدريجياً في ثلاث آيات متوالية وهي الآية 87-2 : 219 التي نسختها الآية 92-4 : 43 التي نسختها الآيتان 112 -5 : 90-91 ولكن دون ذكر عقاب عليه. وقد جاء حديث يقول بأن النبي قد جلد شارب الخمر فيكون قد نسخ الآيات السابقة.
وإن كان النسخ أمراً بديهياً في أي نظام قانوني، إلا أن بعض الآيات القرآنية تضفي بعض الشك حول إمكانية النسخ، نذكر منها: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (55-6 : 34). وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (55-6 : 115). وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (69-18 : 27).
ولكن من يدعمون فكرة النسخ في الإسلام يقولون بأن العهد القديم والعهد الجديد يتضمنان أيضاً مفهوماً موازياً. وحتى اليوم ما زال النسخ يثير الجدل. ففي عام 1975 صرح الرئيس الصومالي زياد بري في خطاب علني أن القرآن نصفه منسوخ أو متناقض ولذلك لا يمكن تطبيقه. وقد أدى ذلك الى إدانته من الأزهر. وقد أودى هذا الجدل بحياة المفكر السوداني محمود محمد طه الذي شنقه النميري عام 1985 لأنه انتقد تطبيق الشريعة الإسلامية معتبراً أن القرآن المكي قد نسخ القرآن المدني الذي يتضمن الأحكام الشرعية. وبسبب علاقة طبعتي هذه مع نظرية هذا المفكر، علينا ان نعير بعض الانتباه لما يقوله.
في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام"، يعتبر محمود محمد طه أن القرآن المكي هو أصل الإسلام، أما القرآن المدني فهو قرآن سياسي يأخذ بالمعطيات المكانية والزمانية. وعليه فإنه يرى أن القرآن المكي ينسخ القرآن المدني وليس العكس. وهذا الموقف يحل معضلة التعامل مع النص القرآني، وهو أحد الدوافع التي جعلتني أنشر القرآن بالتسلسل التاريخي. ووفقاً لما أعرفه لم ينادي محمود محمد طه بنشر القرآن بالترتيب التاريخي، ولكن هذا الترتيب يساعد على فهم نظريته. فالقارئ يرى فيه بصورة واضحة مضمون القرآن المكي ومضمون القرآن المدني ويستطيع أن يحكم بذاته كيف تم التحول من موقف متسامح دون تمييز الى قرآن مُسَيَّس، قتالي، يفرق بين أتباع النبي محمد والآخرين، وبين الرجل والمرأة. فمن الملاحظ أن الآيات المكية تستعمل عامةً عبارة "يا أيها الناس"، بينما الآيات المدنية فقد استبدلتها بعبارة "يا ايها الذين آمنوا". ففرقت بين الناس على أساس الإيمان. قارن على سبيل المثال بين الآية: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" (39-7 : 158) والآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" (92-4 : 144). ولم يفرق القرآن المكي بين الرجل والمرأة، على العكس من القرآن المدني. قارن على سبيل المثال بين الآية: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (70-16 : 97) والآية: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" (92-4 : 34). ويلاحظ في هذا المجال أن آيات الميراث التي تعطي للمرأة عامةُ نصف ما تعطي للرجل في الميراث (انظر مثلا 92-4 : 11 و 176) والآية التي تجعل شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل (87-2 : 282) ، وآيات القصاص والعقوبات قد جاءت في القرآن المدني (انظر مثلا 87-2 : 178 و 179 و 102-24 : 2 و 112-5 : و 33 و 38). وكذلك آيات القتال، ومن ضمنها آية السيف الشهيرة (113-9 : 5) التي سنتكلم عنها والتي اعتبرها الفقهاء المسلمون ناسخة لكل الآيات المتسامحة، بينما يرى محمود محمد طه عكس ذلك.
ويسمي محمود محمد طه القرآن المدني بالرسالة الأولى التي يجب تجاوزها للوصول الى الرسالة الثانية المتمثلة بالقرآن المكي. ولكن بالإضافة الى العواقب القانونية الخطيرة التي توصل لها نظرية محمود محمد طه، فإنها تخالف المنطق القانوني المتعارف عليه ليس فقط في الشريعة الإسلامية ولكن أيضا في كل الشرائع الوضعية التي تعتبر انه في حالة تعارض نصان يعمل بالمتأخر. فمحمود محمد طه يرى عكس هذه القاعدة ويعتبر أن المكي (وهو النص المتقدم) ينسخ القرآن المدني (وهو النص المتأخر).
ونشير هنا الى أن الكتاب المسلمين القدامى والمعاصرين غير متفقين على عدد الآيات القرآنية المنسوخة. فابن الجوزي (توفى عام 1200) يذكر 247 آية منسوخة بينما السيوطي (توفى عام 1505) لا يعترف إلا بـ 22 آية منسوخة هي 3-73 : 1-3* و 87-2 : 180 و 87-2 : 183 و 87-2 : 184 و 87-2 : 240 و 87-2 : 284 و 88-8 : 65* و 89-3 : 102* و 90-33 : 52 و 91-60 : 11 و 92-4 : 8 و 92-4 : 15* و 92-4 : 16* و 92-4 : 33* و 102 -24 : 2 و 102-24 : 58 و 105-58 : 12* و 112-5 : 2 و 112-5 : 42 و 112-5 : 106 و 113-9 : 41. وبعد فحص كل هذه الآيات اعتبرت موسوعة قرآنية نشرتها وزارة الأوقاف المصرية عام 2003 أن فقط الآيات السابقة مع إشارة * يمكن اعتبارها منسوخة. وقد جمع مصطفى زيد كل الآيات التي اعتبرت منسوخة في تسعة مصادر قديمة فوجد عددها 293 آية ولم يقر إلا بنسخ ستة نصوص هي 3-73 : 1-3 و 88-8 : 65 و 92-4 : 15 و 92-4 : 16 و 92-4 : 43 و 105-58 : 12. وأما مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فإنه يقول إن المتفق عليه مما قيل بنسخه لا يزيد عن النصين الآتيين فقط، هما: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً" (105-58 : 12) و "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا" (3-73 : 1 - 3). وما عدا ذلك فهو موضع اختلاف بينهم. ويقول ولي الله الدهلوي عن سعة النسخ عند المتقدمين: "اتسع باب النسخ عندهم وتوسعوا في موضوعه، وكان للعقل فيه مجال فسيح، وللاختلاف فيه مكان واسع. ولذلك بلغت الآيات المنسوخة الى خمسمائة آية، بل إذا حققت النظر تجدها غير محصورة بعدد". وهو يرى انه "لا يتعين النسخ إلا في خمس آيات". ونضيف هنا الى أن بعض المسلمين يرفضون فكرة النسخ جملةً وتفصيلاً.
والاختلاف الشاسع بين مواقف المؤلفين المسلمين في هذا المجال يدعو الى الحذر قبل أن نحكم على آية بأنها منسوخة أم لا. وسوف نقتصر في الهوامش على ذكر الآيات التي اعتبرتها المصادر المختلفة منسوخة ولكن دون أخذ موقف بخصوصها. ومن يهمه التوسع في الأمر يمكنه الرجوع للمصادر الحديثة التالية: - إبراهيم الأبياري: الموسوعة القرآنية، مؤسسة سجل العرب، القاهرة، 1984، الجزء الثاني، ص 537-568. - الموسوعة القرآنية المتخصصة، وزارة الأوقاف، القاهرة، 2003، ص 632- 650. - عبد المنعم الحفني: موسوعة القرآن العظيم، مكتبة مدبولي، القاهرة، جزء 2، ص 1475-1535. - مصطفى زيد: النسخ في القرآن، دراسة تشريعية تاريخية نقدية، دار وفا، المنصورة، طبعة 3، 1987. هذا ويمكن للقارئ متابعة الناسخ والمنسوخ آية بعد آية من خلال موقع مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي وإن لم يكن هذا الموقع شاملاً. ويمكنه أن يحمل من الإنترنت مجاناً العديد من الكتب والمقالات حول هذا الموضوع.
وأكثر النقاط حساسية في مجال النسخ هو الآية التي تسمى آية السيف وهي الآتية وفقاً للرأي الغالب: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (113-9 : 5).
فقد اعتبر فقهاء قدامى أن هذه الآية نسخت 124 او 140 آية متسامحة من القرآن ومن بينها الآية الشهيرة "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (87-2 : 256). ويمكن تفسير مواقفهم هذه التي يتبناها أحياناً المتطرفون المسلمون بالعلاقات المتأزمة بين المسلمين وغير المسلمين في بعض العصور. ويرفض كُتَّاب مسلمون معاصرون مواقف الفقهاء القدامى مفضلين إعطاء صورة سمحة عن القرآن. وسوف نذكر في الهوامش الآيات التي نسختها آية السيف ولكن دون أخذ موقف منها مع البقاء في حالة الحذر حتى لا يتم اللجوء إليها حالياً كما لجأ إليها الفقهاء القدامى. فالعلم بالشيء خير من الجهل به. وقديماً قال الإمام علي لعبد الله بن عباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج: "لا تخاصمهم بالقرآن فان القرآن حمَّال أوجه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة". فالقرآن واحد وقد أوله أصحابه حتى جعلوه يقول شيئاً وعكسه في آن واحد. والسنة واضحة في هذا المجال إذ يقول النبي محمد: "من غير دينه فاقتلوه". وما زال المسلمون الى يومنا هذا غير قادرين على إلغاء حد الردة وعلى الاعتراف بالحرية الدينية رغم ما تقوله الآية المذكورة أعلاه "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ". حتى إن القانون الجزائي العربي الموحد الذي اعتمده بالإجماع مجلس وزراء العدل العرب التابع للجامعة العربية عام 1996 يعاقب المرتد بالإعدام في المادة 163. ونجد نفس العقوبة في المادة 150 من وثيقة الدوحة للنظام (القانون) الجزائي الموحد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام 1998. وفي مجال الأحوال الشخصية، يُمنع المرتد من الزواج ويفصل من زوجته إن كان متزوجاً ويسحب أطفاله منه ويفتح ميراثه كما لو كان ميتاً. وهذا جاء في القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية الذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب التابع للجامعة العربية عام 1988.
ويرى المنظِّرون الإسلاميون أن تطبيق الشريعة الإسلامية مناط بعامل التمكن. ففي وقت الاستضعاف كان النبي يُخاطب بالآية: "وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا" (الأحزاب 90-33 : 48). فلما حصلت المنعة والقوة خوطب بالآية: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ" (التوبة 113-9 : 73). فإذا عاد الضعف للمسلمين عملوا بآية الأحزاب وإذا رجعت إليهم القوة والمنعة عملوا بآية التوبة وفي كلا الحالين هم مطبقون للشريعة الإسلامية. ويعتمد هذا الرأي على ابن تيمية الذي يقول: "فحيث ما كان للمنافق ظهور وتخاف من إقامة الحد عليه فتنة أكبر من بقائه عملنا بآية: "وَدَعْ أَذَاهُمْ" (90-33 : 48) كما أنه حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح ["فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" (63-43 : 89)؛ "فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ" (87-2 : 109)]. وحيث ما حصل القوة والعز خوطبنا بقوله: "جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ" (113-9 : 73). ويعتمد من يريد هدم الأهرامات وأبو الهول في مصر الآن على عامل التمكن لتبرير عدم هدمها في السابق.
هذا والآيات الناسخة والمنسوخة في طبعتنا هي تلك الموجودة في النص الحالي للقرآن، ولا نتكلم عن الآيات التي اختفت منه دون ترك أثر لها. فقد ذكر المؤلفون المسلمون أن الملاك جبريل كان يراجع القرآن كل سنة مع النبي، وفي آخر سنة كانت المراجعة قبل وفاته. وكان الملاك يحذف عدداً من الآيات في كل مراجعة. ورغم ما يتضمن هذا الكلام من خرافة إلا أن السيوطي (توفى عام 1505) يذكر لنا إن عدد آيات سورة الأحزاب 90-33 كان 200 آية أو أطول من سورة البقرة 87-2 التي تتضمن 286 آية، ولكن لم يبقَ منها حالياً إلا 73 آية. ويعطي السيوطي أمثلة أخرى لسور وآيات اختفت من القرآن وينقل عن أبي عبيد: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله. قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر".
وقد اختصر الشيخ مصطفى راشد الحالة التي عليها القرآن الأن في مقال نأخذ منه خلاصته: أن القرآن الكريم المسمى بمصحف عثمان، الموجود بين أيدينا الآن، هو ما تمكن عثمان بن عفان من جمعه أو أراد ذلك، وتمسك به دون باقي المصاحف، ثم أحرق باقي المصاحف، مثل مصحف عبد الله ابن مسعود، ومصحف ابن عباس، ومصحف عائشة، وغيرهم مما جعل الصحابة والمسلمين، وعلى رأسهم السيدة عائشة، يكفرون عثمان ويطالبون بقتله، ثم يرفضون دفنه بعد قتله في مقابر المسلمين. وبالفعل دفن في مقابر اليهود بمنطقة حش كوكب بالسعودية. ونحن لا نستطيع أن ننكر أن هناك الكثير من الآيات المفقودة. وعلينا أن نكون صادقين مع الله ونقر ونفتي بأن القرآن غير مكتمل وان من يقول بغير ذلك فإما جاهل أو يكذب على الله وهو الكفر بعينه والعياذ بالله.
وهذا القول يعطي معناً لما يسميه المسلمون "مصحف عثمان"، باعتباره ليس القرآن الذي "نزل" على محمد بل القرآن كما "وافق" عليه عثمان، علما بأننا نستبعد تماماً فكرة نزول القرآن لأنها خرافة، فكل كتاب بشري بالبديهة.
د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
-------------------------------------- أطلبوا كتبي http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن 8: التقديم والتأخير
-
القرآن 7: اختلاف القراءات
-
حد الردة 1 - الأزهر مؤسسة اجرامية
-
متطلبات الدستور الحديث في مصر
-
معروف الرصافي والقرآن
-
نسخة محدثة من طبعتي العربية للقرآن
-
القرآن 6: التسلسل التاريخي للقرآن
-
القرآن 5: أسباب النزول
-
القرآن 4: القرآن والشعر الجاهلي
-
سورة الحمار
-
صوم وصلي رزقك يولي
-
القرآن 3: مؤلف القرآن من خلال مصادره
-
القرآن 2: مؤلف القرآن
-
القرآن 1: جمعه وفقاً للتقليد الإسلامي
-
لماذا تهجمك الغامض على الاسلام؟
-
توقفوا عن صيام رمضان لمكافحة الجوع
-
جريمة الختان 154: رأي موسى بن ميمون
-
حد الردة: لقد وصل السيل الزبى
-
وزراء عدل عرب اولاد عاهرات
-
جريمة الختان 153: رأي القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|