سرمد السرمدي
الحوار المتمدن-العدد: 4178 - 2013 / 8 / 8 - 12:01
المحور:
الادب والفن
قد تكون المشكلة التي نحاول النقاش حولها ممتدة في عرض صفحات تأريخ المسرح وطولها منذ بدأ الحديث عن خصوصية فن الإخراج وخاصية المخرج وأسس الاختصاص التي تقوم عليها وظيفته في العرض المسرحي, إلا أنها يمكن أن تختصر بالسؤال عن إمكانية التعرف على ما تكشفه لنا طرق تعامل المخرجين مع عناصر فن المسرح في العروض المسرحية التي تقدم من على مسارح مدينة الحلة مركز محافظة بابل العراقية, أن أهمية فن الإخراج المسرحي لا خلاف حولها بوصفها أحد أهم العناصر الجوهرية التي تميز هذا الفن عن غيره من الفنون. أما في مسرحية العميان للمخرج المسرحي الأكاديمي محمد حسين حبيب, التي عرضت بتاريخ 11-03-2013م من على خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل, , فقد استثمر المخرج عالمية النص المسرحي مرة أخرى ليرسخ دوره الأكاديمي دون إن يحاول الخروج من معطف الأستاذ ليرتدي قبعة الفنان المجرب بعيدا عن المنهج الدراسي والهدف العام للمؤسسة الأكاديمية التي يمثلها في نتاجه المسرحي, وهذا ما يحسب له بكل امتياز على المستوى الفني لا الفكري الذي خالف ما سبق وقدمنا من ملامح الوعي العراقي المنشود, لأن هذا المنحى اقرب في سعيه لإيجاد خلاص في هدم الذات منه إلى بناء مجتمع مكون في الأساس من مجموع هذه الذوات, خاصة وان المسرحية من إنتاج قسم الفنون المسرحية وعرضت على احد مسارحه كأحد مؤسسات دولة ينبغي إن تقدم لمواطنيها الحلول بدل النحيب على عدم وجودها, إما في تعامله مع الممثل وبصفته أستاذا أكاديميا عمد الأستاذ الدكتور محمد حسين حبيب إلى التوفيق بين ما يقتضيه الدرس النظري وكيفية تجسيده على الصعيد العملي بالطريقة التي يرى أنها مناسبة لمستوى الطلبة المشاركين في هذا العرض المسرحي وذلك انعكس على أداءهم التمثيلي مخلفا آثارا تعد النسبة الأعلى منها ايجابية لو تحقق شرط استمرار هذا الدرس من قبل الأستاذ فيكون القياس على ذلك رهن بالعمل القادم لنفس كادر العمل الحالي, حيث توقف المخرج عند عقبات كثيرة حالت دون صقل الممثلين لأداء أدوارهم بالشكل الذي يأمل أي مخرج يتصدى لنص مسرحي عالمي, وهذه العقبات تندرج في إطار الدراسة الأكاديمية النظرية والخبرات العملية للطلبة الممثلين في هذا العرض, فعلى صعيد الدراسة النظرية لم يكن للمثلين سياقا منهجيا كطلبة في قسم الفنون المسرحية تسخر لهم لكي يوازن بين المعلومة وتطبيقها, فلم يتسلسل مفهوم التمثيل لديهم على وفق مدارس التمثيل المتعددة من خلال تطبيقات عملية لكل مدرسة ترافقهم في كل مرحلة دراسية طيلة دراسة البكالوريوس, لكي يصل بهم أخيرا إلى مستوى يمنحهم القدرة على محاكاة أستاذ في فن الإخراج المسرحي, إما على مستوى الخبرات الفردية فمجموع أعمالهم المسرحية السابقة لم تتخذ أيضا ذلك السياق المنهجي لاستيعاب فن التمثيل إلا من خلال ارتجال يعادل ارتجال من لم يدرس التمثيل أكاديميا, ذلك الممثل الذي يعتمد على موهبة تصقل بالممارسة ليتمخض عنها خبرة متراكمة يقاوم بها عمرا يتقدم دون الخروج من النمطية المتوقعة بالضرورة, إلا إن هذا لا يعني إن المخرج لم يكن محاولا بكل جهد إن يرفع من مستوى الأداء كما اتضح من تطور نسبي في أداء الممثلين, لكن هذا التطور تجسد في شكل قفزات هنا وهناك على صفحة العرض كما النقاط البيضاء تجتذب انتباه المتلقي لصفحة سوداء, وكان للإضاءة المسرحية دور مهم في توضيح هذه النقاط إلا أنها لم تكن بالمستوى المنشود لكي تبقيها بيضاء طوال فترة العرض. وفي مسرحية ني عراقي للمخرج الأكاديمي عباس التاجر, والتي عرضت المسرحية من على خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل بتاريخ 16-6-2013م, يستمد الإخراج خطته استنادا إلى توزيع محكم لقدرات الممثلين اللاعبين في تمكنهم من استعراض طاقتهم على أساس أن محيطهم المسرحي مساند بالدرجة الأولى على الرغم من اعتماد عنصر الديكور الذي كاد أن يكون لوحة تجريدية بوصفه محركا للفراغ الذي يستبعد ضمن تسلسل انتقالات الممثل نحو إزاحة متنوعة في وسائل تحقيقها حينما استثمرت خطة الإخراج كل التلوين الممكن في الأداء ليولد قدرة صراع مطلوبة من خلال بذرة حوار شعري استنطقه دوران الشخصيات التي تخطت عتبة الأدب المسرحي انطلاقا نحو أفق مشكل بعنصر أساسي كان ولا بد أن يوجد على حد معين من حلبة الصراع مستقلا بذاته كمشهد مرافق للحدث المعروض من ناحية ومسيطرا دائما عليه من ناحية أخرى في إطار نفي لوجود محرك خارجي لدوافع الشخصيات تلازم بحكم قصد المخرج مع إجادة إثبات إمكانية كون التحريك الخارجي شماعة ضعف داخلي لا محالة من مواجهة منشودة له نحو طريق بناء مستقل الإنسان الوطن أجاد الدعوة إليه فنيا المعد والمخرج المسرحي الأستاذ الدكتور عباس التاجر والذي امتلك من الجرأة الكثير مما دفعه ليقتحم المسرح والشعر من زاوية مغايرة تفجر جدلا حول ماهية الشعر في المسرح المعاصر. فيما يخص مسرحية المخرج سامي الحصناوي , التي عرضت في يوم الأحد الموافق 2011-05-16م, من على مسرح كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل, بالنسبة للإخراج المسرحي, ان العمل الذي قدمه سامي الحصناوي او تقدم من خلاله سامي الحصناوي ليؤكد وجود سامي الحصناوي كخليفة سامي عبد الحميد المونودرامي من على ذات خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة الذي عرضت فيه مسرحية لسامي عبد الحميد قدمت بذات الشكل المونودرامي لجمهور اساتذة وطلبة الكلية قبل اشهر من العرض الذي نناقشه, ان خارطة هذا العرض المسرحي الأخراجية لا تتعدى كونها انعدام التوازن الكلي في اداء مخرج هو بحد ذاته يؤدي دورا مسرحيا رئيسيا في المسرحية فمسألة انعدام الرؤية الأخراجية تجعل من اهمية وجود المخرج كمشاهد أول للمسرحية تعتلي قائمة الأخطاء التي لم يعي سامي الحصناوي لها بالا, فقد اعتمد آلية تقسيم الرقعة الجغرافية على خشبة المسرح وفقا لخط سير الشخصية التي افترض انها تم تمثيلها لدرجة ان لم يعد للمتلقي حجة في كل المعوقات الفنية التي ترافقه عندما يهم بالتفاعل مع المسرحية, ومن تلك المعوقات الكبيرة هي الرتابة التي ترتب عليها ارتباك شديد الأثر في نزع كل فتيل يمكن ان يفجر لهذه المسرحية اثرا في ذائقة المتلقي للدرجة التي لم يعد صعبا ان يتوقع كل المتلقين اين سوف يبكي سامي الحصناوي في نهاية كل خطاب اقتنع انه تم تمثيله بالشكل الكافي لمجرد ان النصف دائرة اكتملت, فالخطة الأخراجية برمتها تعتمد على نصف دائرة كان الممثل سامي الحصناوي يلصق خطواته بها دور مبرر وعنوة في اغلب الحيان وكانه رسم خطا ابيضا بالطبشور لكي يثبت لنفسه اولا ان هنالك خطة اخراجية مفادها خروج الشخصية تلو الأخرى من اقصى المسرح وانتهاء دورها الجزئي عند وسط الوسط تقريبا وهذه هنا منطقة البكاء التي ينزل فيها سامي الحصناوي على ركبتيه للمرة الرابعة على التوالي متجاوزا كل الرتابة التي تبثها خطته الأخراجية في فضاء المسرح مقتنعا بأن الجمهور سيصفق لكي يستمر بالذهاب مرة اخرى لأستكمال النصف دائرة والعودة لأجل التصفيق الأجباري, فلو لم يصفق الجمهور لتسمرت قدماه على الأرض منحنيا على ركبتيه صارخا بأعلى مااستطاع من طبقات صوته صاما بذلك اذان المتلقيين وحينها لم يعد الفرق واضحا عند تصفيق الجمهور هل هذا التصفيق تفاعلا بين الخشبة والصالة ام تعويذة تصفيق وقاية من لعنة فنية اخراجية تهجم من الخشبة على جمهور الصالة فلا يجد طريقا لأنهاء الصراخ الا التصفيق. أن الأهداف المنشودة من هذا النقاش حول الإخراج ذاته قد لا تخرج من دائرة البحث عن دور أفضل للفن المسرحي في رفد المشهد الثقافي بالوعي الاجتماعي الذي يعول عليه في بناء مستقبل أفضل للواقع العراقي بشكل عام, وحينما يحاول المتابع رسم حدود موضوعية لإقامة نقاش حول مستوى فن الإخراج المسرحي لا يتم بالضرورة الخروج عنها إلى باقي عناصر الفن المسرحي لكي لا تكون نتائج النقاش مجرد آراء عامة في فن المسرح, وحتى يكون للنقاش أسس موضوعية لابد لها من حد زماني ربما كان المعاصر منه هو الأجدى بالنقاش, والذي يتجسد في ما جاد لنا متابعته من مسرحيات ما بعد 2003م, إلى غاية مسرح 2013م وقد يجسد هذا الإطار عشرة سنوات تبدو ملائمة لدراسة فن الإخراج المسرحي في بابل, على أن هذه السنوات التي خرج فيها الفن من تحت مظلة الرقابة تبدو كافية لاستخراج نقاط يمكن النقاش حولها نحو نتائج تفضي إلى رفع مستوى الأداء المسرحي بشكل عام.
#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟