أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد حمودي عباس - حصار الثقافة .














المزيد.....

حصار الثقافة .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6 - 12:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد لمن يمتلك وعيا في بلادنا ، الا ان يقتني أقنعة عدة ، ليضع واحدا منها يخفي ملامح شخصيته ، وآخر يلغي مساحة من وعيه ، وثالث يظهره وكأنه غير مدرك تماما لما يجري من حوله .. فيبدو وهو بتلك الاقنعة الثلاث ، آمنا مطمئنا ، لا يهمه أكثر من أن تنعم عليه الحكومة بمكرمة تزيد راتبه ، ليبدو مترفا ، عندما يضم لمائدته سلسلة من التين المجفف أو علبة من الزيتون الاسود المستورد ..
الواعي في بلادنا ، لا يخيف أحد ، ولا يهابه أحد ، ولا يهرب من أمامه حتى صرصور دورات المياه .. إنه مخبول كأولئك الذين يجوبون الازقة بأسمالهم ، لا تتوقف لمرورهم السيارات العابرة عند تقاطعات الطرق .. وإن بالغ أحدهم في الاستهتار بإقحام نفسه وافكاره قسرا ليسبح في مياه المحيط ، فسوف تنهشه الحيتان ، ولا تبقي منه الا يافطة سوداء تنعى استشهاده قد تعلق في حارة تأكلها الجرذان ، وتسود ها حركة المياه الثقيلة الطافحة فوق البيوت .
ربوعنا عامرة بكل انواع الخضروات ، والفواكه ، وجميع سلالات البطيخ وأجيال الطماطم المحملة بفيتاميات تدخلت في توفيرها مختبرات الدول المصدرة ، لتنعم علينا بفوائد تذهب عنا فقر الدم .. ولدينا شتى أنواع الادوية الفاقدة الصلاحية ، والتي تكرمت علينا بها الهند والباكستان وماليزيا ، ولا استبعد أن تدخل علينا المحروسة افغانستان حين يستقر الامر بها الى بر الامان ، لتمنحنا بركاتها في توفير أزياء الحجاب للمرأة المسلمة ، الى جانب سخائها في تسهيل مهمة خلود شبابنا للنوم ، تحت تأثير زهرة الأفيون ..
كل شيء عامر في بلادنا ، وكل شيء مباح عملا بمبادئ الحرية .. والديمقراطية .. وبتطبيق حرفي لمواد الدستور .. ولكننا ليس لنا أن ندعي بامتلاك ناصية القول بما لا يقول به فقهاؤنا الآتون من سلالات الشرف العربي الأصيل .. فالتاريخ ليس فيه متسع من الوقت لكي ينهض من كبوته ويستمع الى ترهات اسمها الثقافة ، والجماهير لا تمتلك أن تقف ولو للحظات كي يشغلها واحد من اولئك المساطيل ، ممن يدعون بأن التمدن يقضي بحرمة تزويج القاصر من البنات ، أو ضرورة أن يحرم تكبيل أجساد الاطفال منهن بحجاب فرض على الكبار .. الجماهير في بلادنا لا يرضيها أن يقف في طريقها ( مثقف )برؤى تختلف عن رؤى الاسلاف الأماجد ، وهي إن تجرأ أحد وبسط أمامه غير الذي تملكه من معتقدات جاهزة ، وسهلة على الهضم ، فسوف تمد له لسانها مع ( عفطة ) ترده الى مقاديره .
كم يثير في نفسي السخرية حينما أسمع بهرج ينطلق من محفل مثقف ، طربا لخبر افتتاح بيت للثقافة في تلك المدينة العربية أو هذه .. وأنا على يقين بأن ذلك البيت سيخبو نوره منذ اللحظات الاولى عندما تغزوه منابر الوعظ المعروفة بشهوتها للخطابة .. وكم تبكيني هيئة أبواب تلك البيوت ، وهي مطلية بغبار النسيان ، يهجرها حتى حراسها لعدم توفر معاشات حراستهم ، فتبعدهم عنها عوالم الشعور بوحشة المكان .
أية ثقافة هذه التي أضحت محركاتها بلا وقود ، وغابت من حولها مصادر الديمومة وصور الحياة المتجددة ؟ .. فلا مسرح ولا سينما ولا غناء ولا رياضة ولا موسيقى ، ولا تحفها عطاءات المبدعين في مجالات الشعر والادب الخلاق ؟ .. أية صهوة يمكن للمثقف في بلادنا أن يركبها غير تلك التي ترحل به صوب سوح المعارك الغابرة ، ولتجعله نهبا لصفحات تاريخ مزيف ؟ ..
في رابعة العدوية ، دخلت مدينة القاهرة كهوفا مظلمة كتلك التي يستهويها الاطفال في رياضهم ، وهم يواجهون خلال رحلتهم صور الرعب المصطنعة .. وتقيأت جحافل المتجمهرين هناك سيولا من الوسخ الآدمي ، تاركة واحة من القاذورات البدنية والعقلية ، لتجعلها تهديدا لمن يعترض على دستور الاخوان المسلمين ، القاضي بحرمة الفرح والابتسام والقول بغير قول الله حتى ولو في السر .. في رابعة العدوية والنهضة المصريتين ، هزمت الحضارة والمدنية وحقوق الانسان ، أمام غزوات الروبوتات البشرية المتحركة هناك ، وهي تقطع المياه وخطوط الكهرباء عن العمارات المحيطة بالحي المجاور ، ومن لا يعجبه ويتفوه بغير مرضاة الله ورسوله ، فمصيره القتل تعزيرا حتى ولو بسواطير تقطيع اللحوم ..
والقاهرة إن حوصرت فيها الثقافة بعد ان حوصرت في العراق ، فليس من مدع بها في أي مكان من ربوع ارض العرب .
رحم الله الثقافة العربية .. ولها منا الذكر الطيب .

حامد حمودي عباس



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظمات المجتمع المدني في العراق .. والدائرة المغلقه
- الأستاذ برهان غليون .. انه النبأ اليقين
- حقوق المرأة في اقليم كرستان .. الى أين ؟
- الحرب الطائفية في سورية .. وكذبة الأمة الواحدة
- حقيقة التدخل الدولي في سورية ( مداخلة مع الاستاذ سلامة كيلة ...
- فراشاتي الثلاثه
- هجرة الارياف الى المدن ، واحدة من الاسباب المهمة لظاهرة البط ...
- بذور عباد الشمس
- رمية في بحيرة الربيع العربي .
- كنت في القاهره ( تجربة في طيات مخيلة ممنوعة من السفر )
- داء الوعي
- أوراق صفراء
- اللعبة القذره ..
- قوافي مبعثره ..
- تردي الوضع البيئي في العراق .. من المسؤول ؟ ..
- هل من دور للحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي ؟
- لم يتبقى لقوى اليسار الآن غير أن تتوحد
- نغم .. والغول .
- حياة ميت
- عيون وخيال ..


المزيد.....




- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
- بعد القطيعة.. هل هناك أمل في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؟ ...
- ضابط أوكراني: نظام كييف تخلص من كبار مسؤولي أمن الدولة عام 2 ...
- رئيسة البرلمان الأوروبي: ما يحدث في ألمانيا اختبار حقيقي لأو ...
- مباشر: قتلى وجرحى في ضربة إسرائيلية على مبنى سكني وسط بيروت ...
- أوكرانيا تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة دفاع جوي حد ...
- غارات إسرائيلية مكثفة على وسط بيروت والضاحية
- أوكرانيا تطالب الغرب بأنظمة دفاع جوي حديثة للتصدي لصواريخ رو ...
- عشرات الشهداء والجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة من غزة ...
- كيف يواصل الدفاع المدني اللبناني عمله رغم التهديدات والاستهد ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد حمودي عباس - حصار الثقافة .