|
استعمال النص:القصيدة الغوثية-الخمرية للشيخ الجيلاني نموذجاً-الحلقة الأولى
أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)
الحوار المتمدن-العدد: 4175 - 2013 / 8 / 5 - 07:46
المحور:
الادب والفن
الحلقة الأولى:
كان كتاب "العمل المفتوح" الذي صدر عام 1962،هو بداية مشروع أمبرتكو أيكو في مقاربة إشكالية التأويل.و توالت بعد ذلك كتبه العديدة و محاضراته. يقول إيكو في فصل "التأويل و التاريخ" من محاضراته عن التأويل والتأويل المضاعف" أصدر كاستييه سنة 1957 كتابا تنبؤيا بعنوان " زمن القارئ ". وفي سنة 1962 كتبت " العمل المفتوح ". ولقد دافعت في هذا الكتاب عن الدور الفعال للمؤول في عملية قراءة النصوص ذات الصبغة الجمالية. ولم ير القراء في هذا الكتاب سوى جانب "الانفتاح "، متناسين أن القراءة المفتوحة التي دافعت عنها هي نشاط نابع من أثر فني ( عمل يهدف إلى إثارة تأويل ). وبعبارة أخرى، لقد درست في هذا الكتاب الجدلية القائمة بين حقوق النص وبين حقوق المؤولين. ولدي الآن إحساس أن حقوق المؤولين فاقت في السنين الأخيرة كل الحقوق. أما كتبي الأخيرة فقد استندت فيها إلى السميوزيس اللامتناهية. وقد حاولت، في المؤتمر الذي عقد في هارفارد في سبتمبر 1989 حول بورس، أن أبرهن على أن مقولة السميوزيس اللامتناهية يجب ألا تقودنا إلى القول بغياب قاعدة للتأويل. فالقول بأن التأويل ( باعتباره مظهرا رئيسا للسميوزيس ) قد يكون لا متناهيا، لا يعني غياب أي موضوع للتأويل، كما لا يمكن القول بأن هذا التأويل تائه بلا موضوع ولا يهتم سوى بنفسه. فالقول بلا نهائية النص، لا يعني أن كل تأويل هو بالضرورة تأويل جيد.
و من أهم كتبه في التأويل "دور القارئ" و "القارئ في الحكاية" و "حدود التأويل" و محاضرات المهمة التي صدرت ضمن كتاب"التأويل و التأويل المضاعف-المفرط". و قد حاول إيكو أن يؤسس مشروعه في مضاداة كل من البنيوية و و التفكيك.جمع أمبرتو إيكو بين الأكاديمي و كاتب الرواية،مما مكنه من أن يقارب موضوعة المؤلف في علاقته بالتأويل.بينما يرى البعض أن حوامل التأويل هي المفهوم و النص و القارئ،يرى إيكو أنها تتمثّل في المؤلف و النص و القارئ.
و يجري إيكو تمييزا مهما بين المؤلف الفعلي-التجريبي و المؤلف النموذجي،و كذلك بين القارئ الفعلي-التجريبي و القارئ النموذجي و هو القارئ الذي يتوجه إليه المؤلف النموذجي.كما يجري تمييزا بين مقصد المؤلف و مقصد القارئ و مقصد النص.يقول في مداخلة له حول "سيميائيات التلقي" في معرض حديثه عن التقابل بين المقاربة التكوينية و المقاربة التأويلية" التقابل شائع بدوره في مجال الدراسات الهيرمينوطيقية ومتشعب إلى ثلاثة أصناف هي : التأويل باعتباره بحثا عن مقاصد الكاتب (L intentio - auctoris) والتأويل باعتباره بحثا عن مقاصد النص (L intentio-operis) والتأويل باعتباره بحثا عن مقاصد القارئ (L intentio-Lectoris). و هو يعطي الدور الرئيس لمقصد النص،ذلك أن مقصد المؤلف لا يصلح كمعيار لتأويل النص،فالمؤلف التجريبي-الفعلي ينطلق من الجانب الواعي فيه،و لا يكون على اطلاع بالجانب اللاوعي ،بينما يتجسّد في المؤلف النموذجي كلا الجانبين و يصبح المؤلف بهذا الفهم استراتيجية نصية.
و قد أفادت تجربة إيكو كمؤلف من خلال اطلاعه على ما يكتبه النقاد و ما يدلي به قراؤه من ملاحظات و تساؤلات،أفادته في التوصل إلى أن المؤلف التجريبي غير قادر على الإلمام بكل جوانب و تفاصيل نصه.و لهذا يرى أن ما يقول به المؤلف التجريبي يجب ألا يؤخذ به كحجة قاطعة في تأويل النصوص.يقول في محاضرته "المؤلف و النص":
(هناك حالة يستحب فيها استحضار قصدية المؤلف. إنها تلك التي يكون فيها المؤلف ما يزال على قيد الحياة، حيث يقوم النقاد بتأويل نصه. في هذه الحالة سيكون مفيدا جدا مساءلة المؤلف إلى أي مدى كان واعيا، باعتباره مؤلفا محسوسا، بمجمل التأويلات التي تعطى لنصه، وذلك من أجل تبيين الاختلافات بين قصدية المؤلف وقصدية النص. إن طبيعة التجربة ليست نقدية بل هي نظرية. وقد تكون هناك حالات أخرى يكون فيها المؤلف نفسه منظرا للنصوص. وفي هذه الحالة من الممكن أن نكون أمام نوعين من ردود الفعل : سيرد أحيانا قائلا : " لا لم أكن أود قول هذا، ولكن علي أن أعترف بأن النص قد يوحي بذلك، وأشكر القارئ الذي نبهني إلى ذلك؛ < أو يقول : " بغض النظر عن كوني لم أكن أود قول ذلك، فإني أعتقد أن قارئا مسؤولا لا يقبل بتأويلات من هذا النوع، لأنه تأويل يشتمل على خصائص غير اقتصادية ". إن الأمر يتعلق بإجراء لا يعتد به، ولا يمكنني أن أستعين به لتأويل نص ما. وألجأ إليه الآن فقط باعتباره تجربة مخبرية أقدمها لمجموعة من العلماء. وأتوسل إليكم، لا تخبروا أحدا بما يحدث الآن، إننا نلهو بطريقة غير مسؤولة، تماما كما يفعل علماء الذرة الذين يفترضون سيناريوهات خطيرة لحروب مدمرة. وها أنا أحدثكم الآن، من موقع موضوع للتجربة وموقع رجل علم، عن بعض ردود أفعالي، باعتباري مؤلفا لروايتين، تجاه بعض التأويلات التي أعطيت لرواياتي.
إذا كانت البنيوية تحدّ من سلطة القارئ على حساب بنية النص،و التفكيك يطلق يد القارئ في التأويل على حساب بنية النص،فإن إيكو يقف مناقضا لكل من التأويل المغلق و التأويل اللامحدود.و يطرح في مقابل ما يسميه "التأويل المضاعف-المفرط" ،التأويل الاقتصادي أو المعتدل،و هو المتحقق في الأفق الذي ينصهر فيه كل من النص من خلال سننه و بنياته و انسجامه،و القارئ النموذجي الذي يكون بالضرورة مطلعا على "موسوعة" النص و التناص و الشروط التاريخية و الاجتماعية التي أنتجت فيها اللغة و يسمي إيكو ذلك بالكفاية الموسوعية و الكفاية التناصية.و عن "الموسوعة" يقول إيكو ص 96 من "دور القارئ في الحكاية" "و في سبيل أن يفعِّل القارئ البنى الخطابية،يعمد إلى معارضة التجلي الخطي بنسق القواعد الموفور في اللغة التي كتب بها النص،و في الكفاية الموسوعية التي تحيل إليها اللغة على جري تقليدها".
و تحت عنوان فرعي "استدلالات سيناريوهات تناصية" يقول إيكو في ص 102 في "دور القارئ في الحكاية" "إن أي نص لا يُقرأ بمعزل عن الاختبار الذي يتولَّد لدى القارئ من مقاربته نصوص أخرى (مماثلة أو مختلفة).ذلك أن الكفاية التناصية (أنظر بالأخص كرستيفا،1970) تمثِّل حالة من الترمُّز العالي خاصة و من شأنها أن تصوغ سيناريوهاتها المخصوصة بها"..و يلح إيكو كثيرا على ضروة احترام الخلفية الثقافية و اللسانية للنص.يقول عن ذلك " يقول أيكو " لقد ألححت كثيرا في "Lector in fabula" على الفرق بين تأويل النص وبين استعماله. فبإمكاني أن أستعمل نص وورد زورث بشكل فيه الكثير من السجال الساخر لكي أبين كيف يمكن أن يقرأ نص ما في علاقته بسياقات ثقافية متعددة، أو أستعمله من أجل غايات شخصية ( قد أقرأ نصا لأستلهم منه تأملا ذاتيا ). أما إذا أردت تأويل هذا النص، فعلي أن أحترم خلفيته الثقافية واللسانية". و يضرب إيكو مثالا بورود كلمة في نص قديم،فيقوم قارئ معاصر بتأويلها على أنها "مثلي جنسي".يقول في محاضرته "النص و المؤلف": ولازلت أذكر أني قلت لهارتمان سنة 1985في ندوة أقيمت بـ Northwestern University بأنه تفكيكي معتدل، فهو لم يقرأ البيت الشعري التالي : A poet could not but be gay لا يمكن للشاعر أن يكون إلا فرحا]،كما قد يقرأها قارئ معاصر وقد عثر عليها في مجلة Playboy. وبعبارة أخرى، فإن القارئ الحاذق والمسؤول ليس مرغما على المراهنة على ما كان يدور في خلد وورد زورث عندما كتب هذا البيت. وفي المقابل هل من الضروري أن يأخذ هذا القارئ بعين الاعتبار النسق المعجمي السائد في الفترة التي عاش فيها وورد زورث؟. فلم يكن في هذه الفترة لـ Gay أي إيحاء جنسي. إن الإلحاح على ذلك هو دليل على أننا في حالة تفاعل مع الإرث الثقافي والاجتماعي.
و عن أهمية الكفاية التناصية سنضرب مثالا سودانيا.ما ذا لو قام قارئ سوداني اطلع على "العودة إلى سنار" ثم أصبح يتساءل محتارا هل يتحدث النص الشعري عن "سنار التقاطع" أم "سنار المدينة"؟هذا يعني أن مثل هذا القارئ،ليس هو القارئ النموذج الذي يتوجه إليه نص محمد عبد الحي الشعري.
و لنضرب مثالا آخر من نص شعري لعفيف اسماعيل هو "جدل".يقول النص: مايكوفسكي ياسوناري كاواباوتا شيبون فان جوخ همنجوي آن سكسون خليل حاوي يوكيو ميشيما عبد الرحيم أبو ذكري يا أصدقائي الشجعان الأعزاء: حول أي فكرة رائعة الآن تتسامرون؟؟
لا يستطيع القارئ التجريبي تأويل نص عفيف اسماعيل لو افترض مثلا أن "شيبون" هو يتطابق مع "شيبون" صديقه الذي يسكن في الثورة الحارة الرابعة. و لو لم يجد وسيلة للربط بين الاسماء التي افتتح بها النص،فقد يجري تأويلا خاطئا لنص عفيف اسماعيل.
#أسامة_الخوّاض (هاشتاغ)
Osama_Elkhawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعرة-نحيب الجوقة
-
عوامل بروز (حزب الكنبة السوداني)-نُذُر الخريف العربي
-
موسم الهجرة إلى الحبيبة
-
عوامل بروز (حزب الكنبة السوداني)-فوبيا الأرشيف
-
أُمّةٌ وحْدهُ في الألم
-
حزب الكنبة السوداني* (عوامل بروز الحزب)
-
البيتوتيُّ الجديدُ و خطرفاتهُ
-
حانةٌ لتعاطي ميثاق النسيان
-
بيروت و -أسامة الخوّاض- و - صباحية عامل تنظيف-- بقلم: جبير ب
...
-
قلعة العزلة: النصَّان المكتوب و الملتيميدي
-
صباحية عامل تنظيف-النصَّان المكتوب و الملتيميدي
-
تلك سيرتها و صورتها على الإيميل:مشَّاءة الإسفير
-
في سماء اللازورد: مرثية لشاعر
-
في مطعم الوجبات السريعة
-
لاهوت الوردة
-
حزب الكنبة السوداني-الربيع السوداني المُجْهضالمؤجّل(إطار نظر
...
-
الحداثة المعطوبة أم وداع الحداثة؟ الربيع العربي و (داء الإسل
...
-
الحداثة المعطوبة أم وداع الحداثة؟ الربيع العربي و (داء الإسل
...
-
الحداثة المعطوبة أم وداع الحداثة؟الربيع العربي و (داء الإسلا
...
-
الحداثة المعطوبة أم وداع الحداثة؟الربيع العربي و -داء الإسلا
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|