طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4172 - 2013 / 8 / 2 - 23:09
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ادناه ترجمة لعرض كتاب
Yann Moulier Boutang
Cognitive Capitalism
Translated by Ed Emery, Polity Press, Cambridge and Malden, MA, 2012. 240pp., £16.99 / ----$----24.95 pb
ISBN 9780
Cognitive Capitalism ترجمتها هنا ك "الرأسمالية الذهنية او المعرفية"
كتب العرض Paula Cerni في June 2013 ونشر في
Marx and Philosophy Review of Books
http://marxandphilosophy.org.uk/reviewofbooks/reviews/2013/765
الهوامش في نهاية العرض للتوضيح فقط هي من قبلي.
-----------
الرأسمالية تغيير نفسها دائما، أو، كما يقول موليه بوتو Moulier Boutang في هذا الكتاب، بان هذا التغيير قسري "من أجل البقاء على قيد الحياة ". في هذه الحالة، أي نوع من رأسمالية نشهدها نحن الآن؟
جواب بوتو، الذي وضعه مع زملائه في جامعة باريس الأولى، هو "الرأسمالية الإدراكية او المعرفية". فاقتصاد المعرفة، حسب بوتو, له علاقة ب "المجتمع المترابط شبكيا، مجتمع المعلومات"، ومفاهيم أخرى مماثلة، كما انه يشرح في الفصل 2 أنه يختلف مع هذه المفاهيم سياسيا ونظريا، قهو الأقرب إلى أندريه جوث (1)، إلى operaismo الايطالية (2) و خصوصا آردت و نيغري (3) ( بوتو هو مؤسس مجلة الجموع multitudes الفرنسية 5, 4)
ان مفهوم الرأسمالية الإدراكية لايزال غير متكاملا، ولكنه يحمل مزاعما او افتراضات كبيرة. فإنه يفترض أن "النوع الثالث من الرأسمالية هو تحول كبير وجديد، ونقلة نوعية كاملة"، لتضمنها حتى parameters (معلمات) الفضاء والوقت التي تم تغيرها جذريا". وخلافا للرأسمالية المفترضة الأولى (التجارية) والثانية (الصناعية), فان النوع الثالث من الراسمالية، الذي بدأ في حوالي عام 1975، هو "طريقة او نمط التراكم, التي يصبح فيها موضوع التراكم هو المعرفة أساسا، المعرفة التي تصبح المصدر الأساسي للقيمة . وان مثل هذا الغيير النمطي يعود الى استحداث تكنولوجيا المعلومات الجديدة، الرقمية، الكمبيوتر والانترنت والتي تشكل معالم او رموز هذه الرأسمالية بنفس الطريقة التي كان منجم الفحم، والمحرك البخاري والسكك الحديدية رموزا للرأسمالية الصناعية".
يترتب على ما سبق, وفقا للكاتب، أن المعرفة والفعاليات غير الملموسة الأخرى هي جزء من الاقتصاد "الحقيقي" - وهي نوع من "المادة السوداء التي لا تدركها الحواس, المادة القادرة حتى على القضاء على عجز التوازن الاقتصادي للولايات المتحدة".
هذه الحجة قد بدت اكثر اقناعا عندما نشرت الطبعة الأولى للكتاب بالفرنسية في عام 2007، في ذروة الطفرة الاقتصادية. مع انفجار الفقاعة وحصول الكساد، فان حجة اقتصاديي ما بعد المادية من نوع بوتو قد اصابها وهن هائل. لذلك فانه يعتقد الآن بأن اللوم في حصول الكساد سوف لن ينصب فقط على الصناعات المعرفية، ولكن ايضا على الاقتصاد غير المادي ككل، وبالتالي انه يحذر من فكرة جذابة مخادعة تتلخص بكون تدابير الموارد المالية finance هي زائفة رقمية (6)simulacrum, وأن ما نحتاج إليه هو العودة إلى الاقتصاد الحقيقي ("الحقيقي"، "المنتج") بدلا من ال "الوهمي" الرقمي" .
يشكل مفهوم الرأسمالية المعرفية, في أي مرحلة من دورة الأعمال، مشكلة. لأنه يناقص التمايز الكلاسيكي بين الثروة الاقتصادية من جهة، والكيانات الأكثر ذاتية وغير المادية من جهة أخرى. وفقا لبعض التفسيرات الماركسية، على سبيل المثال، فالثروة الاقتصادية هي دائما موضوعية ومادية، ونتاج العمل product of labor يفهم بأضيق معنى الكلمة - العمل على او مع المواد الطبيعية، والعمل المناسب بتحويل تلك المواد إلى منتجات مادية. فتكون المعرفة الإنسانية، في هذه الحالة، ذات صلة بعملية التحويل, بمعنى تضمنها مهارات محددة، وتقنيات، وآليات، الخ.
ولكن في العقود الأخيرة، حيث انتقل الاقتصاد بشكل متزايد بعيدا عن الصناعات التقليدية، بدأ العديد من الماركسيين القبول بالرأي القائل بأن المنتجات المعرفية - بشكل مستقل عن أية حاملات مادية - تمثل ثروة، وربما يكون لهذه الثروة قيمة. في هذا الكتاب يطور بوتو هذا الرأي إلى نهايته المنطقية. وهنا تكمن فائدته.
للأسف، على الرغم من ذلك, فالمؤلف لم يأخذ بنظر الاعتبار بشكل جدي ابدا حالة البديل الواضح، والذي يقول إن النمو الأخير في الصناعات المعرفية، وفي القطاع المالي والبيع بالتجزئة، والقطاع الغير المادي أو الخدمي بشكل عام، يمثل توسعا في الجوانب الغير منتجة للاقتصاد، التي لا تزال تتفاعل بطرق معقدة مع مجموعة أساسية منتجة من هذا الاقتصاد.
بدلا من ذلك، انه ببساطة يؤكد أن "الإنتاج غير المادي ليس ريعا غير شرعيا على حساب" الإنتاج الحقيقي "، بل يقع ايضا, حسب رأيه, في "موقع القلب في القيمة الاقتصادية". فلماذا لا يعتبر بوتو الإنتاج اللامادي (أو، بدقة أكبر، الدخل الذي يولده) ليس شرعيا، أو، في هذه الحالة ريعا غير مشروعا؟ انه لا يجيب على هذا السؤال. فكما في أماكن أخرى في الكتاب، فانه يتوقع القراء أن يتفقوا تلقائيا مع بعض افتراضاته الكبيرة.
ولكن لنعود الى المشكلة النظرية الاعمق. الا وهو استخدامه مجازيا منهوم التلقيح pollination metaphor -وهو مفهوم استنبطه بوتو بشكل عائم من اعمال الاقتصادي James Made, ويعني تضمنه كل الانشطة اللامادية المنتجة للقيمة في النوع الثالث المفترض من الرأسمالية. ان هذا المفهوم يطمس الحدود الفاصلة بين نتائج وشروط عمليات خلق الثروة، من ناحية، والعمليات أنفسها من جهة أخرى. في الواقع، فإنه يضخم تلك العمليات لاحتلال كل شيء تقريبا.
فبحسب مفهوم التلقيح، فان الاقتصاد السياسي الكلاسيكي يعتبر فقط المنتج المادي للعمل ذا قيمة -مجازا, العسل. ولكن بوتو يعترض بان النحل يلقح الزهور ايضا ولا ينتج فقط العسل، وبالتالي، فالاقتصاديون مخطؤون, برأيه, بزعمهم ان قيمة النحل تكمن فقط في (قيمة) العسل. ولكن رأي بوتو هذا ضعيف للغاية, لان الاقتصاد التقليدي يهمه العمل البشري الذي ينتج الفواكه (بالتلقيح) تماما كاهتمامه بالعمل البشري التي ينتج العسل.
ولكن التلقيح بالنسبة ل بوتو يتضمن العديد من الأنشطة التي ينظر اليها الاقتصاديون عادة كفعاليات "خارجانية" externalities. صحيح أن كل خلق للثروة - وعموم الحياة الاجتماعية - يفترض المعرفة، تماما كما يفترض مسبقا وجود مليون أشياء أخرى. ومع ذلك، إذا بدأنا بتخصيص قيمة لجميع هذه الشروط، لجميع العوامل الخارجانية، فانه لا محالة ان نستنتج ان الكون يحتوي على، وينتج باستمرار، القيمة من خلال ما لا نهاية له من المصادر والمحددات.
حسب بوتو, فليس إدراك الإنسان فحسب، ولكن الطبيعة غير البشرية ايضا تخلق قيمة. "إن جزءا كبيرا من القيمة يتبلور في السلع التي ينتجها العمل البشري تأتي في الواقع من" العمل "(بمعنى التحول من الطاقة إلى مادة) للمحيط البيئوي- الاحيائي Biosphere"، مشيرا كمثال على ذلك التمثيل الضوئي الداخل في طاقة الوقود الأحفوري او وقود المتحجرات (7).
ونحن قد نسأل لماذا لم يفكر الرأسماليون في المرحلتين الأولى والثانية في منح قيمة valorize للمعرفة والطبيعة، أو، في هذا المجال, حتى لموضوعة البطالة؟ -يعتقد بوتو أنه حتى الشخص العاطل عن العمل "لديه حياة غنية وتلقيحية وانه متنج مباشر للثروة ".
وعلاوة على ذلك، كيف ينبغي لنا قياس هذا النوع الثالث من القيمة؟ وهل يمكن فعلا قياسها, لان عدد العوامل الخارجانية لا نهائي؟ يرد بوتو على ذلك كما لو انه يريد اكل كيكته والاحتفاظ بها في آن واحد. فهو يؤكد انه إذا كان أحد يريد تحديد القيمة السوقية ل"مجال التلقيح" (والتي هي ممارسة عقيمة بحد ذاتها، لأن التلقيح لا يقدر بثمن, بمعنى أنه له قيمة لانهائية), فان قيمة التلقيح هي بين 350 الى 1،000 مرة القيمة الاقتصادية للعسل المنتج. هذه الأرقام، يقول لنا بوتو، ليست سوى ارقام تقريبة واولية، وهي مستوحاة بطريقة أو بأخرى من انهيار أسراب النحل، ابتداء من عام 2006، بالإضافة إلى إدخال النحل الأفريقي في الأمريكتين, وكذلك الاستخدام المكثف للمبيدات"- وهي ظواهر لا يحاول هو قياسها، ناهيك عن عدم وضعه لها في علاقة، كمية أو نوعية، بعملية انتاج القيمة. ومع ذلك، فهو يقول، "النتيجة واضحة "!.
لاتباع نهج أكثر عقلانية يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار جميع نتائج وشروط عملية خلق الثروة، وذلك بعد تمييزهاعن العملية نفسها. ومن المؤكد أن يستفيد الرأسماليون من امور مثل وجود مستودع متزايد من المعرفة البشرية، و من الموارد الطبيعية لكوكب الأرض وقوة الجاذبية - تماما كما فعلت كل طبقة حاكمة في التاريخ. لكن إنتاج الثروة (أو، في ظل الرأسمالية، القيمة) هي نوع نسبيا محدد جدا لنوع خاص من العلاقة البشرية والمادية.
بالطبع، ان رسم حدود عازلة بين الأنشطة المنتجة وغير المنتجة، أو، بشكل أعم، بين الاقتصادية وغير الاقتصادية، هو مشكلة أساسية وطويلة الأمد في الاقتصاد السياسي. ولكن بنفس الشاكلة, فان رسم حدود عازلة بين ما هو داخلي وما بين ما هو خارجي -مع مراعاة العلاقة بين الاثنين- هي مشكلة وجودية ومنهجية في كل العلوم، و في الفلسفة أيضا. ان الحالة الإمبريالية بأن كل شيء يندرج في إطار عالم الاقتصاد، أو الإنتاج، أو الاستهلاك، أو الفيزياء، لا يمكن قبولها بسهولة -إذا لم يكن لسبب آخر، فأنه بمجرد تقبلنا أي واحد من هذه الأمور نكون نحن ملزمون القيام بذلك للعديد من الامور الاخرى.
ولكن, مع ذلك, لا بد من رسم الحدود -لا على الاطلاق، ولكن نسبيا. فاذا اخذنا نحل العسل الحقيقي, كمثال، فان أشعة الشمس، والهواء، والزهور، الخ، كلها ضرورية لسير عمل خلية النحل، بينما، في المقابل، يساعد النحل على استمرار وجود انواع النبات والحيوان الأخرى. ولكن إذا أردنا أن نفهم تقسيم العمل داخل خلية النحل، فسنكون بحاجة الى مستوى مختلف من التحليل. نحن بحاجة إلى معرفة أن العاملات فقط- وليس الملكات أو الذكور، بالرغم من فائدتهم- هن اللواتي يجمعن حبوب اللقاح والرحيق، ويصنعن العسل، والشمع، وغذاء ملكات النحل.
وبالمثل، في الحياة الاقتصادية، كما اشار ماركس من قبل، فإن العمل في ثنائية السيد-العبد ضروري لتشغيل اقتصاد العبيد او اقتصاد الرق، أو ان عمل اللص "ينتج كتب القانون، والأقفال، والمفاتيح". ولكن هل يخلق هذان النوعان من العمل ثروة؟ ليس من الحكمة لعلم الاقتصاد - العلم الذي وصف بالفعل من قبل البعض بكونه "العلم الكئيب" -ان يسير باتجاه مغامرة مجهولة العواقب.
تظهر مطالب بوتو العملية كيف ان حجته قد اختصرت بالفعل نفسها إلى هراء. احد مطالبه يقترح تغيير معايير المحاسبة, بحيث تكون القيمة التي ينتجها التلقيح معترف بها. ولكن بالضبط ما الذي يمكن كسبه من هذا؟ هذا اذا لم يكن، بالطبع، تغيير قواعد المحاسبة هو نشاطا تلقيحيا في حد ذاته. حسنا، المحاسبة الإبداعية كوسيلة لإنتاج الثروة قد تم بالفعل تجربتها واختبارها -وكانت النتيجة هي أي ان قدر من (الشرب حتى) الثمالة لا يمكن أن يعوض عن عدم وجود العسل.
بجرأة اكبر, يطالب بوتو وغيره بدخل مضمون للجميع. وهذا الدخل سيكون فرديا، غير مشروطا، وتراكميا، ومحدد على مستوى عال بما فيه الكفاية لتكون الناس قادرة على تحمل نفقات العيش. ولكن منطقيا, إذا كانت الحياة نفسها في المجتمع تنتج ثروة مباشرة، فاننا كلنا ينبغي عليلنا جميعا أن نحصل على رواتب لمجرد كوننا على قيد الحياة. ولكن لا يمكن لأي مجتمع، رأسمالي أو خلافه، البقاء على قيد الحياة على هذا الأساس. ويجب ان يكون طلبا كهذا علامة على حالة يائسة لسياسة اليسار, ولذلك لا يمكن معاملته باي جدية.
على الرغم من هذه العيوب الرئيسية، فان أطروحة الرأسمالية الإدراكية تلفت الانتباه, الذي تشتد الحاجة إليه, الى دور بعض الاتجاهات والمسارات الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة. وتجدر الإشارة هنا إلى ان الدور المتنامي للعمالة غير المادية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة يثير تساؤلات لدى اليسار، يسار مشوش ومنقسم على نفسه, حول نظرية القيمة، التي لم يكن قادرا على الإجابة عيها بشكل كامل. اذا تمكن هذا الكتاب من إعادة تأجيج النقاش حول هذه الأسئلة، فانه كان قد ادى وظيفته الفكرية المتواضعة في "التلقيح الفكري". وسيكون من واجبنا التأكد بان الثمار ذات شأن.
الهوامش
Andre Gorz-1 ولد في النمسا في 1924 وانتقل الى باريس في1948 ليصبح محرر مجلة الازمنة الحديثة ذائعة الصيت. كتب ايضا تحت اسم مستعار Michel Bosquet لعشرين عاما. كتبه.
Critique of Economic Reason
The Traitor
2- http://newleftreview.org/II/73/mario-tronti-our-operaismo
و
http://multitudes.samizdat.net/Operaismo
3- Michael Hardt و Antnoni Negri
هما مؤلفا كتاب ال
Empire
الذي يعتبره البعض البيان الشيوعي الثاني.
Michael Hardt: استاذ الادب في جامعة Duke
Antonio Negri: باحث مستقل و(وقتها) نزيل سجن ربابيبا في روما. بروفسور في العلوم السياسية في جامعة Padua
4- Multitudes
او الجموع هو المصطلح الذي استخدمه آردت ونغري للاشارة الى كل من يرفض النظام العالمي القائم, Empire, و كل الذين يجمعهم جامع الفقر فقط.
ان مفهوم ال multitudes يستدعي التخلي عن ثنائيات الحداثة , مثلا حاكم ومحكومين, حيث تحل محل هذين القطبين سلسلة معقدة ومتشابكة, تأبى التبسيط والاختزال, من علاقات مختلفة الاشكال او الالوان والظلال التي تحكم الEmpire من خلالها الmultitudes
The point of Empire is that it, too, is -total- and that resistance to it can only take the form of negation - -the will to be against-. The Empire is total, but economic inequality persists, and as all identities are wiped out and replaced with a universal one, the identity of the poor persists
5- رابط مجلة multitudes
http://multitudes.samizdat.net/
6- Simulacrum of reality is to create a reality
that only exists digitally
http://sentence.yourdictionary.com/simulacrum
7- للاطلاع على المزيد, يمكن مراجعة الرابط
http://techalive.mtu.edu/meec/module19/Page4.htm
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟