|
مجالس محلّية ثوريّة ، لكن ما الدّاعي ؟ ما المهمّة؟
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 4172 - 2013 / 8 / 2 - 21:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تلك المركزية ، أن يعلو مصيرنا سياسي واحد نسمّيه رئيسا و نمضي ننتظر كفاءته ل4سنوات ... أن نختار نائبا لشرح مجمل العوائق و الصعوبات الساكنة أرضنا... أن نصدّر الى العاصمة البهيّة، نقابيا واحدا لتمثيلنا في مؤتمر عامّ انتخابي... هذا الشكل العمودي الذي يقوم على مبدإ الاختزال انتهى استبدادا من درجتين : 1-دكتاتورية الرئيس في تجارب شرق أوروبا و المنطقة العربية و امريكا اللاتينية. 2-دكتاتورية خفية ممَوّه عليها بشدّة في ما عُرف بالغرب "الرأسمالي". و في كلتا الحالتين، يتسيّد رأس المال التنظيم القانوني و يحدّد المرؤوسين و أجرة كلّ منهم ، و يضبط أجهزة الإعلام بعد ضخّ استثمارات فيها ...و قد ولّد هذا النّهج الاستبدادي نتائج كارثية على الإنسان، ليس أقلّها تلك الأزمات الدّوريّة المتعاودة التي تضرب المركز و تنتشر كالهشيم في كل العالم. و لا يدفع ثمن الانكسارات الاقتصادية غير المهمشون المفقّرون ، إذ تزداد عمليات "تصريف يوميّاتهم" تعقيدا ، و يتحولون في الغالب إلى ضحايا العصابات الإجرامية المتاجرة بالبشر، لأغراض الجنس أو بيع الأعضاء أو الخدمة المنزلية أو غيرها...و هذا الوضع تكرّر في بتغلاديش و الهند و بلدان إفريقية عديدة... نفس المركزة المتأسسة عالميا، استنتسخت في تجربةّ الدولة التونسية". فقد طابق بورقيبة بين الاشكال الفوقية المتعالية للدولة و إدارتها، على الزخم الشعبي العامّ المستند الى واقع البداوة و القبيلة و القرابة الدموية ... أنتج ذلك الانتقال القسري إلى ما يشبه "الدولة الحديثة" انفجارات اجتماعية متتالية بدأت بأزمة تأميم الأراضي الفلاحية و انتهت بسقوط افسد مرحلة من مراحل الدولة البوقيبية المتواصلة بشرعية جديدة. إن مسار 17ديسمبر الثوري أكد على عناوين الشغل و الكرامة و الحرّية.و أعاد إلى الذّاكرة تلك التجارب الثورية منذ القرن التاسع عشر، و كيف انتفضت "البوادي" المقصية من دائرة الثروة و المطالبة بمزيد من الضرائب المدفوعة لملك تركّزت فيه كل السيادة. و لذلك يعاود المقصيون من جغرافيا البؤس ذاتها، ترميم الحجارة و الشرف لدفع الظلم و القهر ، و نيل الحق في الحياة الكريمة و العيش السعيد. لا شيء من عناوين الكتب المحشوة بحروف الثوريين ، قادت سواعد الكرامة لضرب القانون و إسقاطه بالحجارة. و انتظر شعب الدواخل حقه في الموارد ، انتظر و هو يشاهد مجموعات بعينها توظّف في أجهزة "الدولة" و هو الذي فتح أزرار قميصه ذات شتاء استعدادا لنيل نصيبه من الكرامة و الرصاص. العفو التشريعي العامن و أحزاب العار تقتسم "الثورة –الغنيمة" ...من صلّى الفجر مرتين في مساجد بن علي ، و "كشفته" عيون تسهر و لا تنام، فدخل السجن شهرا و لوحق أشهرا، بات مظلوما و مكلوما و يحقّ له العمل، و ليس لمن أعيته المسالك طيلة 12سنة من البطالة و الجوع و التهميش. عاود الثّوار الأول مراقبة اليومي، فإذا هو ينضح استمرارا في أشكال التشظي و القسمة الضيزى و السرقة الموصوفة و القانون الفاجر الذي همّشه سنوات مديدة ، يظلّ مقيما على قدره ، مسيطرا على أرضه لسنوات أخرى،بفعل تلك الدولة... اليوم يفهم الناس أن العاصمة تلك أثّثت تاريخها و التاريخ، بسلب الهوية الطبقية للصراع، و إرداء الحقيقة التاريخية الموضوعية برصاص القنص السلطوي الفاسد، و إبادة روايات الكرامة و الشّرف بنشر القانون و إعلاء رتبته و قيمته في "دولة القانون و المؤسّسات" كما ألف صاحبهم بن علي القول. إنها مجالس محلّية للثورة ، شكّلتها أحزاب جبهة 14جانفي مضافا لها النهضة و المؤتمر و اتحاد الشغل و الجمعيات و الجميع ... مجالس انخرط الكل فيها ماعدى الشعب و جماهير ثورته و رافعي الحجارة . مجالس تختار نائبا جهويا يختار نوابا لكامل الدولة. حكم قاعدي مباشر، حتى و الشعب لا يحكم... بحجّة أن أغلب الناس انتمى في سابق العهد الى حزب النوفمبريين، فقد قضت مصلحة "الثورة" التي حددها بعض ساكنة العاصمة ممن يسمون قيادات حزبية ، بأن خير التمثيلية قاعدية بمشاركة حزبية صرف ... تلك التجربة تعاد نسخا و نقلا و محاكاة في أعتصامات الرحيل و تنسيقيات الحال. سعد و سعيد، زيد و زياد، فاطمة و أختها، و عبد الله النوفمبري، يشكلون تنسيقية "وطنية" و تنضم القيروان و سيدي بوزيد و الكاف و صفاقس و يفشل غيرهم ...أحزاب و نداء تونس. أحزاب و التجمع ، احزاب و ما ثاروا عليه ، أحزاب و من ثاروا ضده و اتحاد الشغل و اتحاد الذين يسمون أعرافا و هم مصاصو دماء، و جميعات و جوهر بن مبرك حتى... ليس هذا ما تقتتضيه حاجة السيادة المباشرة.. ليست دكتاتورية البروليتاريا أيضا. ليس تحول طبقة مسيطر عليها الى طبقة مسيطرة و ممارسة تبادل سافل للأدوار ما نبحث عنه... مركزة الإنسان بدل الربح، سيادة الإنسان على الثروة و تحكمه بالطبيعة ، الانتقال من طور حيواني بيولوجي إلى طور إنساني ثقافي بمعنى صناعي ...إنه الانتظام الحر غير المرتبط باية سلطة و لا اي هدف خارج الأهداف الإنسانية التشاركية التي يعليها المنتظمون الأحوار أولئك...ذلك الانتظام ضمن تشكيلات شعبية جامعة وفق شروط المصلحة الجمعية العامة، و من أجل خير الجميع. بول ريكور قال ذلك: لا سعادة للفرد، السعادة جماعية . أن يكون الفرد إنسانا ضمن حقل إنساني يرى النجاح تشاركيا... كومونة، أو ليست كذلك...لا تهمّ الاسماء كثيرا، بهم الشكل الذي يرتضيه واقع الحال و يؤسسه الناس مجتمعين. برلمانات محلية و حكومات محلية تضمن مشاركة أكثر قدر من الناس بل الناس جميعا... و حكومة ثورية ناجمة عن خيارات قاعدية و بأوامر قاعدية ، لا تنفذ شيئا من عندها و لا تملك برنامجا غير برنامج الناس جميعا... لا مصلحة لواحد، مصلحة الجميع فقط. أن يكون الشعب بدءا بكل قرية مسؤولا مباشرا عن زرع الخيار و إنبات القرار و التنفيذ و المراقبة و التقييم و التعديل و المعاودة دون تطابق... أن يتدرب الناس على السيادة ، سيادة يومياتهم بحرية، أن لا يكون اي منهم عبدا لاي من غيرهم، أن يشكل كل منهم نواة كل قرار بتعميم الفائدة و المنفعة على الجميع... ليست مجالس تقلب الهرم و توصي بكتابة الدستور ، الدستور لا يكتبه ممثلون عن الشعب، الدستور يكتبه الشعب. الدستور يعبر عن ارادة الجميع ، لا عن إرادة المنتخَبين وحدهم. لا ذهاب من القاعدة الى الفوق و لا عودة من الأعلى الى القاعدة. إنها شبكة من العلاقات الأفقية ، يكون لكل عقدة في تلك الشبكة نفس القدر من الأهمية و الجدوى و القيمة، و ينفرط عقد الشبكة و "يذهب ريحها" لمجرد انفراط عقد عقدة واحدة...مجالس او برلمانات أو هيئات تنبع من الشعب في كل قرية. مجالس لادارة المصنع، و أخرى لادارة المدرسة و اخرى للامن ، و مجالس للفلاحين و مجالس للدراسات و التخطيط و مجالس للاطفال و مجالس تجمعهم معا. دون أن ينتخبوا أحدا بنوبهم . لا وجود في هذا المقترح للجهوية، نحن نقترح الذهاب الى الجزء الأصغر الى كل قرية بل الى كل تجمع سكاني ، لنحثّ فيه الرغبة و الارادة و الإمكانية لجعل واقعه حقلا مشتركا مع غيره ، ينتدبون لإدرته و تطويره أفضل الخطط و خير السبل . إننا نحتاج في هذا المنوال الى حكومة ثورية تأتمر بأوامرنا و نراقبها عبر مجالسنا ، و يكون من اختارناهم من بيننا ممثلين لنا لمدة وجيزة معلومة، و تقتصر أدوارهم على رعاية الربط بين كل مجلس محلي و إيجاد منظومات أفقية للتعاون و التشارك و التواصل للاستئناس بأفضل السبل و اقومها لجعل الحياة أفضل. إن القانون حاجة إنسانية لتنظيم العلاقات بين الناس ، و يتاسس على إلزام و فرض بنفي الغلبة الطبيعية و عدم تجاوز حق الآخر في الحياة. لكنه تحول الى عنوان للسيطرة و الاستغلال الطبقيين. حيث عمدت دولة راس المال الحديثة إلى جرّ القانون الى منطقة شرعنة القهر و جعله مقبولا بحجة أن الناس ليسوا متساويين في القدرات و أن الواقع عرف دائما أثرياء و فقراء. و قد ضخت تلك الدولة عبر وسائل متعددة، فكرة الحلم ، الحلم بان يكون الانسان ثريا...فباتت العلاقات البشرية متاسّية بذلك الحلم الفضيع الذي حول عالما باسره الى كينونات متصارعة متشنجة و فاقدة للأخلاق و للإنسان فيها. إننا نقترح أيضا استعادة الإنسان لإنسانيته و تنظيم واقعه بشكل تشاوري يتبدل وفق الحاجة التي تقررها المجموعة ، لا وفق معطيات ما قبلية أو ماورائية جاهزة . فلا يكون القانون صنما مصنوعا للتقديس، بل تنظيما لحيثيات موضوعية تاريخية و متحركة، تتطلب قوانين متحركة و موافقة لمبدإ المصلحة العامة المشتركة. ليس ثمة قانون ينوبني فيه اي كان، فما احياه يوميا في قريتي ، ليس أبدا ما يعرفه من "انتخبت " و سافر ليستقر بالعاصمة و يهنأ بكل التقنية المتطورة و أكابد لإجراء مكالمة هاتفية مصارعا شبكة اتصالات شديدة التخلف و الفساد ... إن كل واقع يعبر عن نفسه بقوانينه التي يصوغها أهله ، و هم يطورونها لمصاحبة تطور حاجاتهم المشتركة لذلك. فيكون القانون عملا دؤوبا مرافقا و ليس كتابا معلى مقدسا. إنه مشروع لضرب علوية كل كتاب ، و التركيز على الواقع ذاته دون تعسّف مفارق. ضمن هذه الرؤى المحايثة يتحرك مشروع المجالس المواطنية الثورية، للإجابة عن أسئلة التاريخ عينه، و ليس لمطابقة أي مشروع إديولوجي أو تيولوجي لا علاقة له بذلك الواقع. و ليس قلب الهرم باتجاه جعل المركز ممثلا للقاعدة ينطق باسمها و يكتب نيابة عنها قانونها و يفكر بدلا عنها ، ليس هذا ما نقترحه و لا نعتبره ضربا للمركزية. إن كل مشروع يتغنى بفلسفتنا الاسمية دون وعي بالقيم الإنسانية المحركة لها، يظل مشروع البورجوازية الليبرالية التي توجد من داخل حركتها مفكرين للتبرير و تسهيل عمليات البلع و الصمت و المسايرة. لا أحد يمثلني، أنا أختار حكومة ثورية لمجرد ربط التواصل مع بقية المجالس الثورية، و ربما تضطرني الوقائع للتنسيق المباشر دون حاجة الى اي شكل من اشكال الوساطة... _________________ رضا كارم –الهيئة الثورية المستقلة بقلعة سنان.
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة على الماضي ؟
-
مهمة ثورية عدد1
-
إنسان التحرر لا إنسان الخضوع.
-
يومان و نصف اليوم
-
الفراغ
-
بياض الصناديق مقابل لمعان الحجر:أي مصير نختار؟
-
البديل المطرقة
-
الخبز ضد القمر
-
المطرقة النيتشوية
-
بمناسبة الثورة الكروية في بنزرت:شعب التكوير لا شعب التثوير
-
الصناديق تتحول إلى نعوش
-
الحقيقة-السيادة-التاريخ
-
شارع المُوازين و حرب الدلالات: تاريخ موضوعي للمقاومة
-
البغل و المقاومة
-
أبناء الخديعة
-
جزء من ذاكرة الثورة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|