أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - (حمار وثلاث جمهوريات) من يروي ومن يرى؟*















المزيد.....

(حمار وثلاث جمهوريات) من يروي ومن يرى؟*


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 4170 - 2013 / 7 / 31 - 02:31
المحور: الادب والفن
    


(حمار وثلاث جمهوريات)
من يروي ومن يرى؟*

كيف باستطاعة الأديب، أي أديب، أن يكتب عن بلده بعد أن وصل الوضع فيه الى حد أن الكلمات توشك أن تمزّق حروفها وتكشف عن صدر لوعتها واكتظاظها ببشاعة وقبح؟ كيف يكتب والكلمات تروح تنزف دماءً زرقاء لتسقط جثة عاجزة عن تعبير وتغيير؟...هكذا حال كريم كطافة حين انزوى متفجعاً في نبرة السخرية وهو يكتب عن عري الأوضاع في العراق وفحشها في رواية (حمار وثلاث جمهوريات) حتى أنه جعل السارد حماراً، لأن بني البشر لايمكن أن يروا أو يرووا عن حالهم أفضل من حيوان متهم بالغباء، فهل هناك ألم أقصى من ذلك؟
بدءاً، المعروف عن السرد هو جزء من آليات الإبداع وفعل نقل الحكاية الى المتلقي بنقل الحادثة من صورتها الواقعية إلى صورة لغوية. وبهكذا تعريف، تمرّ البنية السردية عبر القناة التالية: مروي+ راوي+ مروي له أو قارئ + الكيفية والطريقة التي يختارها الروائي ليقدم بها متنَه الحكائي، وهو ما يسمى بأسلوب السرد. وقد تكون المادة الحكائية واحدة، لكن أشكال تقديمها تختلف باختلاف طريقة السرد والتكنيك المتبع في الرواية، مثل طريقة كتابة الرسائل، أو المذكرات، أو السرد التاريخي، أو السيرة الذاتية أوالسرد الشخصي أوالمنلوج المسرحي...ومن ناحية أخرى يمكن تصنيف الأساليب إلى موجزة ومطولة وفعالة وهادئة وغامضة، كما يمكن تقسيمها بحسب الصلات بين الكلمات، إلى أساليب تشكيلية وموسيقية. ويتولد الاسلوب أيضاً من اختيار المتكلم لأدواته التعبيرية من الرصيد المعجمي للغة، ثم تركيبها ضمن إمكانات الألفاظ والتراكيب النحوية وبالطريقة التي تتناسق فيها الألفاظ والجمل، أي بشكل الرواية الداخلي والخارجي، وما يترتب عليه من إيقاع ومايفرضه الموضوع من منطلقات.
ففي هذه الرواية، يختار المؤلف في مسار السرد، قصة أو خطاب سوريالي، تَجسّدَ في فكرة نص موجّه ضد عيوب المجتمع والسلطة والدين السياسي، ويرسم بنبرة ساخرة معالم كوميديا معتِمة، أو سوداوية مرحة معبرة عن واقع بشع: ( لقد استغرقتني البشاعة والقبح الذي لاقيْته، على مدى كتابة هذا الكتاب)...وأنوّه، أن تصنيفات مثل كاتب ساخر وآخر جاد وأدب ساخر وغير ساخر غير موفقة...فهذه الكتابة "الساخرة" عميقة بلغة خفيفة، وهي إيصال لوجهة نظر حادة وجادة بطريقة سلسلة وربما أعمق من النبرة الجادة، وتكاد تكون من أصعب أنواع الكتابة ببساطتها الصعبة، لأن كاتبها يكتوي بأقصى حالات الوجع واليأس، وهي ليست كوميديا وضحك للتسلية، بل "مرارة مركزة" (روستن)، وفورة احباط شديد، ونزيف من دماء بيضاء، يعادل مأساوية الواقع...والرواية هنا بالتالي، تتشكل بصورة فانتازيا مرتبطة بواقع سياسي واجتماعي في مجتمعاتنا العربية، يعكس ثقافة قمعية سلطوية مجتمعية دينية، تصيب في عَسْفها الانسان والحيوان على السواء، يدوّنها المؤلف بدون فصول تقليدية، بل بهوامش عن لسان شخصيات، وبشهادات عن لسان الحمار، الشخصية المحورية التي يضفي عليها نوع من الإنسنة والتشخيص، ناقلاً ما تقوله عن لسان السارد أيضاً، في دلالة على توحد المؤلف بالراوي الداخلي..
صوت الراوي هنا واضح وصريح كقوله: (سأتحدث، أعد القارئ منذ الآن، سأكتفي بهذا القدر، أستطيع القول، أذكر القارئ، قلتُ)، سواء كان اسماً معيناً ضمن البنية الروائية (خمسة أصدقاء هم، غفار، نصار، زهار وعمار، وعلى وزن حمار) أم كائناً مجهولاً ممثلاً بـ (حضرتي، الكاتب العام)...ولأن الضمائر هي الأصوات التي تأخذ على عاتقها الكشف عن مجريات الأحداث والوقائع التي تدور في الرواية، فالسرد حسب رؤية الكاتب جاء بضمير المتكلم للكشف عن مكنونات الذات، وضمير الغائب الأثير لدى الروائيين والقادر على مراقبة الأحداث في مزج سلس الانتقال...
يؤثث الروائي هنا الاسلوب والتقنية بالسرد الشخصي والصحفي، مع اسلوب اليوميات، وبقصّ مباشر وحوار، وبلغة توصيلية غير مشفّرة ولا شائكة، خالية من الاسراف العاطفي والوصف الكثير: (دون الدخول في حواشي وزخارف بلاغية)، تنسجم مع المضمون والموضوع والشكل القصصي، ويلجأ الى الحوار أيضاً، وقطعٍ للحكاية من أجل خلق مواصلة وتشويق كما: (لنعود الى موضوعنا، سآتي على ذكرها في هذا الكتيب) دون اللجوء الى بنية الزمن الكرنولوجية.
يغرز المؤلف اصبع قلمه وهمّه في عفن يسود بلدنا يصعب التخلص منه حالياً، فهناك المادة السياسية: (عسف السلطة والحاكم، عقدة الخوف من رجل الأمن والمخابرات، المنفى، الحروب، المؤامرة، السجون، قانون العقوبات...)، والتدخل الأجنبي والأحزاب والمعارضة واسرائيل: ( يأتي الى القرية رجال غرباء، حيونة العمل السياسي، الدولة الذئبية الصغيرة)، والحالة المجتمعية والأمراض البشرية للبشر عموماً وحتى للمثقفين والعادات الجنسية السيئة: ( البشر هنا قد تخلوا عن عقولهم بمحض إرادتهم، الحسد والغرور والمنفعة الشخصية، الخصومات، يُلبسون الحمار شرورهم، ملاوطة)، والمقدسات والممارسات الدينية والتشريعية: (أحاديث وآيات تعود الى ماقبل ألف سنة، الشيخ، الحجاب، صيام الحمار، أنا ليس لي نفس في الجنة)...ويقدّم كل ذلك، بدلالات فنية ضمن الغياب المكاني (الصبخاوية)، أما الزماني، فالروائية لا تستريح إلا إلى الماضي كما يُقال، فيحصر المؤلف حكايته في زمن الماضي (القريب والبعيد)، (كان ، كنت، كانوا) قاصداً الى التواصل بالحاضر الآني والآتي المتصل.
في خاتمة الرواية: نتساءل، الى أي وقت وصل الروائي في زمن القص؟ هل الى نقطة معينة من الماضي؟ الى الحاضر؟ و(كاناته) الكثيرة تشير الى أي ماضٍ؟...ما يهمنا هوالإنتباه الى إشارته: (سأكتفي بهذا القدر، كل شيء أصبح معروفاً، لم تعودوا بحاجة الآن الى حمار يشرح لكم صدوركم ويعرّفكم عن احوالكم)...هذا هو البرهان على الخيبة، وعلى أن ناسنا في حالة مزرية من جهل وغباء وفساد، حتى يأس الحمار منهم وطالب تالياً بتمييزه عنهم...أما ما يقوله بالتالي: (الرجاء هو أن تغيروا)، فهذا هو المطلوب...ولايسعنا الاّ أن نتساءل أيضاً، هل تمثّل هذه البنية الروائية القائمة في فضاء النص أنجع السبل لتخليق الوعي بحتمية وضرورة التغيير؟ يتركها الروائي للقرّاء.

* مداخلة عن الرواية لأمسية في المقهى الثقافي العراقي في لندن
فيحاء السامرائي



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفاحة الذاكرة
- فصل
- 1979
- جهشات الفراشات
- في الطريق
- مسرحية (ليالي عربية) بسماء ثورية
- عاتم أنوار
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية
- المضطرمات في العُقد
- كل النساء جميلات
- روميو وجوليت في بغداد، مسرحية تثير الجدل
- شعارنا، لا حرامي ولا اوبامي
- آنيت هينمان...صوت يعلو على أصواتنا
- حمندي
- و...يحمل آلام القصيدة
- العودة الى الوطن
- السينما العراقية بعد 2003...رحيل وتذكر - الرحيل من بغداد


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - (حمار وثلاث جمهوريات) من يروي ومن يرى؟*