|
تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4170 - 2013 / 7 / 31 - 00:08
المحور:
الادب والفن
في مقدمته لـ " الخطوط الجديدة " (1956) ، كتب " روبرت كونكويست " يقول : " كان الخطأ الشائع هو إعطاء " ألهذا " – و هو عازف ثانوي على آلات النقر في فرقة موسيقية يقودها ضابط إيقاع صارم – دوراً أكبر من إستحقاقه في أعمال الأوركسترا ككل " . بعدها ، يُشخص كونكويست قائد هذه الفرقة الموسيقية عندما يضيف قائلاً : " لقد كانت الهفوة الفاضحة التي تتطلب التصحيح مع بداية الفترة الجديدة هي حذف العنصر الفكري العقلاني الضروري في كل شعر " . و ينسجم هذا القول مع نقد " جَفري گريـگسن " الآنف الذكر حول " التفطير " للمدرسة الرومنطيقية الجديدة ، و هو أمر لا يمكن نكرانه . و إذا كانت جودة المعدل الوسطي للشعر إبان الخمسينات من القرن العشرين هي أعلى مما كانت عليه قبل ذلك بعشر سنين ، فإن مرد ذلك التحسن يعود إلى الإصرار على دور العنصر الفكري في العملية الشعرية . هذا الإصرار – المشفوع بالتنافر و بالإسراف العاطفي – هو الذي وضع " صانعي الأساطير " موضعَ المتراجع العبوس ؛ و هو الذي شجع على إحترام القصائد ذات البنية المناسبة التي تتكامل مع الموضوع . و لكن ما يجذب أنظار الدارس لشعر الخمسينات من القرن العشرين ليس هو الإصرار على الفكر – و إن كان ذلك أمراً يستوجب الترحاب بحد ذاته – و إنما حقيقة كون الثورة الشعرية تلك قد إمتلكت دافعاً فنياً بالدرجة الأولى . كان شعر الشعراء الإجتماعيين لفترة الثلاثينات يختلف عما كتبه " تي أس إليوت " لأن هؤلاء الشعراء آمنوا بامتلاكهم لشيء مهم يستحق العناء و النَظم ، و أن ذلك الشيء سيتعذر فهمه لو أنهم قدموه لقرائهم على الطريقة الإليوتية المعقدة . لقد كانت حاجتهم لتبليغ " رسالة ما " هي المسؤولة عن التغيّر في الأسلوب الشعري . حتى شعراء الأربعينات من الرؤيويين و الرومنطيقيين الجدد إنساقوا إلى الشكل الذي تبناه " الشعراء الإجتماعيين " ، و الذي يتميز بالتعبير الذاتي . و على الضد من هذا ، فأن شعر الخمسينات يطوِّر شخصيته من خلال مقاومته للآيديولوجيا الفنية بالدرجة الأولى ، و إن لم تكن تلك هي ميزته الوحيدة . لقد رفض شعراء الخمسينات فكرة أنه يتوجب على الشعراء إعتبار مهمتهم هي : " ... مجرد صنع ترتيب تصويري للجنس و للعنف المنثال فوراً من اللاوعي ( ذلك النوع من الثقافة المتوسطة العليا التي تشبه الرعب الكوميدي ) ... " و من هذا الرفض تبزغ الحاجة للوضوح ؛ و رفض المبالغات المثيرة للإشمئزاز ؛ و التشكيك في اللغة المغرقة بالمجازية ؛ و استحسان حدة الذهن و الإيجاز . و يعود الفضل للسيد " كونكويست " أيضاً في صياغة تسمية " الرومنطيقية الجديدة " . و لا شك في أن كتابه " خطوط جديدة " (1956) – الذي خلق صورة شعبية ساطعة للشعر الجديد – قد ترك تأثيراً قوياً عند شعراء الخمسينات يشبه التأثير الذي أوجده كتاب : " بلد جديد " لـ "مايكل روبرتس " عند " أودن " و غيره من شعراء الثلاثينات . قبل ذلك بسنتين ، كان أحد محرري مجلة " السپكتيتر " ( مجلة إخبارية - سياسية - فنية تطبع أسبوعياً في بريطانيا منذ عام 1828 و لغاية هذا التاريخ ، لتصبح بذلك أقدم مجلة مستمرة في العالم . ) قد أطلق على أولئك الشعراء إسم : " الحركة " ، فشاع أستعمال هذه التسمية لأعوام عديدة ، و ما تزال قيد التداول بيسر حتى الآن بالنظر لبساطتها ( صاغ هذه التسمية المحرر الأدبي للسپكتيتر : "جَي دي سكوت " عام 1954) . و أتصور أن جمهور القراء كان قد أدرك ، قبل ذلك التاريخ بسنة (أي عام 1953) ، بأن المدرسة الرومنطيقية الجديدة قد تم نبذها و ذلك عشية الوفاة ( المفاجئة ) للشاعر " ديلن توماس " بنيويورك في كانون الأول من ذلك العام . و بدا أن إشمئزاز شعراء " الحركة " من الإجلال السخيف و شبه الهستيري لـ " توماس الأوحد المكين " يمثل أول إشارة للقاريء العادي ليستشعر ظهور جيل شعري جديد أخذ على عاتقه مهمة عقلنة الإعجاب بالإنجازات الشعرية لـ " ديلن توماس " ، و إيضاح كيف أن تأثيره على غيره من الشعراء كان أشبه ما يكون بالكارثة . و لقد كانت تلك مفارقة تبعث على السخرية – اعني بها ذلك المنظر الذي جرى فيه تصوير " ديلن توماس " بإعتباره العدو اللدود ذا القرون و الذنب ! و إذا كان " توماس " قد أفقد الشعراء الجدد صبرهم ، فإن الشاعرة " إيدث سِتْويل " (1887 - 1964) قد أخرجتهم عن طورهم ؛ غير أن الرواج المثير لأعمالها المتأخرة في نهاية الأربعينات سرعان ما بدأ بالإنحسار بعدئذ . و لكن ما يجب قوله في هذا الصدد هو أن ردة الفعل تجاه الشعر الرومنطيقي الجديد كانت إستجابة مناهضة مبعثها ليس مجرد الوقوف ضد الظلام الدامس الذي تسربلت به قصائد الشعراء من مقلدي " توماس " ، بل وكذلك أعمال أولئك الشعراء الذين أعادوا قراءة شعر " وليم بليك " (1757- 1827) – بتأثير من " إيدث سِتْويل " – فغرقوا في بركة الأسطورة الموحلة ؛ سعداء بالأعجوبة ، و بالتأثيرات الوهاجة . ( يستكشف الشاعر " دونَلد دَيـﭭ-;-ـي " – باعتباره المنظِّر الرئيس لشعراء " الخطوط الجديدة " – القيم الشعرية لهذه الحركة ، و المتمثلة بالإسلوب " العفيف " و جمال البنية ، في كتابين هما : "صفاء الأسلوب في الشعر الإنـگليزي " (1952) ؛ و " الطاقة الناطقة " (1957) . ( يعكس الإهتمام الشديد بالأفكار النقدية من طرف العديد من الشعراء الجدد واقع كون أغلبهم قد تولى تدريس الأدب الإنـگليزي في جامعات بريطانية أو أمريكية . ) و ما أن حل عام 1956 ، حتى كانت المعركة ضد الرومنطيقية الجديدة قد جرى حسم أكثر من نصفها . و لكن الوضع أصبح مختلفاً مع بداية ذلك العقد ؛ فقد كان هناك شيئاً يدعو للأسى في دعوة الشاعر و الناقد " جون وَيْن " ( 1925-1994) غيره من الشعراء في عام 1950 للعودة إلى شعر " روبرت گريفس " ( 1895- 1985 ) و " وليم إمپسن " كنموذجين يستحقان التقليد ضمن إطار الجهود المبذولة لإعادة الفكر إلى القصيدة . في حينها ، لم يكن إختيار هذين الشاعرين تصرفاً شاذاً مثلما يبدو لنا الآن . و يقتضي التعليق على هذه المسألة التوصل إلى تفسير السبب الذي جعل الثورة الشعرية للخمسينات تمتلك مثل تلك الشخصية . كان الدافع وراء إختيار " جون وَيْن " لـ " گريفس " و " إمپسن " هو اشتهارهما بالإستقلال في الرأي ، و بعدم الإلتزام الآيديولوجي ؛ و ذلك على العكس من " أودن " و "اليوت" اللذين كانا يستحقان الإختيار بحق كنموذجين للإقتداء . و لم يكن هذا الإختيار ناجزاً البتة ، و أتصور أن السيد "وين" هو أول من يعترف بهذا ؛ حيث كان الشعراء الرومنطيقيين الجدد قد استحضروا من جانبهم إسم "روبرت گريفس " أيضاً ، و قد أثبتت القصائد القليلة و الكئيبة المحاكية لـ " إمپسن " من طرف عدد من الشعراء المبتدئين بأنها نتاج غث غير مستساغ و لا مشبع ، مثلها مثل الحلوى الحزينة التي حضَّرها مقلدو " إيدث ستويل" و " ديلن توماس " . في مقدمته لـ "الخطوط الجديدة " ، نجد السيد " كونكويست " و هو يحبذ لنفس السبب أعلاه شعر " جورج أورويل " (1903 - 1950) ( ملاحظة : إشتهر جورج أورويل كروائي و ناقد و صحافي أكثر من كونه شاعراً مفلقاً ) و " مبدأه " في : " الإخلاص الحقيقي الصافي و غير الآيديولوجي " ، زاعماً في نفس الوقت بأن الشعر المهم لفترة الخمسينات يتميز عن غيره من الشعر المعاصر بكونه " لا يستسلم لأي أنظمة فكرية شمولية البنية " . و هكذا فإنه في موقفه هذا يتماهى مع التقليد التجريبي لفلسفة ما قبل الحرب في بريطانيا . و في الواقع فإن السيد كونكويست يتحدث هنا و يتأمل لنفسه ؛ و لكن الواضح أيضاً هو أن " أودن " و " إليوت " لم يبدوان للشعراء الجدد كناصحين مخلصين . كان " إليوت " يُحترم و يُجل باعتباره : " الأب المؤسس لجمهورية الشعر الجديد " ؛ كما كان كانت المَلَكة الشعرية لـ " اودن " و عقلانيته موضع الإعجاب . و لكن أياً من هذين الشاعرين الكبيرين ما كان ليشكك بالآيديولوجيات الشمولية ، أو يحصّن نفسه ضد الإلتزام السياسي أو الديني - على العكس مما فعله معظم شعراء " الخطوط الجديدة " ، سراً أم علانية . فبالنسبة لـ " دونالد دَيـﭭ-;-ـي " ، فإن الموقف السياسي لشعراء الثلاثينات كان : " مؤثراً و سخيفاً " ؛ أما " توم گـون " (1929 - 2004 ) ، فقد صرَّح بكونه : " يفتقد إلى الإهتمام باللاهوت " بإعتباره أحد أبناء جيل : " الخدمة الوطنية " ( في الحرب ) ؛ كما أعلن " كنـگـسلي أيمس " (1922 - 1995) مراراً و تكراراً ، خلال عام 1950 ، بأن : " أحداً لا يريد أية قصائد جديدة حول الموضوعات الكبيرة للأعوام القليلة الماضية " . و في قصيدته الجميلة المعنونة " ضد الرومنطيقية " ، نسمع هذه الأبيات : ... و الدماغ ثائر بالنبوءة ثائر لطرح الزمان و المكان الحقيقي جانباً ثائر لبناء زمان و مكان أفضل ... و التي تدينها رومنطيقيتها الشفافة رغم أنها تنظر باستخفاف إلى العالم الشعري لـ " ألرباعيات الأربع " لپاوند ( ثائر لطرح الزمان و المكان الحقيقي جانباً ) ، و إلى الطوباوية السياسية للشعر الإجتماعي للثلاثينات (ثائر لبناء زمان و مكان أفضل ) .
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خروف الطاقة و سيّده
-
شعشوع ، تائه الرأي
-
البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 5
-
نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا
...
-
نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا
...
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 4
-
كابوس الدوّامة الإنفلاشية
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 3
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1
-
الديك و عضو البرلمان
-
الحب الخريفي في ترجمة لقصيدتين عربيتين
-
الماركسية و الأخلاق / 2
-
ثلاثيات عتيقة
-
معالي الوزير السيادي الخطير
-
أحلام زنزانة الإعدام
-
العبقريون الثلاثة
-
الماركسية و الأخلاق
-
قصة حبيبين
المزيد.....
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|