|
كيران و التحالف مع العفاريت
نبيل بكاني
الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 05:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملحوظة : هذه المقالة معدلة عن مقالة نشرت لي بالامس
بعد الحرب الهوجاء التي شنها عبد الإله بن كيران على صلاح الدين مزوار، قبل الانتخابات البرلمانية، و بعد تشكيل الحكومة، و بعد كل تلك الاتهامات التي كالها له - و ماقاله في هذا الرجل لم يقله مالك في الخمر- هل يقبل بن كيران بعد كل الذي جرى، وضع يده في يد مزوار و يضحي بكل ما تبقى للحزب من شعبية، بعد الفشل الذر يع الذي حققته الحكومة في تسيير الشأن العام.
لدى بن كيران حجة قوية، يمكن أن يتحجج بها للتحالف مع عدوه اللدود؛ و هي إنقاد الحكومة من الغرق حفاظا على المصلحة العليا للبلاد، بما أن الخيارات المتبقية أمام بن كيران معدودة، بعد إعلان أحزاب المعارضة رفظها النهائي لأي مشاركة في تطعيم البثور التي خلفها انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، و بعد قبول الملك استقالات الوزراء الخمس، تبقى ثلات سيناريوهات مفترضة، لمواجهة الأزمة.
السيناريو الأول و الوحيد، الذي بإمكانه الإبقاء على استمرار بن كيران رئيسا للحكومة؛ هو التحالف مع صلاح الدين مزوار رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار المعارض، لكن هذا السيناريو لا يخلو من مغامرة، و له من العواقب ما قد يعصف بالحكومة من جديد؛ و التي تعاني أصلا من التخبط و عدم القدرة على الانسجام و التوافق بين مكوناتها، أيضا، سيكون له تأثير سلبي على ما تبقى من مصداقية في هذا الجسم؛ فمن الناحية الأخلاقية، يمثل كارثة، لسببين، السبب الأول كما سبق ذكره، الخلافات و التطاحنات التي وصلت إلى حد تبادل تهم خطيرة بين مزوار و بن كيران، السبب الثاني، الفضيحة المالية التي ماتزال تلاحق مزوار، و التي تفجرت بعد تسرب وثيقة رسمية من داخل دواليب وزارة المالية تكشف تورطه في نهب المال العام عندما كان وزيرا للمالية. في الوقت التي ينتظر فيه السيد كاهوزاك وزير المالية الفرنسي الأسبق جلسة محاسبة جديدة داخل الجمعية العمومية الفرنسية، في سياق الفضيحة المالية الشهيرة، ينتظر السيد مزوار حظ كبير في دخول الحكومية الاسلامية.
السيناريو الثاني، تقديم بن كيران استقالته للملك؛ و في هذه الحالة، يتعين على الملك تكليف شخصية أخرى من حزب العدالة و التنمية لقيادة حكومة معدلة، أو تعيين شخصية من التيكنوقراط لتشكيل حكومة جديدة غير منتخبة. أو إختيار سيناريو ثالت و هو الذهاب نحو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها؛ إلا أن هذه الخطوة تبقى مكلفة ماديا في ظل الوضعية الإقتصادية الصعبة للبلاد، كما أنها تمثل مغامرة غير مضمونة النتائج من الناحية السياسية؛ ستعطي انطباعا سيئا حول أول تجربة سياسية تبناها النظام بعد دستور 2011 الذي لاقى معارضة قوية بسبب المنهجية الانفرادية التي صيغ بها، و التي لم تحترم شروط الآلية الديمقراطية المتعارف عليها؛ خاصة أمام العزوف الذي قد تشهده تجربة انتخابات سابقة لأوانها، لاعتبارات اجتماعية.
أمام هذه الوضعية المتأزمة، التي لا تمس حكومة بن كيران و الحزب ذو الإتجاه الإخواني الحاكم فقط، و لكن تمس كذلك مصداقية الدولة ككل، بما فيها النظام السياسي، الذي راهن على التجربة الحكومية، وقدم وعودا للداخل و للخارج بنجاحها، و بعد اتضاح الصورة السياسية للوضع الرسمي القائم، و انكشاف بؤر ضعف الحكومة و محدودية آليات اشتغالها، مقابل الصلاحيات الجد موسعة التي منحها الدستور للملك؛ يظل الأفق غامضا أمام الحكومة و أمام البلاد، و سواء تغيرت التشكيلة الحكومية أو تغيرت الحكومة كاملة، فإن الوضعية العامة لبنية الدولة باقية كما على حالها؛ وزارات سيادية لا تخضع لتوجيهات رئيس الحكومة، مدراء مؤسسات عمومية، إدارية و اقتصادية لا يأتمرون لرؤسائهم "الافتراضيين" (الوزراء و رئيس الحكومة)، غياب استقلالية تامة لجهازي القضاء و الاعلام العمومي، مجالس تمثيلية (مجس حقوق الانسان، المجلس الاقتصادي، مجلس الشباب، المجلس الأعلى للقضاء...) لا تتمتع باستقلال كامل عن أي سلطة أو جهة أخرى.
خلاصة القول؛ ليس بإمكان المغرب إقامة ديمقراطية حقيقية و فعالة، على أرض ماتزال تسلم بمفردات الاستثناء و الخصوصية و الثوابت... بعيدا عن القيم و المفاهيم الكونية للديمقراطية، التي تأسست عليها كل الديمقراطيات في البلدان المتقدمة، فمن المستحيل بناء دولة ديمقراطية في غياب إشراك المجتمع في تحديد مصيره. و تظل كل القرارات المصيرية التي تصاغ بعيدا عن إرادة الشعب، محكومة بالفشل.
لقد ضيع المغرب فرصا كثيرة و وقتا ثمينا منذ استقلاله، و أمام الوضع التي تشهده المنطقة، تبقى، اليوم الفرصة الذهبية أمامه، لضمان استقراره و لتحقيق الارادة الشعبية، هي الاستفادة من أخطاء و تجاوزات تجربة إعداد دستور 2011، لبلورة تصور محدد و واضح عن شكل الدولة و الملكية المرغوب فيهما؛ دولة ديمقراطية يحكمها دستور يجسد إرادة الشعب، أم دولة استبدادية، ملكية برلمانية (دستورية) أم ملكية شمولية تنفيذية.
ففي ظل الوضع القائم؛ سيجد أي رئيس حكومة مستقبلي، نفسه مستعدا للتحالف مع العفاريت و ليس فقط مع الخصوم و الأعداء، في سبيل إحراز مكسب سياسي شخصي أو حزبي؛ مهما كانت فوائده تافهة أو منعدمة على الشعب و البلد و الاستقرار.
#نبيل_بكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بن كيران و التحالف مع العفاريت
-
حتى لا تتكرر مأساة انتفاضة 1981
-
المغرب: دستور جديد هو الحل
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|