لطفي حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1193 - 2005 / 5 / 10 - 11:07
المحور:
الادب والفن
ربطوا يديهِ الخشنتين..
أزهرَ العوسجُ
بصقوا عليه..
اشتعلَ الرمّانُ
وضعوا على رأسه كيساً أسودَ
كالكيس الذي حمله منذُ شهرين إلى أمهِ
بكتْ تلك الصامتةُ للأبد
التهبَ الشفقُ الدامي
قبّلتِ العظامَ..
كان صغيرَها المدلّلَ
حلّق طائرُ الحوم
وأخرجتْ جمجمةً مهشّمة
قبّلَ المروجَ بشفتيه
ضربوه حتى انتحب الليلُ
صرخ الله : " توقفوا"
لكنه.. قد مات
***
عرّوا الجسدَ الضامرَ
لم يدخل قلبَه غيرُ العزلة
وغيرُ عصىٍ ثخينة..
ارتعشَ مذبوحاً
بكى
للمرة الأولى
دخلَ الهزيعَ الرابع
رأى صراعَ الوحشين
وسقوطَ سومر
شهدَ وصفّق
وضرب وجهَ الليل بحذائه
ونام قرب النهر حالماً
***
سمع قهقهاتٍ عالية
أحسّ بسائل دافئ يجري على ظهره
تذكّر بسخرية..
كان جنديّ ٌ أبيضُ بعيون زرقاء
يحمل طفلاً بين ذراعيه ويبتسمُ للكاميرا
" مصائرهم بين أيدينا.. وحياتنا تُراق لتحريرهم"
لم يقلِ الطفل شيئاً
لكنه بالَ عليه وابتسمَ للكاميرا
اقتربوا أكثرَ..
مزّقوا قميصه
صنعوا حبلاً.. ربطوه حول عنقه
شدّوه حتى سقطَ كبرياءُ بابل
والتحم الجسدُ المبلّل بالأرض الباردة الجرداء
رغمَ ثلاثةِ آلاف عام
تشابهت كذبتان
نزعُ أسلحة الدمار الشامل
وقميصُ يوسف الصغير
***
رموه في زنزانته
وألقوا إليه بقطعة صابون
مصدّرٍ من بغداد
له رائحةُ عظامِ الأطفالِ السمر
وشواطُ اللحوم المشتعلة
وعطرُ الدمع
ولونُ التمر
ولزوجةُ الدم
#لطفي_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟