صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 4167 - 2013 / 7 / 28 - 13:03
المحور:
الادب والفن
***
امرأة الكوثر
***
امرأةٌ في المقهى
تتسلّقُ جذعَ المعنى وتعزف
قبالتي تجلس
وتنهلُ شيئاً مِن عبيرِ الكلامِ :
احْتَطَبوا في الليلِ نخيلَ البصرة
وباتوا في العراء
احتفلوا بعيداً عن أحزانِ النهرِ
ولوعةِ الماء
خارج أسوارِ الرغبةِ
احتفلوا
بلا ثمرٍ يزهو في أطباقِ الليلِ
ولا رطبٍ مِن تلك الأثداء
احتفلوا توّاً
بالملكِ القادمِ مِن بلادِ فارس الذي قيلَ عنه لم ينكسرْ في أيِّ معركةٍ بعد
وقيل كما تتضخّم في أرجائنا الأشياء:
إنَّ اللهَ اختاره لتحريرِ الزنجِ مِن خوفٍ مُزمنٍ
ومِن سطوةِ النخلةِ التي زجرتْ خيولَ الغوغاء.
ربما كانت متواطئةً مع الخليفةِ في تلك الأيامِ
فالنخلةُ لا تذعنُ في العادةِ للأمراء .
هي شجرةٌ أدمنت العراء.
احتفلوا
قتلوا النخلَ وظلّوا وراء موكبِ الملك يهتفون :
عاش الملكُ العادلُ
وبعد حين عاش الملكُ الجائرُ
حتى أغارَ عليهم " سابور ذو الأكتاف " باني مجدَ الحويزةِ المعظمةِ
ومؤسس الفتنةَ الأكبرَ في تاريخِ الشعوبِ ، فتهالكوا بين يديه جميعاً
حملوا إليه النساءَ والأبناءَ وبايعوا :
عاش الملكُ العادلُ مولانا .
في الألفِ الثاني قبل الميلادِ احترقت البصرةُ
على إثر سِفرٍ مِن الأسفار
أوغرَ الملكُ الفارسيُّ الجليلُ صدورَ الأعيانِ
وألهبَ نفوسَ الدهماء
كانت البصرةُ قصباً وطيناً
امرأةٌ في المقهى
تخصُّ الصمتَ بعذوبةِ الكلماتِ :
لم نأتِ مِن زمنٍ نسطوريٍّ بعد
ولم نيأسْ كما يئسَ الأجدادُ
آخينا ما بين الماءِ وبين الرطبِ الشاهقِ
وقدّمنا الدّفلى بوجهِ الزحفِ القادمِ مِن رملِ الصحراء.
لم نحسبْ يوماً أنَّ بلاداً ستشرعُ أبوابَها أمام جحافلَ تأتي مِن وراء البحرِ
وأخرى تأتي مِن بلادِ فارس فتخضّ سطورَ الحرفِ ويضيع المعنى .
لا تسلبْ كوثري
هذا زمنٌ أرقى مِن عطرِ رجلٍ خاضَ غمارَ الليلِ
وركبَ البحرَ ثم بعد حطامٍ أَرْسَى
هذا زمنٌ أشهى مِن غنجِ الأنثى وأنقى
هنا احتفلوا
في عمقِ الصحراء
بعيداً عن ريحانِ الصيفِ في ليلِ البصرة
وعن عصرِ الكرمةِ وسلالِ المشمش
هنا احتفلوا
بعيداً عن كأسِ الرّمانِ وشوقِ الطلعِ
وندىً يتوسدُ خدَّ الجوري
هنا احتفلوا ، بعد الذبحِ ، في صحراء :
كلُّ حثالاتِ الدُّنيا
هنا احتفلوا
على مشارفِ تمرِ البصرة
امرأةٌ مازالت في المقهى
تجلسُ قبالتي
وتنهلُ مِن عبيرِ الكلامِ :
وجعٌ في الخلاء
وجعٌ على الرصيفِ
وجعٌ في صدر المقهى
امرأةٌ في المقهى
29 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟