أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - الديموقراطية هي تنظيم الكراهيات في المجتمع ... وهنا عبقريتها















المزيد.....

الديموقراطية هي تنظيم الكراهيات في المجتمع ... وهنا عبقريتها


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4167 - 2013 / 7 / 28 - 10:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ثقافة عقود الاستبداد الطويل في المنطقة العربية عملت على تشوية تفكير الناس إزاء فكرة «ما الحل» وتشويه سقوف توقعاتهم إزاء كل تغيير يعقب تهاوي أي نظام استبدادي. عقل النظام المُستبد، وآليات التعليم المدني والديني فضلاً عن إعلامه، كان وما زال يعمل على ترسيخ قواعد أيديولوجية شبه مقدسة في التفكير الجمعي للناس. ومن ضمن هذه القواعد فكرتان تقف عندهما هذه السطور: فكرة ان النظام الاستبدادي هو الحل الوحيد المطروح أمام المجتمع. فهو حاضرهم ومستقبلهم، وفيه خلاصهم وسعادتهم رغماً عنهم، ولا مناص لهم عنه. والقاعدة الثانية هي الفكرة الابوية التي يكرس بها علاقات الناس مع النظام كأفراد عائلة متحابين يستمعون ويطيعون الاب الحنون الذي، وإن قسى بعض الاحيان، فإنه يفعل ذلك لمصلحة الأبناء غير الناضجين.

لم تقتصر هذه الافكار المؤسسة للثقافة المُستبدة وشقيقاتها وآلياتها على استخدام الانظمة السلطوية والابوية مديدة العمر، بل كانت قيد الاشتغال ايضاً وبنشاط ملفت في قلب الايديولوجيات الحزبية حيث انتجت منظمات سلطوية لا تقل استبداداً عن الانظمة التي تعارضها. القاسم المشترك الاعرض بين الانظمة السلطوية والاحزاب المعارضة لها كان ثقافة الاستبداد. النظام السياسي كان يفوز دوماً بالضربة القاضية بكونه المالك الحصري لاستخدام العنف والسلطة في المجتمع. عندما تختلف شروط اللعبة كما حدث في بعض المجتمعات مع الانتفاضات العربية وتختل تراتبية الاستبدادات وسيطرة أي منها على السلطة والقوة في المجتمع. ومع الانفلات التي تتيحه الانتخابات والمرحلة الاولى من الدمقرطة، يفيض التثاقف الاستبدادي العفن الذي لم يتعود الاعتراف بالآخر، ويرى في ذاته «الحل الخلاصي» الوحيد. وننتهي إلى «صدام الاستبدادات» في الشوارع والميادين كما نرى في مصر حالياً: استبداد الليبرالية الشائهة (التي هي خليط عجيب من القوى المدنية والمباركية والجيش) واستبداد القوى الدينية. المُرعب والمهول، لكنه الناتج الطبيعي عن عقود الاستبداد وثقافته، في المشهد يتمثل في البدائية السياسية واندفاع الغرائزية والحس الانتقامي والكيدي الذي يقود الطرفين، ناهيك عن ان يتحلى أي منهما بإمتلاك «الحل» او الثقافة الديموقراطية التي لا تعترف بفكرة «الحل الخلاصي».

فوضى السياسة والفكر والدين في حقبة ما بعد الربيع العربي تشير إلى هول ما انتجته عقود الاستبداد على صعيد تدمير أية عناصر مؤسسة لثقافة الديموقراطية والتعدد، وبخاصة في اشتغال القاعدتين اللتين تكملان بعضهما البعض: قاعدة لا حل إلا انا، وقاعدة النظام بكونه أب المجتمع. القاعدتان هما النقيض المباشر لفكرة الديموقراطية التي تؤسس وبالتعريف قناعة مشتركة بين الخصوم السياسيين والايديولوجيين تنفي وجود «حل خلاصي». ليس هناك حل سحري يملكه أي طرف فوق هذه الارض وفي أي مجتمع من مجتمعاتها يمكن من خلال تطبيقه إنهاء معضلات المجتمع من فقر واقتصاد وعدالة وحريات واستقلال تام وسيادة، وبحيث يرضى به الجميع. الثقافة الديموقراطية اكثر واقعية وابتعاداً عن فكرة «الحل الخلاصي»، ذاك ان ما تقول به وتريد ان ترسخه هو شيء مختلف جوهرياً وهو ان كل ما يمكن للخصوم السياسيين والاعداء الأيديولوجيين ان يقوموا به هو حلول جزئية لإنهاء تلك المعضلات. يتفوق بعضها على البعض الآخر بالنقاط والنسب المئوية وليس بالضربة القاضية. والنظام الديموقراطي الذي يقر بأنه لا يحمل في ذاته أي شكل من اشكال «الحل الخلاصي»، وانه كثير العيوب، يبقى الافضل نسبياً لحد الآن في كل النظم التي طبقها البشر. إذ يوفر في الحد الادنى ميدان الصراع والمنافسة بين المتصارعين ويضبطه وينظمه بالطرق السلمية.

من العيوب الاساسية للنظام الديموقراطي انه يوفر للخطاب الشعبوي فضاءً واسعاً للإنتشار وجلب الانصار وتحقيق الفوز الانتخابي. وعندما يتم توظيف الدين في قلب الخطابات الشعبوية، كما في المجتمعات العربية، وعلى خلفية تراكمات تاريخية عديدة اعتاشت عليها التيارات الدينية، فإن النتيجة غير المفاجئة في المرحلة الاولى من الديموقراطية هي الانتصارات الانتخابية لهذه التيارات. الحل الوحيد لتقليم الخطابات الشعبوية هو كشفها امام الناخبين والناس سلمياً وانتخابياً، وترقية الوعي العام وإزاحته تدريجاً من الإيمان بـ «الحل الخلاصي» الذي تعد به التيارات الدينية، إلى الايمان بـ «الحلول النسبية والنصفية». ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالصبر الوئيد (والمُستفز للأعصاب) على مراحل التحول الديموقراطي.

خلال المرحلة الاولى من الديموقراطية تحدث إزاحات كبيرة ايضا في قلب التيارات الايديولوجية التي يدرك كثير من منسوبيها طوباية شعارات الحل الخلاصي (الاسلام هو الحل مثلا) وينتقلون الى تفكير اكثر واقعية، كما حدث مع بعض اجنحة التيار السلفي في مصر ايضا، وشرائح شبابية من «الاخوان المسلمين» انفسهم. لكن الثقافة المتوارثة عن عقود الاستبداد الطويل لا تتحمل الانتقال الوئيد والجزئي، ولا تتحمل رؤية الخصم السياسي في الافق وتريد ان تعزله وتقصيه تماماً، لهذا ترتد إلى الغرائزية وتتفلت بسرعة من قيود النظام الديموقراطي الجديد عليها.

القاعدة، أو الخرافة، الثانية التي تؤسسها انظمة الاستبداد والسلطوية تقوم على فكرة القائد الأب، والنظام الأبوي الذي يرعى المجتمع بأسره بكون افراده هم الابناء، وان المجتمع مع إدارته الاستبدادية يناظر العائلة. والعائلة وبالتعريف، الساذج والخرافي ايضا، يجب ان تكون مُتحابة ومنسجمة مع بعضها البعض، وان من حق الأب ان يؤدب «بعض» الابناء العصاة المنحرفين عن الطريق المستقيم للعائلة، حتى يضمن الانسجام والحب داخلها. تتمتع هذه الخرافة، رغم هشاشتها وتعارضها مع بداهة الحياة، بقوة هائلة. وتُستخدم دوماً لضرب الفكرة الديموقراطية لأن هذه الاخيرة تسبب الشقاق والخلاف، وتنشأ في ظلها الاحزاب والحركات التي تقسم المجتمع «المُتحاب» وتضعفه. يُقارن سدنة المجتمع الابوي الاستبدادي الاستقرار و»الانسجام» الذي يوفره مع الفوضى والشقاق والحزبية التي تنتجها الديموقراطية، لتخويف الناس المُعتادين على عقود الاستبداد الطويل، ولإقناعهم بأن «غول الديموقراطية» سيأتي عليهم جميعاً ويحطم المجتمع «المتماسك» إن تم السماح له بالدخول.

«مجتمع العائلة المُتحاب والمتماسك» لا أساس له تاريخياً. فالعائلة هي نطاق للكراهية كما هي نطاق للحب والانسجام. ولنا ان نتذكر ان جريمة القتل الاولى في تاريخ البشر حدثت داخل العائلة الاولى على الارض، بين قابيل وهابيل. ولنا ان نتذكر ان إنتساب المسلمين واليهود إلى جد واحد وكونهم ابناء عمومة، لم يمنعهم من تأسيس عدواة وكراهية يعرفها الجميع. كما لكل منا ان يمرر في رأسه حالات، لا تعد ولا تحصى، من العداوات والصراعات في نطاق «العائلة» على المستويات الفردية والجماعية الاصغر. ما تقدمه الديموقراطية، وعلى الضد من نظرية «المجتمع الابوي» الاستبدادية، هو الإقرار وبشجاعة بكل تلك الاختلافات والكراهيات «داخل العائلة» ومواجهتها تحت الشمس وفوق الارض ومن دون إدعاءات. تتصدى لمهمة تاريخية وعبقرية في حياة البشر واجتماعهم السياسي وهي تنظيم تلك الخلافات والصراعات بطريقة سلمية. بكلمة اخرى، الديموقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي ينظم الكراهية داخل المجتمع ويدجنها ويؤسس لها قنوات سلمية حتى تنفجر فيها. والبديل عن ذلك التنظيم والتدجين العملي واحد من أمرين: الاول هو تأبيد الاستبداد حيث يحتكر فريق ما في المجتمع (طائفة، او عائلة، او حزب أيديولوجي، أو طغمة عسكرية) الحكم والسياسة والموارد ويتجبر في بقية الفرقاء، ولا يشارك أحداً في السياسة ولا يسمح لأي «إنشقاق» في العائلة او تمرد على «أبوها». بل يدفن كل ذلك تحت السطح مؤجلاً الانفجار المحتوم. والثاني هو انفجار تلك الصراعات والكراهيات على شكل حروب أهلية دموية تستنزف الجميع، ولا تنتهي إلا بإنتصار دموي تدميري لطرف على الاطراف الاخرى واخضاعها لـ «ابوته» ردحاً طويلاً من الزمن لحين بروز «أب» جديد أكثر دموية وتدميراً.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنقلاب اعاد شحن الاسلام السياسي في المنطقة
- المراهقة الليبرالية وإعادة شحن الإسلام السياسي
- الديموقراطية الليبرالية أو الحروب الدينية
- إنقاذ الشيعة العرب من «حزب الله»
- هل تبرز إيران الصديقة؟
- من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013
- أين أصبح «مؤتمر باريس» العربي 1913؟
- «مصانع الفتاوى»: كهنوت إسلاموي وتدمير مجتمعي
- «أبوية الثورات» في الخطاب القومي
- -مصانع- الفتاوى الطائرة
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (2-2 ...
- «حماس» وطلبنة غزة
- فيضان المستنقع الأسدي
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2 ...
- «البوكر العربية»... ومسألة الهوية
- قانون مدمّر في مصر: الشعارات الدينية في الانتخابات!
- مخاطر «أخونة» الأزهر
- العرب والغرب وتسليح الثورة السورية
- تسليح الثورة السورية مصلحة عربية
- «الدولة الأمنية العميقة»: أمن بن علي في مطار تونس!


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - الديموقراطية هي تنظيم الكراهيات في المجتمع ... وهنا عبقريتها