|
انماط السلوك غير السوي في المجتمعات المقهورة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1193 - 2005 / 5 / 10 - 11:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حينما تتعرض المجتمعات إلى الاستبداد والعنف المفرط ولأمد طويل، تنغرز في ذاتها أنماطاً من السلوك غير السوي تتنافى وسماتها الأساس لأجل الحفاظ على ذاتها المُستلية من الهلاك. ومع الزمن يصبح السلوك غير السوي نمطاً سائداً في المجتمع، ومنغرز في اللاوعي لدى الغالبية من أفراد المجتمع. ولايجد المجتمع فيه سلوكاً شاذاً ومنحطاً يتوجب التخلي عنه، لأنه متوارثاً عبر الأجيال ولم يعد بمقدوره التميز بينه وبين السلوك السوي. تؤشر أنماط السلوك الشاذ في المجتمعات المتخلفة (خاصة في أريافه) فبالرغم من انتهاء مرحلة الإقطاع وانحسار سطوة الإقطاعي، تجد أن العديد من أبناء الأرياف مازالوا يمارسون سلوكاً شاذاً في إبداء الخضوع والإذلال لأسر الإقطاعيين. ومازال بعض أبناء المدن من الفقراء، يبدي سلوكاً غير سوي مع الأغنياء لكسب عطفهم وشفقتهم لأجل حصوله على العمل أو استمراره فيه. وهناك ظاهرة شائعة ومؤطرة بغطاء ديني لإبداء السلوك غير السوي (الخضوع والإذلال) في المجتمعات المتخلفة لطبقة تدعى (السادة- بغض النظر عن مكانتهم المالية أو الاجتماعية) بحجة صلتها بالرسول محمد (ص). والحقيقة هي طبقة من سادة مجتمع الجزيرة العربية (تحديداً القريشيون) التي فرضت سطوتها وبطشها أبان الدولة الأموية والعباسية، وأجبرت العامة من الناس على مظاهر الخضوع والإذلال لها تحت يافطة انتماءها لعائلة الرسول محمد (ص) وآل بيته الكرام. إن الرسول الكريم محمد (ص) وآل بيته الكرام براء من هذه السطوة والسلوك الشائن، ولاتوجد مؤشرات في التاريخ عن الرسول الكريم وآل بيته لفرض حالة الإذلال والخضوع على بقية أفراد المجتمع. والعكس هو الصحيح، حيث كان أصحاب الرسول الكريم ينادوه (يا محمد) وما كان للمرء أن يفرق بين الخلفية الرابع علي بن أبي طالب (ع) عن عامة المسلمين أبان فترة خلافته للمسلمين!. وهناك العديد من العامة في المجتمعات المتخلفة، لايجيز توجيه النقد والإدانة للسلوك المنافي للقيم وما يمارسه بعض (السادة) بحق العامة من الناس بحجة انتمائهم لعائلة الرسول الكريم. ويطلق بعض (السادة) العنان لهذا النهج المتوارث عبر التاريخ ليحيط نفسه بهالة (دينية واجتماعية) تميزه عن بقية أفراد المجتمع، وتكون له مظلة يمارس تحتها ما يريد من الموبقات المنافية للقيم الاجتماعية دون أن يتجرأ أحداً على توجيه النقد والإدانة له!. وتمارس سلطات الاستبداد في العصر الراهن سلوكاً مماثلاً لفرض أنماط الخضوع والإذلال على أفراد المجتمع، فبجرد أن ينتمي الفرد لعائلة أو عشيرة رئيس سلطة الاستبداد أو رموزه يفرض سطوته وبطشه لإخضاع أفراد المجتمع لمشيئته. وحالما تتقاطع مصالح أياً فرد من أفراد المجتمع مع عائلة السلطان أو حاشيته، ينال من السياط والإهانة ما تجعله عبرة لبقية أفراد المجتمع الرافضين لأتباع هذه الأنماط الشاذة في المجتمع!. وكلما تنامت أنماط السلوك الشاذ (الخضوع والإذلال) لدى العامة من الناس، كلما مارست طبقة الأشرار سطوتها وبطشها لفرض المزيد من مظاهر الإذلال والخضوع على أفراد المجتمع. يعتقد ((جيمس سكوت))" إذا كان الخضوع يتطلب تعبيراً عن المذلة والانصياع، فإن الهيمنة بدورها تتطلب تعبيراً مقنعاً عن الرفعة والسيادة". إن تأطير أنماط السلوك الشاذ (الخضوع والإذلال) في ذوات العامة من الناس، بإطار (الاحترام أو التبارك أو الدين) يخفي بين طياته مؤشرات على استمرار سطوة القوي على الضعيف بأنماط سلوكية شاذة ومنغرزة في اللاوعي منذ أمد طويل. إن المجتمعات وما تعرضت للاستبداد، وأجبرت على ارتداء الأقنعة للحفاظ على ذاتها المُستلبة من بطش وسطوة سلطة الاستبداد غير قادرة على خلع أقنعتها والتخلي عن أنماط سلوكها الشاذ في الخضوع والإذلال بعد انهيار سلطة الاستبداد مباشرة. لأن أنماط سلوكها الشاذ منغرزة في اللاوعي وتحتاج لفترة ليست بالقليلة لتقتنع بأن سلطة الاستبداد لم يعد لها وجوداً، ويتوجب عليها التخلي عن سلوكها الشاذ والتصرف بحالة سوية تماشياً مع تغير الحالة السياسية. يعبر ((جورج آليوت)) عن ظاهرة ارتداء الأقنعة قائلاً:" إن ضرورة (ارتداء الأقنعة) في حضور سلطة الاستبداد، يأتي من فعل الكبت والقهر المستور الذي لايمكن أن يبقى كامناً إلى ما لانهاية". إن المجتمع المقهور لأمد طويل، يضطر لمواجهة العنف بالعنف المضاد لانتزاع حريته وكرامته المسُتلبة من سلطة الاستبداد. وغالباً ما يكون ردًّ الفعل المضاد مصحوباً بحالة من الانتقام العشوائي يطال كافة رموز ومنتسبي ومؤيدي سلطة الاستبداد، للتعبير عن حالة الحقد والكراهية الكامنة في ذات المجتمع المقهور. ويبقى المجتمع المقهور أسيراً في ممارساته اليومية، لأنماط السلوك الشاذ في الخضوع والإذلال المنغرز في ذاته. بالرغم من تحقيقه النصر على سلطة الاستبداد وتخليه عن أقنعته السابقة وتطلعه للحرية والعدالة، مما يتطلب القيام بحملة توعية شاملة في المجتمع لاجتثاث أنماط السلوك الشاذ من وجدان المجتمع وغرز مفاهيم العزة والسموًّ مكانها للنهوض بمستوى الوعي الاجتماعي لمصاف الأنماط السلوكية السوية. يرى ((شارون برهًّم)) أن نظرية ردًّ الفعل، تنطلق من الإرهاص القائل:" أن ثمة رغبة بشرية في الحصول على الحرية والاستقلال، وهذه الرغبة المكبوته تحت وطئة التهديد والعنف لابد أن تقود أصحابها إلى ردًّ فعل معارض لتحقيقها". تختلف أنماط السلوك وفرض الرقابة على الذات بين أزلام سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور، فأنماط السلوك في الأولى تتسم بالتعالي والقسوة وينعكس ذلك على اختلال نظام الرقابة على الذات (الضمير والالتزام بالقيم الإنسانية) لديهم ليؤشر حالة البطش واستخدام العنف ضد المجتمع. وبالمقابل فإن سلوك المجتمع المقهور، يتسم بإبداء مظاهر الخضوع والإذلال لتحاشي سطوة وبطش أزلام سلطة الاستبداد، ونظام الرقابة الذاتي لديهم يتسم بإحكام السيطرة على ردود الفعل غير المنضبطة للحفاظ على الذات من الهلاك. إضافة إلى الاحتكام إلى الضمير والالتزام بالقيم الإنسانية في التعاطي مع نهج سلطة الاستبداد المضاد، لأن معركة المواجهة النهائية بين الطرفين تتطلب دفاعاً عن نهج ما (وبغض النظر عن صحته) لتحفيز الذات على المواجهة والتضحية من أجل نيل الحرية أو من أجل الاحتفاظ بالسلطة.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخطاب العلني للقوى المقهورة ضد القوى القاهرة
-
لقاء صحافي مع الباحث وخبير المياه في الشرق الأوسط السيد صاحب
...
-
سمات الخطاب المستور للقوى المقهورة
-
ردًّ الفعل الشعبي ضد ممارسات القهر والاستبداد
-
الصراع السياسي المستور بين القوى القاهرة والمقهورة
-
الكراهية والحقد الكامن في ذات الإنسان المقهور
-
السياسيون القردة
-
صراع القدر والإرادة بين السماء والإنسان
-
نشوء الدول القديمة والحديثة
-
صلاحية الحاكم والمحكوم
-
صراع العاطفة والجمال بين المرأة والطبيعة
-
التأثيرات السلبية للفقر والجهل على المجتمع
-
استحقاقات الرئاسة القادمة
-
مَلكة الإبداع بين العبقرية والالهام والفطرة
-
قيم الراعي والقطيع السائدة في الكيانات الحزبية
-
الحكمة والحقيقة في الفلسفة
-
مراتب المعرفة عند الفلاسفة
-
ماهية الإحساس والمعرفة في الفلسفة
-
صراع القيم والمبادئ بين الفلاسفة والملوك
-
تأثير الاستبداد والعنف على اختلال أنماط السلوك الاجتماعي
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|