طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4164 - 2013 / 7 / 25 - 03:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كتب الصديق العزيز جاسم الزيرجاوي مقالا بعنوان
المفهوم اللينيني للجماهير
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=370031
تعليقي على المقال طويل بعض الشيئ ولذللك ارتأيت نشره في هيئة مقال.
في البدء اسجل اتفاقي مع مقال العزيز الزيرجاوي. واود اضافة التالي في السطور ادناه.
---------------------------
من المهم بمكان تتبع وتحليل مسيرة اللغة السياسية, وخصوصا موضوعة استخدامها للمفردات الثورية, خلال العقود الاخيرة, وهذا ما يجب ان نفعله دوما. فاستخدام اللغة والمفردات من قبل احدنا ليس خيارا شخصيا, الى حد كبير. فاننا لا نتكلم اللغة, بل ان اللغة تتكلم, حسب المحلل النفسي لاكان, من خلالنا-اللغة كوعاء فكري وثقافي وتعبير عن الخطاب السائد طبقيا. فماالذي نلاحظه الآن بصدد مفردة "الجماهير" هو اختفاءها كليا تقريبا في الادب السياسي للاحزاب الشيوعية في منطقننا. وخصوصا الرسمية منها. ففد ابدلت هذه المفردة, ذات الشحنة الثورية-اللينينية, في ليلة وضحاها, بمفردات الحياد الطبقي, مفردات تدلل بما لا يقبل الشك على ان هذه الاحزاب قد باعت نفسها في سوق النخاسة لمن يدفع اكثر. ولما كانت العولمة واخطبوطها المحلي هم اغنى المشترين واكثرهم سطوة, لذلك لا غرابة ان تعلن هذه الاحزب تبنيها لموضوعة التوافق الطبقي/الشراكة الوطنية, الموضوعة التي تكرس هيمنة العولمة المتوحشة.
بتخلي هذه الاحزاب عن موضوعة الصراع الطبقي واحلال موضوعة التوافق الطبقي محلها, فانها قد سلبت الجماهير الطاقة الثورية الكامنة فيها. ولكون مصطلح الجماهير, لاسباب تاريخية-سياسية, هو مصطلح ثوري عوما, كان لا بد للخطاب السائد ان يحيل هذه المفردة على التقاعد, ان لم يفلح بدفنها تحت التراب, و هذا يعني بالتالي تحويل الجماهير, كقوة محركة وفاعلة الى (لا) قوة سلبية متلقية استهلاكية ومجردة من اي افق ثوري للتغيير.
درجت هذه الاحزاب مؤخرا الى استخدام, بدل مفردة الجماهير, مفردات مناسبة لتتضمن السلبية والتوافق الطبقي, مثل مفردتي الناس او المجتمع, وكان بامكانهم بالطبع ان يستخدموا مفردة "القطيع" لولا بعض الحياء. فجماهير سلبية غير فاعلة هي والقطيع سيان.
ولذلك فان شكوى هذه الاحزاب بان الجماهير مخدرة وغير فاعلة بسبب المد الديني هو نصف الحقيقة او حتى اقل. السبب الاكبر هو ان خدر الجماهير هو نتيجة لفقدان هذه الاحزاب لثوريتها وتخليها عن اللينينية, ولذلك اجبرت لغتها على التكيف بالتخلي عن ثوريتها
هي الاخرى--;-- فحلت محل مفردة الجماهير, وهي مفردة مميزة للخطاب الثوري, مفردات مثل الناس والمجتمع لتعني القطيع وان لم تنطق المفردة.
ان هذا التغيير في اللغة او استخدامها يعني ان الخطاب السياسي النافذ هو خطاب العولمة (او اية تسمية اخرى بنفس المضمون), خطاب المجتمعات الاستهلاكية التي تحيل الفرد الى عبد لسطوة السوق وشياطينه. فعبيد الاستهلاك هم كالزومبي, اجساد ميتة حتى ولو تحركت, ميتة بمعنى استلابها واغترابها وفقدها قدرة الارادة على خلق الحدث والابتكار, فاصبحت بريطانيا, كما يقول المفكر طارق علي (1), دولة مقرفة. اما يسار ونقابات ايطاليا, الدولة ذات الارث السياسي اليساري والشيوعي الضخم, فانها تبخرت واصبحت قوى هامشية. اما الفيسلوف الماركسي واحد اشهر اتباع لاكان "جيجك" فانه يتحدث بواقعية مؤلمة, وان ارتدت رداء السخرية, عن ان مفكري العالم, ماعدا قلائل(؟), قد ابتلعتهم سطوة العولمة فاصبحوا من جنودها الابرار. لقد ولى عصر جان بول سارتر وبرتراند رسل, فاقزام الثقافة (والسياسة) الآن هم القادة, قادة الناس او القطيع , وليسوا قادة الجماهير, فهذه المفردة قد الغيت من قاموس (اللغة السياسية), وما لا يوجد في القاموس لا يوجد ايضا في الواقع. اختفاء هذه المفردة هو بالطبع انتصار لقوى الثورة المضادة, انتصار للقبح على الجمال-كلا, انها ليست صدفة ان تغرق بغداد ومدن العراق بتلال القمامة, فتلال القمامة وانتشار الادب والفن التافه والتدني الحضاري كلها هي اعراض لمرض اسمه "اختفاء مفردة الجماهير". فازمة الحركة الثورية العالمية, اوما تبقى منها, هي ازمة جمالية ايضا الى حد كبير.
عبر الطبيب والمحلل النفسي البريطاني لاينج قبل عشرات السنين عن قباحة عالمنا الراسمالي بقوله (2):
«إن واقعنا الاجتماعي على درجة كبيرة من القبح إذا نظرنا إليه من حيث الحقيقة المنفية، فليس هنالك تقريباً من جمال إلا وهو كذب.
ما العمل..؟ أبوسعنا نحن الذين لا نزال نعيش شبه أحياء في قلب الرأسمالية الشائخة الذي ما زال ينبض، أن نفعل أكثر من أن نعكس الخراب من حولنا وفي داخلنا؟ هل نستطيع أن نفعل أكثر من أن نغني بحزن ومرارة أغاني الخيبة والهزيمة؟»
ولا ادري اية لغة (جميلة) كان لاينج سيستخدمها الآن لوصف قباحة العولمة لو عاشها. وهل يمكن ان تستخدم لغة جميلة للتعبير عن القباحة؟ هل ان القباحة/القمامة تحمل اللغة ايضا بالضرورة على السقوط في مستنقع القباحة, فتصبح اللغة الوعاء والمعبر في آن واحد عن القباحة؟ وبالتالي فان لغة كهذه لابد ان تنتج ثقافة الضجيج (الضجيج حسب نظرية المعلومات ل "شانون" (3). اما العلم, كمشروع ثوري تشكيكي, فانه يختزل الىى هوامش لتخدير القطيع وادامته على قيد الحياة ليعيش افراده كعبيد---;--- فسادة بدون عبيد ليسوا بسادة). وهذا يعني ان الازمة الجمالية هي نفي لعلمية الماركسية ولثوريتها في آن واحد. فالماركسية كنظرية او كمنهج بحث علمي لا بد ان تكون ثورية, حالها حال العلم كله, ولكونها ثورية اصلا فلا بد ان تكون علمية. علمية الماركسية وثوريتها هما وجهان لعملة واحدة.
(ان علمية الماركسية لا تعني بالطبع مساواة ميكانيكية بين الماركسية, من ناحية, وبين العلم الطبيعي, من ناحية اخرى, وهي مساواة سقيمة ومبنية على سوء فهم لمعنى العلم وتاريخ تطوره كما يتجسد ذلك لدى اتباع الفلسفة الوضعية او فلسفة بوبر في التكذيب- كلا الفلسفتين قد عفا عليهما الزمن الآن او كاد)
تجسدت علمية الماركسية ولا تزال في دعوتها كل عمال العالم ان يتحدوا. ان علميتها هي امميتها. اذن فان علمية وثورية واممية الماركسية هي صفات جوهرية للماركسية ولا يمكن فصل احدها عن الآخر بدون القضاء على الماركسية ككل نظريا وعمليا.
لذلك فان زعم البعض من الذي يدعون الماركسية , في الحوار المتمدن, قبل ايام, وكان ذلك ذلك في معرض رد على تعليق شخص مهووس بمفهوم الخالق ودحض الالحاد, بوجود ماركسية اسلامية وماركسية مسيحية وماركسية هندوسية, هو ادعاء يستدعي الشفقة اكثر من استدعائه المحاورة.
يؤكد الزيرجاوي بحق
أن الجماهير, كما يؤكد لينين , هي التي تصنع التاريخ"
اما المفردات المحايدة, التي تحلل التوافق الطبقي, كمفردات الناس او المجتمع, فهي مفردات تحيل الجماهير صانعة التاريخ الى قطيع من افراد سلبيين وكسولين وبليدين. اشخاص بهذه السمات بالطبع غير مؤهلون بالمرة لصناعة التاريخ. ان المفردة التي تحيل الجماهير الى قطيع تساهم في تعميق الاستغلال والاستلاب والاغتراب, وبالتال فهي, كمفردة ومضمون, تشكل تقيضا لا حد له للمشروع الماركسي وهدفه في القضاء على الاستغلال والاستلاب والاغتراب.
على العكس من دعوات التوافق الطبقي التي تميت البرولتاريا بتوظيفها (كموظفين بالطبع) في خدمة الرأسمال ,فان الضرورة الآن, حسب جيجيك (4), تقتضي التالي
“Today’s historical juncture does not compel us to the notion of the proletariat,´-or-of the proletarian position—on the contrary, it compels us to radicalize it to an existential level beyond even Marx’s imagination,” he writes. “We need a more radical notion of the proletarian subject [i.e., the thinking and acting human being]
"المنعطف التاريخي اليوم لا يجبرنا على إسقاط مفهوم البروليتاريا، أو الموقف البروليتاري. على العكس من ذلك، انه يجبرنا على التطرف إلى مستوى وجودي لم يتخيله حتى ماركس"، كما يكتب جيجيك "نحن بحاجة إلى مفهوم أكثر راديكالية للبروليتاري [أي التفكير والتصرف كإنسان].
يدعو جيجيك هنا الى تجذير للبروليتاري يتخطى ماركس, والانسان, حسب جيجيك, هو البروليتاري الاكثر راديكالية حتى من راديكاليته لدى ماركس.
----------------------------
المصادر
1. Ali, T. Capitalism and socialism in the twenty-first century
http://isreview.org/issue/89/capitalism-and-socialism-twenty-first-century
2- Laing. R. D. The Politics of Experience. Penguin,1967
3-- Schannon, C. E. The mathematical theory of communication. Urbana: University of Illinois Press, 1949
4. Gray, J. The Violent Visions of Slavoj Ž-;---;-----;---iž-;---;-----;---ek
http://www.nybooks.com/articles/archives/2012/jul/12/violent-visions-slavoj-zizek/?pagination=false
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟