|
المثقف بين مواكبة الزمن ونوسان الرؤية
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4161 - 2013 / 7 / 22 - 23:02
المحور:
الادب والفن
المثقف بين مواكبة الزمن ونوسان الرؤية إبراهيم اليوسف
يعدالمثقف- وهوهنا مثال الإنتلجنسيا- من أكثر الذين يتم إخضاع مواقفهم إلى البارومتر القيمي، حيث السلب، والإيجاب- وهما المتناقضان كحدين أقصيين- ومن بينهما موقع الحياد الذي كاد يستهلك، من كثرة استخدامه كمصطلح سياسي، حيث كل شيء يقوم به، مرصود من قبل الآخرين، وكأن من حوله، بالمعنى الواسع: المجتمع-المؤسسة- السلطة- التاريخ، ما هم إلا مجرد مكونات آلة رقابة صارمة تحسب عليه، كل ما يصدر عنه، ليس من خلال الإنتاج الإبداعي، العلمي، فحسب، وإنما حتى من خلال الحديث العابر، على نطاق الجلسة الرسمية، أوغير الرسمية، بل وقبل كل ذلك، ما يدلي به إلى أي من وسائل الإعلام المقروء منها، أو المسموع، أو المرئي، وكأني به- هنا- يسير في وسط حقل إشارات موزعة بين ضوئي السماح واللاسماح، أو بنحو أدق"حقل ألغام"، فهو خاضع- بهذا الشكل أو ذاك-للمساءلة أنى حل، ولعل خطورة نوع المساءله التي يواجه بها، أنها عابرة الزمن، عابرة الجغرافيا، عابرة النظرية، عابرة الرؤيا. وقد يفهم من هذا الكلام، أن هناك دعوة مبطَّنة للمثقف، كي يتخذ موقفاً متحجراً من كل ما يحيط به، على حساب إعمال العقل، وهو ما يتم-عادة- من خلال الالتزام بالموقف الأحادي، ضمن سياق النظرية،لا سياق التحول التاريخي، حيث نكون- في المقابل- أمام محاكمة من نوع آخر، تكمن في ضرورة مواكبة صيرورة الزمن، حيث ثنائية:الجمود/التغيير، وكلا المصطلحين، لا يمكن تزكيتهما من دون قراءة وتحليل ملابساتهما، ومايترتب عليهما، لقراءتهما كماهما، ضمن كلا النسقين، المتناقضين، لاسيما وأن الاستغراق في أي منهما، خارج ارتباطه بشروطه، ليعني ممارسة العسف الذي يؤدي إلى حدوث خلل كبير، طالما عانت منه المدارس الفكرية المتناقضة، ولا يفهم من هذا الكلام، أن الجمود مسوغ، بل ثمة ما قد يتماهى بالجمود،بيد أنه مجرد تجل لقانون طبيعي، ولعل في تقويمنا للقتل،بأنه سلوك مدان، وأن الانحياز للحياة، سلوك سام، يبين أننا أمام مفهومين، قد يراهما أحدنا أنهما ينتميان إلى خانة ما هو"ثابت"، بيد أن الأمر ليس كذلك، فإن الكثير من أمات القيم المتدرجة بين السلب والإيجاب، هي عصارة تجربة بشرية طويلة، إذ وعلى سبيل المثال: لا يمكن أن نسلم بمقولة إبادة الكائن الإنساني، جرياً وراء متطلبات الخروج من شرنقة الانغلاق، ومواكبة اللحظة، مادام أن الوفاء للقيم الأخلاقية العليا، من أسس ما هو مطلوب من الكائن العاقل، وهويحتكم في فهمه الحياتي معتمداً على ثنائية: الجانب المضيء من التجربة البشرية، بالإضافة إلى خلاصة قراءة الإنسان العاقل للحظة، بل ولا يمكن استبعاد تصور اللحظة المقبلة-ذاتها- في مثل هذا المقام، كي يكون الزمن- كماهو-ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، في آن. إن مواكبة البرهة الزمانية- المشار إليها على عجل أعلاه-لا تكون إلا نتيجة قراءة عميقة من قبل الكائن/الجماعة، حيث أن أي هروب إلى الماضي، بما يشكله من كاريزما، وقوة، وقناعة، وطمأنينة، خارج إطار ما هو مسلَّم به، لا يعد كافياً حتى في حال صحته، مادامت دورة الزمن في صيرورة وسيرورة دائمتين،لاسيما وأن من شأن فضائه- وعبر تفاعله مع الفضاء المكاني، واعتبار الكائن الحي، من يعطي عبر حضوره في هذه اللوحة، جدوى هذين الفضائين، ويرسم ملامحهما- جزئياً وكلياً- وإن كانت رحلة كشفه لا تنتهي، حتى وإن كان قد وضع إصبعه، على بعض القوانين الكبرى التي صارت من عداد ألفباء"أبجدية الحياة". ويعدُّ الموقف من هذه الثنائية، أساس تقسيم الرؤية والموقف. وبعيداً عن مثل هذه الثنائية، تكمن زئبقية ذلك المثقف، المختلف عن الأنموذجين السابقين: المثقف متحجرالرؤية والمواكب للحظة، فإننا أمام مثقف مختلف، يكاد لا يستقر على رأي واحد، إذ يعد الشريط الزماني لديه عبارة عن جملة مواقف متناقضة، إما بسبب ضعف الرؤية، أو انعدامها لديه، وتأثره بما له من سطوة وبريق، من دون أن يتمكن من الظفر بقراءة صائبة، وهذا ما يتجلى على نحو أشدّ في المنعطفات التاريخية، حيث تكون هناك قوتا خير وشر، تقدم كلتاهما مسوغاتها، وقد تستعين قوة الشر بأدواتها المموهة، الغاوية، التي تزين خيارها، مقابل تقبيح قوة الخير، وتخطئتها، ما يمكن أن يوقِّع المثقف في فخاخه، ما لم يكن مسلحاً بالأدوات اللازمة التي تجعله يستطيع تفكيك ما يلتبس عليه، والانطلاق من الواقع، بعيداً عما يربك اللوحة، ويزوِّر المعطيات، وهوما قد يحدث منذ بداية"الربيع العربي" وحتى الآن، حيث تشوِّه صورة الضحية، وتجمل صورة القاتل، وهو ما توسعت دائرته، ما أدى إلى ما يسمى بالتباس الرؤى.
وإذا كان هذا النموذج يشكو من ضبابية الرؤية،أو قصورها، فإن هناك-على عكس حالته- ذلك "المثقف"الذي تمكنه قدراته من التمييز بين الخيطين:الأبيض والأسود، بيد أنه يتعامى عن قراءة اللوحة الواضحة، ويرضى بالدخول في "لعبة التزييف"، غير مكترث بما قد يلحقه خطابه ليس بسواه، بل بمصداقية خطابه، وشخصه، وهو يقوم بكل ذلك، مدفوعاً بعامل المنفعة، أو تحاشي الاصطدام بالسلطة، على اعتباره من النوع الذي يخسر في المواجهة، حيث أن ما يقوم به، من مجافاة للواقع، يهدم أي إرث شخصي، فيما إذا كان قد بناه. هذه الحالات الثلاثة، التي توقفنا عندها، ليست مجرد أطوار في حياة المثقف الواحد، وإن كان باب التحول لدى المثقف مفتوحاً، في ظلِّ دأبه، وحفره، واجتهاده المعرفي، إذ يمكن التدرُّج من انغلاق الرؤية، إلى انفتاحها،إلى ضبابيتها، وزئبقيتها، في تطور طبيعي، على ضوء التفاعل المعرفي، ورصيد التجربة، بيد أن لوثة الزئبيقة التي قد تظهر لدى المثقف، فإن البرء منها لن يأتي- سهلاً- وإن كان هو في-أصله- امتداد لفايروس قديم، دخل في إطار التربية، والثقافة، والسيرة الحياتية لدى من يصاب به، ومن هنا، فإن أصل أية ردة، أو اعوجاج، عن جادة الحقيقة، والواقع، لا يمكن التخلص منهما على نحو عابر، وبمجرد قرار،أو توقيع، أو حتى توبة لفظية...!
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيان شخصي: لتكن تل أبيض الملتقى..!
-
قصة وحكمة:
-
أدنسة الثورة
-
عامودا2013
-
حكمة الكاتب
-
الثنائية القيمية وإعادة رسم الخريطة الثقافية..!
-
استعادة قابيل
-
قيم الثورة ثورة القيم
-
رواية مابعد العنف
-
الممانعة ومستنقع القصير..!
-
الباحث وخيانة الأدوات المعرفية-عبدالإله بلقزيز أنموذجاً
-
استقراء الالتباس
-
ثلاثية المكان الكردي: 1-عفريننامة..
-
على هامش اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب
...
-
دمشق الياسمين
-
ملحمة القصير..!
-
دويُّ الكلمة
-
رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان والهيئات الحقوقية الدولية في الع
...
-
معشوق الخزنوي صوت لاينطفىء
-
دم الكاتب
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|