أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - صمت القصور - فيلم من صنع امرأة: كشف المُقنّع وتعرّية المسكوت عنه















المزيد.....

صمت القصور - فيلم من صنع امرأة: كشف المُقنّع وتعرّية المسكوت عنه


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1191 - 2005 / 5 / 8 - 16:26
المحور: الادب والفن
    


لم تبدأ مفيدة تلاتلي حياتها الفنية بالإخراج السينمائي، وإنما كرست وقتاً طويلاً من حياتها للمونتاج السينمائي، إذ عملتْ مع مخرجين معروفين أمثال مرزاق علواش، وخارووق بيلوفا، وميشال خليفي، وناصر خمير، وفريد بوغدير وغيرهم من المخرجين التونسيين، لكنها انتبهت بعد فترة من الزمن إلي أهمية الإخراج في بلدٍ نامٍ مثل تونس، لذلك قررت أن تخوض غمار هذه التجربة الإبداعية. قبل البدء بدراسة، وتحليل بعض المفاصل الحيوية في فيلم (صمت القصور (لابد من التوقف عند أبرز المحطات الشخصية والفنية في حياة المخرجة والمنتجة مفيدة تلاتلي. درست مفيدة تلاتلي في أكاديمية باريس للفيلم (IDHEC) وتخرجت عام 1968. ثم عملت مشرفة سيناريو، ومنتجة في التلفزيون الفرنسي ابتداءً من عام 1972. أخرجت فيلمها الروائي الطويل الأول (صمت القصور) عام 1994. وانتهت من وضع اللمسات الأخيرة علي فيلمها الروائي الثاني (موسم الرجال) عام 1999. التلاتلي مخرجة جريئة، تتناول موضوعات حساسة وساخنة. ففي صمت القصور ما إن تسمع (عليا) وهي في سن الخامسة والعشرين خبر موت الأمير سيدي علي حتي تقرر أن تقوم بمراجعة لماضيها كله. وبمناسبة تشييعه تجد فرصة سانحة للدخول إلي قصره الذي عاشت فيه طفولتها ومراهقتها حيث كانت والدتها تعمل خادمة في القصر مع كثير من النساء في قصور الأمراء الأتراك الذين كانوا يحكمون تونس حتي عام 1957. في هذا الفيلم تحدث وقائع مفزعة لكن المتضررات من النساء ينبغي عليهن أن يتكتمن علي حوادث الإغواء والإغتصاب التي يتعرضن لها كلما استفاقت وتهيجت نزوات الأمراء العثمانيين. الخادمات يعملن في هذه القصور كالجواري، وكنّ ينجبن من دون أن يكون لهن الحق في حمل أسماء آبائهن الحقيقيين. وهند صبري التي تلعب دور(عليا) هي مجهولة النسب تنبش في ماضيها بحثاً عن أبيها الحقيقي. من هنا تبدأ المشكلة الحقيقية فتبدأ عليا بمراقبة حياة أمها، وحياة بقية النساء الخادمات اللواتي يتعرضن للإغراءات اليومية، وحالات الاغتصاب المسكوت عنها. المخرجة ركزت علي مواقف كثيرة في حياة عليا، الشابة التي أغرت الكثير من رجال القصر، وفضلاً عن ذلك فقد كانت عازفة ومغنية جيدة، لكنها كانت تشهد عنفاً جنسياً غير معهود وهي تري أمها تغتصب أمام عينيها، وتجهض نفسها، بل أنها كانت تسقط جنين السفاح في إحدي الحفلات التي تغني فيها عليا. وقبل ذلك كانت تحاول إسقاط الجنين بمضرب نحاسي. ففي إحدي الحفلات تركت منصة الغناء عندما تناهي إلي سمعها صراخ أمها وهي تتمزق من ألم إجهاض الجنين، ومنظر الدماء التي تسيل ملوثة قطع القماش بالدم الأحمر القاني. إن أم عليا ليست أكثر من خادمة، ومحظية في الوقت ذاته أسوة بكل المحظيات اللواتي كنَّ موضوعاً للشهوات الجنسية العابرة، وأن أطفال السفاح هن الضحايا الحقيقيات مثل عليا اللواتي رفضهن المجتمع التونسي مثلما رفض لطفي أن يقترن بعليا بسبب نسبها المجهول. (تري الناقدة خيرية البشلاوي في (صمت القصور): (أنه فيلم من صنع امرأة، منسوج بحساسية امرأة ثورية.. والمرأة التي تشكل العمود الفقري وراء الكاميرا إنسانة ناضجة مثل الفيلم الذي يطوي عالما نسوياً يموج بالمعاناة، والعبودية، والأمنيات المجهضة، والآمال البعيدة في عالم صامت، أو محافظ.. في عالم (الصمت) هذا ترقد صرخات رهيبة وآهات محملة بمشاعر القمع عبرت عنها المخرجة في لقطات قريبة مشحونة بالدلالات والإحساس الفني والتعبيري تعبير صامت وموجع خالٍ من المؤثرات الزاعقة وحس المليودراما الفج) (1). وتضيف البشلاوي (أن الفيلم رغم جوهره المتجهم، وبطلته اليائسة من الخروج من كبتها الاجتماعي قادر علي إشاعة المرح أحيانا، يؤكد أن صانعته متمرسة تخلق العلاقات بين الصور، وتنسج المعاني) (2) لقد عمدت المخرجة مفيدة تلاتلي إلي الخروج من دهاليز الحزن السري، لتترك عُليا تنفتح علي الموسيقي، والغناء، والعلاقات الإنسانية التي تشي ببصيص أمل يقودها من ظلمة الدهاليز الدامسة إلي نور الحياة المشعة خارج جدران هذه القصور التي تحولت إلي سجون كبيرة. ويؤكد الناقد محمد عبيدو أن مفيدة تلاتلي استطاعت أن تغوص في عمق المشكلات التي يعاني منها المجتمع التونسي ففي فيلم (موسم الرجال) حيث تشرِّح المخرجة التونسية بشجاعة النسيج الثقافي والاجتماعي، والموقع الذي تحتله فيه المرأة، إذ نتعرّف في الفيلم علي حالات نسوية مهملة في جزيرة، يهجرها الرجال للعمل، ويعودون مرة في الموسم، وفي غيابهم، تتكشف حياة الناس ومشكلاتهم في مجتمع يخضع لتقاليد صارمة، تهيمن عليه الذكورية، أو التسلط الأمومي، والانكسارات الأنثوية، نتيجة وضع سكوني مزمن، تعاني المرأة نتائجه السلبية. يتسم الفيلم بالشجاعة والجرأة إذ يكشف كل شيء عن قدر النساء وقدر الرجال الذين هم أيضاً سجناء التقاليد الخانقة). (3) إذاً نستطيع القول إن مفيدة تلاتلي جريئة في رؤيتها، وحازمة في تصديها للثوابت الاجتماعية، ولهذا جاء فيلمها (صمت القصور) صادماً، ومدوّياً من دون شعارات صارخة، ملامساً أعماق النفس البشرية بصمت لجوج يدخر براكيناً مرتقبة. إن ما منح الفيلم أهمية إضافية هو اشتراك عدد من الفنانين الذين يتمتعون بشخصيات كارزمية جذابة مثل الفنانة آمال هديلي، وهند صبري، وهاشم رستم، وكامل فزعة وآخرين، وإذا كان الفنان هشام رستم صاحب تاريخ فني طويل فإن النجمة الشابة قد أثارت جدلاً واسعاً في مختلف الصحف المصرية والتونسية خاصة، والعربية عامة للأدوار الجريئة التي أدتها في عدد من الأفلام السينمائية التي أُخرجت في تونس أو في مصر علي حد سواء. ولو دققنا في كل رصيدها الفني لوجدناها مُصرة علي تبني الأدوار الجريئة، أو التي يسميها بعض النقاد والصحفيين بالأدوار (الساخنة) كما هو الحال في (صمت القصور) و(عرائس الطين) و(موسم الرجال) و(مواطن ومخبر وحرامي) و(مذكرات مراهقة)، وربما ذهب البعض إلي اتهامها بتقديم أدوار الإثارة والإغراء كما في فيلم (إزاي البنات تحبك) الذي وجد فيه النقاد صديً لفيلم (بنات اليوم) الذي مثّل فيه عبد الحليم حافظ وماجدة الصباحي. لابد من الإشارة إلي أن هند صبري قد مثلت في العديد من الأعمال الفنية مثل فيلم (عايز حقي) و(أكاديمية الحب) كما اشتركت في مسرحية (امسك حرامي) من إخراج جلال الشرقاوي. نخلص إلي القول بأن هند صبري هي فنانة دقيقة الاختيار، وتتوافر علي ذائقة فنية رفيعة المستوي. فقد عملت مع مخرجين أفذاذ من طراز مفيدة تلاتلي، وإيناس الدغيدي، وداوود عبد السيد، وأحمد نادر جلال، وجلال الشرقاوي، وأحمد عاطف وغيرهم من المخرجين المغامرين الذين قدموا أعمالاً فنية تتناسب مع رؤيتهم الإبداعية، وشجاعتهم الأدبية في الأقل. وقد حصدت هند صبري العديد من الجوائز في مهرجانات عربية مهمة أبرزها المهرجان القومي للسينما المصرية، كما حصلت علي جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي. فمن الإجحاف أن نقول إنها ممثلة (متخصصة في أدوار الجنس والإغراء) وما إلي ذلك من توصيفات غير دقيقة قد تُسيء إلي سمعة هند صبري فنياً وهي لم تجتز عامها الخامس والعشرين بعد. أتمني علي النقاد أن يركزوا علي الجوانب الفنية، والطاقات الكامنة في أعماق هذه الفنانة التي تتقمص أدوارها بنجاح لا مثيل له، ففي الوقت الذي غابت فيه القبلات من الأفلام وخشبات المسارح المصرية جاءت هذه الفنانة لتعكس فقط ما نمارسه في حياتنا اليومية من دون أن نخجل من هذه الممارسة الإنسانية التي لا تهدد صرح الأخلاق والعادات والتقاليد والثوابت العربية. وعلينا أن نتذكر أن هند صبري حاصلة علي درجة الماجستير في الحقوق، وهي تدرك جيداً ما تقوم به. وينبغي أن نفرّق بين الإباحية، وأدوار البورنو، وبين المشاهد الحميمة التي تتجلي فيها العواطف الإنسانية النبيلة التي نهتز أمامها جميعاً. وأنا شخصياً قد هزّتني في (عرائس الطين) و(مواطن ومخبر وحرامي) وها هي تهزّني الآن في (صمت القصور) الذي ينبغي أن يُخرج النقاد من صمتهم، وينصفوا كل الذين كرسوا وقتهم الثمين لإنجاز عمل فني راقٍ من هذا الطراز، مُخرجاً، وكاتب سيناريو، ومصوّراً، وموسيقياً، ومنتجاً، وممثلين، ومشرفين فنيين. باختصار شديد، ينبغي أن نرفع قبعاتنا لكل من ساهم في إخراج هذا الفيلم بحلته الدرامية الزاهية، وأن نحني رؤوسنا للآلام التي تكبدتها الشخصيات النسوية في الأقل علي مدار الساعات الصامتة التي إستغرقها تصوير هذا الفيلم الرصين.
إحالات
1 ــ في أسبوعها بالقاهرة. . السينما التونسية كشفت المسكوت عنه، وكسرت التابو. فوزي سلمان، صحيفة الاتحاد الإماراتية، بيان الثقافة، العدد 75، 17 حزيران (يونيو) 2001.
2 ــ المصدر نفسه.
3 ــ اختتام فعاليات مهرجان الأفلام الفرانكفونية في دمشق، محمد عبيدو، بيان الثقافة، صحيفة (الاتحاد)، العدد 82، 5 اب (أغسطس) 2001.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في زيارته الثالثة لأوروبا خلال هذا العام جورج بوش يحتفل باند ...
- سمفونية اللون - للمخرج قاسم حول: شريط يجمع بين تقنيات الفيلم ...
- الروائي بختيار علي لـ - الحوار المتمدن -: النص لا يخضع لسلطة ...
- في جولته الجديدة لكل من لاتيفيا وهولندا وروسيا وجيورجيا جورج ...
- التشكيلي سعد علي في معرضه الجديد - المحبة في مدينة الليمون - ...
- الملكة بياتريكس في يبويلها الفضي: لا نيّة لها للتخلي عن العر ...
- نزلاء حتى إشعار آخر - للمخرج فرات سلام: فيلم تسجيلي يقتحم قل ...
- المخرجة الإيرانية رخشان بني اعتماد: - سيدة أيار - إدانة صارخ ...
- التشكيلي ستار كاووش لـ ( الحوار المتمدن):أنا ضد المحلية البح ...
- المخرج هادي ماهود في فيلمه الجديد - سندباديون - أو - تيتانك ...
- جهاد أبو سليمان في فيلمه التسجيلي - أستوديو سعد علي -: رؤية ...
- أول امرأة هولندية تُصاب بجنون البقر، وتسبب هلعاً جماعياً
- المخرج العراقي ماجد جابر في فيلمه التسجيلي الجديد - المقابر ...
- الفنانة التشكيلية حنان عبد الكريم في معرضها الأخير: من الرمز ...
- الروائي العراقي اليهودي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -:عند ...
- الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نز ...
- الفنان سعد علي في معرضه الشخصي الجديد - الحب في مدينة الليمو ...
- التشكيلي زياد حيدر لـ ( الحوار المتمدّن ): اللوحة بالنسبة لي ...
- حفل لسيّدة المقام العراقي فريدة في دار الأوبرا في مدينة نايم ...
- أكرم سليمان في فيلمه الجديد - هلو هولندا -: دقّة المخرج في إ ...


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - صمت القصور - فيلم من صنع امرأة: كشف المُقنّع وتعرّية المسكوت عنه