مازن ايوب أوجي
الحوار المتمدن-العدد: 4156 - 2013 / 7 / 17 - 13:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الى كل من قرأ مقالة صديقنا العزيز خضير طاهر
ليس لدي شك بالنيات الطيبة لصديقنا خضير – وهو صديق شخصي ايضا -واني ارى مقالته هي رد فعل قوي لمعاناته - كما عانينا نحن ايضا- عندما عاش في العراق ومجتمعه ودولته المفعمة بالقيود والقمع ومصادرة الحريات.
حضرتني كلمات الرئيس المصري السادات عندما قال "نحن نؤمن بالديمقراطية بشدة واي شخص يعارضها سنقطع له رأسه!" وهي كناية عن تناقض في الكلام لشخص وان كان رئيس دولة محترمة مثل مصر يؤمن بالاطلاق والاطلاق يحمل في طياته تناقضا بحد ذاته.
صديقنا وجه رسالته الى مدير المخابرات المركزية, وقد لا يدرك ان طلب تشريع قوانين جديدة في التعامل مع المسلمين حسب ما يقترحه هي ليست من اختصاص الجهات الامنية وانما من اختصاص الجهات التشريعية التي يمثلها الكونكرس الامريكي. وهو بهذا يفكر بعقليته الشرقية التي نحن جميعا لسنا منها براء، التي تعتقد ان السلطة الحقيقية هي بيد الاجهزة البوليسية التي لا تأبه الى مبدأ فصل السلطات.
لقد خفي على صديقنا ان التعذيب هو مجاز الان حسب القوانين التي اصدرها الرئيس بوش وتمارس الان في معتقل كوانتانامو وغيره من الاماكن كما مورست في العراق ايضا اثناء الاحتلال الامريكي من قبل الامريكان. ليس هذا وحسب, فأن نفس هذه القوانين تتيح لاجهزة الحكومة التنصت والاعتقال بدون مذكرة قضائية والابقاء على المشكوك بأمره في المعتقل لأجل غير مسمى من دون ان توجه اليه تهمه. بكلام اخر فأن بعض مما يطالب به صديقنا خضير قد وجد طريقة الى التنفيذ منذ عدة سنوات ولا يزال.
ان حب خضير طاهر لأمريكا ناتج عن تمتعه بالحرية والامتيازات التي تتوفر لأي مواطن امريكي وهو شعور مبرر جدا وانا شخصيا اشاركه فيه, لكن ربما قد خفي عنه انه برغبته بفرض هكذا اجراءات على المسلمين فأنه يهاجم صلب النظام الي يعشقه هو وسيؤدي في نهاية المطاف الى جعل امريكا بلدا بوليسيا سيضطر الصديق خضير ربما بعدها الى طلب اللجوء الى دولة اخرى بعد ان تنتقل النار اليه. ان منظمات الحقوق المدنية وحقوق الانسان تؤمن ان الانتقاص من حقوق أي فرد او مجموعة سيؤدي حتما الى تفاقمه وسيشجع الحكومة على انتهاك حقوق افراد ومجموعات اخرى حسب ما يتفق مع نواياها.
ليس لدي شك ان التطرف الاسلامي هو عدو الديمقراطية والغرب والحرية. لكن يبدو ان هناك استثمارا ذكيا لتضخيمه مئات المرات وخلق منه عدوا رهيبا في اذهاننا عن افراد في الواقع هم مشتتون فكريا وجغرافيا يجمعهم قتل وذبح "اعداء الله" وتحجيب النساء وفصل الجنسين الى اقصى درجة وسيادة اللون الاسود في الملابس والفكر واغراق المجتمع برمته في ظلام دامس.
تماشيا مع هذا الهدف, اني ارى ان وجود نماذج متطرفة من المسلمين ومن ثم نشر افعالهم على وسائل الاعلام كلها هو ايضا تعزيز لفكرة وجود عدو خطر يهدد امريكا والغرب. ان الاحتكارات العسكرية ومن ينتفع منهم بحاجة دائمة الى عدو – حقيقي ام وهمي – لكي تنتعش ويستمر رفد الاموال الهائلة لميزانية الدفاع التي ينتهي قسم لا بأس به منها في جيوب اصحاب هذه الاحتكارات.
كيف نوفق بين مطالب صديقنا في طرد المسلمين جميعا، ودعم الولايات المتحدة لما يسمى بالاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي والذي انتقل من الخفية ليكون على الملأ وبشكل واضح؟ هل يعتقد صديقنا بأن دولة متطورة عملاقة مثل الولايات المتحدة يخفى عليها وجود اعمال ارهابية وشيكة مثلما تبين من الاحداث وان وقوعها – وليس تداركها- هو الذي يخدم الالة الدعائية الضخمة التي تنشر الخوف من الارهاب؟
من هذا المنطلق نرى ان التطرف الاسلامي هو في الواقع ليس بعدو وانما صديق لهذه الجهات بما يوفره لها من مبررات للتدخل والهجوم هنا وهناك. والذي نتصوره هو الجلاد في الواقع هو مجرد ضحية لهولاء.
انا اعرف ان هنالك الكثير من المسلمين في داخل امريكا والدول الغربية يعادونها لاسباب متعددة بضمنها اسباب دينية ولدعمها لاسرائيل واحتلالها للعراق ولافغانستان ولأسباب اخرى مثل الحسد والتشفي عند حدوث الكوارث, ولكني ايضا اعرف ان هنالك الكثير منهم يحبونها ويشعرون بالامتنان لها وهم سعيدون بوجودهم فيها او حتى ان كانوا بعيدون عنها. وربما خفي ايضا على صديقنا ان هنالك الكثير من المسيحيين العرب وغير المسلمين الذين يشعرون بالكراهية تجاه الولايات المتحدة وسياساتها سياسية واجتماعية واقتصادية.
اني ارى ابتسامة على وجه مدير المخابرات المركزية وهو يقرأ رسالة صديقنا خضير, لأن الامريكان كغيرهم من البشر لن يضمروا احتراما لمن يهاجم أناسه بهذه القسوة ويطالب بانزال اشد الاجراءات بحقهم بضمنهم الداعية نفسه!
للعلم ايضا فأن الاجهزة البوليسية والمخابراتية هي وحش جائع يحاول دائما ان يزيد من سلطاته وبطشه لانها جزءا من طبيعته ولا عجب ان نرى الشعب الامريكي نفسه يبغض الشرطة ورجال الامن وان الحد من سلطاتهم ليس امرا رومانسيا كما وصفته بل هو امر واقع يحافظ على الحقوق المدنية للشعب من تجاوزات السلطة التنفيذية وجهازها القمعي.
لا شك ان الولايات المتحدة بلد عظيم وقدم خدمات لا جدال فيها للبشرية جمعاء, لكن فيه ايضا كتل ومجموعات جشعة وشريرة تسعى الى تحقيق اغراض انانية بغض النظر عن نتائجها. وهذه القوى تتمتع بنفوذ كبير نابع من امتلاكها لراسمال كبير وهيمنتها على قطاعات فاعلة مثل الاعلام والمصارف والصناعات اضافة الى تأثيرها القوي على صانعي القرار.
ليس هناك من ولاء مطلق عدا في الدين لبلد حكومة وشعبا، ان الحب لامريكا يتوجب ايضا المحافظة على مبادئها التي وضعها الاباء المؤسسون والحرص على فضح ومحاربة اي خرق لها لان هذه المبادئ هي امام هجوم مستمر بشكل مباشر او غير مباشر لتحقيق مأرب اقلية من المتسلطين على وسائل عيش الشعب الامريكي.
خاتما اقول ان الشئ الجيد بحاجة دائمة للمحافظة عليه وان الولاء المطلق له او مدحه فقط سيضره اكثر مما يفيده. واعتذر عن اخطائي النحوية والاملائية لانني لم اراجع مقالتي وانما كتبتها ارتجالا.
#مازن_ايوب_أوجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟