محمد محسن عامر
الحوار المتمدن-العدد: 4155 - 2013 / 7 / 16 - 09:12
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
السقوط المدوّي لحركة الإخوان المسلمين و حزبها الحرية و العدالة في مصر و إزاحتها عن السلطة كان حدثا صادما مفزعا لخفافيش الإسلام السياسي في المنطقة تردّد صداها من المغرب إلى إسطبل المؤتمر السوري العميل في إسطنبول , و دفع المنظّمة العالمية للإخوان المسلمين لعقد اجتماعها الطارئ في إسطنبول لتدارس الوضع الجديد و سيناريوهات تحرّك الإخوان في الوطن العربي بعد هذه النقلة النوعية في المعطى السياسي المصري و الدولي , الموقف الجديد للولايات المتحدة الأمريكية , و تباين المواقف الخليجية السعودية خاصة , في سيرورة فوران سياسي متسارع و معطى دولي يتغير باستمرار, إنتكاسة المؤامرة الإمبريالية في سورية , فكانت عاصمة العمالة الأردوغانية مطبخ للمؤامرة التي حضرها زعيم الزفت الإخواني التونسي راشد الغنوشي المعني هو أيضا و حزبه الحاكم في تونس بهذه المتغيّر الذي بدأ تظهر بوادره مع ظهور حلقات و تجمعات شبابية مستقلّة و متحزّبة تدعوا إلى إسقاط المجلس الـأسيسي.جاء المتوقّع و المنتظر مع الإجتماع الخطابي لحركة النهضة في "تجمّع عزاء" على سقوط مرسي في مصر بحركة شعبية مدعمة من الجيش صدع فيها أحد قياديي هذا الحزب الصحبي عتيق بحقيقة حزبه الفاشي و مأزقه السياسي بتهديد المعارضين الذين يهددون "الشرعية بالسحل في الشوارع" .
"تتفكك نُظُمٌ من الفكر والاقتصاد والسّياسة يصعب عليها الموت دون عنف، تتصدّى لجديد ينهض في حشرجة الحاضر، وتقاوم في أشكال تتجدّد بتجدّد ضرورة انقراضها، تنعقد بين عناصرها المتنافرة تحالفات هي فيها على موعد الموت"-1-
حركة النهضة التونسية ضلّت وفية في بنيتها التنظيمية و تكوينها الأيوديولوجي كحركة رجعية فاشية تتبنى العنف منهجا في الحقل السياسي , و حوادث باب سويقة و صاروخ ستنجر و تفجيرات سوسة أكبر دليل على التوجّه العنيف للحركة على غرار جبهة الإنقاذ الجزائرية و إخوان مصر و سوريا , إذا أن الجهاز المسلّح في حركة الإخوان جزء مركزي في العمل السياسي , لحركة متمرّسة في العمل السري و أعمال العنف و الإرهاب , و العشرية السوداء ضلّت ذكرى سوداء لا تنمحي في ذاكرة الشعب الجزائري . فلا يجب أن يغيب من الحسبان مواقف حركة النهضة من الاحداث العنيفة في المنطقة على غرار الثورة الإيرانية و هيمنة الخميني على السلطة إلى درجة جعلت أعضاءالإتجاه الإسلامي يلقّبون بالخمينيين في تونس في الثمانينات و لا يغيب على الحسبان أيضا موقف زعيم الحركة راشد الغنو شي من إعدام المفكٍّر السوداني محمود محمد طه في صباح الجمعة 18 يناير 1985 بتهمة الردّة في عهد جعفر النميري ,لنستذكر نبوؤته المشهور التي تحقّقت بعد إعدامه عن حركة الإخوان المسلمين إذ يقول:"من الأفضل للشعب أن يمرّ بتجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين, إذ لا شكّ أنها ستكون تجربة مفيدة للغاية فهي تكتف لأبناء هذا البلد زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر على السودان سياسيا و اقتصاديا و لو بالوسائل العسكرية , و سوف يذيقون الشعب الأمرين,و سوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها ليلا , و سوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم و سوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا"
إنّه الجوهر الأيديولوجي لتيارات الإسلام السياسي المعبّر عن المصالح الطبقية للبوجوازية الكمبرادورية المسيطرة في تونس , هذا النزوع نحو السطو على الخطاب الديني و أدلجتته من أجل ممارسة الهمينة الأديولوجية على الجماهير لإخفاء الوجه السياسي الطبقي لها ," إنّها تلعب لعبتها الطّائفيّة السياسية الفاشيّة بخلق نوع من التّماهي بينها وبين دين المسلمين فتجعل من نفسها كيانا اجتماعيا متجانسا متناغما جوهريّا"-2-، هدفها الأساس طمس جوهر الصراع الطبقي " على هذا الأساس ينقلب التّناقض الطبقي التناحري المادي تناقضا روحانيّا بين الدّين والإلحاد، بين تأكيد الله ونفيه، بين الامتلاء الإيمان، وهذا الامتلاء هو التّعبير الإيديولوجي البرجوازي عن احتكار البرجوازيّة التّمثيل السّياسي احتكارا مطلقا، والفراغ المادّي، وهذا الفراغ هو التّعبير الإيديولوجي البرجوازي عن خوف البرجوازيّة من كسر احتكارها هذا، ومن خروج الطّبقات الكادحة على الفضاء الطّائفي الممتلئ بالنّظام السّياسي البرجوازي"-3-.
سعت حركة النهضة لتدعيم موقعها المهيمن سياسيا بفتح أبواق الدعاية التكفيرية المحرّضة على التكفير و العنف عبر تكوين و دعم مليشيات رابطات حماية الثورة التي تتطابق في وظيفتها مع هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ميليشيات الباسيج الإيرانية لترهيب المعارضين السياسين و النطاء الحقوقيين و الفنانين و النشطاء الطلاّبيين, انتهى بأحداث العنف في كلية الأداب منوبة و انتهى باغتيال الرفيق الشهيد شكري بالعيد برصاص الغدر الرجعي في مشهد يتطابق مع مشهد اغتيال الرفيق مهدي عامل ببيروت في الثمانينات , شهيدان و المشهد واحد رصاص حقد طائفي يحاول برصاصه الغادر إسكات صوت حرّ, إنّه جوهر التناقض , بين قوى طبقية ثورية و قوى طبقية رجعية تسعى باستماتة لتأبيد الواقع أو لإعادة تشكيله من جديد لضمان واقع التخلّف و السيطرة السياسية للبورجوازية العميلة. هكذا تسعى الرجعية الدينية عبر استحضار خطابها السياسي من العمق مستنقعات التراث بنفحة من "الحاكمية" إلى ضمان تأبيد البنى الإجتماعية الماقبل مواطنية المجال الأساس و الخصب لتفيرخ رؤاها السياسية الرجعية .
مع بروز حركة نداء تونس كتحالف بورجوازي رجعي معبّر عن مصالح بوجوازية في تناقض ثانوي طبقيا مع حركة النهضة و إرادات دولية لا تستسيغ طعم الإخوان الكريه على خلاف الولايات المتحدة الأمريكية , و بداية المأزق الحقيقي لحركة النهضة بدأ الوجه الحقيقي لحركة النهضة ينحو أكثر فأكثر للوضوح فتمّ تسليط رابطات حماية الثورة و السلفية من أجل إفساد إجتماعات هذه الحركة و انفتحت حرب جنّدت لها من هنا و هناك الميلشيات و البلطجية , من أجل فرض التموقع المهيمن سياسي و انتهى بقانون العزل السياسي أو قانون تحصين الثورة كما عرف في تونسالذي هو بامتياز تعبير سياسي لتناقضات ثانوية تشقّ البورجوازية المسيطرة في القطر , بمعنى أنه إفراز لصراع بين البورجوازيات من أجل تموقّع هيمني من داخل بنية النظام البورجوازي ترجم سياسيّا بمحاولة حركة النهضة فرض هيمنتها السياسية في حقل الصراع الطبقي لا على نقيضها الطبقي فقط بل أيضا على تعبيرة حزبية بورجوازية تنازعها موقعها المهيمن.
ازدياد حركة الصراع حدة تزداد حركة النهضة عزلة و تزداد انغراز أقدماها في وحول خياناتها للجماهير , تزداد مواقفها رعونة و ينحو وجهها الفاشي الإرهابي لأن يكون أكثر وضوح يوما بعد يوم بشرعة الإرهاب المقدّس و التكفير و التفجير تدار المعارك السياسية للرجعية الدينية , كان خطاب الأرعن الصحبي عتيق "بروفا " تافهة في "مسرحية" ترهيب الجماهير و تحذيرها من الحلم بالحرية , طبول حرب أهلية رجعية تدقّ في القطر التونسي تعدّ لها الأسلحة و أطنان فتاوى التكفير قد تكون الخيار الأخير للبورجوازية العميلة لإنقاذ موقعها المسيطر يبدو أن بديل الشعب المؤمول لم يتشكّل بعد ليكون على أهبة الإستعداد لخوض معركة طويلة الأمد لتحرير الأرض و الإنسان في تونس .
في النهاية, لا يختم الحديث عن تهديدات الفاشية إلاّ الطيف الذي بقي محلّقا في ظمير حركة التحرر العربية شهيد رصاص الحقد الطائفي المشؤوم في لبنان, يقول مهدي عامل "منطق التاريخ أن يأتمر التاريخ بمنطق الكفاح ضد الغزاة، وضد الطغاة من المحيط إلى الخليج. و ما سار التاريخ يوماً إلا بمنطق الصراع ضدهم. يخططون، وتنقلب عليهم خططهم.- في الظاهر، هم أسياد الأحداث: يبادرون، يدمرون، و ينتقمون.يحاصرون الأرض و البحر و السماء. وينتصرون للموت. لكن الموت يحاصرهم في كل جهات الزمن القادم في أعيننا غضباً.- قالوا: وتكون الحرب في لبنان خاطغة. أيام معدودات، ويركع من لم يركع بعد، ومن لا يفهم إلا لغة القهر. وقالوا: لا سلام سوى شالوم. و “اسرائيل” روما العصر. لملوك “اسرائيل”، لأسيادهم الإمبرياليين و أسياد حثالة أمتنا في أنظمة الزفت العربية، لصغار الفاشست نقول: يطيب لنا أن نبصق في أوجهكم. سنقاتلكم حتى بأظافرنا. قبضتنا بوصلة التاريخ، وطلقة حريتنا تخترق جدار القلب النابض منكم بالموت الرابض في أضلعكم. ونقول: سنبني وطناً ينهض حجراً حجراً فوق قبور تتسخ بكم. أنتم مزبلة التاريخ. و بيروت مدينة أحرار قطعوا عهداً: سنقاومكم.
هذي حكمتنا: لا للفاشية. درب الثورة مجرتنا. من جهة الرفض يجيء الصبح جميلاً، إذ ننتصر له تواً، في هذي اللحظة إياها، الآن، الآن، الآن، وينتصر بنا.
1- مهدي عامل الثقافة والثورة (محاضرة)
2- نزيه كوثراني أطياف مهدي عامل... الثّورات والتّناقض المأزقي لقوى الإسلام السّياسي (مقال)
3-مهدي عامل مدخل إلى نقض الفكر الطائفي دار الفارابي ط3 س 1989 ص 151
#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟