|
شباب صينى
محمد تهامي
الحوار المتمدن-العدد: 4155 - 2013 / 7 / 16 - 02:21
المحور:
الادب والفن
شباب صينى للأسف كل الأوضاع تذهب من سيء إلى أسوأ.. الكل يطالبني بإيجاد حل سريع ... ولم تعد الأغاني الوطنية التي تم إنتاجها كل عام لها أي تأثير ... حتى أحمق الناس والمنتفعين أصبحوا لا يصدقون الأحلام الوردية التي يحكي عنها الوزراء خلال المائة سنة القادمة..
في ليلة كنت متعب بشدة ... وشردت بذهني ... لا أعرف لماذا دخلت لعبة السياسية ..
أعرف أن السياسية نفوذ .. ولكن كان من الممكن أن أكتفي بأعمالي التجارية، ولكن غبائي ورغبتي في حماية تجارتي من أصحاب النفوذ دفعتني أن أدخل اللعبة السياسية ... لم أكن متوقعاً أن أصل إلى منصبي بهذه السرعة ...
أقول لك نصيحة ... من السهل أن يتميز الذكي وسط الأغبياء ... لكن يصعب على الذكي أن يتميز وسط مجموعة من الأذكياء..!!
وحتى أتخلص من تعبي أخذت حمام ساخن ... ودخلت للنوم ... والغريبة أن جاءت لي أثناء نومي فكرة عبقرية – أصلي بفكر وأنا نائم – وهي أني وجدت حل سحري لكل المشكلات التي نعاني منها في مصر .. والحل كان هو خصخصة الشباب وبيعهم للدول التي في حاجة إلى قوي عاملة ... فنحن نعلم أنه توجد دول كثيرة تتمنى أن يتوفر لديها شباب يعملون ويساعدون في نهضتها ... ولكننا.. لسنا في حاجة إلى أحد.. نحن أهم و أقوي من ذلك .. (ده إحنا جامدين أوي) وبالفعل جاءت لي عروض جيدة وكثيرة واستطعت خلال فترة قصيرة بيع الشباب المصري بثمن جيد جداً إلي دول فاضية مثل كندا والخليج والسودان وجنوب أفريقيا .. الآن أستطيع أن أجزم لكم.. أن بلدي بلا مشكلات.. تحولت بلدي إلى بلد بدون مشكلات يحقد عليها العالم بأسره.. انتهت أخيراً مشكلة البطالة والهجرة الغير شرعية والعنوسة.. الآن الكل يشعر بالراحة والهدوء ... فالوضع مستقر ..
وعندما أسير في الشوارع.. لا أري مظاهرات ولا زحام ولا أي شيء أساساً، ولا حتى أزمة مرورية على طريق المحور..!!
الوضع تغير تماما ... كلما أذهب إلي مكان لأقضي فيه سهرة أجده مغلقاً ... عرفت أن هذه الأماكن كانت تعتمد على الشباب والبنات.. وعندما رحلوا لم يعد أحد يعمل ولم تعد لها فائدة ... وحتى المعاكسات وقضايا التحرش انتهت ... لم يعد هناك بنات جميلة أساساً ... ولم يعد موجود شباب أصلا ليتحرشوا بهن..!!
وعندما ذهبت إلى شراء الجرائد الخاصة التي كانت تنتقدني لم أجدها ... فعرفت أنها أغلقت لأنها كانت تعتمد على الشباب ... حتى رؤساء تحرير الصحف المعارضة عادوا مرة أخرى إلى مناصبهم في الصحف القومية ... فلا يوجد شيء الآن يستحق المعارضة..!!
فكرت أن أقضي سهرتي أمام التلفزيون فلم أجد القنوات الفضائية تعمل مثلما كانت من قبل ... ولذلك اتصلت بالسيد وزير الإعلام أبارك له ... ودفعتني الظروف أن أشاهد التلفزيون الأرضي، لكنه سبب لي مشكلات نفسية في اليوم التالي..
وبعد أيام قرأت إعلان في الصحف يفيد إغلاق وزارة الشباب والرياضة التي لم تعد لها فائدة ... صحيح لم يكن لها فائدة من قبل، لكنها كانت ضرورية الوجود في ظل وجود الشباب ... أما وقد رحل الشباب فالطبيعي بالفعل أنه لم يعد هناك جدوى لوجودها .. !!
حتى الدوري العام توقف .. وأصبح الناس يتابعون الدوري الإنجليزي والأسباني ... وتحول مشجعو نادي الزمالك إلى ريال مدريد ومحبي ومشجعي النادي الأهلي إلى نادي مانشستر يونايتد .. والحقيقة أنني بدأت أشعر بالندم ... وتساءلت هل أخطأت عندما حاولت أن أجد حل لكل مشكلات بلدي..؟؟
عندما ذهبت إلى زوجتي لكي أشتكي لها همي، نظرت إلي وأخبرتني أنها تريد الهجرة إلي أي بلد آخر ... فمصر صارت بلد الصمت وكبار السن ممن لا يقومون بعمل أي إزعاج ..!! مصر لم تعد جميلة بالأهرام وأبو الهول ... مصر كانت جميلة بشبابها وأبنائها .. حزنت بشدة لكلماتها ... إنها تحملني أكثر مما أحتمل، إنها لا تعرف شيء ولا تفهم شيء في السياسية ... بالتأكيد شبابنا الآن سعيد في الخارج. وما يؤكد كلامي ... ما أتلقاه يومياً من رسائل الشكر التي تصل لي كل يوم على الإيميل ... لا أحد يحاسبني..
فأنا غير مسئول عن المشكلات التي حاولت علاجها ... هل هذا جزاء من يعمل ... ويفكر في مصلحة البلد..؟؟ أكره القاعدة التي تقول إذا كنت تعمل كثيراً تخطئ كثيراً..!! ولا تعمل لتخطئ فترتقي إلى منصب أعلى .. بعد فترة وبعد هذه النتائج، تم إبعادي عن المشكلة وصدر ضدي قرار بالنفي إلي مكان فارغ يسمي مارينا ... وتم تحديد إقامني به ... والحمد الله أني نفيت إليه فهو أفضل من السجن..
أتمنى أن يتذكرني التاريخ كما تذكر على ماهر الذي تم نفيه في مكان قريب من هذا المكان الذي أكتب لكم منه الآن تلك المذكرات ... فأنا لست أقل وطنية من أحمد عرابي وسعد زغلول..!! فكلانا كان يهدف إلي خدمة وطنه ولكن كلاً بطريقته..!!
بعدها علمت أن زوجتي هاجرت إلى أوروبا ... وفي المجلس الموقر... ناقشوا خطورة الوضع ومستقبل البلد بدون شباب ... أقترح أحد الوزراء ضرورة استرجاع الشباب المصري الذي تم تهجيره ... ومع المحاولات المبدئية.. باءت كلها بالفشل.. حتى مفاوضات وزارة الخارجية مع الحكومات الأجنبية.. في التخلي عن الشباب المصري.. باءت أيضاً بالفشل، خاصة وقد أثبت الشباب المصري كفاءة منقطعة النظير فيما أوكل له من أعمال.. في كل بلد ذهب إليها ... فأصبح الآن.. الكل يرفض عودتهم ... والشباب أيضاً يرفضون العودة.. خاصة في ظل حياة كريمة يحيون فيها ... دخل كبير ييسر حياة كريمة لكل شاب ... وعمل واحد في اليوم لمدة ثماني ساعات فقط ... وظروف معيشية وحياتية رائعة توفر لكل منهم العمل لقدر محدد من الوقت ... والراحة لقدر مناسب من الوقت ... مع وجود فرصة رائعة للتنزه والسياحة في أي دولة من دول العالم .. ودوما هناك وقت مثالي للقراءة في أوقات الفراغ.. وصار الكل يقولون أن مصر باعتنا ... يبقى نرجع ليه..؟؟
إقترح وزير الإعلام عمل حملة دعاية إعلانية وبثها على القنوات الفضائية الأجنبية، تطالب بعودة الشباب إلى وطنهم ... وجاءوا بمخرج شهير في القناة الأولى ينفذ الحملة الدعائية، والتي جاءت في عبارة محددة: "إلى كل شباب مصر يجب أن تعودوا إلى وطنكم الذي هو في حاجة إليكم"
وبالطبع فشلت الحملة ولم يعد أحد ... فإن من يخرج صعب أن يعود، وكيف يعود كل من تزوج ومن وجد عملاً كان يحلم به ولم يجده في مصر ... هل يوجد أحد عاقل بعد أن خرج للحياة كما ينبغي أن تكون ... يعود مرة أخرى للظلام والبطالة والكبت بكل أنواعه .. وفشلت كل المحاولات، لكني لم أيأس في محاولة حل المشكلة التي خلقتها بيدي ... وحتى لا يقولون عني أني صنعت المشكلة ولم أشارك في حلها، أرسلت إلي المجلس الموقر دراسة مفادها أن يتم استيراد شباب من دولة الصين والتي تعانى من كثرتهم لديها ..
كما أن علاقاتي مع دولة الصين تيسر عليّ توريد شباب صيني إلي مصر بأسعار جيدة ومواصفات معقولة..!! ولم أكتف بهذا بل أرسلت لهم طلب رسمي من الصين أنها قادرة على إرسال كميات مناسبة لنا من الشباب الصيني..
وفي المجلس الموقر تم مناقشة الدراسة بتوريد شباب إلي مصر وبالكميات التي تحتاجها مصر وبأسعار رخيصة تتناسب مع الاقتصاد المصري الهزيل، مع ضمان جودة عالية في الشباب الصيني وبالمواصفات المطلوبة ... لكن بقيت مشكلة واحدة اقترحها أحد الأعضاء، وهي ماهية مواصفات الشباب الذي سيتم استيراده..؟؟ فإذا كانت الحكومة قد تخلت عن الشباب المصري بكل عيوبه من (وجهة نظر الحكومة) فلابد من حسن اختيار مواصفات الشباب الذي سيتم استيراده.
وبالفعل تمت مناقشة المواصفات المطلوبة، وإن اختلف الجميع على ماهية تلك المواصفات التي يجب توافرها في الشباب المطلوب ... إلا أن الجميع وبعد طول نقاش وجدال وسجال رأوا الاتفاق على المواصفات التالية: أن يكون الشباب هادئ الطباع وليسوا ممن يثيرون الشغب.. وأن يكونوا مطوعين لما يؤمرون به.. ولا يتشاجروا ولا يعترضوا و لا يرفضوا.. ولا يقوموا بعمل مظاهرات أو اعتصامات أو أي وقفات احتجاجية.. وأضاف بعض الأعضاء أنه يفضل أن يكون هؤلاء الشباب ممن يتميزون بأنهم محبطون وسلبيون وكسالى ويقدسون الدواوين الحكومية ... وأن يتعاملون داخلها بمبدأ واحد هو: "فوت علينا بكرة" ... ويفضل أن يكونوا من ذوى البشرة السمراء .. وأن يكونوا من هواه شرب مياه النيل الملوثة..!!
#محمد_تهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكرة رواية هيروبولس
-
عاطف الطيب : إنسان ضد الحكومة
-
أسطورة هيكل أنه كتبه نعيه بيده
-
رواية شيعي فى الأزهر 1
-
8خطوات لزيادة الثقة بالنفس
-
علامة القيامة
-
نهاية إسماعيل يس
-
قراءة فى كتاب الإخوان في الخليج
-
أنها مصر يا صديقي
-
عساكر خورشد باشا
-
سر سيدي الغريب في محافظة السويس
-
عبد الناصر بين الشاشة و الواقع
-
الفرصة الذهبية
-
صراع الحضارات فى مصر
-
حالة التسويق السياسي فى مصر
-
فكرة المعارضة في نظرية الدولة الإسلامية
-
خريطة الشباب الإسلامي في الحياة السياسية المصرية
-
الأحزاب السياسية فى مصر 2012
-
مستقبل الحركات الشبابية في مصر:
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|