|
من هو الرئيس؟
عبدالقادر بشيربير داود
الحوار المتمدن-العدد: 4154 - 2013 / 7 / 15 - 11:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن ما حدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها مصر بعد الـ(30) من حزيران الماضي، من انقلاب على الشرعية، وتعليق للدستور، وتنصل عن المسؤولية، وقلب لسلمية التظاهرات؛ إلى أعمال غوغائية من فساد وسفك للدماء، وحرق وهتك للقيم والمعايير الإنسانية والمدنية، كان السبب والدافع وراء كل ذلك؛ لنسأل أنفسنا وبإلحاح: "من هو الرئيس؟ ومن يجب أن يحكم؟ وما هو مقدار السلطة الذي يجب أن يعطى للحكومة؟ وكيف يمكن أن نطور مؤسساتنا السياسية بأسلوب لا يسمح حتى للحكام والزعماء غير الكفوئين، وغير الأمناء؛ أن يسببوا كثيراً من الضرر، أي ضبط تعسف وسوء استخدام السلطة السياسية. هل هم الكثرة أم القلة؟ هل هم الجماهير أم الغوغاء؟ هل هم النخبة أم المنتخبين؟ لان قافلة من رؤسائنا رحلوا عن سدة الحكم، إما خلعاً أو تنحية أو قتلاً وسحلاً، لأنهم في نظر الشعب ديكتاتوريين واستبداديين في اتخاذ القرارات المصيرية، كالحرب والترشيق والتقشف، ورسم خارطة طريق للبلد كيفما شاءوا. هبت رياح التغيير المتمثلة بالديمقراطية على المنطقة، وغيرت ما غيرت، منها سمات رئيس البلاد والعباد التي يجب أن تكون خاضعة لمعايير النظام العالمي الجديد (الديمقراطية)، وعبر أقوى مقوماته ألا وهي صناديق الانتخابات، والتداول السلمي للسلطة. وبذلك تحققت مطالب الشعب، وتوافقت مكاسبها مع المزاج الشعبي، معلنين بذلك النصر في ثوراتهم التي أريقت من أجلها دماء آلاف من الشباب، محملين الرئيس المنتخب ديمقراطياً أعباء الظرف التاريخي، وتبعات المرحلة الانتقالية الشديدة الحساسية سياسياً، وتثبيت دعائم مؤسسات الدولة، وإقرار الدستور والعمل على سيادة القانون. ولكن ما هي إلا أياماً وشهوراً؛ وتبدأ مرحلة الانقضاض الأسدي على الشرعية، وباسم الديمقراطية التي احتكم إليها الشعب في مرحلة التحول والتغيير، مطلقين العنان للحريات غير المسؤولة، وغير المنضبطة بالدستور أو بالقانون، وعبر تظاهرات غاضبة، معلنين من جديد سقوط الرئيس! من جميل التعبير ودقته، رسم كاريكاتيري للشعب، وقد انقسم إلى فريقين، الأول حمل يافطة كتبت عليها :(يسقط ياهو الكان)، اما الفريق الثاني فحمل يافطة كتبت عليها (يعيش مدري منو)، فهذان الموقفان يعكسان بموضوعية ما يحدث في منطقتنا بكل صدق وشفافية، ويبين أن الديمقراطية ليست على الإطلاق دولة مثالية، وأن الأفعال السياسية ما هي إلا اختيار الأقل شراً. هذه التغيرات غير المسؤولة والمفاجئة في المزاج الشعبي، تجاه شخص الرئيس المنتخب، والذي يمثل رمز سيادة البلد، وحجب صلاحياته، وتعليق أو إيقاف العمل بالدستور لصالح فئة أو نخبة غير مستفيدة آنيا، والأدهش من ذلك تخويلهم كامل الصلاحيات الدستورية والرئاسية، يظهر بكثير من اليقين ديكتاتورية الشعب، واستقوائه على الرئيس وعلى مؤسسات الدولة وشرعيتها ودستوريتها. وهذا التحول الشعبي الخطير يبدي وبوضوح، عدم ركون الشعب أو قبوله بمسمى (الرئيس) لأن تصفير المشكلات من قبل رئيس جديد العهد بالرئاسة، وحل العقدة الاجتماعية تلو الأخرى، والانتقال بالشعب من الواقع المعاش اقتصاديا وسياسيا إلى المثال والخيال في النعيم، والازدهار والاستقرار؛ هي نظرة أو هدف ينقصه الكثير من الواقعية والموضوعية، ويعد جهلاً وعدم فهم لمراحل الانتقال والتحول السليم من حسن إلى الأحسن. وفي خضم هذا الارتباك القيمي والمجتمعي للشعب، والإرباك السياسي المقصود لتفعيل الأزمات، وجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه، استحضرت القران الكريم، وهو كتاب دعوة ودستور ونظام ومنهج حياة، ووقفت عند إحدى آياته؛ لتجيبنا على ما يحصل اليوم من تقلبات ومواقف مؤسفة تجاه بعضنا البعض رئيسا ومرؤوسين، فقال عز من قائل: (قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) حيث كان للملائكة شواهد حال، ومن تجارب سابقة في الأرض ما يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق (البشر)، أو من مقتضيات حياته على الأرض من فساد وسفك للدماء، لتحقيق مآربه الدنيوية. ووردت في القرآن الكريم قصصاً على مشارب وأمزجة البشر، منها قصة الملك (طالوت) والذي بشر به نبي من أنبياء الله، لسؤال قومه عن ملك يقاتلون بأمرته في سبيل الله، ولطرد أعدائهم لاسترداد سيادتهم وتحكيم شرع الله في الأرض، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا (قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ). فهذه الحماسة الفائرة هي ليومنا هذا، وإن تعددت السبل قد تخدع القادة لو أخذوا بمظهرها قبل أن يخوضوا معركة الحياة الحاسمة، بتوطيد دعائم حكمهم، ولنا في الحسين بن علي (عليهما الصلاة والسلام) فديته بنفسي ومالي وأهلي، العبرة والدرس حين أخذته الحماسة الفائرة لنصرة أهل العراق، فكان ما كان من غدر وخيانة وتنصل عن المسؤولية، فدفع ثمنها حياته الشريفة وما آل إليه مصير أهل بيته الأطهار. أخشى ما أخشاه أن تصل بنا الأيام والأحداث إلى دولة من غير أمير أو رئيس، دولة دستورها شريعة الغاب يأكل القوي منا الضعيف فيها. عندها - وللأسف - تستحل الحرمات، وتنتحر على مذابحها القيم والمبادئ السامية. فلا بد لنا أن نتعلم وننمي في مجتمعاتنا قوله تعالى: (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا)، لأن هذه الانفلاتات المفتعلة، والقفز على الدستور وعلى الشرعية، هي سمات مجتمع لم تنضج تربيته الإيمانية على مر الزمان. ... وللحديث بقية.
#عبدالقادر_بشيربير_داود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام العراقي بين الانفتاح والانفلات
-
الشعب هو من يدفع ثمن السياسة
-
حد الردة بين فهم الخلف وفقه الواقع
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|