|
حين يصبح الانقلاب والتزوير مشروعا
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 17:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يحظ موضوع من النقاش في الساحة العربية والدولية مثلما حظي به إبعاد محمد مرسي وحزب العدالة والحرية الاخواني من سدة الحكم . ان هذا النقاش انصب في جانب منه على اعتبار ازاحة مرسي انقلابا يجب ادانته لأنه مخالف للشرعية الدستورية والقانونية ، وضربا لإرادة الجماهير الناخبة التي صوتت لصالح مرسي في الانتخابات الرئاسية ، ومنهم من اعتبر ما قام به الجيش ثورة جديدة قصد استرداد ما سرقه الاخوان الذي ركبوا على الاحداث ووظفوها لما يخدم فقط مصلحة الاخوان ، ولا يخدم في شيء مصالح المصريين بمختلف اطيافهم ومذاهبهم الدينية والاجتماعية . اذا نحن جارينا اصحاب الاتجاه الاول المدعم للإخوان ، كان ما قام به العسكر انقلابا عسكريا محضا ، وان جارينا اصحاب الاتجاه الثاني ، كان ما قام به العسكر استردادا لمكتسبات ثورة 25 يناير التي سرقها الاخوان .ان موضوع السؤال ليس بما حصل ، بل ان الموضوع مرتبط بالغاية من الحدث ، تلك الغاية التي ’تقيّم من خلال المقارنة بين ما وقع وما سيقع . اذا كانت الانقلابات ’مدانة في الدول المتقدمة العريقة في الديمقراطية ، فان سرقة انجازات وتضحيات الشعب باسم ايديولوجية اسلاموية رجعية اشد خطرا من الانقلاب اذا كان يهدف الى تصحيح الاوضاع وتجنيب البلد احتمالات الانجراف نحو الهاوية . في هذه الحالة يكون الانقلاب العسكري مشروعا ، بل يكون واجبا اذا كان الدافع اليه تجنب الفتنة ، او الإنجرار الى الهاوية ، او الوقوف في وجه الفاشية والاستبداد والدكتاتورية . واذا كان الجيش المصري في سنة 1952 قد قام بانقلابه ضد الملك فاروق ( ثورة ) باسم تحرير فلسطين ، ومحاربة الفساد ، وتحقيق رفاه وغنى جمهور الفقراء من الفلاحين والعمال والمستضعفين ، فان خسران مصر لسيناء ولقطاع غزة ، وسقوط 80 الف كيلومتر من الاراضي العربية في يد اسرائيل ، مع رافق ذلك من سلطوية عسكرتارية واعتقالات ومحاكمات وسجون واغتيالات وإعدامات ، يكون قد قد رسم التغيير باسم الضباط الاحرار بالانقلابية والانقلاب وليس بالثورة ، رغم ان الجماهير الغلبانة التحقت بالجيش مناصرة للانقلاب ، وليس هذا الاخير هو التحق بالشعب ،،،،، فان ما حدث مؤخرا هو ان الجماهير هي التي تحركت لاسترداد ما ’سرق منها ، والجيش الخارج من احشائها التحق بها ، وليس الجماهير هي التي التحقت بالجيش . اذن لماذا استجاب الجيش لمطالب الشعب ؟ : 1 – لان مرسي عند انتخابه بعملية ’مدبرة استغلت حرج الفترة التي كانت تمر بها مصر ، اضحى رئيسا للإخوان وليس رئيسا للمصريين ، وأصبح الحاكم الفعلي هو المرشد الطاغي وليس المؤسسات ، وهو ما جعل التفرقة الطائفية والإيديولوجية تعم الشعب المصري بمختلف مكوناته لاسترداد ما سرق في واضحة النهار قبل الليل . 2 – انقلاب مرسي عن كل وعوده الشعبية قبل فوزه بالانتخابات ، وعوض ان يفي ولو بجزء منها سخر نفسه وإمكانيات الدولة لاخونة مصر معتقدا مع المرشد المستبد ان الوقت قدحان لبناء ( الخلافة الاسلاموية ) على الطريقة العثمانية الاستبدادية . وقد رأى في فوز حزب العدالة والتنمية بالرئاسة التركية نموذجا مثاليا سهل التطبيق ، ومن ثم فهو لم يتردد في زيارة انقرة وتقديم البيعة لاردوغان العثماني الحليف الاستراتيجي لدولة اسرائيل والعضو الفعال في الحلف الاطلسي . 3 -- التنسيق الامني المضبوط مع الاجهزة الامنية الاسرائيلية بشكل اكثر ايجابية من عهد مبارك . وهنا فان مرسي العيّاط لم يتردد في قطع العلاقات مع سورية ارضاء لأنقرة وقطر وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية مع ابقاء العلاقات الدبلوماسية قائمة مع تل ابيب التي ترى في مرسي وحزب الاخوان الوجه الثاني للصهيونية الاسرائيلية بالمنطقة . 4 -- ممارسة الطائفية المقيتة بين ابناء مصر ، وهنا يكون العيّاط البرّاح قد حفر قبره بيده حين نعت مواطنيه من الشيعة بالمجوس ، والنعت هو فتوى تدعو الى التصرف مع الشيعة المصريين باعتبارهم اشد خطرا من اسرائيل حليفته بالمنطقة . ولأول مرة يبرق مرسي لشمعون بيريز مخاطبا اياه " صديقي العزيز شمعون بيريز رئيس دولة اسرائيل " ، فأين شعار " خيبر خيبر يايهود جيش محمد سيعود " . 5 – رغم ادعاء مرسي بالتمسك بالقضية الفلسطينية ، فانه واصل اغلاق المعابر مع قطاع غزة ، وبخلاف الرئيس المخلوع مبارك ، فانه لم يتردد في ردم الانفاق التي كانت الشرايين الوحيد الذي يتنفس منه فلسطينيو غزة ، بل انه حرك المزنجرات باتجاه سيناء لردم كل ما من شأنه ان يغضب صديقته اسرائيل . 6 – التفريط في الحقوق الطبيعية والتاريخية المصرية من مياه النيل ، وهو ما يهدد الآلاف من الفلاحين المصريين بسد مورد الرزق والتحاقهم بجيوش العاطلين والمستضعفين ، كما لا يخلو بناء السد الاثيوبي من مخاطر تنعكس سلبا على مياه الشرب والطاقة والري . 7 – تمسك مرسي ومعه حزب الاخوان الاستبدادي باتفاقية كامب ديفد المذلة للسيادة المصرية ، رغم انه لم يكن يتردد اثناء حكم مبارك من المطالبة باستفتاء الشعب المصري حول مصير الاتفاقية مطالبا بإلغائها . 8 – اغراق مصر والشعب المصري بمئات الملايين من الدولارات من الابناك العالمية والشرق الاوسطية ، مع اذلال مصر بالرضوخ لتعليمات امارة قطر مقابل ثانية مليارات دولار قدمت كهبات ومساعدات . 8 – الاندماج التام والكامل في المخططات الامريكية مقابل استمرار هذه الاخيرة بمواصلة تقديم الدعم الاقتصادي والمالي والتقني للاقتصاد والجيش المصري ، وهو ما يعني انعدام استقلالية القرار الوطني ورهنه بمراكز القرار الدولي الامبريالي الصهيوني . 9 -- استمرار قطع العلاقات مع ايران رغم محاولات هذه الاخيرة لرأب الصدع الذي خلفته اتفاقية كامب ديفد ، وقطع العلاقات لأكثر من ثلاثين سنة خلت . وهنا فان تصرف مرسي ومعه حزب الاخوان لم يكن بفعل قرار وطني مستقل يراعي مصالح مصر الاستراتيجية ، بل كان تنفيذا لأوامر واشنطن ، وعدم ازعاج صديقته اسرائيل ، ورضوخا لرغبات السعودية ودول الخليج التي ترى في ايران عدوا رئيسيا ، بينما لا ترى في اسرائيل عدوا ثانويا ، لكنها ترى فيها صديقا حميميا . اذن وبجميع المقاييس فقد فشل مرسي ، وفشل معه حزب الاخوان الذي حاول الاستئثار بالسلطة لوحده ، معتقدا ان حل ( الاسلام هو الحل ) قد حان ، متجاهلا ان المجتمع المصري هو مجتمع مدني بالفطرة قبل ان يكون كذلك بالنصوص والدستور . لقد ادى هذا الخطر الذي اضحى محدقا بالشعب الى النزول الى الشارع لتصحيح الوضع ، ومن جهة لفرملة الاستبداد الممارس باسم ( الدين ) ، وقد ادى هذا الاحتكاك الذي اضحى قائما بين الاغلبية التي تحتكم الى مطالب الشعب ، وبين الاقلية التي تحتكم الى اوامر المرشد المتزمت الطاغي ، الى فرض الضرورة القصوى لتدخل الجيش الذي التحق بالشعب لتحقيق ما يطالب به الشعب وليس لتحقيق ما تطالب به جماعة عنوانها العنف وليس غير العنف . ان تدخل الجيش جاء باسم الشعب لعدة اعتبارات : 1 -- لتجنيب مصر الانزلاق نحو الهاوية والمصير المجهول . 2 – لتجنيب مصر بواعث الحرب الاهلية . 3 – لتجنيب مصر الحالة السورية . 4 – لحفظ الامن الاستراتيجي للدولة وحفظ الامن القومي المهدد على اكثر من جهة وصعيد . 5 -- للوقوف في وجه استبداد الفقيه والمرشد الطاغي المتزمت والرجعي . 6 – للوقوف في وجه الفاشية الاسلاموية التي تستعمل الديمقراطية كمطية للوصول الى نماذج حكم غارقة في الاسطورة والرجعية والدكتاتورية . 7 -- للحفاظ على مكانة ودور مصر كقوة عربية مدافعة عن الحقوق العربية القومية وليس الحقوق الاخوانية الدولية . من اجل كل هذا يبقى تدخل الجيش باسم الشعب لتحقيق مصالح وطلبات الشعب انقلابا واجبا شرعا ومنطقا لتفادي السكتة الدماغية التي ستحصد الاخضر واليابس عملا بالقاعدة الشرعية " اخف الضررين " او " الضرر الاكبر يدفع بالضر الاصغر " . اذا كان الانقلاب في مثل هذا الوضع المهدد بالحرب الاهلية وبتدمير البلد امرا وواجبا شرعيا ، فان تزوير الانتخابات لقطع الطريق على البرامج الفاشية والرجعية والانقلابية باسم الديمقراطية يبقى كذلك امرا مشروعا ، بل يعتبر واجبا شرعا لتجنيب البلد مخاطر التحكم والاستبداد والدكتاتورية . ان الاعتماد على الديمقراطيات الشعبية التحتية في توصيف النماذج السياسية ومختلف انواع الحكم ، هو خطأ وتصور ضيق الافق بسبب ما قد تجلبه مثل هذه الانتخابات من اخطار على مستقبل الدولة ووحدتها ووحدة الشعب . ان هذا الخطر الذي ابانت عنه تجربة حزب العدالة والتنمية المصري الاخواني ، هو نفس الخطر صنعته الانتخابات الشعبية التحتية في ايطاليا وألمانيا واليابان ، فكانت سببا في مجيء النازية والفاشية والدكتاتورية العسكرتارية ، وكانت النتيجة الحرب العالمية الثانية وما خلفته من قتلى وصل عددهم اربعين مليون ودمار عمراني هائل . وبالرجوع الى التاريخ القريب سنعطي مثالا ليس بالبعيد عن الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال سوار الذهب في السودان ضد الدكتاتورية والفساد ، وقد سلم الحكم للمدنيين وبانتخابات رئاسية حرة ونزيهة في ظرف سنة . اما مثل تزوير الانتخابات فكانت التجربة الجزائرية حين فازت الجبهة الاسلامية للانقاد وانقلب عليها الجيش بدعوى الحفاظ على المكاسب ( الديمقراطية ) ، في حين انها ادت الى اكثر من دكتاتورية الاسلامويين . اي رغم تجنيب الجزائر حكم الفاشية الاسلاموية فإنها لم تخرج من حكم فاشية العسكر . اذن الانقلاب العسكري وتزوير الانتخابات يبقى عملا مشروعا ، بل واجبا شرعا ، اذا كان الهدف تجنيب البلد الحرب الاهلية او الفاشية والاستبداد ، او الدمار والتخريب .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة -- حزب -- تيار
-
ادوات اشتغال المخزن
-
دراسة تحليلية لماهية المخزن -- المخزن عقيدة وليس مؤسسة .
-
جدل عن غياب العاهل محمد السادس خارج المغرب
-
الطريق الاستراتيجي الثوري للدولة الفلسطينية
-
المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية
-
بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت
-
برنامج حركة 3 مارس
-
كتمان العلم والحق في الاسلام ( علماء ) فقهاء السوء
-
اساطير الاولين
-
مشروعية الملكية اساس استمرارها
-
الاتجار بالديمقراطية يضر القضايا الوطنية
-
البطالة
-
الجهة المتقدمة -- الحكم الذاتي
-
سوق ترويج الوعود والآمال
-
اللغة وفن التمويه والتضليل
-
هل تخلت واشنطن عن تدعيم مقترح الحكم الذاتي باتجاه الاستفتاء
...
-
الدولة والعنف في الدول العالم ثالثية
-
استراتيجية الجماعات واستراتيجية السلطة
-
ماذا يحمل كريستوفر رووس في جعبته ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|