صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 4143 - 2013 / 7 / 4 - 15:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تثبت احداث مصر ورفض الشعب لحكم الاخوان المسلمين، عقم المحاولات الجارية لإضفاء الطابع الديني على مؤسسات الدولة واقحامه فيها، كما تظهر ان صناديق الانتخابات و "الديمقراطية" التي لا يؤمن بها كثير من الاسلاميين اصلا، لا تعطي مسوغا للحاكم "المنتخب" ان يفعل ما يشاء بذريعة انه منتخب، مثلما فعل حاكم مصر المعزول محمد مرسي؛ الذي دشن عهده بإقالة النائب العام و تعيين آخر موال له، و محاولة اعطاء نفسه صلاحيات غير محدودة، بل انه تمادى اكثر من ذلك بمحاولة التدخل بحياة الناس حين قرر اغلاق المحال التجارية في اسواق القاهرة، ابتداء من الساعة العاشرة ليلا، وهو الامر الذي رفضه المصريون على الفور ولم يلتزموا به، اذ عرفت القاهرة دائما ببقاء اسواقها مفتوحة حتى الصباح.
كان الرئيس محمد مرسي قد ارجع، اغلاق المحال بوقت مبكر الى سعيه لتوفير استهلاك الكهرباء وهو عذر اقبح من الفعل، اذ ان من مسؤولية الحكومة والدولة، توفير الكهرباء لا تقنينها؛ لضرورتها الملحة في حياة الناس، وان اي فشل في ذلك وفي امور اخرى، يجعل السلطة بمواجهة الشعب ويحتم عليها الرحيل واخلاء الساحة لغيرها، الامر الذي ادركه المصريون واصروا عليه بعد ان زرعت فيهم ثورة كانون الثاني "يناير" 2011 روحا ثورية جماعية جارفة.
وبغض النظر عما ستسفر عنه الاحداث المصرية في القادم من الايام، فانني ارى ان الدولة الدينية التي يحاول البعض فرضها في البلدان العربية والاسلامية، في طريقها الى الاحتضار و آيلة الى الزوال؛ لعدم انسجامها مع الواقع الذي تعيشه المجتمعات البشرية، وفشلها في اكثر من اختبار في تلبية متطلبات وحاجات الناس، و الانكى من ذلك اكتفاء مريديها والمروجين لها، بإغداق الحكم والمواعظ اللفظية لتهدئة البطون الجائعة، في حين يتفنن آخرون من الاسلاميين في اهدار دم الابرياء لمجرد الاختلاف معهم فكريا او بدواعي الحفاظ على العفة والشرف، التي يفتقد اليها كثير من مسؤوليهم بسرقة اموال الناس وافقارهم.
الغريب ان صعود مرسي الى سدة الحكم في مصر، قوبل في البداية بالترحيب من قبل انظمة حكم دينية او تلك التي يجري ترتيب امورها لإنشاء دول دينية مغلقة، ثم سرعان ما تداركوا هم و اعلامهم الامر بعد انكشاف التحريض على القتل والخطاب الطائفي الذي اقترن بصعود الاسلاميين في مصر، ووقوع حالات قتل فعلية من جراء ذلك.
اقول، احتضار الدولة الدينية، لأنها وإن ماتت في مجتمعات اخرى سبقتنا في التطور ومنها بلدان اوروبا، فان محاولات تجري لاحيائها في بلداننا الموبوءة بالتخلف وبثلاثية الانكفاء المرير، الفقر والجهل والمرض، فرأينا كيف ان الدول التي صعد فيها الاسلاميون الى الحكم، تحاول الابقاء على شعب فقير جاهل مريض؛ من اجل ادامة مصالح افرادها والابقاء على ثرواتها التي سرقها كثير من الاسلاميين من افواه الفقراء.
ان موضوعي هذا ليس بصدد التنظير في مسألة الدولة الدينية، فذلك متشعب بحاجة الى دراسات معمقة من ذوي الشأن والمختصين، ولكنني سأكتفي بمواقف الشعوب قياسا الى النتائج المتحققة من حكم الاسلاميين مكتفيا بالانموذجين المعاصرين البارزين، واعني بهما العراق ومصر.
لقد رأينا نحن في العراق كيف ان محاولات اقحام الدين في كل شيء والسعي لصناعة دولة دينية، ادت الى كوارث هائلة متواصلة، ليس اقلها التفريط بأرواح الناس و ممتلكاتهم.
لقد تبين بالتجربة لاسيما بالنسبة للعراقيين، ان محاولة اضفاء الطابع الديني على المجتمع، يؤدي الى تكريس عدة امور، سنكتفي بذكر امرين رئيسين تتولد عنهما بالضرورة جميع السلبيات التي اقترنت و تقترن بإقحام الدين في الدولة، وهذان الامران هما، اولا، انتفاء صفة المواطنة وتغليب الهوية الدينية والاثنية على المشتركات الانسانية؛ وما يرتبط بذلك من سيادة روح الكراهية والحقد والانتقام والعنف، وثانيا، تفشي الفوضى الامنية وقتل الناس بدوافع دينية او اجتماعية وانحسار دور الدولة في تطبيق القانون.
فشهد العراقيون ظهور مجموعات او افراد يدعون امتلاك ناصية الحقيقة والكمال ويلجأون الى العنف لتطبيق افكارهم ضد المخالفين لهم في الرأي او المختلفين معهم بالمأكل والمشرب، و يمارس بعضهم القتل العشوائي للشباب والنساء، والمسوغات جاهزة لديهم دائما في ظل غياب اجهزة امن تنفيذية وقضائية محايدة، أي الاجهزة التي يفترض ان تمثلها الدولة.
ان شعب وشباب العراق ونساءه، يتعرضون الى ابادة جماعية من جراء اضفاء الطابع الديني والطائفي على الصراع السياسي، واحد اسبابه الرئيسة السعي لإنشاء الدولة الدينية، التي نتج عنها اطلاق عمليات القتل و مهاجمة المقاهي و الملاعب الرياضية، و تكفير الشباب على نطاق واسع.
كثير ممن يتحدث عن التقوى من المسؤولين الحكوميين العراقيين، يستغل ذلك للاستيلاء على ثروات البلد فيتركون عائلاتهم في بلدان اخرى ويأتون الى العراق كعزاب، فلا يتركون للشعب سوى الموت والعويل والبكاء، ويطلبون من الناس بالمقابل تحمل المعاناة ويعدونهم بجنان الخلد في الآخرة.
حتى من يظهرون انفسهم على انهم ناطقون باسم الشعب و معارضة النظام القائم، فانهم بعد ان اغتنى كثير منهم من التواجد في مجلس النواب او الحكومة لمدة معينة؛ سرعان ما انساقوا الى خطابات دينية وطائفية تكفيرية، بدلا من السعي الى معرفة ما يحتاج اليه الناس وطرحه في برامجهم السياسية، وطفق كثير منهم يحرض بدوره على القتل ويستخف بدماء الابرياء التي تراق من دون وجه حق.
وبالعودة الى وضع مصر، فان الاحداث على الساحة المصرية، اثبتت ان الدولة الدينية ليست في صلب اهتمامات الناس الحقيقية، التي تطمح الى ان تعيش حياتها الاعتيادية من دون مشكلات او توترات، والارتباط بروح العصر الذي بات يتقدم بخطوات هائلة؛ وان التخلف عنه وعدم مواكبته واللحاق به هو بمنزلة الموت السريري انتظارا لموت متحقق آت لا محال.
وفيما يتعلق بالشعب المصري، فان النشوة التي يحس بها من جراء تحركه الثوري والاخوة الانسانية، التي جمعته في صلب العمل الاحتجاجي، ستجعله لا يلقي بالا لفتاوى افناء الاخر واهراق دمه، فتلك امور بعيدة عن نسق الحياة الاعتيادي، كما ان الشعوب باتت تلمس ان دعاوى الصلاح والفضيلة التي يتحدث بها كثير من قادة معظم الاحزاب الاسلامية، لم تجلب لهم بعد تسلم هؤلاء للسلطة غير الخراب وانعدام العدالة وغياب الخدمات وازهاق الارواح.
كما ان الثورات المصرية المعاصرة، واكرر القول بغض النظر عن نتائجها، تثبت للتاريخ ان سكوت الشعوب وخنوعها ازاء حقوقها و متطلبات حياتها ومعيشتها، سيعمم الخراب والكوارث، وألا نفع في الديمقراطية وصناديق الاقتراع، اذا لم تؤد الى رقي الانسان ورخائه، اذ ان فصل الدين عن الدولة يجب ان يتحقق قبل الشروع في بناء نظام الحكم الديمقراطي مثلما حدث في مجتمعات اخرى متحضرة، وليس بعده او في اثناء تطبيقه، وإلا فسيكون الثمن غاليا من دماء ودموع الناس، مثلما يحدث لدينا في العراق، ومثلما يحاول الشعب المصري ـ تشاركه في ذلك الشعوب الحية ـ ان ينأى بنفسه عنه، بما في ذلك قواته المسلحة التي تصرفت بمهنية ووطنية عاليتين، وانحازت الى الحراك الشعبي المدني من دون تردد، واستفادت من الانضباط العسكري الذي اقترن بالمؤسسات العسكرية، وسخرته للوقوف في صف الجماهير، التي تسعى الى غد مشرق خال من الدماء ولقمة عيش هانئة شريفة، تظللها نسائم العدالة الاجتماعية؛ وليست المواعظ الجوفاء عن الفضيلة، ومحاولة ارجاع الناس الى كهوف التاريخ.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟