|
الإسلام السياسي
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 4142 - 2013 / 7 / 3 - 22:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مكتبتي كتاب على جانب كبير من الأهمية ، صدر في طبعته الأولى عن دار سينا للنشر عام 1987، مؤلفه هو المستشار المصري محمد سعيد عشماوي ، وعنوانه " الإسلام السياسي" ، أجد من المناسب التعريف به الان ، في وقت يشتد به الصراع في المشهد السياسي المصري بين جبهة الانقاذ وبين التيار الإسلامي ، وتتدافع أمواج الأحداث والوقائع في كل اتجاه باحثة عن شاطئ لتستقر عليه . لعله من المهم بداية أن أبين أن لهذا الكتاب فضل استعمال تعبير " الإسلام السياسي " ، إذ صار تعبيراً شائعاً بمعناه الذي قصده المؤلف بعد اصدار الكتاب ، يستعمله الكل حتى كٌتاب جماعات الإسلام السياسي أنفسهم .
يستخدم المؤلف تعبير الإسلام السياسي لأول مرة كما جاء في مقدمة كتابه " كصفة للجماعات الإسلامية ، التي تهدف الى السياسة أساساً ، وترمي إلى الحزبية أصلاً ، وإن غلفت أهدافها بأردية من الدين او بأقنعة من الشريعة ، فتقول تارة إن السياسة جزء من الإسلام أو تقول تارة أخرى إن العمل السياسي فريضة على المسلم " .
يتناول الكتاب شعارات الإسلام السياسي واحداً بعد الاخر ، بالدراسة والتحليل والتفنيد ، ولهذا هوجم الكتاب بعد صدوره من قبل الأزهر والجماعات الإسلامية ، وتم الإدعاء على الكتاب بما ليس فيه ، هوجم بحملة أساسها التشويه والتشويش ، و في الوقت نفسه وقف إلى جانب الكتاب عدد من أهل الفكر ، فندوا المزاعم التي افتراها عليه كُتاب جماعات الإسلام السياسي ، وأكدوا على أن نقدهم له لم يقم على أساس من العلم والموضوعية .
تنبع أهمية الكتاب من موضوعيته وعمق تحليلاته الدينية واستنتاجاته الدقيقة حول قضايا كثيرة شائكة ، تتعلق" بالدين الإسلامي والسياسة ، وتحديدا بالخلط بين الدين والسياسة ... تسييس الدين وتديين السياسة ، واعتصام الحركات المختلفة بآيات من القرآن ، والأحاديث النبوية ، واحتماء كل حركة بفتاوى فقهائها ، وبشعارات براقة ظاهرها الدين وباطنها السياسة ، دعواها الشريعة وحقيقتها السلطان ، واسلوبها الاتهام بالكفر والإلحاد والإفساد ، وإباحة دم الجميع واهدار الحرمات . "
يؤكد الكتاب بداية على " أن الإسلام عقيدة عامة ، بمعنى أنه في الأصل والأساس نظام ديني وليس مشروعاَ سياسياً ، وهو شريعة حركية ، بمعنى أنه منهج للحياة يتحرك مع واقعات الحياة الجارية فتتغير أحكامه بتغير الأحداث ويتقدم إلى المستقبل باجتهادات مستحدثة واتجاهات واقعية ، وفكرة النسخ في القرآن خير دليل على ذلك ، فأحكام القرآن لم تجئ من خارج الواقع مرة واحدة وإنما تفاعلت مع الواقع شيئاً فشيئاً وتنزلت منجمة " مجزأة " آية بعد آية وحكماً أثر حكم ."
وبهذا يصل الكتاب إلى نتيجة أساسية مؤداها أن الإسلام " نظام غير شمولي ، يترك للناس مساحة كبيرة يتصرفون فيها ، ويدع للمجتمع مجالاً واسعاً يتحرك فيه ، دون أن يصبه في قوالب حديدية أو يشله بقواعد جامدة كما تعمل النظم الشمولية السياسية ، وعليه يفصل الإسلام بين الدين والدنيا ، ينأى بأحكامه ويبعد بقواعده عن النظريات العلمية والتجارب الزراعية والأساليب الحياتية والأنظمة الصناعية والمعادلات الرياضية والقواعد الفنية وغيرها مما ماثلها وشاكلها ، ذلك أن هذه كلها من شؤون الدنيا التي يكون المختصون أعلم بها من غيرهم ، ولا يتدخل فيها الدين أبداً ، ولا تختلط بها الشريعة قط . "
ولأن الإسلام نظام ديني وليس مشروعاً سياسيأ توصل الكتاب الى نتيجة اساسية أخرى مفادها أن السياسة فيه ليست اصلاً ولا أساسأً ، وأن نظام الحكم في الإسلام ليس من أصول الدين أو الشريعة وقد توصل إلى هذه النتيجة بناء على تفاصيل كثيرة في مقدمتها أن القرآن لم يتضمن أي نص عن نظام الحكم، ولا طريقة تعيين الحاكم ، ولا أسلوب مساءلته ، ولا بيان حقوق والتزامات احاكم وحقوق والتزامات المحكومين ، ولا طريقة عزل الحاكم ، ولا نظام الانتخابات ، إلى غير ذلك مما تركه للناس يحددونه تبعاً لظروف عصورهم وأحوال معيشتهم .
تتطرق الكتاب في هذا الجانب إلى الأحاديث النبوية أيضا ً، وبين أنها لم تتضمن أي حديث يتعلق بالحكم السياسي و نظام الحكم ، واستطرد بالقول " لو كانت ثمة آية – ولو واحدة – أو حديث – صريح واضح – لاحتج به أحد الصحابة أو المهاجرين أوالأنصار عند اجتماعهم المشهور في سقيفة بني ساعدة إثر وفاة النبي ، أوعند استخلاف أي من الخلفاء الراشدين الأربعة " .
وعلى هذا الاساس دعم الكتاب أفكاره بالقول أن نظام الحكم في الإسلام مدنياً (أي نابعاً من إرادة الشعب ) لا دينياً ( أي صادراً عن إرادة ربانية أو تفويض رباني ) وهذا هو المعنى الذي فهمه صحابة الرسول والمسلمون الأوائل ، فقد قال أبو بكر عنددما ولي الخلافة : " وليت عليكم ولست بخيركم ، فان أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني " وقال عمر بن الخطاب عندما ولي الخلافة بعده : "إن رأيتم في إعوجاجا فقوموني " وبهذا وضعا الأساس للحكم الإسلامي ، بأن يكون صادراً عن الناس ، وأن للناس مراقبة الحاكم وتقويمه .
وفي هذا الجانب يغوص الكتاب في بحث فكرة الحاكمية لله ، بالقوة والمشيئة والقضاء ، ويبين أنها ليست من صميم الإسلام ، بعيدة عنه ، لا يعرفها القرآن ولا السنة النبوية ، وهي فكرة نشأت أصلاً في مصر الفرعونية ، وفي مجتمعات القرون الوسطى ، استغلها بعض الخلفاء لصالح حكمهم ، حيث عملت بطاناتهم من الفقهاء على جعلهم خلفاء لله يحكمون الناس بمشيئته وقدره ، منهم معاوية بن ابي سفيان الأموي ، وقد قال للناس اثناء حكمه : " الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما أخذت فلي وماتركته للناس فالفضل مني " ، وقال في هذا المعنى أبو جعفر المنصور العباسي : " أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة ، نحكمكم بحق الله الذي أولانا ، وسلطانه الذي أعطانا ، وأنا خليفة الله في أرضه وحارس على ماله " .
وهذا يعني أن معاوية وابو جعفر المنصور وغيرهما من الخلفاء الاخرين هم الذين جعلوا حكمهم هو حكم الله ، وجعلوا نظام الحكم هو من صميم الدين ، وجعلوا أنفسهم ظل الله على الأرض ، وأن لديهم حقامقدساً بمشيئة الله للحكم ، كل ذلك تم دون الاعتماد على القران والسنة ، بل بموجب فتاوى مضللة أصدرها شيوخهم وفقهاهم ، نظير مكرمات مالية سخية دفعت لهم من بيت مال المسلمين .
غني عن البيان أن شعارات جماعات الاسلام السياسي في القرن الحادي والعشرين ، تتمحور حول الحاكمية لله ولا حاكمية للبشر ، والاسلام دين ودولة ، والاسلام هو الحل لكل مشاكل المجتمع المحلي والدولي في العصر الحديث ، وغيرها من الشعارات الأخرى البراقة والفتاوى الغريبة التي تسعى إلى تسييس الدين ، واعتبار السياسة ركيزته الأولى ، والوسيلة الوحيدة لعلو شأن المسلمين .
و طبقا لما جاء في الكتاب الذي نحن بصدده ، فإن جماعات الاسلام السياسي باعتمادها تلك الشعارات تعمل على تحريف وتزيف الدين وتسييسه وإظهاره بمظاهر العنف والقسوة والارهاب، وتثبيت كراسي الحكم بالشريعة ، وبالتالي جر المجتمعات العربية الى غياهب العصور المظلمة ، وهذا أمر يسئ إلى الدين ، ويبعده عن روح العصر .
وهذا يؤكد ايضا أن مشروع جماعات الإسلام السياسي لا يبشر بالخير ، ولا يمكنه المساهمة في بناء مستقبل مأمول للاجيال العربية القادمة ، يمكنه فقط استغلال الدين في تحقيق أطماع سياسية أنية بعيدة عن متطلبات الحياة السوية السليمة العصرية .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إميل حبيبي باقٍ في حيفا
-
شيليا
-
جوني منصور مؤرخ حيفا
-
عن أقباط مصر
-
أحييكم
-
الثورة الجزائرية في مرآة النفس والآخر
-
كتاب المهد العربي
-
حيفا ليست قرطبة
-
عبد عابدي : نصف قرن من الإبداع
-
شظايا مذكرات غير مكتملة
-
جزيرة في نهر سان لوران.
-
البحث عن الجذور
-
عيسى بُلاطه : ناقداً وأديبا ً
-
تراجيديا الهنود الحمر
-
التوثيق في الأعمال الإبداعية
-
امرأة منسية
-
فتاة الترومبون
-
ناجي علوش شاعراً ومفكراً
-
في ذكرى ناجي العلي ثانية
-
في ذكرى ناجي العلي
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|