|
أسئلة تحتاج إلى إجابة حول الواقع العربي والربيع العربي- السؤال الخامس عشر: هل استبدلت حماس أولوياتها ، فجعلت فلسطين في المرتبة الثانية ووضعت في المرتبة الأولى قضية مصر ونصرة رئيسها محمد مرسي؟
ميشيل حنا الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 4139 - 2013 / 6 / 30 - 03:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بات من المستغرب أن نلاحظ تزايد اهتمام حماس بما يجري في مصر، وهو اهتمام بات يتزايد يوما بعد آخر، إلى درجة أصبحت معه القضية الفلسطينية في المركز الثاني بين اولوياتها. وهذا بالطبع يتم على حساب القضية الفلسطينية التي يتوجب أن يعتبرها سادة غزة، أهم قضاياهم لكونها قضية الشعب الذي ينتمون إليه . ولكن في مقارنة بين الأخوة على أساس القومية، والانتماء على أساس الدين في مفهومه السياسي، وجدت حماس أن هذا النوع من الانتماء ، أي لتيار الاسلام السياسي وخصوصا تيار الإخوان المسلمين، هو أكثر أهمية ووجوبا بالنسبة لهم. فجذور الإخوة في حماس قد نبعت من انتمائهم للإخوان المسلمين، تماما كانتماء الدكتور محمد مرسي لنفس الجماعة ولو بفرع آخر. فهما إخوة في هذا الانتماء الذي يبدو لهم أكثر ضرورة من الانتماء على أسس قومية. كما أن الانتماء على أساس قومي، لو رضي سادة غزة بذلك، لبات يضع الإخوة في غزة على مستوى واحد في انتمائهم إلى مصر، وإلى لبنان، وإلى السودان والأردن والخليج والمغرب العربي . لكن انتماء كهذا بالنسبة للبعض من ذوي الانتماء إلى تيار الإسلام السياسي، بات انتماء فضفاضا في زمن لم يعد فيه، بالنسبة لهم ، للقومية وللعروبة معنى. أما الاشتراك في الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فهو أمر آخر، بل هو أمر وجوبي بسبب انتماء كليهما لتيار سياسي واحد، أي لأخوة واحدة. فمن هنا شعر الإخوة في حماس ، كما يبدو ، بوجوب مساعدتهم للأخ الرئيس مرسي، حتى ولو جاء ذلك على حساب انتمائهم لأبناء جلدتهم من الفلسطينيين .
ولكن هل حقا بات الإخوة في حماس يقدمون مصلحة مصر الإخوانية برئاسة مرسي، على مصلحة بلدهم فلسطين، وعلى مصلحة الشعب الفلسطيني سواء في غزة ، أو في الضفة الغربية حيث السلطة الوطنية الفلسطينية ؟
هناك مؤشرات ترجح صحة مراعاتهم للمصلحة المصرية الإخوانية المرسية، على كل المصالح الأخرى. ولعل قضية مهاجمة سجن النطرون بغية تحرير الرئيس مرسي من ذاك السجن، وهو ما كشفه المدعي العام في تلك القضية مؤخرا، إنما تعزز ذلك المؤشر. فقد هاجم السجن في بدايات مراحل الثورة المصرية عام 2011 مجموعة من المسلحين، وكان من بينهم عددا كبيرا من الإخوة في حماس ومن مجموعة عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحماس. وبطبيعة الحال ، كان من الطبيعي أن يسعى أولئك لتحرير الدكتور مرسي السجين في سجن النطرون. فالأخ مرسي كان على كل حال سجينا سياسيا ، ولم يكن مسجونا لجرم عادي ارتكبه. كما أن العادة قد جرت في الثورات الشعبية ، السعي لتحرير المساجين السياسيين أو أولئك المسجونين ظلما . فكلنا نذكر أن الثورة الفرنسية كان من أول اهتماماتها ، اقتحام سجن الباستيل وتحرير السجناء. كل ما في الأمر أن اقتحام سجن النطرون قد أدى إلى مقتل أربعة عشر شخصا بعضهم من الحراس والبعض الآخر من المساجين العاديين، كما أدى أيضا إلى خروج أحد عشر ألف مجرم عادي كانوا في ذاك السجن. وأولئك المجرمين المحررين قد عاثوا في البلد فسادا، وتسببوا بأضرار لمصر وللشعب المصري ، وربما كان من بينهم من تحول إلى زمرة البلطجية التي عانت منها مصر وما زالت تعاني ولكن قضية سجن النطرون ، لم تكن هي القضية الوحيدة التي دلت على مشاركة رجالات حماس في القيام بأعمال شكلت دعما للرئيس مرسي . كل ما في الأمر أنه إذا كانت قضية النطرون قضية ثابتة وواضحة ومدونة في سجلات المحاكم ، فان العديد من العمليات الأخرى تظل في نطاق التكهنات لعدم وجود أدلة قاطعة على صحتها . ومن أبرز هذه التكهنات ما قيل عن الرجلين اللذين هاجما الدكتور أحمد الزند ، قبل عدة شهور ، إذ تردد عندئذ أن احدهما كان يتكلم باللهجة المصرية ، أما الآخر فكان يتكلم بلهجة أخرى رجح بأنها فلسطينية . والمعروف أن الدكتور أحمد الزند كان رئيسا لنادي القضاة ، وإعتبره البعض من الإخوان، العدو اللدود للدكتور مرسي ومثلها قضية مهاجمة المتظاهرين أمام المقر العام للإخوان المسلمين الواقع في جبل المقطم . فقد تردد عندئذ أن من بين أولئك الذين هاجموا المتظاهرين، كان بعض من مقاتلي حماس الذين تواجدوا عندئذ في المقطم لحماية عدد من قيادات حماس الذين كانوا يجرون محادثات مع المرشد العام للإخوان ومع نائبه خيرت الشاطر. فزيارات قيادات حماس لمصر قد باتت تتكرر كثيرا ربما لغايات التنسيق، وذلك خلافا لما كان يجري في عهد مبارك ، إذ كانوا عندئذ يأتون فقط للتحاور مع إخوتهم في منظمة التحرير الفلسطينية بحثا وراء التوصل إلى مصالحة يرضى عنها الطرفان.
وعلى ضوء تلك المظاهرات التي هددت حركة تمرد بإجرائها في الثلاثين من يونيو (حزيران)، والتي يتوقع لها ان تحشد في ميدان التحرير وحول قصر الاتحادية، فإن الرئيس مرسي، كما يروج البعض، قد استعان بمقاتلين من حماس لحمايته، خوفا من هجمات يقوم بها متظاهرو تمرد على قصره ، خصوصا وأنه لم يكن واثقا من قيام القوات المسلحة بالتدخل لحمايته . فالقوات المسلحة لم تفعل ذلك عندما هدد المتظاهرون قصر الرئيس مبارك في الحادي عشر من شباط عام 2011، مما اضطره للفرار إلى شرم الشيخ ومن ثم إعلانه التخلي عن منصبه. ولكن ذلك كله لم يكن بالأمر الجلل، كما في حادثة سجن النطرون. أما الأمر الجلل فعلا فقد تمثل في حادثتين، أولاهما مقتل ستة عشر ضابطا من ضباط الجيش المصري في سيناء قبل عدة شهور، إضافة إلى اختطاف ثمانية من الضباط والجنود قبل بضعة أسابيع .
أما بالنسبة للحادثة الثانية، فقد وقعت في سيناء وتمثلت في اختطاف الجنود والضباط الثمانية قبل أسابيع قليلة، واتخاذ أولئك الضباط والجنود كرهائن . فالرئيس مرسي قد تهدد وتوعد بالويل والثبور، مع استخدام القوة بكل أشكالها، من أجل إطلاق سراح الجنود والضباط المخطوفين في سيناء. ولكن بعد أيام قليلة، لاحظ الجميع أن أولئك المخطوفين قد عادوا جميعا سالمين، دون أن يمس أي منهم بسوء ، ودون أن تطلق رصاصة واحدة في سبيل تحريرهم . وقدر عدد من المراقبين، أن المخطوفين كانوا طوال الوقت في أمان، لأن مختطفيهم كانوا من حركة الإخوان المسلمين بالتعاون مع بعض رجالات حماس الخبراء في عمليات رهائن كهذه . وكان الهدف منها ‘إظهار الرئيس مرسي بمظهر السياسي البارع والمحنك الذي يستطيع التعامل مع أزمات كبرى كأزمة الرهائن تلك . وعودة إلى الحادثة الأولى التي شكلت نقطة تحول هامة بالنسبة للرئيس مرسي ، فقد تمثلت في عملية غريبة نفذت أيضا في سيناء وأدت إلى اغتيال أولئك الضباط المصريين الستة عشر . وساعدت هذه الحادثة الغريبة الرئيس مرسي على فرض سيطرته على القوات المسلحة التي كان مجلسها العسكري يحكم مصر إلى جانب وجود الرئيس مرسي، المنتخب حديثا، على كرسي الرئاسة. فالرئيس مرسي قد تظاهر بالغضب الشديد لوقوع هذه الحادثة المؤسفة . ولقد وجد فيها، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، مبررا للتخلص من عدد من كبار الضباط بعد تحميلهم مسؤولية ما حدث . وعندما لم يبد المجلس العسكري ردة فعل قوية في مواجهة قرار الرئيس المصري ، فقد خطا مرسي خطوته التالية، بإعفاء المشير طنطاوي ورئيس أركانه من الخدمة، وإحالتهم على التقاعد ، منهيا بذلك كل مفاعيل المجلس العسكري،مما أدى إلى إنفراده بالسلطة. وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى بأنه تصرف طبيعي ومعقول. ولكن كافة إجراءات التحقيق في تلك الحادثة المروعة التي أودت بحياة أولئك الضباط ، ظلت سرية ومحاطة بالكتمان الشديد . وعبثا طالب الإعلام بالكشف عن حيثيات وأسرار ذاك الحادث المؤلم، فالرئيس مرسي وحكومته لم يقدموا للشعب تفسيرا لما حدث، بل إن حكومة مرسي لم تستجب لأمر قضائي صادر عن القضاء الإداري، يطالبها بالكشف عن مضمون تلك التحقيقات، مما أثار الدهشة واستدعى أن تطفو على السطح الكثير من التساؤلات . فهل كان من نفذ تلك الجريمة مجموعة من أعضاء الإخوان المسلمين المصريين مستعينين بخبرة بعض المقاتلين من حماس، فنفذوا يالتالي تلك الجريمة لتمهيد الطريق للرئيس مرسي كي يتخلص من عدد من كبار الضباط وفي مقدمتهم المشير طنطاوي، إضافة إلى تخلصه من المجلس العسكري الذي كان يشاركه في قيادة مصر؟ لا أحد يعلم حتى الآن حقيقة ما حدث، كما أن مضمون التحقيقات في هذه الحادثة لم تنشر أبدا وقد لا تذاع على الملأ طالما بقي الرئيس مرسي في كرسي الرئاسة . وهناك واقعة أخرى مشابهة حدثت أثناء الاشتباك البطولي بين مقاتلي حماس والقوات الإسرائيلية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني ) 2012 . حيث جرى تبادل إطلاق النار لعدة أيام ذهب ضحيتها العديد من أبناء غزة . إذ كان المقاتلون في غزة يصلون بالصواريخ المواقع الإسرائيلية، وكان العدو الإسرائيلي يرد عليهم بالغارات المتواصلة واحدة تلو الأخرى. وكان ذلك عملا عظيما من جانب الإخوة الأشاوس من أبناء غزة. ولكن الرئيس مرسي تدخل عندئذ كوسيط بين الطرفين، في مسعى منه لتحقيق وقف إطلاق النار. وبعد مفاوضات طويلة نجح الرئيس المصري في وقف القتال بين الطرفين . ولكن في ذروة نجاحه ذاك ، قام الرئيس مرسي المنتشي بالنصر الذي حققه نتيجة وساطته تلك، بإصدار مرسومه الدستوري الشهير الذي زوده بصلاحيات كبرى. وهنا قامت الدنيا ولم تقعد، رافضة ذاك المرسوم الدستوري الشهير، مما اضطر الرئيس مرسي فيما بعد إلى إصدار تعديل له مع الإبقاء على بعض النتائج التي تحققت فعلا ، وكان من أبرزها إبقاء النائب العام ، رجل الرئيس، في منصبه ذاك. وهذا استدعى التساؤل إن كان قيام حماس بالشروع في تلك المعركة الشهيرة ، والتي كنا نتمنى أن تكون معركة ذات أهداف وطنية فعلية ، لغاية واحدة هي تمهيد الطريق لمرسي ليبدو بطلا منتصرا، فيغطي بانتصاره ذاك إصدار ذاك المرسوم الدستوري المشؤوم. بطبيعة الحال، نحن نأمل ألا يكون الأمر كذلك .
أمر واحد نرجوه، هو أن تكون بعض تلك التكهنات مجرد تكهنات، وألا تكون حماس قد بدلت فعلا اولوياتها، بحيث باتت مصلحة الإخوة في مصر ومصلحة رئيسهم محمد مرسي، هي التي تتمتع بالأولية ولو على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني الذي عانى كثيرا، فلا مجال بعد ذلك لمعاناة أطول في سبيل هدف واحد هو الحفاظ على مصلحة الأخوة لدى الإخوان المسلمين على حساب المصلحة القومية للفلسطينيين وغيرهم من الشعوب العربية.
#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة تحتاج إلى جواب حول الواقع العربي والربيع العربي – السؤ
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ
...
-
أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في م
...
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|