|
الغزو المزدوج...!!؟؟
عبد الرزاق عوده الغالبي
الحوار المتمدن-العدد: 4136 - 2013 / 6 / 27 - 21:45
المحور:
الادب والفن
الغـــــــزو المــــزدوج...!!؟؟ موقف انساني حقيقي عبد الرزاق عوده الغالبي
- "انظر لهذه الفوضى والازدحام....!!" قال احد الركاب مشيرا بيده نحو كومة من الناس تحاول الدخول في باب الحافلة دفعة واحدة وهو لا يتسع الا لشخص واحد ، وفعلا لم يصمد الباب امام تلك الهجمة الشرسة وصار الى نصفين تحت صياح السائق وتحذيراته. واخيرا انتهت المعضلة وكأن انشطار الباب قد وضع حدا لها . بدأ السائق يزبد ويرعد ويسب ويشتم الوضع ويشكو حال الدنيا ووضع الامن والحالة المعيشية المزرية على طول الطريق : - "يا اخوان هي هاي عيشه ،شوفوا هاي الخرابة يعني سيارته ، تدري هي التي تقوم بمعيشة ثلاث عوائل لأخوتي الشهداء في انفجارات الباب الشرقي وقد تركوا ابنائهم برقبتي..!!" اخذتني كلمات السائق بعيدا عن ذاتي لكونها نابعة من بؤس حقيقي متجلي بواقعية الانسان العراقي المجاهد من اجل لقمة العيش والذي لا يفقه شيئا عن احوال الدنيا ومهاتراتها السياسية والفلسفية وسرحت بذهني قليلا بجدلية العيش التي يتبناها الانسان العراقي والاسباب التي تؤول الى ذلك وهل هي متأتية من نقص في الثقافة والوعي الانساني في عصرنا الحديث ام من الصراع الطبقي الذي لا يزال يسكن المجتمع العراقي والذي اتخذه البعض من متصيدي السلطة احتلالا لواقع البسطاء من الناس والصعود على اكتافهم لعبور اسيجة الاستغلال وسرقة قوت الفقراء من ابناء العراق ...ولو ادى هؤلاء السياسيون واجبهم بضمير حي وبمواطنة حقة لوفروا على الاقل وسائط نقل بسيطة كالتي كانت في العهود السابقة ، الحافلات الحمراء ذات الطابقين التي اختفت من شوارع بغداد تماما......!؟ وانا منهمك في افكاري صعد الجميع الحافلة ومن ابكر جلس ومن تأخر وقف ، وتحركت وبدا الركاب بالحديث والجدال ومناكدة السائق حول باب الحافلة المشطور الى نصفين والذي ترك في الكراج ومن الذي قام بكسره ....!؟ في ذلك اللغط والجلبة اخذ انتباهي كليا صوت امرأة عجوز وهي تصيح بأعلى صوتها: - "شمالكم خاله ؟ انتم الزلم مو تكولون النسوان اولا ، اشو انا واكفة وانتم كاعدين ..! شنو ماكو غيرة ماكو حمية....لو انه موش من النسوان !؟..انتم شنو متأثرين بالمسلسلات التركية..!؟" ضحك الجميع بصوت واحد ثم تبرع احد الركاب بمقعده لها وجلست. هاجمتني التساؤلات من جديد وبدأت افكر بكلام تلك المرأة و الرابط المعنوي والاجتماعي والانساني العميق الذي اطلقه لسانها بشكل عفوي حول موضوع خطير جدا هو المسلسلات التركية وقلت لنفسي فعلا فان لهذه الانسانة البسيطة حكمة فيما تقول وكلامها مثقل بالمعاني التي تستحق الوقوف والتقصي والجدل ومظاهرة الحقيقة واثر التصادم الحضاري الذي عانى منه الشعب التركي والذي سبب ازدواج اجتماعي في شخصية الانسان التركي فقد ازدوجت شخصيته من جانبين ، الجانب الشرقي والتوق الى ملامسة المجتمع الغربي اما المسلمين منهم فهو مسلم بفكره ومستمسح بتصرفاته لذلك ظهرت في تركيا تركيبة ثقافية جديدة وهجينة (شرق-غربية) اخذت بهم الى ما وراء الدين الاسلامي والعرف الاسيوي والتأثير العربي البدوي الذي لا يزال يحكم مناطقهم الريفية وبان ذلك فيهم بوضوح خصوصا في ممارساتهم الشرعية في عقود الزواج ودفن الموتى والمآتم على الطريقة المسيحية. قد يتصور البعض ان ذاك نوع من التحضر والرقي بل العكس هو الصحيح فهذه هي الفوضى الاجتماعية بعينها والتيه المطلق والتخبط الثقافي للشباب التركي والانزلاق في متاهات الانحطاط الاخلاقي فبدأ الشباب خصوصا الاناث منهم الخروج عن طاعة الوالدين والتيه ليلا في الملاهي والمواخير للسكر والعربدة وتناول المخدرات بحجة الحرية الشخصية وارتداء ربع الثياب ونشر الخلاعة وليس من الثقافة بشيء ان يخلع المرء ملابسه...!! تلك الصورة السوداء لا تكفي المناظر الطبيعية التي وهبها الله لهذا البلد على تغطيتها فبدأت رائحتها تفوح من وراء الاشجار والجبال والازهار وتنتشر بشكل سريع لتصل الينا خلال هجمة المسلسلات الموجهة التي غزت الفضائيات والتي تعطي انطباعاتها السيئة عن ممارسة الدين الاسلامي والاعراف الاجتماعية والاخلاقية بشكل خاطئ، بالتأكيد نحن لا نخاف ان نكون مسلمون على الطريقة التركية لكننا نخشى على ابناءنا من الانبهار و التأثر بتلك الثقافة الهجينة (المسلومسيحية) وهذا مع الوضع السياسي المنحرف والديمقراطية المزيفة في العراق يشكل غزوا مزدوجا يطوق الانسان العراقي من الداخل والخارج ، من الاحباب والاجانب ،علينا الانتباه له ومواجهته بشكل جدي للحد من تأثيره السيء على اجيالنا الفتية....!!؟؟ صحوت من غفلتي ويد السائق على كتفي وهو يقول: -"استاذ , استاذ...وصلنا هاي نهاية الخط ..!؟" ضحكت بقهقهة طويلة وعالية ادهشت السائق الذي قابلها بانزعاج معتقدا بانني اضحك منه: - "شبيك...شبيك عمي ، انت تضحك عليه.....!؟" قلت بسرعة تلافيا للموقف: "لا.. والله..! انا اضحك على نفسي لان بيتي في منتصف الطريق وسهوت قليلا وفاتني ان انزل بالقرب منه..!!؟" ضحك السائق من الاعماق وقال : -" ابقى استاذ بالحافلة وسنعود مرة اخرى للكراج لكن هذه المرة انتبه للمنطقة التي ستنزل فيها ..! " وضحك ضحكة طويلة يبدو انها انسته همومه الشخصية وباب الحافلة المشطور الى نصفين...!!؟ ____________________________________________________
ملاحظة: مواخاة لواقعية ودقة الحدث جاءت بعض الكلمات باللهجة العراقية الشعبية: شوفوا : شاهدوا هـــــاي : هذه الخرابة : القديمة جدا شمالكم خاله : ماذا حدث لكم يا ابناء اخي الــزلـم : الرجال تكولون : تقولون اشو انه واكفه وانتم كاعدين: انني واقفة وانتم جالسون شنو ماكو غيرة ماكو حمية: اليس لديكم غيرة وحماية للنساء النسوان : النساء موش : ليس شــنــو: ماذا شبيك : ماذا حدث لك
#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وتبقى بعيدا جدا ، ولن تكن قريبا ابدا
-
زيارة ولي امر لكلية مزايا الجامعة......!!
-
وصار الاعلام ضيفا عزيزا في البيت العراقي......!!؟؟
-
هواجس اليأس
-
جمهورية افلاطون وجمهورية الشك والنهب...!!؟؟
-
حق ضائع تحت كراسي البرلمان.....!! ؟؟
-
عراقي انا...!!؟؟
-
الواقع.......!؟
-
هدف سياسي بناء.....!!؟
-
رحلة سومرية
-
رهان الخاسر
-
الشحرور ازرق العينين
-
كنا......و....صرنا....!!؟؟
-
اسنان الزمن
-
الطريق ........وخارطة الطريق...!!
-
مصائب قوم عند قوم فوائد
-
الزهرة الحمراء
-
المرأة جمال واصل الجمال امرأة
-
الحذاء البرلماني
-
منصة الفرهود
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|