أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح نيسان - رحلة الالوان المائية / قصة قصيرة














المزيد.....

رحلة الالوان المائية / قصة قصيرة


صباح نيسان

الحوار المتمدن-العدد: 4136 - 2013 / 6 / 27 - 03:50
المحور: الادب والفن
    


تنويه : النص مستوحى من زيارة الفنان الكبير خالد الرحال ، والخزاف العالمي ماهر السامرائي للفنان نايف السامرائي .


النص :

يمر طريق العودة من الشمال بمحاذاة نهر دجلة في اغلب الاحيان ، كانت تبتعد السيارة بهما عنه ، لكن رائحة الماء ظلت تسافر معهما رغم ذلك ، في هذا الطريق الاسفلتي الطويل الساخن بفعل حرارة شهر تموز ،والذي تتكون عليه برك من السراب في الاماكن المنخفضة ، فتبدوا وكأنها امتداد لجريان النهر المسافر الى بغداد ايضاً في رحلة يبدو انها لن تنهتي ، يمكن القول انهما يسافران معاً ، النهر .. والصديقان خالد وماهر ، توقف السائق خالد عن محاولة بلوغ سراب الطريق ، مع انه يعلم اكثر من غيره ان هذا لن يحدث ابداً في الحسابات الفنية للأبعاد والاشكال .
عندما بدأت الملوية تلوح بلونها الترابي في الافق ، وكأنها تخرج من باطن الارض ، كلما تقدمت السيارة في المسير ، فأقترح خالد على صديقه ان ينعطفا من فوق النهر ، ويذهبا لزيارة صديقهما القديم ،مادام يسكن على ضفة النهر من الجهة اليسرى ، مرت السيارة من فوق الجسر فودعها النهر مكملاً طريق رحلته الى شط العرب .
توقفت السيارة امام منزل قديم متهالك ، من الطراز العباسي ، حيث الاقواس لاتزال تغرز اقدامها في الارض ، والباب من الخشب المرصع بالنحاس ، لايزال يعبر عن زمن مضى - كوجه رجل عجوز - ضحك ماهر عندما نظر الى الجهة المقابلة للدار ، مشيراً الى المدرسة والى صف ( القيق )* المطل على الشارع من خلال شباكيه الصغيرين .
دخل ماهر اولاً فهو يعرف بيت ابن عمتهِ جيداً ، ثم تبعه خالد ، فتح باب الغرفة الاولى من جهة اليمين فوجدا نايف مستلقياً على اريكة قديمة مغطاة بسجادة منسوجة بصورة الراعي مع اغنامهِ ، وحوله تتناثر الفرش وعلب الالوان ، واواني الماء البلاستيكية ، وعدد كبير من الاطارات الخشبية ، وقطع مستطيلة من الاقمشة ، وملفوفة كاملة من القماش الاسود ، ولوحات متناثرة لأرقام السيارات ، وزجاجة من العرق* المحلي ، وقدح مقلوب على عنق الزجاجة وجدار كبير توقف امامه خالد وهو يشاهد اللوحة الكبيرة المنجزة من قبل نايف ، كانت تمثل كل شيئ ، فالاحرف المتكومة عليها والمتداخلة بالوانها تجعل من زجاجة العرق ضرورة ملحة ، على الجدار ، هذا الجدار الذي يسرق من كل لوحة يرسمها ضربة فرشاة ، او حرف عربي ، او أيماءة ، او لون مائي ، او عربية من حكايات الف ليلة وليلة .
ابتسم نايف ، عندما فتح عينيه فوجد زائريه الغير متوقعين ، ابتسم طويلاً ، وتحدث قليلاً ، ثم صمت طويلاً وابتسم قليلاً ، عند الوداع تبادلا شتائم الاصدقاء ، ثم انطلقت السيارة في رحلتها في محاذاة النهر والقصب واعشاب الطريق وروائحها الندية . عاد نايف الى غرفة نومهِ والى مرسمه ، وهو يفكر في اللوحة التي رسمها في المقهى يوم امس عندما استجاب بطريقة لاشعورية في احدى حالات سكره المتعددة الى سحر الفرشاة الكبيرة ودلو الاصباغ عندما رسم لوحة فلسفية عن البيضة والدجاجة والدجاجة والبيضة هذهِ الجدلية التي لن تنتهي مادام الانسان يبحث مرغماً عن سر وجودهِ .

( ايها الماء النابع من عيون دجلة ، لك لون يشبه لون روحي .. هناك في اللوفر ، في برلين ، في براغ ، في شوارع سوهو ، تحت الاعمدة الرخامية ، تحت سقوف القرميد ، وعلى مربعات الاسمنت ، حيث الازهار والنساء الجميلات النحيلات ، ايها الماء ما لك اليوم تغيب حتى عن يدي ؟ وتتكدر في عيوني ، تجف على فرشاتي قبل الاوان .. ايها النهرلاتنسى اننا ابناءك اليتامى ، ابنائك الصامتين في ليل الشتاء الطويل ) .

امام هذهِ المدرسة العتيقة ، اعتاد نايف الوقوف في الصباح ، لايسمع احياناً كثيرة اصوات الشارع ، واحياناً يسمع اصوات صراخ الطلاب ، ويسمع صمتهم المفروض بالقوة ، كان صف الكسالى المسمى ( صف القيق ) يبعث له برسائل غرائبية عن بساطة الانسان وبلادتهِ في زمن بلغ عمر الانسان فيه شيخوخات متتالية ، الصف الذي يعبر له عن سقوط السؤال ، وكارثة الانسان الطبيعية .

( تقاتلني نفسي ، تصحو في آواخر الليل ، تغني على جرحي وترقص على جسدي رقصة الوداعات الحزينة ، تبكيني لكنها نفسي ، فماذا اقول لها ؟؟ وماذا افعل ؟؟ نفسي ايتها العطشى ، مشيت معك نحو الغدير ، ليس امامي سوى بركة جف ماءها ، وذاكرة القطا تدور في المكان ، حتى الرسومات الجميلة محوتها بيدي مجبراً ، وروحي خنقتها بيدي .. نفسي ايتها الصابرة غصباً ، تباً لك اذ شهدتي بنفسك على نفسي .
.وصوت طيور الغاق تأخذ معها رائحة المكان ، وتأخذ معها صوت سكون البراري عند طلوع الشمس ، ايتها الطيور خذيني معك الى انوار حلمي ، خذي روحي اليه ، فأنا اعلم انه يلتحف الحزن ، ويحتفظ بصوته المجروح ، خذيني لآخر مرة .. زائراً لمبسم الحياة .... ) .

أشار خالد في المرات المتتالية التي مر بها بجانب النهر، في رحلة ذهابهِ المتكررة الى الشمال ، الى الملوية ، ولكنه لم يحدث نساءه اللواتي يجلسن بجانبهِ : ان صديقه قرر العيش عندها ، نائماً على حافة نهر ، وساقية من العرق المعتق .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صف القيق : هي تسمية عامية تطلق على احد الصفوف للمدرسة التي كان الفنان نايف السامرائي يسكن في الجهة المقابلة لها ، وهو صف ينقل اليه الطلبة الكسالى ويعزلون عن باقي الصفوف ، في حالة تربوية متخلفة .

العرق : هو الخمر المحلي في العراق .



#صباح_نيسان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بسام والقناص كريس / قصة قصيرة
- ديك سيادته الصباحي / قصة قصيرة
- مطر السياب لازال مستمراً
- حلازين ليلة الخوف
- النخلة جودي / قصة قصيرة
- مصابيح مظلمة / قصة قصيرة
- الصيف يأتي زائراً / قصة قصيرة
- الدراما العراقية : قراءة في مسلسل ( فاتنة بغداد )


المزيد.....




- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح نيسان - رحلة الالوان المائية / قصة قصيرة