ناهده محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4134 - 2013 / 6 / 25 - 11:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تساءل الكثير من الأصدقاء عن سبب كتابتي عن الشخصيات النسائية المتفردة والعراقية منها خاصة , قلت ومن يُنصف المرأة العراقية المبدعة أكثر من المرأة العراقية , فلقد ظلمها وأهملها الجهل السياسي والثقافي وحاول تحجيمها وتحسيسها بهامشيتها , لكني أرى ويرى الكثيرون من المثقفين العرب إن المرأة العراقية قد أعطت الكثير من الزخم العلمي والإبداعي , وقد أنتج العراق الكثير من المبدعين فهو من أنتج الجواهري وأنتج عبد الجبار عبد الله وأنتج علي الوردي وجواد سليم ونزيهة سليم وأنتج ايضاً زهاء حديد وغيرها من المبدعين والمبدعات .
حاولت بتسليط الضوء على شخصية الدكتورة ( رابحة الناشي ) أن أقف على محتويات هذه الشخصية المبدعة ولم يكن هدفي طبعاً سرد نقاط إبداعها بقدر تحديد نوع شخصيتها للوصول الى فحوى وميزات هذه الشخصية .
السيرة الذاتية
الأسم : رابحة مجيد الناشي , وإسمها في فرنسا : رابحة البيضاوي
مكان وتأريخ الولادة : الكوت – العراق – 1946
الجنسية : عراقية – فرنسية
الإختصاصات والدراسات
علم الإجتماع العام , علم الإجتماع اللغوي , بكلوريوس في علم الإجتماع – بغداد – كلية الآداب – 1969 , ماجستير في علم الإجتماع العام وطبيعة المجتمع العراقي تحت إشراف الدكتور ( علي الوردي ) والدراسة بعنوان ( الإتجاهات القيمية لطلبة جامعة بغداد – 1975 ) وهي أول دراسة ماجستير في قسم الإجتماع والذي أُفتتح عام 1971 .
دكتوراه في علم الإجتماع اللغوي باللغة الفرنسية وبدرجة شرف , وعنوان الأطروحة ( مكانة اللغة العربية في فرنسا وإرتباطها بتأريخ الهجرة والإستعمار ) باريس 2007 .
الأعمال والنشاطات التي قامت بها الدكتورة / رابحة الناشي
* عملت كمذيعة ومقدمة برامج في إذاعة صوت الجماهير بغداد 1973 –
1975
* باحثة علمية للمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية – بغداد 1975 – 1978 .
* قامت بالتدريس في الجامعات الجزائرية ثم في الجامعات الفرنسية .
* قامت بالتنشيط الثقافي في المدارس الفرنسية .
* المساهمة في تأسيس ( بيت الشِعر في مدينة بواتيه الفرنسية )
* ساهمت في توثيق العلاقة ما بين ( معهد العالم العربي ) في باريس والمراكز الإجتماعية والثقافية في مدينة ( بواتيه ) .
* العمل في منظمات المجتمع المدني الإجتماعية والثقافية للدفاع عن حقوق المهاجرين والفقراء وذوي الإعاقة .
الدراسات الإجتماعية
* ( مشكلة البغاء في العراق ) بالإشتراك مع الأستاذ ( كريم محمد حمزة عام ) 1976
* المساهمة بإنشاء مراكز إجتماعية في المراكز الشعبية مثل ( ناحية الجسر في بغداد ) على أثر بحث إجتماعي مسحي للتعرف على حاجة المنطقة المبحوثة الى خدمات مركز إجتماعي 1978 .
* بحث عن مشكلة الأمية في الجزائر 1982 .
* دراسة ميدانية عن إنطباعات سكان الحي الغربي لمدينة بواتيه الفرنسية حول المركز الثقافي الإجتماعي الخاص بهذا الحي باللغة الفرنسية 1990 .
* دراسة سيسيولوجية عن الأجانب في مدينة بواتيه باللغة الفرنسية بناء على طلب من بلدية المدينة لأجل معرفة عدد المهاجرين والأجانب وظروف حياتهم ومشاكلهم ومشاعرهم وطموحاتهم وحاجاتهم لغرض تحسين ظروف حياتهم وإدماجهم بالمجتمع الفرنسي , وهي أول دراسة من هذا النوع سنة 1993 , وقد كتبت الصحف الفرنسية المركزية عنها كثيراً .
* دراسة عن المنظمات التطوعية تحت إسم ( المنظمات التطوعية بوصلة للنظام الديمقراطي ) بالفرنسية 2003 .
* دراسة عن جمعية تطوعية فرنسية بإسم ( الأبراج تتكلم ) 2003 .
* دراسة بإسم ( الجمعيات التطوعية ثقّالة للنظام الديمقراطي ) 2003 .
* دراسة عن أهمية العمل التطوعي في المجتمع 2004 .
* مصير لغات الأقليات في المهجر 2005 .
* الكتابة على الجسد 2006 .
* ترجمت مختارات باللغة العربية والفرنسية .
1 – الشاعر الفرنسي جورج بونيه . 2 – الشاعرة أُوديل كراديك , 3 – الشاعر الأفريقي ميرنا بالاي . 4 – الشاعر بدر شاكر السياب . 5 – الشاعرة لميعة عباس عمارة . 6 – الشاعرة نازك الملائكة . تُرجم شعر هؤلاء الشعراء الى اللغة الفرنسية مع شعراء آخرين مثل : نزار قباني وأحمد مطر وعبد الوهاب البياتي
ومقالات عديدة في الصحف العربية والفرنسية .
النشاطات الإجتماعية والتطوعية
* العمل في ( معهد الأمل ) للصم والبكم كباحثة إجتماعية متطوعة 1970 .
* المساهمة في تأسيس نادي التعارف للطائفة المندائية في العراق 1972 .
* المساهمة في مكتب إستقبال وإدماج الأجانب في مدينة بواتيه الفرنسية .
* المساهمة بمنظمة الصليب الأحمر الفرنسية , والمساهمة في الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها , المساهمة في جمعية ثقافية لتطوير الحي الشمالي لمدينة بواتيه حيث يقطن عدد كبير من الأجانب .
لقد وجدت أن السيرة الذاتية للدكتورة ( رابحة الناشي ) طويلة لكني لم أشأ أن أختصرها للأمانة العلمية .
من هي هذه المبدعة
لقد عرفتها بجامعة بغداد في السبعينات وكنا نتقاسم حب الشعر والأدب والعلوم الإجتماعية ونتبارى في شراء الكتب الأدبية والنفسية والإجتماعية متبعين مبدأ ( إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) . لم أكن لأطلب صداقة هذه المرأة لولا أنها كانت دائماً ودودة وعفوية , ولم أشعر يوماً بأنها مختلفة عني في الدين أو المذهب , تتحدث بهدوء وإنسيابية وتحاول أن تقنع الآخرين بأفكارها مع إعطاء المساحة الكافية لهم للرفض أو الإقتناع , كنا نتجادل كثيراً لكن إختلاف الرأي لم يكن يُفسد للود قضية , وكنا نستمتع لمجادلة الطلاب المثقفين من الذكور وكنا نستمتع ايضاً بدحضهم , ولا أدري ربما كنا نريد أن نحقق أو نثبت للآخرين جدارتنا وقدرتنا على المنافسة الثقافية , ولكنني بعد أن نضجت أحسست بأن هذا لم يكن ضرورياً بل كنا نثبت لأنفسنا بأننا جزء من الشريحة المثقفة .
رغم إتجاه الدكتورة رابحة الإجتماعي إلا أنها أحبت الشعر والشعراء , ولا زلت أذكر كيف كنا ننتظر قصائد الجواهري في كلية الآداب بعد الساعة الثامنة مساءاً وكيف كنا نعود الى بيوتنا ونحن نعلم مسبقاً ما ينتظرنا من تعنيف ولوم من قِبل عوائلنا , وكان إتحاد الأدباء المكان المفضل للقاءاتنا , لم اسألها يوماً عن ديانتها ولم تسألني , كان الوطن بعمق يجمعنا بكل ما يحمله من إرث ثقافي وحضاري , حيث كان أبناء هذا الوطن يتنفسون هواء واحداً ويأكلون خبزاً واحداً ومصائبهم واحدة .
سافرت هذه المبدعة وتنقلت بأماكن عديدة وتنقلت ايضاً وإلتقينا مرات قليلة في مناطق سفرنا , كنت أشعر بمودتها وعمق تفكيرها وكثيراً ما وددت أن أكون مثلها يتسع عقلي لكل العلوم ويتسع قلبي للجميع , لا أُفرق على أساس الكم المادي ولا على أساس اللون أو العنصر حتى ولو كان فرداً من آخر الأرض , فهي تتحدث عن فقراء الجزائر أو فقراء فرنسا كما تتحدث عن فقراء العراق , ولقد إحترمت كثيراً سعيها لمساعدة المهاجرين العرب والأفارقة , ومما لم أستغرب له أنه حينما أغلق العراق أبوابه بوجه رابحة فتحت هي أبواب أخرى للدفاع عن حقوق الإنسان , وفتحت فرنسا ذراعيها لهذه المرأة ولم تكبل قدراتها , فنشطت في المنظمات الديمقراطية ومنظمات الدفاع عن حقوق المرأة , وعجبت حين إستمعت الى الدكتورة رابحة وهي تتحدث عن الظلم الإجتماعي حتى في بلد مثل فرنسا وخاصة بالنسبة للأجور للنساء العاملات وإرتكاب بعض الجرائم الذكورية على البعض من النساء .
حينما سألت الدكتورة رابحة عن سبب عدم عودتها للعراق قالت : الأبواب مغلقة بوجه المبدعين حتى لو أراد العراق فتح أبوابه أمام المبدعين فستبقى مغلقة لا لأنه لا يريد أبناءه بل لآنه لا يمتلك المقومات الأساسية لإحتوائهم وأول ما أقصده هو الإحساس بالأمان .
كانت الدكتورة رابحة متواضعة ولم تستثمر نبوغها الثقافي مادياً بل أذكر أنها بعد زواجها كانت تسكن في بيت صغير يتكون من غرفة واحدة وبعد أن هاجرت هاجر معها أفراد عائلتها وتوزعوا في بقاع الأرض .
لم يكن السبب الذي دفع الدكتورة رابحة الى الهجرة هو سبباً خاصاً أو ذاتياً بل كان سبباً إجتماعياً وعاماً يخص حركة المجتمع العراقي الى الوراء .
إنما أحترمه حقاً في هذه المبدعة هو أنها إستطاعت منفردة أن تخلق لنفسها مركزاً إجتماعياً وثقافيأ وأن تتأقلم وتفيد المجتمع الذي أحتواها لكنها لم تنس جذورها , ولم تنس ترددات شعر السياب على ضفاف البصرة , قالت لي : لقد أحب الفرنسيون كثيراً شعر السياب . وحينما سألتها عن العلاقات الإجتماعية في فرنسا قالت : لا يوجد هنا ( قيس وليلى ) كما في الشعر العربي , بل يهتم الناس بطريقة تفكير الآخرين وأُسلوب حياتهم , وكيف ينظر أحدهم في مشاكل الناس والمجتمع وكيف ينظر ايضاً لجمال الطبيعة وجمال المرأة وهي تختلف كثيراً عن وجهة نظرنا عن الجمال , فالجمال في الغالب برأيهم ضمني وليس شكلي .
إن ما قدمته الدكتورة رابحة من إبداع يرفع إسم العراق عالياً كما يرفع إسم المثقفين العراقيين والمبدعين .
قالت لي كان حلم والدي القروي أن أصبح ذات يوم دكتورة وأنفع بلدي , إلا أني لم أغادر مختارة , ولم أشأ أن أظلم نفسي أكثر وأتقوقع في داخل بلدي . قالت : لطالما أردت مساعدة العناصر الضعيفة والمحتاجة في بلدي وكانت لدي رغبة أكيدة في تغيير المرأة العراقية لذا وضعت دراسة عن أسباب البغاء بين النساء الفقيرات , حيث يهبط المستوى الإجتماعي والعلمي والمادي لديهن وحاولت أن أعمل متطوعة لمساعدة ( الصم والبكم ) وتغيير أوضاع الطفولة العراقية , وبما أننا تحدثنا عن أوضاع الطفولة قارنا أوضاع الأطفال في العراق وأوضاع الأطفال في فرنسا ونيوزيلاند وكان الفرق طبعاً شاسعاً ومؤلماً , ولا يفرحنا قطعاً أن أبناءنا قد تربوا في مجتمعات غريبة ونحاول جاهدين أن تبقى جذورهم حية وأن لا تموت .
كان سؤالي الأخير للدكتورة رابحة لماذا لا تعودين الى الوطن ليستفيد من خبراتك وكان جوابها واضحاً وصادقاً ومؤلماً , قالت : ( أنا خائفة ) ثم قالت : ألا ترين مايفعلونه بأحسن أطبائنا وأفضل أساتذتنا قلت نعم ولماذا برأيك , هل هي الرغبة بأن يعود العراق أدراجه الى القرون الوسطى , حيث آبار المياه ومدارس ( الكتاتيب ) قالت : إن الظلم الإجتماعي سيقدم الكثير من الألم والكثير من الخسارة , وقد يُفقد العراقي إرتباطه بوطنه وبيئته ولن يكون لديه خياراً , أما أن يحيا أو يموت , وها نحن في الخارج نرفع إسم العراق عالياً ولو تواجد الجو الديمقراطي الحقيقي والذي يعطي المجال لأن يقول العراقي ما يفكر فيه دون أن تنتظره ( كاتمات الصوت ) عند باب البيت أو باب الكنيسة أو الجامع , حينها سيعود الكثير من المبدعين .
تقول الدكتورة رابحة إني أحاول المزج بين الثقافة الفرنسية والعربية وهذا شيء رائع لأننا قد نتعلم الكثير من الأطر الديمقراطية الفرنسية , فالديمقراطية نبته لم يتعود مناخنا عليها, كذلك الأدب الغربي هو أدب راقي , لكن أدب السياب والبياتي ونازك الملائكة رائع ايضاً وإن من الجيد أن يعرف الغرب شعراءنا وأن يحبوهم .
آخر وأهم ما ذكرته لي الدكتورة رابحة عن سبل تعامل المجتمع الفرنسي مع المهاجرين وحتى المشاغبين منهم , فهو لا يعاقب بقدر ما يصلح وإذا أخطأ الفرد فلديهم ما يصلحه بعد معرفته لإحتياجاته ولقد وضعتُ عدة دراسات عن إحتياجات المهاجرين كما أُتابع إحتياجات المدينة التي أنا فيها ومتطلبات نموها , ولن يجادلني أحد هنا عن أصلي أو ديانتي . قلت لها : عزيزتي لقد قدمت الكثير من العطاء الثقافي ووضعت النقاط المضيئة في كل مكان تواجدت فيه , وكنتِ قدوة للمرأة العراقية المثقفة وأثبت دائماً بأنه لا صراع بين الحضارات بل هي تكمل بعضها بعضاً .
#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟