|
بعد مناقشات واسعة ومعمقة/ المانيا: حزب اليسار يقر برنامجه الانتخابي
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 4133 - 2013 / 6 / 24 - 23:25
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
مقدمة
عقد المؤتمر التأسيسي لحزب اليسار الالماني في 17 حزيران 2007 بعد اندماج حزب الاشتراكية الديمقراطية الذي خلف الحزب الاشتراكي الالماني الموحد، الذي حكم المانيا الديمقراطية حتى انهيار التجربة الاشتراكية 1989 ، والمبادرة من اجل العمل والعدالة، التي انشقت من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني في الغرب بعد تبني المستشار الالماني الاسبق كهيرد شرودر لسياسات الليبرالية الجديدة، واعتماده سياسة تطلق العنان للسوق، وتعمل على هدم المكتسبات الاجتماعية المتحققة. وفي اول انتخابات عامة بعد تأسيسه في عام 2009 ، حقق حزب اليسار افضل نتيجة انتخابيه بحصوله على 12 في المائة تقريبا ، يحققها حزب يقف على يسار الاشتراكين الديمقراطيين في المانيا (الغرب) وأصبح القوة الثالثة في البرلمان ألاتحادي تاركا حزب الخضر خلفه.
وتوالت نجاحات الحزب الانتخابية فدخل لأول مرة برلمانات اغلب المقطعات الغربية. وبدأ من 2011 أخذ الحزب يعاني من صعوبات ناجمة عن صراعات فكرية وتنظيمية بين التيارات والمنابر المكونة له، وتوزعت الخلافات حول البدائل الاستراتيجة، االخلاف بشأن تفاصيل تقييم التجربة الاشتراكية السابقة، والتباين في التقاليد الحزبية التي جاء منها التيارات التي توحدت في الحزب، وبقدر ما كان هكذا صراع ومناقشات حادة احيانا مفيدة على طريق استكمال عملية توحيد الحزب، الا انها انعكست سلبا على الشارع وجمهور الناخبين ، يضاف الى ذلك حملة التضخيم والتشهير التي شنتها وتشنها وسائل اعلام اليمين والقوى السياسية المنافسة، وقد ادى هذا كله، فضلا عن انشغال الحزب بنفسه، الى تعرض الحزب الى خسارات انتخابية على صعيد برلمانات المقطعات الغربية، اما في الشرق فان حزب اليسار يعد حزبا شعبيا وياتي في اغلب برلمانات هذه المقطعات في المرتبة الثانية.
وفي الثاني والثالث من حزيران عام 2012 عقد الحزب المرحلة الاولى من مؤتمره الثالث وعرف المؤتمر باسم مدينة غوتنغن التي انعقد فيها، ورغم ان المؤتمر، وصف بالمؤتمر العاصف، وبدأت وسائل الاعلام تتحدث عن امكانية انشطار الحزب الى حزبين واحد للشرق وآخر للغرب، الا ان الحزب استطاع الخروج بقيادة شابة، حيث انتخب كل من كاتيا كيبنغ و بيرند ريكسنغر لرئاسة الحزب، وخلال عام واحد استطاعت القيادة الجديدة ان تعيد الهدوء والاستقرار الى الحزب.
واستعدادا للانتخابات البرلمانية العامة، التي ستجري في المانيا في 22 ايلول المقبل،اطلق الحزب مناقشة داخل الحزب وخارجه لمشروع برنامجه الانتخابي،و عقد في الفترة 14 – 16 حزيران 2013 المرحلة الثانية من المؤتمر الثالث، تحت "شعار" 100 في المائة عدالة اجتماعيه" في مدينة درسدن، والمخصصة بالأساس لاقرار البرنامج الانتخابي، الذي سيخوض على اساسه الحزب الانتخابات المقبلة. وبعد نقاشات واسعة ومعمقة شارك فيها 550 مندوب يمثلون منظمات الحزب في شرق البلاد وغريها، اقر البرنامج بالاغلبية الساحقة، وتصويت 5 مندوبين فقط ضد الصيغة المقرة، كما اعلن عدد قليل من المندوبين تحفظهم على البرنامج.
اهم الاهداف التي احتواها البرنامج: - زيادة الاجور ، وتحديد حد ادنى للاجور لا يقل عن 10 يورو في الساعة - الغاء برنامج هدم المكتسبات الاجتماعية المعروف بـ "هارتس 4"، والغاء كل القيود على الضمان الاساسي ورفعه الى 500 يورو شهريا على الاقل - اقرار تقاعد تضامني لا يقل عن 1050 يورو شهريا، والغاء رفع السن التقاعد الى 67 عاما - مساواة الاجور والرواتب التقاعدية لسكان الشرق مع مثيلاتها في الغرب، والاعتراف الكامل للضمان والحقوق التقاعدية لسكان الشرق - الاثراء الخاص يجب ان لا يؤدي للافقار العام، لذا يجب فرض ضريبة مرتفعة على الثروات والدخول العالية - من اجل تامين صحي تضامني: الجميع يشترك، والجميع يتلقى عناية صحية متساوية، مع خفض الاشتراكات في شركات التأمين ، باستثناء ذوي الدخول المرتفعة - اسعار المساكن يجب ان تكون ممكنة التسديد، والتوسع في بناء المساكن الاجتماعية - منع تصدير السلاح، وسحب الجيش الاتحادي من مناطق التدخل الخارجي - من اجل قيام اوربا الاجتماعية الديمقراطية.
ملاحظات بشأن مجريات المؤتمر
جاءت نتائج المؤتمر لتفشل رهانات خصوم الحزب ومنافسية، على الصراعات الداخلية، التي اريد لها ان تؤدي الى صعوبات حقيقية، تضعف حملة الحزب الانتخابية.وناقش مندوبو المؤتمر بانضباط عالي التعديلات والمقترحات التي تجمعت خلال المناقشات العامة التي سبقت المؤتمر، وتلك التي استجدت اثناء الجلسات، وارسل المؤتمرون رسالة مفادها، ان الحزب سيعمل موحدا خلال الاشهر الثلاثة التي تسبق يوم الاقتراع، على اساس البرنامج المقر، والتوجهات الاساسية التي طرحتها قيادته.
في كلمة الافتتاح اوجز رئيس الحزب بيرند ريكسنغر المهام المقبلة: " نحن لا نخوض حملة انتخابية من اجل التحالفات، بل سندعوا لمواقنا خلال الحملة ألانتخابية. التي يتمثل جوهرها في: الثبات على مكافحة الفقر وفقر الاطفال، الصراع من اجل عمل افضل،الوقوف بجانب العاملينن والعاطلين عن العمل من اجل اجور جيدة، ورواتب تقاعدية مجزية، والاصرار على اعادة الثروة من الاعلى للاسفل ".
هناك توافق عام في المجتمع بشأن انفلات الرأسمالية المنظمة،والحزب يستند على هذا التوافق،الذي يصوغه رئيس الحزب بالشكل التالي: "لقد نجح حيوان الراسمالية المفترس في العقود الاخيرة في تحر ير نفسه من قيوده الاجتماعية. وتم الهجوم على ركائز النظام الاجتماعي، ان لم تكن قد تحطمت. ان الاجور هي اليوم اقل بكثير مما كانت عليه قبل 15 عاما. ولم تشهد سنوات ما بعد الحرب توزيعا غير عادل للثروة المجتمعية، كالذي نشهده اليوم، فلم يكن هناك فقر بهذا الحجم، ولا تركيز للثروة في ايدي قلة من الناس. ولمزيد من المصداقية من الضروري ان نشير الى ان تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر هو من اطلق عنان حيوان الرأسمالية المفترس في البرية." ولهذا على حزب اليسار ان يخاطب الناخبين من موقعه المستقل الواضح الذي يتلخص في"ان سياسة اليسار... هي سياسة يومية لتحسين الظروف المعيشية للناس، والمرتبطة برؤية اجتماعية، تضامنية، بيئية، وفي مجتمع ديمقراطي.
واكدت رئيسة الحزب المناوبة كاتيا كيبنغ قضية على استقلالية حملة الحزب الانتخابية عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر: "نحن في حزب اليسار نسنخوضها بشكل مختلف". واستشهدت بمقولة لـ هانس بكلر اول رئيس لاتحاد نقابات العمال بعد انهيار الفاشية، الذي قال: " يجب ان لا يساء استخدام الديمقراطية اخرى بالضد من العالم كله، ويجب ان لا نضع الديمقراطية الاقتصادية جانبا، هذا الاستنتاج لم يفقد اهميته، لهذا نؤكد على الديمقراطية الاقتصادية، فلا يجوز ان تتوقف الديمقراطية عند ابواب المصانع".
وبخصوص النقاش الدائر حول مستقبل اليورو اوضحت كيبنغ قبيل انعقاد المؤتمر: " ان حزب اليسار ليس مع الانسحاب من منطقة اليورو، ولا نريد العودة للمارك الالماني، ولانريد العودة الى مربع الدولة الوطنية. ان من يشكل خطر على اليورو هو سياسات التقشف، تقليص النفقات الاجماعية، وبرامج "الترويكا" وميركل وجماعتها، ولا يأتي الخطر على اليور من المناقشات داخل حزب اليسار. ونحن لا نقييم الدعوة القضائية في كارلسروة ضد اليورو، وانما من اجل اوربا العدالة الاجتماعية"، تشير كيبنغ الى الدعوة التي اقامها حزب اليسار ومنظمات اخرى ضد "برامج التقشف" امام المحكمة الدستورية ومقرها في مدينة كارلسروه، والتي تجري المرافعة فيها هذه الايام.
وقد تجاوب مندوبو المؤتمر مع هذه الدعوة، وصوتو ضد التعديلات التي كانت تدعو الحزب الى موقف آخر، وكان المندوبين يتمنون لو ان هذه المناقشات لم تبدا اصلا. وحتى اوسكار لوفانتين وزير المالية الالماني الاسبق، والقيادي البارز في الحزب، الذي سبق له قبل المؤتمر ان دعا في مقابلات صحفية الى العودة للنظام المالي الاوربي قبل اليورو، لم يسعى للمواجهة داخل المؤتمر، وبقيت المناقشات في سياقها الموضوعي، و سوف لا تفقد اهميتها بعد الانتخابات.
من جانبه قدم غريغور غيزي رئيس كتلة الحزب البرلمانية، والشخصية المؤثرة في الحزب، الشكر لقيادة الحزب الجديدة، واكد نجاحها في اعادة الاستقرار للحزب، والتوازن بينه وبين الكتلة البرلمانية. وبالنسبة لـ"غيزي"، تفتح فترة التطور الجديدة رؤية لتحالف حزبه مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، لان الظروف المجتمعية لا تسمح بشيء مفيد غير ذلك، ولكن ليس خلال الدورة التشريعية المقبلة، التي سيظل فيها حزب اليسار في المعارضة.
ولم يتناول مؤتمر البرنامج الانتخابي البديل الاجتماعي السياسي. ولكن لحزب اليسار رؤية لمجتمع ما بعد النظام ألرأسمالي وقد عبر عنها رئيس الحزب بالشكل التالي" ان اقل ما يقدمه مجتمع غني لاحترام الانسان هو: ان يكون الناس قادرين على تخطيط مستقبلهم. ونحن نريد تنظيم سوق العمل، وهذه مهمة مركزية للسياسة اليسارية.... ولا يمكن ان توجد ديمقراطية قائمة على السوق. والجميع يعلم ان الاسواق تحتوي على درجات مختلفة من المشاركة في السوق... ولم اكن اتصور كشخص شاب ابدا،سيتوجب على اليسار الدفاع عن منجزات الديمقراطية البرجوازية، لان الاخيرة لم تعد تدافع عنها. ان من يريد الديمقراطية حقا عليه ان يحد من سلطة الاقتصاد".
وفي الوقت الذي حدد المؤتمر بوضوح مهمات الحزب البرلمانية في المستقبل من اجل التعبئة المجمعية لغرض تحقيق الاهداف السياسية والإستراتيجية، اشار الى قيام الحزب في الفترة السابقة بمهامه البرلمانية على جميع الصعد: البرلمان الاتحادي،برلمانات الولايات، ومجالس المدن والبلديات. الا ان المؤتمر اعترف بوجود ظروف صعبة، وثغرات تنظمية ، خصوصا في الولايات الغربية لايمكن انكارها، لذا اكد المؤتمر على ضرورة تعزيز منظمات الحزب هناك، لكي تتحول الى منظمات قادرة على التعلم والاقناع.
ارتفعت نسبة الحزب في استطلاعات الراي الاخيرة لتصل الى 9 في المائة بينما كانت في العام السابق لا تتجاوز 5 في المائة، ولكن المتفائلين داخل الحزب يسعون الى الحفاظ على نتيجة الحزب في انتخابات عام 2009. واذا خيضت الحملة الانتخابية بنفس الجدية، والاستقلالية التي شهدتها قاعة المؤتمر، يمكن ان يكون ذلك نقطة انطلاق لبداية جديدة، يستطيع الحزب من خلالها التاكيد ثانية على انه"يفعلها بشكل مختلف".
ومن الجدير بالذكر ان المؤتمر اصدر عدة قرارات، ضمنها قرار للتضامن مع الحركة الاحتجاجية في تركيا، وآخر للتضامن مع المتضررين من الفيضانات التي اجتاحت عدد من الولايات الالمانية مؤخر، وقرارا للتضامن مع العاملين في التلفزيون اليوناني، الذي اغلقته حكومة اليمين في الاسبوع الفائت.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة احتجاجية في سبيل دولة مدنية ديمقراطية / تركيا: تفجر الغ
...
-
بعد سنوات من الركود يعود التهرب الضريبي إلى الواجهة / الاتحا
...
-
المشهد السياسي لليسار الايطالي .. المشاكل والآفاق
-
أصوات تطالب بالخروج من منطقة اليورو وأخرى تفضل البقاء عرض مو
...
-
امريكا اللاتينية ومواقف اليسار
-
-يجب ان نبدأ الثورة المدنية- / مؤتمر لقوى اليسار حول الصراع
...
-
امريكا اللاتينية بعد شافيز
-
في مقالة مهمة لزعيم كتلة اليسار اليوناني/ مقترحنا لحل الأزمة
...
-
تحالف اليسار يحصد ثلثي مقاعد البرلمان - بعد فوز مرشحه برئاسة
...
-
كلارا زتكن والأممية الشيوعية
-
الحزب الشيوعي الشيلي : الهدف هو الحاق الهزيمة بالمحافظين
-
على طريق دحر قوى الحرب والاستغلال والرجعية /أفغانستان: نحو ح
...
-
تضم الصياغات الأولى ل-رأس المال-/ طبعة جديدة لأعمال ماركس وا
...
-
في الذكرى ال65 لتأسيس عصبة الشيوعيين/شبح الشيوعية ما زال يجو
...
-
-ماذا يعني ان تكون اليوم يساريا ؟ -
-
قراءة الحزب الشيوعي الأمريكي/ الصراع الطبقي وانتخابات الرئاس
...
-
حزب آخر؟ نعم – حزب ثوري، علمي، وديمقراطي، وأكثر فعالية - ليو
...
-
الأزمة المالية والنتائج الانتخابية لليسار/ لماذا لا يحصد الي
...
-
الحزب الحاكم في اسبانيا هل في نيته القطع مع الفرانكوية؟
-
بعد شهر من الانقلاب البرلماني/ باراغواي: الرئيس الشرعي يتحدث
...
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|