سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 02:53
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يعزم الشعب المصرى القيام بتظاهرة ضخمة فى الثلاثين من يونيو الجارى طالباً عزل الرئيس مرسى وإعلان انتخابات رئاسية مبكرة , وأتصور أن هذه التظاهرة ستكون الأضخم فى تاريخ الشعب المصرى فحجم الرفض الشعبى للأخوان ورئيسهم زادت رقعته بشكل غير مسبوق مع نفاذ صبر المصريين على تحمل المزيد من التردي للأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية فى ظل حكم جماعة الأخوان.
هناك رؤى كثيرة تدور حول هذه التظاهرة التى ينتظرها المصريون الكثير منها إيجابى ولكن يلفها الغموض والضبابية وغياب الرؤية المستقبلية والقلق المتزايد من إندلاع أعمال عنف شديدة هدد بها صقور التيار الإسلامى لتنعطف البلاد نحو المزيد من التدهور .
الإيجابية الأولى أن الحشد الهائل المتوقع فى 30 يونيو سيقوم على يد حركة شبابية مغمورة تُدعى "تمرد" لم تكمل الشهرين على ظهورها لتضم شباب من الذين قاموا بفعاليات 25 يناير لتتصدر المشهد وتخلو فى الوقت نفسه من كوادر وقيادات سياسية تقليدية فنحن أمام مجموعة من الشباب الثوري المغمور تعلم النضال والوعى من الشارع ليؤهله هذا أن يكون عبقرياً في إحساسه وإنتاج شعاراته , مدركاً شفرة المجتمع المصرى ونبضه , قارئا ما يفكر فيه ويأمله لينطلق بحملة سلمية على مدار أقل من شهرين بجمع توقيعات المصريين على ورقة تطرح الثقة فى الرئيس مرسى وتطالب بإنتخابات رئاسية مبكرة , ليستطيع هؤلاء الشباب جمع ما يفوق 15 مليون توقيع فى فترة لا تتعدى خمسين يوما وبإمكانيات بسيطة وبدون تنظيرات سياسية وهو ما عجزت عنه القوى السياسية التقليدية المعارضة عن تقديم مثل هكذا فعل وفاعلية ليعطى هذا دلالات كثيرة عن قدرة هذا الشعب على إفراز قوى مقاومته واحتضانها بعيداً عن القوى السياسية التقليدية التى تمارس معارضتها في برامج التوك شو .
يسجل الشعب المصري بهذه التظاهرة المتوقع لها أن تكون الأعظم والأكبر فى تاريخه أنه شعب بداخله وعىّ يمكن أن يغيب لتظن أنه شعب بائس خانع ولكن جيناته قادرة على النهوض سريعاً ليعطى دروس فى الإدراك الواعى لتكون حركته ثرية تحمل إرثه الحضارى القادر على فرز الأمور وحسمها بسرعة فى لحظة زمنية مفارقة ,,فأكثر السياسيين تفاؤلاً لم يتوقع هذا الحراك الجارف ونُذر انحسار الإسلام السياسى بهذه السرعة وأرى هذا خطوة عملاقة فى مسيرة الشعب المصري الحضارية فمع 30 يونيو سنشهد محاولة ثانية لتلمس الطريق وبدايات قوية وحقيقية لإنحسار الإسلام السياسي بما يمثله كقوى يمينية رجعية تتلحف بالدين .
لا يتصور أى عاقل أن ينهار الإسلام السياسى فى ذلك اليوم أو الأيام التى تليه ولكن نحن مُقدمون على حالة من الفرز والإستقطاب الشديد وفقدان سريع للثقة تجاه الإسلاميين لن يستطيعوا تعويض خسائرهم لتحمل الأيام التى تلي الثلاثين من يونيو المزيد من زيادة الهوة بين الشعب والإسلام السياسى ونمو مطرد لرفض فكرة حكم الإسلاميين وهو الأمر الذى لم يتوقعه أكثر المحللين تفاؤلاً ,, فكيف ينهار هذا الكيان السياسى الأكثر تنظيماً وضجيجاً والذى صعد لمنصة الحكم بسرعة بدون صراع ضارى .
نحن أمام حالة من الإنهيار والتداعى لما يُعرف بالمشروع الإسلامى سيتضاءل على أثرها وجوده فى السنين القادمة وهذا يُحسب للوعى الباطنى لقطاعات عريضة من الشعب المصري الذى فطن لهؤلاء المفلسين الذين مارسوا الخداع والمتاجرة بالدين فلم يعد العزف على هذا الوتر مجدياً مع المصريين .
لا يجب أن نغفل أن أداء الإسلاميين أنفسهم سبب مهم لحالة النفور السريع منهم ,فهم عاجزون ومفلسون عن تقديم مشروع نظامى ولا يمتلكون بالفعل شيئا لتقديمه لذا عندما أصبحوا فى سدة الحكم إعتنوا بنهج ساذج عتيق يعتمد السيطرة على مفاصل الدولة حتى لو إضطروا لتحطيم مؤسسات الدولة المدنية متوهمين أن هكذا أسلوب سيجعلهم يتمكنون ويحكمون ويهيمنون لذا لم يسعفهم الخطاب العاطفى التهييجى الذى كانوا يرددونه فى الماضى أمام جماهير أضحت تنتظر فعل وعمل يحقق أمانيها .
لابد من فهم طبيعة الشعب المصرى حتى لا نضعه فى هالات من العظمة ,فهو شعب بسيط يأمل العيش بكرامة , والكرامة هنا ليست حرية إبداء الرأي فقط بل يسبقها عدالة إجتماعية توفر له حاجاته الإنسانية بسلام لذا كان إنحياز المصريين للإسلاميين فى البدايات من هذا المنطلق الواهم أنهم سيقيمون عدالة إجتماعية لذا منحوهم أصواتهم فى مجلس الشعب وغلبوا مرسى على شفيق ويرجع هذا أنهم الوحيدون فى الساحة أصحاب الخطاب الأعلى صوتاً فى ظل ضعف القوى السياسة الأخرى ليأمل المصريون من هؤلاء المتدينين الذين يعرفون الله أن يغمروا البلد باللبن والعسل ,, تعاطف المصريين مع قوى الإسلام السياسى لم يأتى من تدين هذا الشعب بل لفراغ الساحة السياسية عن إفراز بديل يقدم مشروع قوى حاضر لذا توسم المصريين أن يأتي هؤلاء الإسلاميين الأكثر حضوراً وصخبا ً بالخير والعدالة الإجتماعية .
يجدر الإشارة أن الإسلام السياسى بزعامة الإخوان والسلفيين ليس مكتسحاً الساحة المصرية مهيمناً بخطابه على الشعب المصرى حتى نضع الأمور فى حجمها الطبيعي , فالرئيس مرسى نجح فى إنتخابات الرئاسة بفارق 1% عن منافسه محمد شفيق الذى يُوصف بأنه فلول وهذا ما يتجاوزه المحللون فى الإشارة إلي أن نصف المصريين منحوا أصواتهم لما يُصنف أنه من الثورة المضادة والفلول , كما يجب الإنتباه أن الكثير من الأصوات التى ذهبت لمرسى كانت نكاية ورفضاً لشفيق من كافة القوى الثورية والشعبية وليس قناعة بالإخوان كرواد المرحلة المقبلة.
إستطاع الأخوان والقوى الإسلامية حشد مليونية هائلة فى 21 من يونيو الجارى تحت شعار " لا للعنف " والغريب والطريف أن من إعتلى منصة الخطابة قذف بكميات هائلة من العنف والتهديد العلنى لمتظاهري 30 يونيو فالهدف الحقيقى لهذا الحشد بث الرعب والقلق فى نفوس الشعب المصرى العازم على الحضور بكثافة فى فعاليات 30 يونيو , كما يقدم رسالة إننا نمتلك حشد وجماهير ولكنهم نسوا أن تظاهرات 30 يونيو ستعم كافة ميادين ومدن مصر كلها وليس ميدان رابعة العدوية الذى تم حشد جماهيره من محافظات مصر .
إذا كنا أشدنا بوعى الشعب المصرى الذى إكتشف زيف الإخوان وإفلاسهم فلا يعنى هذا أننا أمام شعب ناضج ذو وعى متقدم دوماً فالأمور مازال فيها شئ من العصبية والقبلية ولا تتم بموازين عقلية واضحة المعايير وهذا ما نتلمسه فى هذه الحدة والإنفعال لدى الرافضين و المؤيدين لحكم الأخوان وأتباعه , فإذا كان الرافضون لحكم الإخوان لديهم ما يقدمونه عن تردى الأحوال المعيشية والأمنية وتعدى الرئيس على الدستور والقضاء فما الداعي لنسف الشرعية ليحضر قولهم أن مصر مازالت فى الفعل الثوري ولن ننتظر حتى تغرق المركب بمن عليها .. أما المؤيدون فتجدهم لا يتحركون سوى للدفاع عن القبيلة الإسلامية والدخول فى معارك وهمية تصارع طواحين الهواء عن الإسلام المُستهدف من قبل الليبراليين والعلمانيين أى حالة من التشنج تدافع عن الشعار والقبيلة من الأعداء بدون أي فكر موضوعي ولا توقف بالسؤال عن ماذا قدم هؤلاء الذين يناصرونهم وماذا يُحتمل أن يقدموا لنجد من يُدافع ويصرخ متحمساً متشنجاً عاجزاً عن تقديم إنجاز واحد للإخوان أو تبرير مظاهر التداعي الحادث فى الوطن سوى ترديد شعارات خائبة عفا عليها الزمن عن الحرب على الإسلام ومؤامرات الإعلام والقضاء والفلول وكأنهم يمسكون يد الأخوان عن تقديم مُنجز واحد أو الحفاظ على نفس المستوى المعيشي للشعب كما كان قبل الثورة .
لم يأتى الرفض الشعبى للأخوان والتيارات الإسلامية المزمع إنطلاقها بقوة فى ال30 من يونيه من منطلق أن الأداء السياسي لمؤسسة الرئاسة بائس ومُخزى كالمعالجة المتخاذلة والمهينة بل المتورطة فى أمن سيناء والتفاوض مع جماعات إرهابية وغض النظر عن فعلها وحركتها ولا يأتى أيضا من المشهد الهزلى لمؤسسة الرئاسة من قضية سد النهضة الأثيوبى ولا من المواقف والقرارت المهتزة المترددة التى تمارسها مؤسسة الرئاسة بل تكون العدالة الإجتماعية وتداعى حياة المواطنين هى القضية الرئيسية الجوهرية الدافعة للثورة على الرئيس مرسى لذا أتصور أن الحراك القادم الذي سيستهل فصله الأول بالثلاثين من يونيو هو الدافع نحو ثورة الجياع التى تختبئ وراء شعار القضاء على حكم الأخوان
لابد أن يفطن المحللون لسيكولوجية وإحتياجات الشعب المصرى فهذا الشعب إنحاز وأحب جمال عبد الناصر ووضعه فوق الأعناق بالرغم أنه لم يقدم لهم نظام ديمقراطى لكنهم أدركوا أن هذا الرجل منحاز للطبقة المتوسطة والعمال والفلاحين مقدماً كل يوم خطوة فى تدعيم وجودهم وكرامتهم الإنسانية لذا لو إبتعد حراك 30 يونيو عن هذه الرؤية الجوهرية الأصيلة فلن نجنى إلا حالات مد وجزر وعنف يمكن إستقطابه بتقديم بعض التنازلات أو نجد أنفسنا أمام مشهد هبوط المؤسسة العسكرية على المشهد السياسى تحت ذريعة الحفاظ على ما تبقى من وطن ليبقى الوضع الطبقى المُجحف كما هو وتظل العدالة الإجتماعية غائبة.
للأسف نجد ان القوى الفاعلة لحراك 30 يونيو لم تقدم رؤية واضحة وبرنامج محدد لما بعد إنتفاضتها والإجابة عن سؤال ماذا بعد 30 يونيو لنخشى أن تتكرر المشاهد لنسير فى نفس مسار حراك 25 يناير حيث قدرة رائعة على الرفض والغضب تُسقط نظام يُراد له أن يُسقط ليرحل الشباب الثوري بعدها إلى منازلهم تاركين الكعكة للقوى الجاهزة لإلتهامها .
هناك درس لا تعيه القوى الثورية أن نضال الشعب المصرى فى 25 يناير وما تلاها والذى سيتكلل بحراك 30 يونيو القادم هو بحث عن عدالة إجتماعية وتنظيم طبقى للمجتمع لا تُسحق فيه الشرائح الطبقية العريضة لتكون الشعارات المرفوعة عن الديمقراطية والدستور والبرلمان والصورة المهتزة لمؤسسة الرئاسة ما هى إلا شعارات تخفى اللب الجوهري لحراك المصريين .
الوعى الغائب عن القوى الثورية أن نظام الإخوان والتيارات الإسلامية ماهو إلا إستنساخ من نظام الحزب الوطنى بلا أى تغيير سوى فى الديكور فهؤلاء بلحية والآخرون بدون لحية لتظل التركيبة الطبقية وعلاقات الإنتاج الريعية وسيادة الرأسمالية الطفيلية كما هى وهذا هو المغزى الحقيقى لتكالب وصراع القوى السياسية وتبنيها إحتضان طبقة محددة يكون لها الهيمنة والسيطرة لتناضل من أجل إرساء قواعدها وتهمييش أى قوى طبقية مناهضة .. هذا هو المشهد الحقيقى الغائب عن آلية الصراع الدائر الآن فى الشارع وإن كان وحيه وإلهامه غير غائب ينتظر من يحفر بقوة حروفه ويبرزها لتكون محسوسة ملموسة .
أرى أن الشعب المصري سيتعلم ويتلمس طريقه من الشارع فهكذا هو قدره فى ظل غياب قوى سياسية ناضجة ترسم ملامح الطريق لذا يكون حراك المصريين إبتداءاً من 30 يونيو بطليعته الثورية الشبابية الطاهرة السبيل لرسم ملامح الطريق فمن الشارع والدم سيتعلم المصريين طريق النضال فحراك 30 يونيو وما يليه لن يجلب حالة من الإستقرار السياسى والإجتماعى لذا من الخطأ تصور أن كل الآمال المرجوة هى إسقاط نظام مرسى هذا إذا تصورنا أن الإسلاميين سيسلمون بسهولة بذلك , ولكن حتى لو تحقق الأمل بخلع حكم مرسى والإخوان فإننا لم نفعل شيئا سوى أننا كررنا مشهد 25 يناير عندما خلع الشعب مبارك وإنصرف بعدها مهللاً ليجد نفسه أمام نسخة مستنسخة أشد بشاعة تقفز علي صدره .. لذا يلزم أن يكون الميدان متيقظاً مبدعاً دوماً خطواته التالية الضامنة أن تحقق أمانيه .
30 يونيو القادم خطوة مهمة للشعب المصرى ولكن يجب الإعتناء بشدة لما بعد 30 يونيو حتى لا يتحول هذا الحراك الرائع لطق حنك وإرهاصات شعب مازال يبحث عن بوصلته .
دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟