ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 20:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحق في تقرير المصير – مصطلح في القانون الدولي والذي يعني: حق الشعب ان يقرر- وبشكل حر وبدون تدخل خارجي من أي دولة اخرى - اقامة دولة على مساحة معينة وتحديد نظام حكمها. ويعتبر حق تقرير المصير للشعوب من المبادئ الأساسية في القانون الدولي بإعتباره حقاً مضمونا لكل الشعوب على أساس المساواة بين الناس ، لذلك كانت هناك صلة قوية ومباشرة بين مفهوم حق تقرير المصير بكل أشكاله ، وبين مفهوم حقوق الإنسان كفرد أو جماعة عرقية أو ثقافية من جهة ، والديمقراطية في صيغتها القديمة والحديثة من جهة أخرى . وتتضح أهمية هذا الحق كونه يشكل الإطار العام الذي تندرج ضمنه الحقوق الأخرى ، فكيف يمكن المطالبة بحقوق الإنسان الخاصة في إطار شعب فاقد لحقه في تقرير مصيره ، أن حق الشعوب في تقرير مصيرها طرح في إطار المنتظم الدولي بداية القرن العشرين حيث ورد في مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون نهاية الحرب العالمية الأولى وكانت مبررات طرحه البحث عن وسيلة للتعامل مع الأمم التي كانت خاضعة للإمبراطوريات المتواجدة آنذاك وخصوصا الإمبراطورية العثمانية ،ثم تبنته الأمم المتحدة في ميثاقها ووردت الإشارة إليه بصيغة عامة ، وتم الربط ما بين حق تقرير المصير وتصفية الاستعمار وصدر بهذا الشأن قرارات متعددة منها قرارات ،ولم يكن هناك إشكال في الاستناد لهذا الحق لتمارس الشعوب الخاضعة للاستعمار النضال بكافة أشكاله لنيل استقلالها وخصوصا أن العلاقة الاستعمارية بين الدول الأسيوية والإفريقية الخاضعة للاستعمار والدول المستعمُرة كانت جلية ،فالدول الخاضعة للاستعمار كان لها مِن التمايز العرقي أو الديني ومِن التاريخ الخاص بها ما يعطيها الحق بان تقرر مصيرها بنفسها، ،بمعنى أن تقرير المصير يعني حرية اختيار الشعب /الأمة لأسلوب حياته وكيفية تجسيده ،وهذا المعنى هو الذي تأكد في سنة 1966 حيث صدرت عدة برتوكولات حول الحقوق السياسية الاجتماعية والاقتصادية وفيها تم توسيع مفهوم حق تقرير المصير ليصبح حق الشعوب بتقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون ربط الموضوع بالاستعمار.
وقد جاء تأكيد ميثاق الأمم المتحدة على هذا الحق في المادة 55 بإعلانها ( رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريتين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم -مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب بان يكون لكل منها حق تقرير مصيرها. ووجد مبدأ تقرير المصير في أوروبا دعما كبيرا ضد طغيان الملوك والطبقات الحاكمة ورجال الدين ، فالثورة الفرنسية والأمريكية أطلقت هذا المبدأ من أجل الأفراد والشعوب والأمم التي من حقها أن تتمتع بالحرية ، وأن تقاوم الاضطهاد أياً كان ، وأن تحدد أوضاعها الداخلية والدولية ، فوجدت فكرة الاقتراع العام أو ما أصبح يعرف بديمقراطية الحكم ، وإنبثاق مفهوم جديد لمبدأ تقرير المصير . ويُمارس حق تقرير المصير عن طريق الديمقراطية والوسائل الودية التي أهمها الاقتراع ، لكن إذا رفضت القوى المهيمنة على السلطة داخل الوحدة السياسية الواحدة اعطاء الشعوب الحق في تقرير مصيرها ، فان لهذه الشعوب أن تمارس الكفاح المسلح الذي هو تقرير المصير عن طريق الوسائل الثورية ، لنيل حقوقها ، ولا يعتبر هذا النوع من الكفاح إرهابا وتفتيتا للوحدة الوطنية. يمكن اعتبار إعلان الاستقلال الأمريكي (4/7/1776) أول وثيقة تنص صراحة على حق المقاومة. وينطلق الإعلان في إقراره لحق المقاومة من مبدأ اعتبار السلطة العادلة تلك التي تنشأ من اتفاق المحكومين. وأن الاعتداء على هذا العقد الاجتماعي من قبل المستعمرين يعطي الحق للناس في قطع أي التزام لهم مع السلطة الاستبدادية كحق وواجب. ويؤكد النص على أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية (الإنجليزية يومئذ) في المستعمرات الثلاثة عشر الأمريكية. وقد أصبح هذا النص المبكر مرجعا للعديد من حركات التحرير الوطني في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد أقر "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" (1789م) أربعة حقوق طبيعية للإنسان لا يجوز المساس بها: حق الملكية، حق الحرية، الحق في الأمن، الحق في مقاومة الظلم والاستبداد. مؤصلا لهذا الحق في الاتجاهات المدافعة عن هذه الحقوق بشكل مبكر. وقد اعتبرت المادة 33 من النص الثاني لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 1793 أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى. أما "إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي" الذي أقرته أمة جنيف في 9/6/1793 فقد أقر في المادة العاشرة حقوقا ستة هي المساواة والحرية والأمن والملكية والضمان الاجتماعي ومقاومة الظلم. واعتبرت المادة 44 أن لكل مواطن الحق في مقاومة الظلم ويحدد شكل المقاومة في الدستور.
مبدأ تقرير المصير من المبادئ التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة ونصّ عليها كذلك العقد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م، لكن هذا المبدأ الهدف منه كان تحرر الشعوب من المستعمر، بمعنى أنه قُصد منه تحرر الشعوب الأفريقية والآسيوية وشعوب أمريكا اللاتينية من الاستعمار الأوروبي.
بعد هذا المسار الطويل الذي بلغة حقّ تقرير المصير , سياسياً وقانونياً , ارتقى هذا الحقّ إلى مستوى " القاعدة الآمرة في القانون الدولي قواعد آمرة وقواعد مكمّلة أو مفسرة , شأنها شأن قواعد القانون الدولي عند مختلف الدول . وأهمية القاعدة الآمرة تتخلص في كونها ملزمة للدول . بل يجدر بهذه الدول إبطال أيّ معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة الآمرة , وذلك تبعاً لأحكام القانون الدولي . هذا ويشار إلى أنّ بعض فقهاء القانون الدولي لا يسلّمون بوجود قواعد دولية آمرة , وذلك انطلاقاً من نظريتهم إلى مصادر القاعدة القانونية القائمة على الاتفاق بين الدول وحسب .
من أبرز الأمثلة للقواعد الآمرة , التي يجب التقيد بمضمونها , ولا يجوز الاتفاق على خلافها , القواعد التي تحظّر الاتّجار بالرقيق , ومبدأ حرية أعالي البحار , والقواعد التي تحظر إبادة الأجناس , والقواعد التي تحظر القيام بالقرصنة , والقواعد التي تمنع الالتجاء إلى الحرب في غير حالة الدفاع الشرعي ... وقد تحوّل حق تقرير المصير قاعدة آمرة بعد هذا التراكم اللافت للمعاهدات والاتفاقات والوثائق الدولية المؤيدة لتطبيق هذا الحق في مضمار العلاقات الدولية , من ميثاق الأمم المتحدة إلى قرارات الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية ومجلس الأمن , إلى مواثيق وقرارات المنظمات الدولية و الإقليمية , إلى المؤتمرات الدولية المتعلقة باهتمامات القانون الدولي العام ....
ومع عودة الاعتبار والأهمية لمشكلات الحدود السياسية , والأقليات القومية , وحركات التحرر الوطني في نهاية القرن العشرين , يتركز الجهد الدولي على بلورة حق تقرير المصير , وتكريسه قاعدة قانونية آمرة , بالتزامن مع صعود حقوق الإنسان في العلاقات الدولية . ويصعب الفصل بين حق تقرير المصير وحقوق الإنسان من الناحية الموضعية , ذلك أن مطلبي التحرر و الاستقلال هما من جوهر حقوق الإنسان المدنية والاقتصادية والسياسية. احد اسباب المطالبة بهذا الحق هو تطور الوعي القومي ونشوء الحركات القومية في اوروبا في القرن التاسع عشر. تطورت الحركات القومية في اوروبا على خلفية التغييرات الاجتماعية السياسية والفكرية مثل حركة التنوير وحركة الرومانسية وتطور حركات اجتماعية.
تم الاعتراف بالحق في تقرير المصير في نهاية الحرب العالمية الاولى من قبل " عصبة الامم" استنادا لوثيقة رئيس الولايات المتحدة ويلسون " مبادئ ويلسون الأربعة عشر. "
وأمام تمادي الدول في اضطهاد الأقليات العرقية في بلدانها وفي تطور جديد لصالح المجتمع المدني وحقوق الإنسان، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من كانون الأول 1992 على مشروع إعلان حماية حقوق أبناء الأقليات القومية أو العرقية الدينية أو اللغوية، وقد أتت هذه الموافقة بعد صدور قرار كل من لجنة حقوق الإنسان في 21/2/1992، وقرار المجلس الاقتصادي – الاجتماعي في 20/7/1992 باقرار مشروع اعلان حماية حقوق الأقليات وتقديمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة مصحوبا بالتزكية للتصديق عليه، وجاء في الاعلان:
(إن الدول يجب أن تضمن وجود الهوية الوطنية والثنية والثقافية والدينية واللغوية للأقليات داخل أراضيها، وأن تشجع على قيام الظروف لتشجيع هذه الهوية).
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟