|
طفولة محمد
العفيف الأخضر
الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 19 - 23:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ قراءة للقرآن بما هو وثيقة طبية واعترافات محمدية العفيف الأخضر
الفصل الأول
طفولة محمد
"لا سبيل لفهم شخص من دون معرفة طفولته" فرناند دُلينيى، عالج وعاش مع الأطفال الفصاميين.
*********
لا نكاد نجد في السيرة عن طفولة محمد، منذ زواج عبد الله بآمنة إلى عودته من مرضعته الأخيرة حليمة السعدية، إلا ميتاتاريخ، أي ـ كما يتطلب ذلك منطق النرجسية الدينية الجمعية ـ محاولة للإرتفاع به، من شرطه التاريخي، إلى مرتبة المثال البعيد المنال، إلى مرتبة" الإنسان الكامل"، الذي رصدته الأقدار ليكون نبي هذه الأمة، التي كرمها الله به لتكون آخر وخير أمة أخرجت للناس.
ماكسيم رودنسون محق، عندما يؤكد في كتابه عن محمد: "لو جمعنا كل ما هو تاريخ عن محمد لما تجاوز صفحة ونصف من كتاب." أما الباقي فأساطير!، الميتاتاريخ هي الحفرة السوداء في السيرة. لكن لا ينبغي للباحث أن يلقي أمام المصاعب السلاح.
كما يحاول الأركيولوج، بمسعى حدسي، إعادة بناء إناء إنطلاقاً من شقفة، كذلك سنحاول نحن، بفضل حدوس وفرضيات والحقائق السيكلوجية، محاولة إعادة اكتشاف العوامل، التي أثرت في نفسية الطفل محمد، انطلاقاً من شقفة هنا وشقفة هناك،أي من الوقائع القليلة التي تركتها لنا السيرة. هذه الوقائع، التي غدا بإمكاننا اليوم، بفضل تقدم المعارف النفسية،أن نميز بها قليلاً أو كثيراً التاريخ من الميتاتاريخ،والمسكوت عنه خلف المتحدث فيه. من الصعب فهم الشخصية النفسية لفرد، من دون معرفة العوامل التي ساهمت في صياغتها، خلال طفولته ومراهقته.والحال أن السيرة لا تذكر تقريباً شيئاً عن هاتين الفترتين، سوى المعجزات والخوارق التخييلية طبعاً.
"التطور النفسي للرضيع، المنُتزع بالولادة من النعيم النرجسي لحياته في الرحم،سيكون تحت رحمة نظرة أمه له.هذه النظرة هي أول تأكيد نرجسي، يتطلبه الطفل المحتاج إلى تأكيد نرجسي كامل،أي إلى حب غير مشروط ،حصري ولائق به، من الأم.(...)المرأة،التي يستطيع الطفل بواسطتها معرفة سلامته النرجسية، هي قبل كل شيء الوالدة، التي تؤكد نرجسية طفلها بحبها له. افتقاد الطفل، منذ الطفولة الباكرة، للتأكيد النرجسي يسبب له جرحاً نرجسياً، أي خصاء فعلياً وإذلالاً ما بعده إذلال، يعيده إلى حالة من العجز، سيكون تكرارها مؤذياً له. غياب التأكيد النرجسي، ستكون عاقبته أن الطفل لن يعود قادراً على قبول الترضيات النرجسية، ولا على السعي وراءها على نحو سديد وناجع" (رونيه دُنيس، النرجسية ص 90 دار نشر بوف).
العلاقة الباسمة مع وجه الأبوين، خاصة الأم، منذ الطفولة الباكره تقدم للطفل الحب والحنان والأمن. هذا الحب هو الذي سيساعده على تحقيق "الوثبة"، أي الإفلات من كماشة المحن، التي قد يقع فيها في مجرى حياته، بلا عقد أو جروح؛وتقيه من السقوط في الغيرة النرجسية،والثأر النرجسي، والسُعار النرجسي،والهذيان النرجسي،كمحاولات دفاعية لترميم ثقته الكسيرة بنفسه،التي هي مثل الزجاج كسرها لا يُجبر.
"الطفل في حاجة إلى عيني الأم"، كما يقول النفساني كوهوط. غياب هذا الحب، يترتب عنه، كما يقول أيضاً، ظهور ميلين متعارضين؛ أحدهما ينفي الآخر:مثلاً شعور بالعظمة الصبيانية،جنون العظمة المفصوم من شخصية نفسية مصابة في الصميم، بضعف تقدير الذات،وبالميل إلى الشعور بالعار والإكتئاب.
ماذا عسى أن تكون علاقة عيني آمنة بالطفل محمد؟ حتى نستطيع تخمين ذلك،لنتساءل أولاً عن الحالة النفسية لآمنة عندما حملت بمحمد:"حملته أمه وهناً على وهن"(14 لقمان)وهي تنتقل من ضعف إلى ضعف؛قد تكون هذه الآية صدى لذكرى بعيدة، للصورة، التي ترسبت في ذاكرة أو لا شعور الطفل محمد،من قصص أمه له عن متاعب شهور حمله، أو قصص الأسرة بعد موتها على مسمعه. "مِلستر، كتبت بأن هؤلاء الأطفال الأوطيست(1)يولدون عموماً في فترة يكون فيها الأبوان منفصلين، أو غير متفقين،وهي مواقف تتجلى غالباً بإنهيار عصبي يصيب الأم".(2)لا شك أن آمنة المراهقة،دون العشرين على الأرجح،كانت عندما مات زوجها،عبد الله،بعد أقل من عام من زواجهما في حالة انهيار عصبي.لا شك أيضاً انها كانت في حداد دائم على الزوج الفقيد، ومستقبلها كزوجة، الذي ضاع منها،في سن تكون فيها الرغبة الجنسية أقوى ما تكون،وعلى جنينها الذي سيعيش يتيماً في عائلة فقيرة.وأكثر من ذلك فقد تكون تشاءمت منه؛في القبائل العربية قديماً وحتى الآن،الطفل الذي يموت أبوه قبل ولادته يُدعى"أحرف"،أي مشؤوم ،ومن الممكن أن آمنة قد راودها هذا الهاجس؛عادة الأم، خاصة في مثل سن آمنة،تتمنى أن يكون مولودها البكر بنتاً،تحقيقاً لرغبة إعادة الإنتاج النرجسية.فإذا كان ذكراً كان، شعورياً أو لا شعورياً، طفلاً غير مرغوب فيه.فهل لهذا السبب سرعان ما تخلصت منه للمرضعات؟:أولاً لمولاة عمه الشهير أبو لهب،ثويبة، التي أعتقها أبو لهب عندما بشرته بميلاد ابن أخيه محمد،ثم لحليمة السعدية وربما أيضاً لآخريات.وهذه فرضية ليست مجانية تماماً. ففي حنين، قال مقاتلوا هوازن المهزومين، متسعطفين المسلمين،الذين كانوا يعاملونهم بفظاظة:"إن لصاحبكم فينا مراضع"؛هل مراضع هو جمع مبالغة، أم ان نساءً أخريات،في هوازن،غير حليمة أرضعنه أيضاً؟.
محمد كان كل شيء إلا طفلاً محبوباً.إذن سعيداً. لماذا؟قد لا يكون الطفل محمد ولد فصامياً،لكنه صار فصامياً.وبالتأكيد ولد مكتئباً؛لا شك أن آمنة كانت في انهيار عصبي ارتكاسي،تجسد في حالتها،في انهيار عصبي حدادي على فقد زوجها بعد أشهر من الزواج،ومن المرجح أن يكون انهيارها العصبي الحدادي طال أكثر من المعتاد،على غرار حداد الخنساء على صخر أخيها: يذكّرني طلوع الشمس صخراً / وأذكره في كل غروب شمس، ولولا كثرة الباكين حولي / على إخوانهم لقتلت نفسي!.
ولا شك أن حدادها تسلل إلى فصوص دماغ الجنين محمد؛مثلما تسللت إلي فصوص دماغه الضغوط النفسية،التوترات، والمخاوف، والهواجس، والفواجع، والكدمات والصدمات المتكررة، اللواتي كابدتهن آمنة وهي حامل.تأثير الحالة النفسية للأم ،على جنينها ،هي اليوم حقيقة بيولوجية أكدتها الملاحظة العلمية؛وهذا التأثير هيّأ الطفل محمد ليكون شخصية نفسية اكتئابية وفصامية.
لا شك أن صدمة فراق محمد منذ الأسابيع الأولى لأمه كانت عنيفة، ليسقط في أحضان مرضعات مأجورات،من الصعب تصور أنهن انحنين عليه ونظرن إليه،وهو يرضع،بعينين مبتسمتين، تبثان في عينيه رسالة حب امومي لا تُعوّض، ليشعر الرضيع بالأمن.
لماذا فراق الأم يشكل دائماً صدمة؟لأن الرضيع يتخيل نفسه، في الشهور الأولى، امتداداً بيولوجي لأمه.لذلك يبكي احتجاجاً على فراقها بمجرد أن تغادره بعد ارضاعه. مثلاً خلال السنة الأولى،يعي الطفل إهتمام وحب والديه له،لا بما هو واجب عليهما،بل لأنهما يرغبان في طفلهما.وهكذا يكتسب الطفل شعوراً قوياً بأنه محبوب وذو قيمة عند أبويه.مناخ الرضا،مناخ الأمن العاطفي يسمح للطفل باستدماج العالم الخارجي،وفي هذه الفترة تتكوّن شخصيته النفسية عبر هضم وتبني مواقف، ومشاعر والرموز اللفظية الصادرة عن الأم.إذا كان موقف الأبوين ،وخاصة الأم،غير مناسب تصبح علاقة الطفل مع محيطه العائلي مزيفة،منذ البداية،بفداحة الإحباط وغياب الحب.اتضح من البحوث النفسية، أن والدا الفصاميين،عاجزان عن تقديم علاقة عاطفية مستقرة ومنطقية مع طفلهما، خاصة في اللحظة التي تكون فيها هذه العلاقة أساسية، لتأمين إنسجام تكُوّن الشخصية النفسية. كما أثبتت الأبحاث النفسية عن أسر الفصاميين،أن دور الأبوين لم يكن على ما يرام:الأب غالباً ميت أو غائب، مستقيل أو سلبي.المقصود هنا هو الأب المربي وليس الأب البيولوجي طبعاً.
كيف عاملته المرضعات؟على الأرجح معاملة سيئة.نعرف اليوم كيف يعامل كثير من المربيات الأطفال معاملة قد تصل أحياناً إلى القتل.عن حالة محمد نملك مؤشراً قوياً على سوء هذه المعاملة؛في غزوة حنين أسّر المسلمون الشيماء وأساءوا معاملتها فقالت لهم:"تعلموا والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها، حتى أتوا بها رسول الله(ص)(...)فقالت:يا رسول الله اني أختك من الرضاعة.قال:ما علامة ذلك؟ قالت:عضة عضضتَها في ظهري وأنا متوركتك[=حاملة لك على وركي]فعرف العلامة (...)" خيّرها في أن تعود معه أو أن يمتعها ويعيدها إلى قومها.ففضلت أن يرجعها إلى قومها. (3)
واقع أن أخته من الرضاعة خرجت مع قبيلتها لمحاربته، وكاد أن يموت في هذه الحرب،مؤشر قوي على أن الطفل محمد لم يترك ذكرى طيبة، لا في عائلة مرضعته ولا في قبيلتها.الذكرى الوحيدة، التي احتفظت أخته له بها هي عضته،وهذا مؤشر إضافي على احتمالية هذه الفرضية.ونعرف من العضة، رغم صعوبة تصديق تفاصيلها،بقاء أثر عض طفل دون السنتين لأكثر من 50 عاماً، أنها كانت مؤلمة وأن الطفل محمد كان عدوانياً.في الواقع الإحباط العاطفي، الذي كابده الطفل محمد، والصدمات العنيفة، التي مر بها جنيناً ورضيعاً وطفلاً، تهيؤه للعدوانية:العداونية ضد الذات و العدوانية ضد الآخر.وسيمارس محمد النبي شاباً وكهلاً وشيخاً الإثنين معاً.
عدوانية الطفل محمد،لا شك أنها جلبت له مزيداً من عدوانية محيطه عليه.شيماء التي عضها محمد؛ ماذا كان رد فعلها؟ابتسمت له،قبلته،ضمته بحنان إلى صدرها؟احتمالية متدنية.الأرجح أنها ردت الفعل بعنف: ضربته أو دفعته بعيداً عنها،أو استنجدت بأمها طالبة القصاص منه.
نعرف من السيرة، أن لمحمد إخوة من الرضاعة. لكن يبدو أن لا أحد منهم قد فكر في زيارته، لا في مكة ولا خاصة في المدينة، عندما أصبح "ملكاً"، قادراً على تمتيعهم، كما متّع الشيماء في حنين. وهل شاركوا في هذه الحرب؟الإجابة الإفتراضية:أن محمد،الذي عرفوه طفلاً،لم يشجعهم على معاودة معرفته كبيراً.ذكَر ابن اسحق أخوين من الرضاعة، فضلاً عن الشيماء هما: عبدالله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث، من دون أن يضيف أي خبر عنهما! وهذا مؤشر على أنهما لم يلتقيا بأخيهما، محمد النبي،ولا أقاما معه أية علاقة!.
من المرجح أن الطفل محمد كابد العدوانية من الأمهات اللواتي أرضعنه، ومن آباء وإخوان الرضاعة. والحال أن الرضيع يحتاج،في هذا الطور من تطوره النفسي،إلى إشباع واستقرار عاطفيين تحيطه بهما الأم، أو من يقوم مقامها،وهكذا افتقد محمد باكراً الأمن الداخلي والإستقرار العاطفي،مصدري الثقة بالنفس وإحترام الذات الضروريين، للخروج بأقل الخسائر من جراح الحياة.
طفلاً ومراهقاً، لا شك أنه شعر بالذل أي بالذنب من كونه يتيماً.وهو ما نجد صداه في القرآن: "ووجدك يتيماً فآوى". المنّ عليه بالمأوى، قد يفيد أنه كان طريداً شريداً، خاصة بعدما آلت رئاسة العائلة إلى عمه وعدوه أبو لهب، فوفر له المأوى ربما عند خديجة.بعد أن كان يهيم مع روقة، وينام او ينامان معاً في غار حراء أو غيره من الغيران، على غرار ما كان يفعل بعض فقراء أنبياء إسرائيل حسب رواية الكتاب المقدس. مما أورثه الشعور بالهوان، الذي سيعبر عنه، يوم أُستقبل في الطائف شر استقبال، في الزفرة المؤثرة: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس".
جفوة عاطفية من الأم ـ الأمهات أورثته عقدة هجران أمه له، رضيعاً وطفلاً. قطعت الروابط العاطفية معه، تاركة إيّاه وحيداً في عالم خطِر؛ الهجران بالعربية القديمة هو "التوديع"؛ الآية التي طمأنته بعد انقطاع الوحي: "ما ودعك ربك وما قلى" هي على الأرجح صدى لذكرى قديمة أليمة، هي توديع أمه وقلاها [= كراهيتها] له، إلى درجة فراقه السريع بإعطائه للمرضعات، كما لو كانت تريد التخلص من عبء ثقيل، أي من طفل لم ترغب فيه!.
كل ما اختلقته السيرة، من معجزات نسبتها لآمنة عن جنينها: "لم أحمل حملاً أخف منه (...)"، والحال أنه كان حملها الأول على الأرجح رغم ما يقال عن وجود إخوة له!، و "النور" الذي خرج منها عند حملها به، والذي أضاء قصور الشام،والتنبؤ بأنه سيكون له"شأن"...إلخ،هو لا شعورياً التوابل الضرورية لصناعة البطل،رجل الأقدار.بل وقد يكون محاولة شعورية لإخفاء المسكوت عنه:حقيقة أن آمنة لم ترغب في ابنها محمد؛كما تتضافر على ذلك قرائن عدة تشهد لها حقائق علم النفس.
"الأم التي لا تشعر أنها لا آمنة ولا سعيدة، عاجزة عن إعطاء رضيعها الشعور بالأمن؛ عندما يكون الرضيع قلقا قلقاً شديداً،ينمّي قلقه عنده حالة من اليأس"(4)والشعور بالذنب.هذه هي بذور الشخصية الإكتئابية طوال رحلة الجنين والرضيع والطفل محمد:"فترة الحزن والحداد[عند الرضيع] التي،وهذا ما أنا على يقين منه،تسبق وتُدخل دائماً القطيعة:قطيعة الذهاني الكاملة مع الواقع"(5). فترة الحزن والحداد عاشها الطفل محمد، في فراق أمه رضيعاً، وبعد موتها في سن 6 سنوات.ولا شك أنه كان موتاً فاجعاً بالنسبة لطفل:فقد ماتت وهما في طريق العودة إلى المدينة.وشاهد مرعوباً على الأرجح، عيني أمه الميتتين،كما شاهدت أنا،وعمري 8 سنوات،عيني جدتي في الكفن قبل إنزالها للقبر، برعب لم أنساه، ذكّراني بعيني النعجة المذبوحة!.جدتي التي أحبتني بدلاً من أمي.وترك ذلك كله في نفسية محمد الغضة جروحاً لم تندمل.
شخصّت الطبيبة النفسانية توستين حالة طفل، عالجته زميلة لها(1960)من أوطيزم فصامي:"عبر عن فصله رضيعاً عن أمه بـ"خلع ،تمزيق"مضيفاً: قُطعتُ من جذوري"،في المادة التي قدمها الطفل ديفيد رأينا أن بعض العمليات النفسية غدت مفرطة، بحيث أخفت القطائع المؤلمة التي حدثت في حياته.بهذه الوسائل حاول ديفيد ان يحس بأنه مرتبط على نحو لا انفصال له مع أمه المرضعة(...) وهكذا فإن مجهوده القاسي لإمتلاك الأم،ينتهي بأن يصبح هو نفسه مملوكاً لها.ديفيد فُصل عن أمه جغرافياً،لكن توجد أيضاً عوامل أخرى يمكن أن تنجر عنها صدمة مشابهة،عائدة إلى الشعور بالإنتزاع من الوهم البدائي: أنه وامه يشكلان جسداً واحداً(...).الحساسية المفرطة[عند الطفل ديفيد]يمكن ان تكون ناتجة عن تجربة مبكرة في الانفصال الجسدي عن الأم، الطبيبان برهنا على الآثار الكارثية للإنفصال قبل الأوان عن الأم.جميع الأطفال الذين فُصلوا عن أمهاتهم حدثت لهم نفس الإضطرابات: الإنهيار العصبي الذهاني"(6).
هذه"الآثار الكارثية" للإنفصال الجسدي عن الأم منذ الولادة، تركت بصماتها على شخصية محمد النفسية، وأملت عليه تصرفاته طوال حياته. مثلاً غيرة محمد الهاذية على امتلاك زوجاته حتى بعد موته، عندما حرّم عليهن الزواج من بعده، قد تجد جذورها في قسوة صدمة الإنفصال باكراً عن جسد أمه، فضلاً طبعاً عن الإنهيار العصبي الذهاني. الزوجة تذكّر لا شعورياً بالأم.الرجل يتزوج عادة لا شعورياً صورته عن أمه في زوجته.فهل يكون نبي الإسلام قد عوض، لا شعورياً، فشله في امتلاك الأم حياً، بامتلاك رموزها حيّا وميتاً؟
فقدان الحب في الطفولة يعيق استقلال الشخصية النفسية.وهكذا وجد محمد نفسه، في الطور الأوديبي، في مواجهة صدامية مع الأب المربي، الأب الحقيقي ليس الوالد بل المربي، بل الآباء المربيين، الذين مر بهم محمد طوال طفولته.مثل هذه المواجهة الصدامية أورثته أنا اعلى، أي ضميراً أخلاقياً قاسياً وخاصياً، سنرى عواقبه الوخيمة في هذيان الشعور الساحق بالذنب عند محمد النبي. تنقّل الطفل محمد بين المرضعات، وبين مكة والمدينة في أسفار شاقة، وفي كل مرة كان يُنتزع من محيطه، كنبتة غضة تُقتلع من جذورها، ما كان ليساعده على التكيف مع المحيط الجديد الذي يُنقل إليه.
ربما كان كل هذا العذاب النفسي الأليم هو، الذي نجد صداه وتخييلاته في عذاب جهنم الأليم، كما وصفه في القرآن؛فهل ما كابده طفلاً من عذاب نفسي،أراد لا شعورياً،تكبيده لأعداء دينه في نار جهنم؟.
هذه السلسلة من الكدمات والصدمات النفسية صاغت عالم محمد النفسي، والذهني وزلزلته وهيأته للأمراض النفسية، من الإكتئاب الإنهياري إلى الفصام مروراً بالعصاب الوسواسي القهري، الذي تجلى في الشعائر القاسية والمكلفة التي فرضها على نفسه وعلى امته.
يعطي كتاب: "أوطيزم وذهان الطفل"لوحة مقارنة بين الطفل الأوطيست والطفل الفصامي.سأنتقي من قائمة الطفل الفصامي بعض الأعراض، التي قد تكون عند الطفل محمد،[في حالة الطفل الفصامي] :"تظهر أعراض خطيرة بعد فترة سوية"،تجلى هذا"العرَض الخطير" في"تعاقب النوبات الإكتئابية والنوبات الإهتياجية[في الذهان الإهتياجي الإكتئابي ]عند الطفل(...) لكنها كثيراً ما تختفي تحت اضطرابات السلوك:سرعة الغضب،و العداونية والهلاوس السمعية والبصرية هن علامة مميزة لهذه الحالة"(7).
نعرف من السيرة أن محمد كان سريع الغضب، إلى درجة أن غضبه كان يتجلى"بظهور عرق بين عينيه"!ويوم سخر المكيون منه وهو يطوف بالكعبة و"تغامزوا"مشيرين إليه بأعينهم هددهم في نوبة غضب مسعور:" أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح"!( سيرة ابن هشام ج 1 ص 289".
هلاوس الأطفال السمعية والبصرية، هن معاينة سريرية في الطب النفسي الحديث:"الطفل جون عامان، مصاب بالأوطيزم.تعتريه أزمات صراخ ليلي:تعتريه هلاووس خلال أزماته،فيعتقد أنه كان يرى عصافير في غرفته(...)العصافير كانت تهدده بنقره وتثير رعبه"(8). وعندئذ تكون سرعة الغضب والهلاوس قد رافقت محمد منذ الطفولة الباكرة.وهذا ما يرجح أن "حادث شق الصدر"، إذا كان قد حدث،فقد كان هلووسة بصرية ؛سورة" ألم نشرح لك صدرك "لا تتعلق بشق الصدر،بل بشرح الصدر،أي إدخال السرور عليه وليس تشريحه أي شقه؛كما ظن بعض من كتبوا عن محمد بالفرنسية.
في رواية ابن اسحاق، التي يختلط فيها القليل من التاريخ بالكثير من الميتاتاريخ: أعادت حليمة الطفل محمد بعد ارضاعه حولين كاملين،ثم استردته من آمنة،لأن الطفل محمد كان عليها خيراً وبركة.لكن الحقيقة التاريخية،المجهولة أو المسكوت عنها،قد تكون أن أمه المكتئبة قد فضلت إبقاءه عند مرضعته، بدلاً من تحمل أعباء تربيته، هو الذي لا شك أنه أصبح طفلاً صعباً.وهيهات أن يتعرّف عن امه فيها ،هي التي ودعته وقَلتَه [= هجرته وكرهته] رضيعاً! وكيف يستطيع رضيع مرّ، منذ الولادة، بأميّن أو 3 ، عاملنه، على الأرجح، معاملة سيئة، أن يتعرّف على أمه في واحدة منهن؟.
"حادثة شق الصدر:فأقمن به شهرين أو ثلاثة[بعد العودة به ثانية]فبين نحن خلف بيوتنا،وهو مع اخ له من الرضاعة في بُهم[=المواشي]جاءنا أخوه يشتد[=يركض ]فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءني [جاءه]رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاه، فشقا بطنه،فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائماً، منتقعاً لونه،فاعتنقه أبوه،وقال:أي بني،ما شأنك؟قال:جاءني رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاني وشقا بطني،ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه،ثم رداه كما كان.فرجعنا به معنا فقال أبوه:يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد ُأصيب[بالجنون]،انطلقي بنا،فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما يُتخوف"منه (9).تكرار"ابني"من زوج حليمة السعدية، قد يكون أيضاً محاولة من السيرة،لإخفاء معاملة"أبيه" السيئة له .قراره الفوري بإعادة "ابنه"لأهله،خشية أن يتحمل مسؤولية "إصابته بالجنون"،مؤشر آخر على محاولة السيرة المريبة.
أحمد ابن حنبل اكتشف له "معجزة"شق ثاني للصدر وعمره 10 سنوات،كررت سيناريو الشق الأول.
فماذا يمكن أن تكون فرضيات الطب النفسي في حادثة شق الصدر؟
الإحتمال الأول أن يكون ابن اسحاق قد انتحل، كعادته ، اسطورة "الملوك المجوس"،الذين أخبرهم نجم أن المسيح الموعود قد ولد، فشدوا الرحال لزيارته، كما يرويها انجيل متى؛طلوع نجم أحمد،في السيرة،هو ولا شك محاكاة لطلوع"نجم عيسى"في أسطورة الملوك المجوس:"سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة[حصن] بيثرب:يا معشر يهود! حتى إذا قالوا له: ويلك! مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به".(10)؛ الملكان اللذان أجريا جراحة صدر محمد،قد لا يكونان إلا بديلين متخيليّن للملوك المجوس؛
الإحتمال الثاني أن تكون حادثة تخييلية، بمعنى أنها حدثت نخييلاً، كهلوسة أو صرع "أزمة الصرع الجزئية الحميدة، تحدث في الطفولة وتُشفى تلقائياً"(11).
مما يرجح أن حادثة شق الصدر عائدة للميتاتاريخ، أو أن الميتاتاريخ تغلبت فيها على التاريخ،رواية ابن اسحاق لرواية نبي الإسلام لها:"عن أصحاب رسول الله(ص)أنهم قالوا:يا رسول الله اخبرنا عن نفسك،فقال:[أنا]دعوة أبي إبراهيم،وبشرى عيسى،ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصره من أرض الشام، وأُسترضعت في بني سعد بن بكر،فبين أنا مع أخ في بهم لنا،أتاني رجلان عليهما ثياب بياض،معهما طست من ذهب مملؤة ثلجاً،فأضجعاني، فشقا بطني،ثم استخرجا قلبي فشقاه،فأخرجا منه علقة سوداء،فألقياها،ثم غسلا قلبي وبطني بذاك الثلج،حتى إذا أنقياه،رداه كما كان،ثم قال أحدهما لصاحبه،زنه بعشرة من أمته،فوزنني بعشرة، فوزنتهم،ثم قال:زنه بألف من أمته،فوزنني فوزنتهم، فقال :دعه عنك،فلو وزنته بأمته لوزنهم."(12). الفرق بين الرواية المنسوبة للطفل محمد،البسيطة كما تليق بطفل من عمره،ورواية نبي الإسلام، التي انتجتها ولا شك المخيلة الهاذية للمؤمنين،واضح. 2 ـ المقارنة الثانية بين الطفلين الأوطيست والفصامي هي أن:"حركة الجسد غير مترابطة[عند الفصاميٍ]،سيئة التناسق وغالباً ثقيلة"(13).
هذا العرَض الجسدي للفصام حاضر بانتظام عند الفصامي.وقد وصفه الإمام علي ابن أبي طالب، حسب رواية السيرة:"إذا مشى تقلّع[لم يثبّت قدميه لأنه يمشي على مشط قدميه]كأنما يمشي في صَبَب[كأنه نازل في منحدر]وإذا التفت،إلتفت معاً[=التفت بكل جسده]".(14) في حيي أخوان توأمان مغاربيان، من أتباع الشيخ بن باز، يظهر عليهما العرض ذاته.سُرّ أحدهما لما قدمت له صفحة السيرة،التي تصف مِشية النبي؛سألته أن يجلس معي في المقهى للإجابة عن بعض الأسئلة حول مرضه،فرفض.
3 ـ :"غالباً ما يكون الفصامي واعياً باضطرابه الذهني"(15)عكساً للطفل الوطيست.لا نعرف شيئاً عن محمد الطفل،لكن محمد الشاب كان واعياً بإضطرابه الذهني،لذلك همّ بإلقاء نفسة من قمة جبل حراء، بعد حادثة الغار، ظناً منه انه أصيب بالجنون. لم أذكر الأعراض الأخرى،لأنه غدا من المستحيل التحقق منها في حالة محمد.وعلى كل حال عرض واحد كافي لتشخيص مرض الفصام،كما يؤكد الطب النفسي.
منذ الطفولة لا يستطيع الفرد أن يبني ذاته،إلا إذا مر بتقمصات متتالية للآخرين."أنا"هي في الواقع "أنوات"(جمع أنا)الآخرين،الذين نسجوها على مر الأيام .أنوات الآخرين هن قيمهم، تقاليدهم، أخلاقهم،معتقداتهم وتصرفاتهم.باختصار:نمط تفكيرهم وتدبيرهم. لا نملك مؤشرات جدية على الشخصيات التي قد يكون محمد تماهى معها،منذ الطفولة والمراهقة. قد تكون في طفولته شخصية جده أبو طالب،الذي لا شك أنه أحبه،كما يحب عادة الجدود أحفادهم، ثم شخصية ورقة،وربما عبره أنبياء إسرائيل وعبسى.لكن يبدو أن شخصية ورقة غدت مَثله الأعلى في المراهقة.لكن ماذا نعرف عن ورقة؟معطيات قليلة:أنه كان قساً نصرانياً،أو يهودياً نصرانياً من فرقة الأسونيين، أصحاب مخطوطات قمران، والتي يقول البابا بنوا 16، في كتابه عن المسيح، أن المسيح كان ينتمي إليها. إلا أن بعض إخصايي "مسيح التاريخ" شكك فيما قال البابا.
بالرغم من تطمين ورقة لمحمد، حسب رواية السيرة، بأنه نبي وليس مجنوناً، فإنه لم يدخل في دينه. لكن يبدو أن محمد لازمه إلى أن مات. وأقام عليه حداداً اكتئابياً، أي طويلاً. وقد يكون حاول الانتحار حداداً عليه.من المعقول إذن أن محمد تقمص شخصية ورقة الدينية، أي تماهى بمعتقداته وسلوكياته جاعلاً منه قدوة حسنة: أباً بديلاً.لم نعرف لا من التاريخ ولا من السيرة تفاصيل كافية وشافية عن شخصية ورقة.فهل يمكننا أن نخمّنها من خلال شخصية محمد المكي؟ قد يكون ورقة رئيس دعاة النصرانية، أو أحد أنبيائها المكلفين بترويجها في مكة. وقد يكون "الأحناف"، الذين قالت السيرة والسنة أن محمد الشاب كان أحدهم، والذين لا ذكر لهم في القرآن،هم دعاة ورقة النصرانيين.وهكذا قد يكون ورقه الأب الروحي للإسلام المكي، الروحي بدوره. وهو الذي كان يترجم من العبرية والسريانية الكتب النصرانية، أي "الإنجيل"، الذي هو اسم نوع لمجموع الأناجيل، كما كان يترجم من التوراة، التي هي أيضاً، في القرآن، اسم نوع للكتاب المقدس العبري. وبصمات السريانية والعبرية واضحة في القرآن.
استشهد مكسيم رودنسون في دراسة له، في "إسلاميكا"، بكردينال كاثوليكي من القرن الـ 14 قال: محمد كان ممثلاً للبابا في مكة ثم ارتد! فهل يكون المقصود هو معلمه ورقه، بعد اعتناقه المحتمل للبدعة الأريوسية، التي أدانها المجمع المسكوني في نيقه سنة 325 بما هي زندقة؟ لأننا لا نجد في القرآن صدى، لسفارة محمد البابوية ولا لردته عنها. ولأن محمد المكي ظل مسيحياً أريوسي، أي من التابعين للقس الإسكندراني اريوس، الذي نفى أن يكون الأب والإبن من طبيعة إلاهية واحدة.في نظره المسيح مخلوق الله الأول ونبيه.عيسى القرآني لا شيء غير ذلك.
انقطع الوحي عن النبي بعد موت ورقة ففي صحيح البخاري: "(...)ثم لم ينشب ورقة أن توفى، وفَتَر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله، فيما بلغنا، حزناً غدا[=ذهب] منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل، كي يلقي نفسه منه، تبدى له جبريل فقال: يا محمد أنت رسول الله حقاً، فيُسكن بذلك جأشه وتقّر نفسه. فيرجع فإذا طالت عليه فترة انقطاع الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك".
في السايكولوجيا، طريقة الانتحار،تخبر عن علاقة الإنسان بجسده.واضح من الطريقة الفظيعة، التي اختار بها نبي الإسلام محاولات الانتحار:إلقاء جسده من شواهق الجبال،أنه كان يكره جسده حتى الموت؛أي أن شعوره بالذنب كان ساحقاً، وهو ما سنعالجه في فصل "أفكار أو هذيان الشعور الساحق بالذنب". فما هي أسباب هذا الانقطاع؟ هل موت المترجم، الذي كان محمد يكتب ويحفظ ما يترجمه له من الإنجيل والتوراة ثم يستعيده، بذاكرته النسّاءة، في القرآن عبر نوبات الإهتياج والهذيان والهلاوس؟أم يكون موته قد سبب صدمة لنفسية محمد الهشة،فأصيب بالصمت المؤقت،الذي أصيب به قبله حزيقال وإشعيا؟ الفرضية المعقولة والأكيدة، هي أن القرآن المكي كان مسيحياً وبصمات ورقة، كما قدمته السيرة والسنة،مقروءة عليه.
من المعقول أيضاً، أن محمد تقمص الشخصية الدينية لمن اتهمته قريش بأنهم كانوا معلميه. بصدق الأنبياء، لا ينفي محمد الواقعة.بل نفى فقط أن يكون معلموه يكتبون له أو يملون عليه القرآن كما نزل: "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"(103،النحل).فعلاً القرآن كان من انتاج محمد نفسه، بالطريقة المذكورة أعلاه، لكن مضامينه اليهودية والنصرانية والزرادشتية وغيرها كانت من انتاج معلميه: ورقة،بلعام الرومي وسلمان الزرادشتي وربما غيرهم. معلموه ما كانوا يملون عليه،بل كانوا يترجمون له.آثار ذلك واضحة في القرآن:ليس في المصطلحات الدينية فحسب بل أيضاً في تعابيره العادية،وحتى في نقل أخطاء الكتب المقدسة الأخرى اللغوية، مثل دخول الجمل في سم الخياط بدل دخول الحبل، في آية"(...)حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" (40 الأعراف).وسنوضح ذلك في المكان المناسب.
يبدو أن أبو عبيدة ابن المثنى(ق.9)،كان أول من تقصّى في تفسيره "مجازات القرآن"الكلمات التي اقتبسها المعجم القرآني من العبرية،والفارسية، والسريانية،والبربرية،والنبطية والحبشية...إلخ،مثلاً كلمة "مصحف"حبشية. بعد 7 قرون، حاكاه السيوطي في "الإتقان". ثم تقريباً لا شيء. ربما تحت تأثير التقوقع على الذات، الذي ترجم نفسه في: محال وجود كلمات أجنبية في كلام الله!. فهل يبدأ البحث منذ الآن على تلاقح"اللسان العربي المبين"مع كثير من الألسنة "الأعجمية" الأخرى التي عاصرته؛ وخاصة العبرية،التي استعار منها القرآن قصص الأنبياء والرموز والشريعة،والمصطلحات الدينية وحتى الألفاظ العادية؟؛ قال لي البروفسير مناحم ميلسون: عندما أقرأ القرآن أشعر وكأنني أقرأ التوراة!.
على من سيؤلفون معجم الإشتقاق القرآني ـ وهو ضروري ـ ، أن يكونوا مختصين في العبرية والسريانية، ليكون عملهم علمياً حقاً. حتى أن مستشرقاً سويسري معاصر، أبو سهيلة، الذي ترجم القرآن إلى الفرنسية حسب نسخة ترتيب النزول، افترض أن القرآن كتبه حبر يهودي. وهي احتمالية متدنية.فجميع القرائن من السيرة والتاريخ وعلوم النفس، تتضافر على أن مؤلف القرآن هو محمد، بمساعدة هذياناته وهلاوسه ومعلميه. خاصة ورقه في مكة وسلمان الفارسي في المدينة، أو في مكّة والمدينة معا، اللذين كانا يتسامران إلى الهزيع الأخير من الليل؛ مما أثار احتجاج زوجات النبي.ولا شك ان تفاصيل أساطير الجنة والصراط في القرآن، التي لا وجود لها في الكتاب المقدس، مستعارة من الزرادشتية عن طريق سلمان الفارسي.
القرآن، بإحتمالية عالية جداً، أملاه محمد على كتّابه المعروفين. لكن التشابه المذهل بين المعجم القرآني والكتابي، يتطلب فتح ورشة للبحث لكشف سر هذا التشابه بين المعجمين، بل وبين الديانتين أيضاً. فقد أكد فيلسوف الحضارات، ارنولد تونيبي: "أن الإسلام هو الديانة اليهودية الثانية". وهو تأكيد في محله.
إثنان من معلمي محمد جديران بتخصيص بحوث أكاديمية عنهما لتأثيرهما القوي في القرآن: ورقه وسلمان. ما نعرفه عن سلمان من السيرة،هو ميتاتاريخ، مرصود لإثبات الاسطورة الشهيرة،أسطورة اعتراف كهنة المسيحية باقتراب ظهور محمد بما هو نبي،فهو إذن بلا مصداقية.لكن تأثير الماجوسية،التي كان سلمان أحد كهنتها، في القرآن شاهد لا تجريح فيه.حديث:"سلمان منا آل البيت"(الطبري)،تمكن قراءته بما هو اعتراف بالجميل من نبي الإسلام لسلمان،الذي علمه كثيراً من أساطير الجنة الماجوسية. هذه الأساطير لا وجود لهن في الجنة اليهودية أو المسيحية: في الجنة القرآنية الأخيار: "عليهم ثياب من سندس خُضر واستبرق [=حرير]"، (21، الإنسان)، تكررت أيضاً في الكهف (الآية 31). وهي تبدو ترجمة لثياب الأخيار في الجنة الماجوسية: "بمناسبة نهاية كل عام ،تُقدَّم للمرء ثياب جديدة .في نهاية العالم سيقدم [الإلاه] أُوهرامزدا، لمن بعثوا من قبورهم ثياب مجد وفَخار"(16)؛ أسطورة "الصراط"، أي الجسر، الذي يمر عليه الأموات المبعوثون من قبورهم للوقوف أمام الله يوم الحساب، بالتأكيد موجود في المسيحية، لكن تبدو في صيغتها القرآنية، أن نبي الإسلام قد رواها عن سلمان: "جسر سينافات" (17)؛ فكرة مركزية في القرآن، جعل منها المعتزلة جواد نزالهم مع السنة، هي فكرة التخيير، أي أن الإنسان مخير، بفضل حريته، بين الخير والشر ولا شيء مقدّر عليه سلفاً من الله،وهي لا وجود لها في اليهودية،التي أخذ عنها نبي الإسلام، بالعكس، الفكرة النقيض: آيات التسيير التي تسلب الإنسان من حرية الإختيار. هذه الفكرة من المرجح أن يكون تعلمها محمد من سلمان: "أُوحي إلى أوهرامزدا: الإنسان حر في اختيار الخير والشر" (18)؛ مفهوم"الدين الحق"، الذي أدخله القرآن المدني لنسخ"الأديان الباطلة"،اللواتي اعترف بهن الإسلام كطريق للخلاص الروحي للمؤمنين بهن، هو أيضاً مزدكي:"أوهرامزدا، [المؤمن] المزدكي يختار الخير على الشر والدين الحق على الدين الباطل" (19)؛ أسطورة الحور العين جاءت للقرآن من الماجوسية: "ثلاثة ايام بعد الانفصال عن الجسد، تصل الأرواح إلى جسر سينافات، حيث ممارسة الدين الحق، تَظهر لهن في صورة عذراء في سن الـ 15 [كجزاء للمزدكي الصالح، وعجوز شمطاء للمزدكي الطالح]" (20)؛ كما في القرآن: "بعد حكم الآلهة الثلاث ميثرا، سراووشا،راشن،تقطع أرواح المؤمنين بالدين الحق الجسر.أما أرواح المؤمنين السيئين فيسقطن في النار(...)"(21)،نجد صدى هذه الأسطورة في سورة القارعة: "فأما من ثقلت موازينه،فهو في عيشة راضية[=الجنة]،وأما من خفت موازينه،فأمه هاوية[= في النار]" (القارعة،6 ـ 8)؛كما أن جنة القرآن في السماء،خلافاً لجنة الكتاب المقدس على الأرض،كذلك الجنة الماجوسية في السماء:"الروح تصعد إلى السماء على 3 مراحل:الكواكب،اللواتي يتطابقن مع"الأفكار الصالحات"،القمر،الذي يتطابق مع "الكلمات الصالحات "وأخيراً الشمس التي تتطابق مع"الأعمال الصالحات"،للوصول أخيراً إلى مملكة الأنوار اللانهائية[= الجنة ]".(22)حتى اسطورة المهدي المنتظر، السنية والشيعية،نجد لها أصلاً في الماجوسية: "خلال 1000 عام لا وجود للموت ولا للألم والناس يبقون في شباب دائم" (23).
* ملاحظة مهمة بخصوص سلمان(24) (انظر المراجع).
مراجع الفصل الأول
1 ـ الأطفال الأوطيست: الأوطيزم: هو نمط حياة خاص بمرض الفصام يشتمل على مظهرين: فقدان العلاقة مع الواقع وسيطرة الحياة الداخلية، أي سيطرة الشطر السقيم من النفس على الشطر السليم منها. 2ـ فرانسيس توستين، الأوطيزم وذهانات الأطفال ص 34 دار سوي باريس. 3 ـ سيرة ابن هشام ص 246 . 4 ـ أوطيزم وذهان الطفل ص 36. 5 ـ نفس المصدر والصفحة. 6 ـ نفس المصدر ص 56. 7 ـ ميشيل هانوس، طب نفس الطالب، دار مالوان باريس 1991 ص 75. 8ـ أوطيزم وذهان الطفل ص 24. 9 ـ سيرة ابن اسحاق ص 102. 10 ـ سيرة ابن هشام ص 24. 11 ـطب نفس الطالب ص 332). 12 ـ سيرة ابن اسحاق 103. 13 ـ نفس المصدر نفس الصفحة . 14 ـ سيرة ابن هشام ص 36 . 15 ـ أوطيزم اللوحة الثالثة ص ص 40 ،41 مرجع سابق. 16 ـ مرسيا إلياد،تاريخ المعتقدات والأفكار ،ج. 1،ص 347 . 17 ـ نفس المصدر ص 326. 18 ـ نفس المصدر ص 323. 19 ـ نفس المصدر ص 327. 20 ـ مرسيا إلياد،معجم الأديان،ص 304. 21 ـ نفس المصدر نفس الصفحة. 22 ـ نفس المصدر ص 305 . 23 ـ تاريخ الأفكار الدينية ج. 1،ص 345 مصدر سابق. 24 ـ السيرة تقول سلمان لم يلتقي بالنبي إلا في المدينة.لكن قصة ترحال سلمان في السيرة من بلد إلى آخر،حتى حط رحاله في يثرب،وبالصدفة كعامل زراعي عند يهودي فظ،غير موثوقة إذ أننا نجد أن آية الثياب الخضر لسكان الجنة موجوده في سورتين مدنية ومكية(الكهف)؛وآيات الحور العين موجوده في 3 سور مكية،الدخان،الطور والواقعة.وأيضاً في سورة مدنية واحدة هي الرحمان.مما يجعلنا نفترض كذب رواية السيرة عن استقراره في يثرب،لأن الكهنة المسيحيين،كما تزعم السيرة، الذين خدمهم في بلدان عدة،أخبروه بأن زمان نبي عربي قد حان؛أو أن سلمان كان عبداً في مكة منذ دخل الحجاز؛وإما أن تكون الآيات،كالعادة،بُعثرت في سور لا مكان لها فيها،ودونما اعتبار لزمان ومكان النزول.ونعرف أن سورة يونس مثلاً ليس فيها عن يونس إلا آية واحدة من 109 آية،بينما يونس مذكور 8 مرات في سورة أخرى لا تحمل أسمه!.وضعنا هذه الفرضيات، لأن دخول آيات المجوسية المذكورة ،عدا ربما الصراط،في القرآن هي إحتمالية عالية.
2013 / 6 / 17
#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ - مقدّمة
-
شهادة تأريخية : نقد الدين - نقد الديكتاتوربة الحزبية - نقد ت
...
-
محمد: من شاعر ونبي في مكة إلى مشرّع ومحارب في المدينة
-
الحلقة الثالثة: هل تحديث العربية ممكن؟
-
الحلقة الثانية: لا علوم بدون مصطلحات - هل إصلاح العربية ضرور
...
-
الحلقة الأولى: هل إصلاح العربية ضروري وممكن؟
-
بورقيبة لم يقتل ابني،بن علي لم يقتل ابني وراشد الغنوشي قتله
-
8 من التربية الجنسية الدينية إلى التربية الجنسية العلمية
-
7 من أجل انتصار دين العقل
-
نداء إلى انتهاك الشعائر الغبية
-
اصلاح الإسلام ضروري وممكن
-
لماذا إدخال -التدافع-في الدستور؟
-
الدولة الدينية طوعاً أو كرهاً
-
:-على هامش -فتنة السؤال لماذا الشاعر دائماً حزين؟
-
رسائل تونسية نداء الى الجيش
-
لماذا التحريض على «ثورة ثانية إسلامية»؟
-
إقطعوا الطريق على حمام دم في تونس
-
هل الغنوشي إرهابي؟
-
رئاسة الغنوشي خطر على - النهضة- وتونس معا
-
على هامش : -فتنة السؤال- لقاسم حداد:أزمة الإبداع:الأسباب وال
...
المزيد.....
-
اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص
...
-
وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على
...
-
يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024
...
-
المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا
...
-
جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد
...
-
الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
-
أوستن وغالانت يبحثان فرص الحل الدبلوماسي ووقف الحرب في غزة و
...
-
زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية
-
حسين فهمي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب صورة وحفل عشاء مع وفد ص
...
-
ارتفاع إصابات جدري القردة في أفريقيا بنسبة 500% وتحذيرات من
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|