أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 6 )














المزيد.....

منزلنا الريفي ( 6 )


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 17:36
المحور: الادب والفن
    


منزلنا الريفي ( 6 )

حطام... أديرة خربة... ذباب أهوج يحلق فوق الأجداث...أعمدة منكسرة ...أشجار مقصوفة...أجساد متقطعة...جثت أطفال مكدسة ...
يمشي الطفل الهوينا بين الجثت ؛ يرتدي ألبسة رثة، وعلى وجهه تطفح كتل من الدماء ؛ يتمايل بين الجدران، سرعان ما يتكىء على إحدى الجذوع ؛ لقد فقد ساقه الأيسر، ودراعه الأيمن .
يتذكر خالته، ويتذكر أمه، كما يتذكر ذلك الجذع الذي جلس فوقه، و أين هي قبلة جدته ؟ و أين هي رسائلها ؟ وماذا عن أخته التي كان يلعب معها بين الشعب والخلجان ؟ أ مات الجميع ؟ لقد بحث عنهن بين الجثت لينفخ روحا في أجسادهن، لكن لم يعثر عليهن ؛ قصفت السماء كل شيء، وحولت الأرض إلى حطام .

*************************************

نخره الجوع، والأرض مليئة بالجثت ؛ لقد شبع الذباب، وتضورت الإنسانية جوعا ؛ أجل لقد قدمت نفسها قربانا للآلهة، وينظر الطفل إلى السماء، فيرى آلهة مبتهجين، وموائدهم مليئة بفواكه و جنان الأرض، وبيوتهم حافلة بالحور العين، وقصورهم مزخرفة بالذهب والفضة .

************************************

يخيم الظلام على الأرض، ويحس بجوع ماحق ؛ يخرج من البيت الخرب، وهو يتكىء على عكازه الخشبي، يلتفت يمنة ويسرة بحثا عن مكان آمن يستعطفه من أجل رغيف خبز .
لا شيء يعلو على الخراب ؛ لا شيء غير الذباب ؛ لا شيء غير الرائحة العفنة التي تزكم الأنوف ؛ لا نواح ؛ لا بكاء ؛ الكل موتى ؛ وحيد معلق ....لا لا ؛ إنه ناتىء فوق الأرض...قصفته صواريخ السماء، ولم تنال منه شيئا، سيبحث عن شيء في اللاشيء...
وها هو الآن يمضي كالنملة على ضفاف الوادي، لقد نال منه التعب كثيرا ؛ حفيف وخرير ؛ ينظر إلى الطهر، ولا ينظر إلى الفسق الثاوي حيث تتعالى الضحكات والقهقهات .
يأوي إلى النهر، وها هو يشرب مياها عذبة ؛ تسري في عروقه، فتملأ جسده حبا و ثورة ؛ اتقادا و اتزانا و تشبعا بقيم الحياة، واقتناعا بقيم الأرض ؛ قيم النضال و الإنسان .
لا يبكي ؛ هو لم يوجد من أجل البكاء ؛ لقد تعلم كيف يواجه التحديات والخطوب، وتفنن كيف يواجه الكوارث والأعاصير ؛ أ ليست الأرض ملجأ الكوارث والفواجع ؟ و مأوى الأحداث والأهوال ؟ إن الأرض محل المخاطرة نشدانا للحياة، أما ووجدت الموت إلا للحياة ؟ أجل يا هذا فلا تخيفك وعود السماء، وتهديداتها ؛ إن تخويفاتها تنشد العدم، وعبرها سينبثق وجودك على الأرض، وتحليك بقيمها لتحقق إنسانيتك .

***********************************

ترقص الأرض، فنرقص معها، تلعب، فنلعب معها ؛ إن قيم الأرض لا ترتكن إلى توجيهات، وأوامر من فوق، بل أدخل المعمعة، وابتكر، وابتهج معها، ولترقص بلا حدود ؛ لأن الأرض بلا حدود، ولا نهاية ...هيا فلتذب في داخلها، ولتنصهر في مجونها وأحلامها، وشذو عصافيرها، ونحيب نسائها، وثرى موتاها ....

**********************************

و أوى الطفل قرب الدفلى منصتا للخرير، فإذا به يسمع حشرجات، ترتفع تارة مع ارتفاع موجة النسيم، وتارة أخرى تنخفض بانخفاضها، لمن يا ترى ؟
أ أحلام ؟ أم طيف خيال ؟ أ بكاء أم نعيق ؟ تصمت الحشرجات، ويرتكن إلى الخرير، ويتحول الجوع إلى أنين ...
تقترب الحشرجات، وتنفذ إلى مسام جلده، ويرتعش إنها دفقة حب، ولمسة وجد، وهنيهة أمل، وتقترب الحشرجات، وتملأ الظلمة الكابية ؛ تجلس أمامه، وتلامس خذه الصغير، فأحس بأنامل صغيرة ؛ رقيقة ؛ ناعمة ؛ تطوف كموجة حنونة ... سألته :
- ماذا تفعل أيها الطفل في هذا الظلام المقفر ؟
- في الأرض لا يوجد ظلام مقفر ؛ من تكونين أنت ؟
- أنا هي تلك الحشرجات التي كنت تسمعها منذ حين، وأنت ماذا تفعل ؟
- أنت لست حشرجات ؛ أنت طفلة تصدر عنها حشرجات ؛ ما خطبك ؟
- خطبي هو أنني مقصوصة الجناحين، فقدت عائلتي، وأرضي وأمي ...لقد جاءت قنابل من السماء، فحطمت الأرض والزرع ....
- لهذا قلت لك أنه ليس هناك ظلام مقفر في الأرض، الظلام يوجد في السماء .
- هل قصفت أنت أيضا ؟
- نعم، لقد قصفت، وعشت لأيام بين الجثت، والدور الخربة، والذباب والروائح القذرة، كما فقدت ساعدي و ساقي، وها أنا جئت أتجرع آلامي قرب الخرير .
- سحقا للسماء التي أفسدت الأرض، وخلقت الشقاق بين بني الإنسان، و أنشبت الحروب والفتن ...
اقترب منها بتودد، ولامس وجنتيها، وسألها :
- أ أنت جائعة ؟
- كنت جائعة، لكنني وجدت جردا، فأكلته، ورغم ذلك مازال يستولي علي الجوع .
- لا أخفي عليك ؛ أنا جد جائع ؛ هيا لنبحث عن مكان نجد فيه طعاما .
لقد أحست بحب جارف نحوه، وساعدته على الوقوف، وقبلته، ومضيا يجتازان النهر، هناك تراءت بارقة نور فوق السفح...

**************************

اقتربا، وناديا على صاحب الدار، فلم يجب أحد غير دوي الكلاب المربوطة ؛ اقتربا أكثر...ولا من مجيب...تراءت صومعة...؛ دخلا ... ووجدا محرابا، ومنضدة تتراص فوقها كتب دينية، فتشا عن صاحب المحل، فصاحا : " يا صاحب المحل نريد رغيف خبز " ، و لا من مجيب، ولاح صمت رهيب.
ظل الطفل رازحا في مكانه، بينما الطفلة أخذت تخطف بعض النظرات، فتراءت لها ورقة مكتوب عليها : " أقول لجموع المصلين ؛ لن أكون اليوم حاضرا، سأرحل إلى السماء، أنا مدعو من طرف الآلهة لأحضر حفل الإنتصار "، و أسفل الورقة كتب : " الفقيه..." .

يتبع...

عبد الله عنتار - الإنسان -/ 16 حزيران 2013/ بنسليمان - المغرب .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداع
- حلم
- سقط القناع
- مشاهد الطفولة
- الوتد
- منزلنا الريفي ( 5 )
- دروب الكتابة
- منزلنا الريفي ( 4 )
- غصن دون جذور
- موقفي من المرأة
- الجرح الملالي
- ومضة
- مدينة ... ترتدي نعش الذكرى (2)
- مدينة...ترتدي نعش الذكرى
- الأجنحة المترنحة
- السراب الملالي
- المأساة
- عائد من لحدي
- وردة
- أقوال


المزيد.....




- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 6 )