خالد درويش
الحوار المتمدن-العدد: 4120 - 2013 / 6 / 11 - 02:34
المحور:
الادب والفن
لمدينة عفرين السورية/الكردية (60 كم شمالي حلب) مكانة خاصة في وجداني. ففي قرية من قراها (ميدانكي) أمضيت ست سنوات من عمر طفولتي، حيث كان أبي يزرع التبغ في حقولها بمهارة ودأب حملهما معه من قريته ترشيحا في الجليل الفلسطيني التي لجأ عنها تحت وطأة غزوها في صيف 1948
كانت أمي، عاشقة ترشيحا، تحدثني عن تفاصيل البلاد التي تركتها، البلاد التي أفنت عمرها في الحنين الى ربوعها، تحدثني عن دروبها وطوابينها وأعراسها ونباتاتها...، فلا أجد صعوبة في مقارنة "هناك" بـ "هنا". فهنا العليق والتين والينابيع والدروب، هنا ثغاء الحملان العائدة مع المغيب، هنا رائحة الحطب المحروق والأرض المحروثة توّاً. هنا الجبل المزروع بالبلّان والبطم والزيزفون، هنا العائدات من مواسم القطاف بتعب النهار على أياديهنّ وأزهار الدفلى بضفائرهنّ، هنا ليالي الشتاء الطويلة حول المواقد... وهنا النهر؛ نهر عفرين الذي ما زال، بعد خمسين عاما، يجري بحجارته الملونة الملساء وبخريره الذي يضاهي التغريد، في خيالي كلما ذكرت هذه الحروف السحرية النديّة الثلاث: ن- ه- ر.
سيمضي وقت طويل، عامر بالمشاهدات والسفر عبر الأقاليم، حتى أكتشف أن النهر كمجرى، النهر كمفهوم، النهر كتجدّد، النهر كحياة... هو نهر عفرين، وأن الناس المسالمين، المجدين، الطيبين، الأوفياء، ينبغي أن يشبهوا فاضل، وعزيمة، وقره حنان، وأم ملك، والشقيقين حنّان ومنّان، وربيعة، وبقية الرهط الذين غادرتهم قبل خمسين عاماً، وما زالوا يتألقون على ضفاف النهر.
#خالد_درويش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟