|
هذه الكلاب المدللة وأصحابها المرفهون والعصيان المدني!
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29 - 10:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا طلبت من مواطن مصري مقيم في الداخل أن يتخيل صورة ابن بلده في الخارج، خاصة في أوروبا أو أمريكا أو كندا، فسيقول لك على الفور بأنه يجلس على كرسي هزاز، ويداعب بيده اليسرى كلبه المدلل، ويمسك بيده اليمنى ريموت كونترول يبحث به عن قنوات غير مشفرة، ثم يتحدث عن السياسة في بلده وهو جاهل بما يفرزه الشارع المصري من جديد كل يوم! هذا المشهد أرقني كثيرا طوال الشهور الأربعة الماضية التي كتبت فيها البيانات عن العصيان المدني، وقمت بالرد على تعقيبات ورسائل كثيرة، وتعرضت لكم هائل من السخرية وأغلبها يصب في هذا المنحى. لماذا لا تترك النرويج أيها المرفه وتأتي إلى المعمعة هنا لتقود العصيان بنفسك؟ لماذا لا تتقدم المشاركين في العصيان حاملا الراية الاسلامية وستجدهم معك، ونقيم الدولة الاسلامية من القاهرة إلى أوسلو؟ كيف لك أن تعرف ماذا يحدث في مصر وأنت في الخارج؟ هل ستأتي إلى مصر على ظهر دبابة إسرائيلية؟ لماذا لا تترك النضال لأهل النضال في الداخل وتتفرغ للبزنس؟ وعشرات غيرها من الرسائل التهكمية الغليظة التي تفصل ما بين مواطني الداخل ومواطني الخارج. كأننا نحن، الملايين الخمسة من المصريين في الخارج، نبتة شيطانية تتعاون مع تل أبيب، وتركع لواشنطون، وتحلم بأن تعود لبلدها رافعة علم أمريكا وواضعة نجمة سداسية! وهذا ليس صحيحا بالمرة. عرفت في 32 عاما في أوروبا مصريين كثيرين لا يستطيعون دفع ثمن تذكرة العودة لزيارة الوطن، وأكثر من ثلث المصريين في شمال أوروبا لا يعملون، إنما يحصلون على اعانات من الضمان الاجتماعي. نسبة العاطلين عن العمل مقارنة بعدد المصريين المغتربين تعادل تماما نسبتهم في الوطن، ونتعرض لأمراض الغربة، والعنصرية، وتأكل الضرائب ثلث المرتب، ونعيش بالقرض من البنك لتسديد قيمة السكن، وأكثر الذين يعملون هنا في الأعمال الحرة التي تدر أرباحا لا يشاهدون شمس النهار . المصري الذي يهبط مطار القاهرة الدولي ومعه حقائب وهدايا وينفح سائق التاكسي اكرامية كبيرة، ثم يفتح الحقائب بعد الوصول ويوزع هدايا على أهله وأقاربه ومعارفه يرسم مشهدا مزيفا لنفسه ( في غالب الأحوال ) وعندما يعود إلى وطنه الثاني في الغربة تكون العطلة السنوية انتهت، ويبدأ في تسديد فواتير تقصم الظهر. في الغربة تصقل الأفكار الوطنية، ونعيد ترتيب المشهد الوطني في النفس والعقل معا، ونتابع ما يحدث كأننا لم نغادر بلدنا ليوم أو بعض اليوم. في القطار المتجه من القاهرة إلى الاسكندرية جلس بجانبي مهندس مصري، وتجاذبنا أطراف الحديث، وقال لي: لا شك أنك قمت بزيارة إسرائيل لأنك تحمل جواز سفر نرويجيا؟ وسألته: وأنت؟ قال إنني سافرت عدة مرات ولي اصدقاء في كل مدن هذا البلد الجميل! قلت له: أما أنا فأقاطع إسرائيل منذ مولدي إلى مماتي وتعلم مني أولادي النرويجيون ذلك، وأعتبر أن برتقالة واحدة من يافا تعادل ثمن رصاصة قد تدخل صدر ابني في يوم من الأيام. وأطرق المهندس خجلا، وتركت مقعدي والدهشة لاتزال تعلو وجهي! أبناء وطني يمسكون سوطا من التندر والاستخفاف مزركش بمفردات الوطنية والنضال ويلهبون به ظهور مغتربيهم، معتبرين أننا، نحن الملايين الخمسة، لا نستحق شرف الحديث عن هموم الوطن وكأننا من نسل عزام عزام أو من عاشقي ايلي كوهين! وجاءت الدعوة للعصيان المدني لتكشف مدى هشاشة الرؤية الداخلية لمواطني الغربة.ماذا لو أننا قلبنا المشهد وقلنا بأن مواطني الداخل صمتوا خوفا ورعبا لسنوات طويلة على نهب الوطن، وأنهم قبل اندلاع مظاهرات الغضب الأخيرة كانوا عونا للظلم، وأنهم مارسوا حياتهم اللامبالية في ظل أعفن أنظمة الاستبداد، وتركوا الرئيس مبارك يحكمهم بقوانين استثنائية دون أن يثوروا لربع قرن؟ ماذا لو قلنا بأن المعارضة مستأنسة، وسبعة عشر حزبا من التسعة عشر تتفاوض مع السلطة الاستبدادية من وراء الظهر، وأن بعض الجماعات تبيع الأخرى في سوق المزايدة النضالية؟ ماذا لو قلنا بأننا نحن الملايين الخمسة تركنا الوطن الطيب وفيه جزء لا بأس به من الزمن الجميل، فقام مواطنو الداخل بترك سيد القصر يجعل منه زمنا أغبر وقاتما وكئيبا؟ هل يملك مواطنو الداخل مقياسا للوطنية وآخر للخيانة لقياس النسبة المئوية لدى مواطني الخارج؟ هل الوطن ملكية خاصة يتخلى عنها من يتركه مرغما لأي ظروف ويعيش أوجاعه وهمومه وعذاباته مغتربا، ويكون سفيرا لبلده في كل لقاء مع أبناء الوطن الثاني، ويتابع بكل جوانحه ودموعه اغتيال وطن الذي يقوم به الرئيس حسني مبارك، ثم يشارك عن بُعْدٍ أبناءَ أم الدنيا فيأتيه الرد: فلتبق مكانك لأننا قادرون على التعامل مع النظام، ونحن نتصدر حركة النضال وأنتم مرفهون تدللون كلابكم وتريدون تحريكنا بالريموت كونترول؟ معادلة غير عادلة، ورؤية استعلائية فوقية تمسك ظلما وجهلا صكوك الوطنية لتوزيعها على المغتربين، ونحن هنا امتداد ولسنا انقطاعا. أما الدعوة للعصيان المدني في الشهور الأربعة الماضية فكان طبيعيا أن تنطلق من الخارج لتؤكد للرئيس مبارك وزمرته أن أبناء مصر لا ينفصلون عن عشقهم وحبهم الأول والأخير .. تراب الوطن، وأنه إن ألَمّ بمواطني الداخل سوء فمواطنو الخارج قادرون على التحرك، وفضح سوءات النظام، والدفاع في المحافل الدولية ولجان حقوق الانسان عن مواطني بلدهم. لكن مواطني الداخل اعتبروها تدخلا في شؤون الغير، وأن نصيبنا في حب مصر سقط منا على مدرج المطار في طريق المغادرة، ولن نأخذه معنا عندما ينزلق نعش لمغترب مصري تحت أرض باردة بعيدا وفي حضور عدة أفراد، ثم ينفض المعزون، وتنتهي حياة المغترب أقل شأنا من حياة الكلب المدلل. المزايدة الدينية تحجز مكانا خاصا لأتباعها في الجنة وترفض حضور الآخرين حتى لو كانت مؤمنة بأن الله غفور رحيم، والمزايدة الوطنية في الداخل تسخر من مشاركات المصريين في الخارج، وتعتبرهم مارقين في دول أخرى يبحثون عن المال والمتعة والرفاهية. فليتوقف فورا التعبير الجلف عن هذه المشاعر الفجة التي ترى مواطني الخارج أقل معرفة وَهَمّاً وكمَدا ووجعا ووطنية، فنحن لم نفرط في الوطن بهجرتنا، لكن ملايين في الداخل فرطوا فيه بالصمت تارة وبالتحالف الضمني أو الصريح مع الطاغية تارة أخرى. إن فتح الملفات سيكسب فيه النظامُ كثيرا، وستكون خسائر مواطني الداخل أكثر واشد إيلاما من خسائر مواطني الغربة والمهجر المرفهين والمدللين. أيها الاخوة، لماذا لم تنظروا للدعوة للعصيان المدني على أنها منكم أيضا ولكن اخوتكم ومواطني بلدكم المغتربين أطلقوها من الخارج؟ وموعدنا في الثاني من مايو بإذن الله
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البيان الختامي للعصيان المدني .. من هنا نبدأ
-
معذرة لكل المتحمسين للعصيان المدني
-
هل سينجح العصيان المدني بدون قيادة؟
-
من الذي يفرط في كرامة السوريين؟
-
هل يصبح 2 مايو 2005 يوم التحرير من نظام مبارك؟
-
المأزق المغربي .. ملك في مهب الريح!
-
معذرة أيها الأحمق، دع لنا الرئيس مبارك وخذ عصيانكم المدني
-
الإعلام السعودي .. ثورة من الداخل أم النوم في العسل؟
-
المخاض الكويتي .. قراءة في المستقبل أم رجم بالغيب؟
-
الوصف الإيجابي في صناعة الإرهابي
-
الحركة المصرية من أجل التغيير والعصيان المدني وانتقام الرئيس
...
-
رسالة من الرئيس حسني مبارك إلى المصريين .. سأجعلكم تلعقون تر
...
-
أيها المصريون ماذا تنتظرون .. لقد هرب الرئيس ؟
-
البحث عن زعيم لمصر
-
العصيان المدني بين حمدين صباحي وعبد الحليم قنديل
-
نداء هام إلى مؤتمر ( كفاية ) المنعقد 14 مارس 2005
-
الرئيس حسني مبارك يدعو للعصيان المدني!
-
سنقتل الدعوة للعصيان المدني في مصر
-
خمسون إجابة لخمسين سؤالا عن العصيان المدني في مصر
-
حوار بين إبليس والرئيس حسني مبارك .. حديث عن العصيان المدني
...
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|