|
فضفضة مصرية فوق السد
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4118 - 2013 / 6 / 9 - 00:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكلام الذي دار على مائدة الحوار الوطني في حضور رئيس الجمهورية شخصياً حول إمكانية أن تشن مصر عملاً عسكرياً ضد إثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة ليس أقل من أن يدرج ضمن فئة الكلام الفارغ، أو الذي لا يخرج عن نطاق التسلية التي حتماً تضيع بعض الجهد والوقت والمال، لكن في جميع الأحوال لا تفيد بشيء إيجابي أكثر من الترويح بالفضفضة عن بعض النفوس المجهدة من تعب تفكير قد لا تكون أهل له؛ ذلك أن العمل العسكري ضد دولة غير جارة متماسة جغرافياً مثل إثيوبيا له شروط أساسية غير متوفرة حالياً في الحالة المصرية.
(1) التلاصق الجغرافي. من أيام المصريين القدماء قبل آلاف السنين من الميلاد حتى النصف الأول من القرن الماضي، قد ظلت مصر تخوض حروباً ضد إثيوبيا، وإثيوبيا أيضاً ترد بحروب ضد مصر؛ لكن، في جميع الأحوال، كان لا بد أن تكون الأراضي المترامية فيما بين الحضارتين القديمتين ثم بعد ذلك الدولتين الحديثتين إما تحت سيطرة هذه البلد أو تلك لكي يتحقق التماس الجغرافي كشرط أساسي يعطي الإمكانية للاشتباك المباشر بين الجيشين. من دون أن تكون هذه الأرض الفاصلة تحت السيطرة المصرية أو تحت السيطرة الإثيوبية، لن يستطيع جيش أي من الدولتين أن يصل إلى الأخرى براً، لكن سيتبقى له لا يزال وسيلتين أخريين للانتشار وشن الحرب: بحراً وجواً.
(2) غياب القوة الخشنة والناعمة. منذ أعطى الزعيم جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو 1952 السودان حق تقرير المصير واختارت الأخيرة الاستقلال عن مصر لم تخسر مصر فرص السيطرة والنفوذ على دولة السودان الشقيقة فقط، لكن أيضاً وبالتزامن على جميع دول حوض النيل الأخرى ذات الحدود المشتركة مع السودان. الأسوأ من ذلك لا يزال أن مصر، وعلى غير المثل من دول استعمارية أخرى داخل نفس المنطقة الإفريقية خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، لم تستبدل هذا الاستعمار القديم عبر القوة المسلحة الخشنة بنفوذ مستحدث ناعم عبر معاهدات واتفاقيات التعاون والتنمية المشتركة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وخلافه. في أوائل الخمسينات، انسحبت ألوية الجيش المصري من عمق منطقة حوض النيل إلى داخل الحدود المصرية من دون أن تسد الفراغ الناشئ من خلفها بأي قوة أخرى، سواء خشنة أو ناعمة أو خلافه.
(3) عدم قدرة الوصول جواً. عكس دولة متناهية الصغر لكن ذات إمكانيات عسكرية فائقة مثل إسرائيل المجاورة، لا تزال مصر لا تملك قوة جوية قادرة على توجيه ضربات مؤثرة لأهداف أبعد من دول الجوار على حدودها المباشرة. وحتى لو كانت القاهرة تملك بالفعل بضع مئات من هذه الطائرات، لا شك أنها لا تزال تفتقر إلى قدرة الدعم اللوجستي المطلوب للعمل العسكري الواسع في المكان والممتد عبر الزمان حتى يحقق على الأقل الحد الأدنى من أهدافه المعلنة أو غير المعلنة.
(4) عدم قدرة الوصول بحراً. في الستينات، استطاع الجيش المصري أن يصل إلى اليمن ويخوضاً حرباً هناك ليس عبر البر أو الجو، إنما عبر البحر. لكن في ظل غياب قواعد للدعم اللوجستي على طول طريق الرحلة البحرية وقريباً من مسرح العمليات، كان لا بد من ظهير محلي على الأرض للاحتماء به. في الحقيقة، في ذلك الوقت لم تكن مصر في حرب ضد اليمن كدولة كاملة، إنما في الحقيقة كانت تعين فصيلاً يمنياً واحداً في حرب ضد فصيل يمني آخر. لكن الوضع في إثيوبيا مختلف تماماً، حيث لا يوجد هذا الحليف المحلي الذي يمكن الاحتماء به. على هذا النحو، حتى لو استطاع الجيش المصري أن يصل إلى إثيوبيا بحراً مثلما وصل إلى اليمن من قبل، هو رغم ذلك لن يجد له موطئ قدم آمن هناك، علاوة على عدم وجود قواعد انطلاق برية أو بحرية قريبة من هناك.
في ما يخص الجهد الحربي، يمكن تقسيم الدول إلى ثلاث فئات: (1) الكونية، مثل الدول الخمسة الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وروسيا والصين وانجلترا وفرنسا؛ (2) الإقليمية، مثل إيران والسعودية في منطقتنا؛ (2) المحلية، مثل مصر وتونس والعراق والجزائر والسودان...الخ في نفس المنطقة. هذه الفئة الكونية من الدول تكون قادرة في كل الأوقات على الانتشار العسكري جواً وبحراً على الأقل إذا لم تكن براً أيضاً، مثل الولايات المتحدة في أفغانستان وفرنسا في مالي حالياً. أما الدول الإقليمية لا تستطيع أن تنتشر عسكرياً بنفسها، لكنها تستطيع أن تخوض حرباً بالذراع أو بالوكالة مثلما تفعل إيران عبر حزب الله في سوريا حالياً. وفي النهاية الدول المحلية مثل مصر في الوقت الحالي لا يمكنها هذا ولا ذاك، لأنها لا تملك قدرة الانتشار الذاتي وفي الوقت نفسه لم تربي الوكيل الوفي الذي تستطيع أن تنتشر من خلاله إذا أرادت. من ثم أقصى ما تستطيع أن تفعله مثل هذه الدول المحلية هو بالضبط ما كانت تفعل الجماهيرية الليبية أيام معمر القذافي: أن تفجر طائرة هنا أو تلقي بقنبلة هناك. لا شك أن هذا ليس من الجهد الحربي الحقيقي في شيء ولا يفيد بأكثر من فش الغيظ وتفريغ شحنة الغضب والانفعال العابر، تماماً كما حدث أثناء جلسة الفضفضة العابرة بصحبة سيادة رئيس الجمهورية.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسلام متقدم لمسلمين متخلفين؟!
-
في الرحلة مع تطور الآلهة
-
بحثاً عن شرعية مفقودة في عرض توقيعات -تمرد- و-تجرد-
-
سائق اللصوص الشريف!
-
هذا كلام الله مش كلامي
-
الدين الخارج عن القانون
-
في العقلية الخرفانية
-
إسلام بالقسوة
-
إيران الإسلامية في سوريا العلمانية
-
مصر- بلد .....
-
صناعة العبيد
-
عودة عمرو
-
صناعة الأديان
-
السيسي بونابرت
-
عبدة الشياطين
-
في البحث عن صهيوني عربي
-
أنا بكره إسرائيل وبحب الدولة الوطنية
-
في حب إسرائيل
-
إيران القنبلة النووية
-
مصر تحت الاحتلال
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|