جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4116 - 2013 / 6 / 7 - 21:45
المحور:
الادب والفن
لعله – أن صح ظني – أنه منذ بداية الألفية الثالثة من عمر البشرية ، دخلت تجاريب الشعر إلي مناطق عميقة الغور في الذات ، حيث صارت " ومضة " الشعر الخاطفة تطلع من الدواخل ومن بين الشغاف ، حد أن قيل – وذلك ليس كله قولا زائفا – أن الشعر هو ما يصدر عن الذات وما عداه ليس معدودا فيه ! أندثرت ، بفعل التقدم الهائل والتقنية المتطورة ، نظريات ومدارس وأنظمة فكرية عديدة ، ومثلها حدث للأدب والشعر والفن بضروبه جميعها ، أنتهت من عالمنا المدارس كلها تقريبا فغدت من الكلاسيكيات والتاريخ الأدبي ، فأصبحت القصيدة هي – وحدها – التي تحدد شكلها وسماتها وصورها ولغتها أيضا ، أصبحت كائنة من ذاتها ، من ذات نفسها ، هذا ، كما أري ، بدأت مرحلة جديدة في الشعر وفي توجهاته أيضا ! لكنني ، وأنا أقرأ بعضا من الشعر هنا ، أبحث فيه – رغما عني – عن الحدس ! ولعله من المعلوم أن الحدس هو أدراك حسي للأشياء والأفكار والصيغ ، وهو رؤية البصيرة إذ تكون في الإبداع وتتوفر عليها ذائقة المتلقي ، إذ يكونا ، كلاهما ، المبدع والمتلقي يستندان إلي مهد الحدس في محاورة الأثر الفني . يقول كروتشه : " ثمة معرفة تأتي عن طريق التصور والأدراك الذي تفرزه المعرفة العقلية ، وعن طريق الأحساس ، وهو نفسي ذاتي ، ويتم تفاعل الأدراك مع الحس ، أو تفاعل التصور مع الصورة عن طريق الحدس " . هكذا ، كما نري ، يكون الحدس عالقا في الصورة الشعرية ، في شكل القصيدة ، وشيئا غير قليل في لغتها أيضا ! و أذكر أنه ، قبل ألف عام تقريبا ، قال أبو حيان التوحيدي شيئا مثل هذا في " الامتاع والمؤانسة " ، قال مفسرا الإبداع بأنه : " ينبعث من أول مبادئه ، أما عن عفو البديهية ، وإما عن كد الروية ، وإما أن يكون مركبا منهما " . فالحدس إذن ، هو بديهة وروية ، أدراك وحس ، صنعة ما وصدفة ، واقع وخيال ، حقيقة و وهم ، علم وشعر ، وهو في مجال التلقي ذوق سليم ونشاز ، معرفة علمية ومعرفة فنية ، هو تقليد ودهشة ، متوقع وغير متوقع ، برهان وتأويل ... أبحث عن الحدس إذن ، لأري كيف فيها يتآلف الأنشطار مع الالتحام ، فأحس بذلك الحوار المثير المستمر في سمت القصيدة ، لا حدود لتأويله ولا لتحليل شفراته ، الظاهرة منها وتلك التي خجلة في سترها ، أليس جميلا أن نكون في متعة التأويل نفسه إذ نمسك بالحدوس في جسد القصيدة ؟
لنتأمل القصيدة في سوحها الناعم في هذا البراح ، هنا ، في هذا " الحوار " المبجل !
#جابر_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟