أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - الشذوذ والمسكوت عنه في العلم والفهم















المزيد.....

الشذوذ والمسكوت عنه في العلم والفهم


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 20:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من المعلوم في المجال العلمي ان النظرية قد تحظى بالقبول رغم ما تحمله من شذوذ. ومن ذلك أن العلماء لم يرفضوا نظرية نيوتن في الجاذبية عندما وجدوا التقادير الأولية التي وضعها بشأن حالات كسوف القمر غير صحيحة. ففي ‹‹العقود الستة التي تلت حسابات نيوتن الاصلية لم تتم ملاحظة سوى نصف ما تم التنبؤ به فيما يتعلق بحركة اقرب نقطة على سطح القمر الى الارض، وهي حركة القمر نحو الحضيض. وبينما واصل افضل علماء الفيزياء النظرية في اوربا دون نجاح محاولتهم حسم هذا التضارب، اقترح في بعض المناسبات تعديل قانون التربيع العكسي الذي قال به نيوتن. بيد ان احداً لم يحمل تلك المقترحات محمل الجد. وقد اثبتت التجربة ان التريث مع حالات الشذوذ الاساسية سلوك له ما يبرره. هكذا تمكن كليروت في عام 1750 من تبيان ان الخلل انما يعزى الى اخطاء في تطبيق الرياضيات، وان بمقدور النظرية النيوتنية ان تصمد كسالف عهدها حتى في الحالات التي لم يكن بالمقدور عزو الخلل الى اخطاء من هكذا قبيل››.
كذلك أن العلماء لم يرفضوا هذه النظرية رغم فشلها في تفسير حركة عطارد وشذوذه، ففي منتصف القرن التاسع عشر اكتشف العالم الفرنسي لي فرييه ان كوكب عطارد يحيد قليلاً عن مداره حول الشمس، إذ تتغير نقطة أوثق اقتراب له من الشمس تغيراً طفيفاً من مدار للتالي، وهو ما يسمى بتقدم حضيض مدار عطارد نحو الشمس، وعند هذا الحضيض يتسارع الكوكب ثم يعود للتباطؤ، خلافاً لما تنبأت به نظرية نيوتن، ففي نهاية كل دورة لا يصل عطارد الى النقطة التي تتنبأ بها نظرية نيوتن، وبفعل هذا الاختلاف المتكرر لحضيض عطارد فانه يتخذ شكلاً شبيهاً بالوردة مرة كل ثلاثة ملايين سنة، وهو امر يحدث لكل الكواكب، لكنه يتصف بالتغير الشديد لدى عطارد مقارنة بغيره لقربه من الشمس، او لقوة جاذبية المجال الشمسي عليه. وعلى مدى اكثر من نصف قرن استهلكت التفسيرات لهذا الانحراف كل الاحتمالات، فقيل بتأثير جاذبية كوكب لم يكتشف بعد، او حلقة من الكويكبات، او قمر لم يكتشف بعد، او تأثير الغبار الكوني، او تأثير انبعاج الشمس، لكنها جميعا لم تحظ بقناعة يكسبها القبول، لذلك انقضت (85 سنة) على قبول هذا الشذوذ ثم إعتبرت شاهداً مكذباً أو مستبعداً للنظرية، وقد تمّ تفسير هذا الشذوذ تبعاً للنظرية النسبية العامة لأينشتاين، إذ تفشل جاذبية نيوتن عندما يكون المجال قوياً، وهو ما يميز نظرية أينشتاين، فبحسب نظرية نيوتن تكون الكتلة هي المسؤولة عن التاثير الثقالي كلياً، في حين انه بحسب اينشتاين فان للمجال الطاقوي دوره البارز في التأثير. فالنسبية العامة تنبئ بان مدار عطارد يجب ان يشذ قليلاً، فهو اهليلجي كبقية حركات الكواكب لكن هذا الدوران يحصل ببطئ شديد بالنسبة لمرجع مربوط بالشمس. وقد كان قياس التغير في اتجاه مدار عطارد معروفاً خلال القرن التاسع عشر، حيث يساوي حوالي (575 ثانية قوسية) في كل قرن. وقد تنبأت نظرية نيوتن بان هذا العدد يجب ان يكون 532 ثانية قوسية في القرن، اي الفارق بين القياسات والتنبؤ هو (43 ثانية قوسية في القرن). بمعنى انه بحسب القياسات الفلكية فان مدار عطار يحتاج الى (225000) لكي يدور دورة كاملة، في حين بحسب تنبؤ نظرية نيوتن فانه يحتاج الى (244000) كي يدور هذه الدورة. اما بحسب اينشتاين فقد تم تفسير الفارق السابق، وهو (43 ثانية قوسية في القرن)، وهو ما يتعلق بتأثير المجال الطاقوي الثقالي على عطارد. بينما لدى تنبؤ نظرية نيوتن فليس هناك حساب لتأثير الطاقة، بل التأثير الكلي منحصر في الكتلة فحسب، وهو ما يتضمنه قانون نيوتن للجاذبية او الثقالة. لذلك عبّر اينشتاين عن سعادته الغامرة فيما توصل اليه وكتب لأحد الفيزيائيين فقال: ‹‹ان نتائج البعد الاقرب لحركة عطارد ملأتني بقناعة كبيرة، كم هي مفيدة لنا تلك الدقة البالغة في الفلك التي اعتدت ان اسخر منها خفية››.
وقد كان الفيزيائيون يعتقدون في عام 1916، ان الشذوذ المتعلق بنظرية نيوتن بالثقالة لا يتعلق بحركة عطارد فقط، بل ايضاً بحركة مذنب هالي ومذنب إنكْ وحركة القمر، لكن تبين فيما بعد ان هذه الشذوذات الاخيرة لا علاقة لها باساسيات نظرية الثقالة.
وبالتالي أصبح من المعروف أنه يمكن للنظرية العلمية أن تبقى مورداً للقبول حتى لو ظهر دليل يكذبها، طالما لديها قوة تفسيرية كافية في نواحٍ أخرى. فالشذوذ لا يفضي في حد ذاته الى ترك النظرية ما لم تأتِ نظرية اخرى اوسع في تفسيرها للشذوذ. وكما يقول (همبل) فإن هناك شواهد عديدة في العلم تبين بأن التصادم بين النظرية التي تتمتع بقوة عالية للتأييد مع قضية تجريبية إنما يحل من خلال إلغاء اعتبار هذه القضية بدلاً من التضحية بالنظرية، وذلك تبعاً لما تتمتع به هذه الأخيرة من قدرة تفسيرية عالية لعدد من المجالات. فلا يضحى بالنظرية ذات القوة العالية للتأييد ما لم تحل محلها نظرية افضل دون اللجوء الى التجربة الحاسمة، مما يعني لا توجد تجربة حاسمة لتفنيد نظرية ما كلياً. أما الحالة التي تكون فيها النظرية مفردة أو ضيقة لا تستوعب المجالات المختلفة؛ فإنه يضحى بها عندما تتضارب مع الشواهد الخارجية. وبالتالي فإن ترك العلماء للنظرية التي تمتاز بالتأييد والتعميم العالي لا يحصل بسبب معارضتها للحقائق الخارجية، بل لكونها مرجوحة بالقياس إلى غيرها من النظريات المنافسة الأخرى.
وكما صرح توماس كون فإن كل نماذج العلم تتضمن حالات شاذة، كنظرية كوبرنيك حول الحجم الظاهري لكوكب الزهرة، ونظرية نيوتن حول مدار عطارد، ومع ذلك فقد كانت هذه النظريات مقبولة خلافاً لتصور النزعات التكذيبية كما لدى كارل بوبر. وبحسب فيرابند فانه لا يوجد شاهد واحد يؤيد نظرية بوبر التكذيبية. لذلك كان اينشتاين يرى بان المبرر الوحيد لوجود النظرية العلمية هو أنها مدعومة بعدد كبير من الوقائع والمشاهدات. او على ما يشاطره الفيزيائي والفيلسوف الوضعي فيليب فرانك فان النظريات العلمية فروض ليست حتمية التصديق ولا يوجد معيار للحقيقة سوى التعزيز بالمشاهدات. او كما اتفق عليه العلماء اليوم بأن الفرضية العلمية لا تحتاج الى الحسم التجريبي، بل هي بحاجة لأن تكون مثمرة وقابلة للتأييد فحسب. وهو امر يجعل كل نظرية قابلة للموت المؤجل، وفي الوقت ذاته قد يسمح بالحياة من جديد وفقاً لمبدأ الابقاء على النظريات المفندة كالذي دعا اليه فيرابند، فكل نظرية مفندة – او لنقل مستبعدة - قد تعود مرة اخرى عندما يكتشف من جديد ان هناك ما يؤيدها. بمعنى ان الاستبعاد ليس عاملاً حاسماً لاسقاط النظرية كلياً.
***
ومثلما يحصل في العلم الشذوذ عن القواعد والنظريات الكلية، فكذا يحصل في الفهم الديني الشذوذ الذي يعني خروج بعض الدلالات اللفظية الظاهرة عن القواعد والنظريات العامة. ومع ذلك يبقى التحيز سواء في العلم او الفهم - احياناً - هو لصالح النظريات الكلية على حساب الظواهر الشاذة. لكن رغم ان الشذوذ في الفهم لا يختلف اجمالاً عن الشذوذ العلمي، الا انه من حيث التفصيل فان هذا الشذوذ لا يعتبر مناقضاً للكلي تماماً، بل يعالج بوسائل مختلفة وفقاً لاختلاف الموضوع وطريقة الفهم، فقد يتم تأويله كي لا يتعارض مع الكلي، مثلما يحصل في القضايا الكلامية. او يعد مقيداً للكلي ذاته، وبالتالي يؤخذ به مثلما يؤخذ بالكلي، كالذي يمارسه علم الفقه. او يُحسب على المتشابهات التي ينبغي الوقوف عندها فيما لو تم العجز عن الجمع بينه وبين الكلي، وبالتالي يهمل لصالح الاخير باعتباره اهم من الجزئي الشاذ، لا سيما اذا كان الاخير ظني الاعتبار، وهو الرأي الذي تبناه الشاطبي، فأكد بأنه لا اعتبار بمعارضة الجزئيات في صحة الكليات الثابتة بالإستقراء، لأن الجزئيات الشاذة لا ينتظم منها كلي ليعارض الكلي الثابت. واذا كان التعارض بين الجزئي والكلي هو تعارض من بعض الوجوه فإنه يمكن الجمع بينهما. أما لو كان التعارض من جميع الوجوه والجهات بحيث لا يمكن الجمع بينهما فإنه لا بد من الحفاظ على الكلي الثابت بالإستقراء مع اعتبار ما يخالفه من النصوص الشاذة بأنها من المتشابهات التي يجب الوقوف عندها وإيكال علمها إلى الله تعالى، إذ أن الأخذ بالجزئي سوف يفضي لا محالة إلى هدم الشريعة بكلياتها. وهو أمر منكر ومرفوض.
هكذا دافع الشاطبي عن الأصول المطردة العامة، واعتبر ما يخالفها من ظواهر النصوص من المتشابهات الموكول علمها لله، ذلك لأن الأصول علمت بالإستقراء على نحو قطعي بخلاف المخالف الخاص الذي دليله ظني فلا يعارض ما هو قطعي. وكما يقول: ‹‹ان الشريعة اذا كان فيها اصل مطرد في اكثرها مقرر واضح في معظمها ثم جاء بعض المواضع فيها مما يقتضي ظاهره مخالفة ما اطرد فذلك من المعدود في المتشابهات التي يتقى اتباعها، لأن اتباعها مفضٍ إلى ظهور معارضة بينها وبين الأصول المقررة والقواعد المطردة، فاذا اعتمد على الأصول وارجئ أمر النوادر، ووكلت إلى عالمها أو ردت إلى اصولها، فلا ضرر على المكلف المجتهد ولا تعارض في حقه››.
وكنموذج على مثل هذا الشذوذ ما عالجناه في (فهم الدين والواقع) حول قضية الرق. فاذا ما اعتبرنا ان هناك ملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي فان حكم الرق يصبح امراً شاذاً، او شاهداً معارضاً لهذه القضية، لذلك طرحنا عدداً من الفرضيات كالتالي:
الفرضية الاولى: هناك خطأ في تعيين الكلي المفترض، بدلالة عدم انطباقه على الجزئي الشاذ. وما تعنيه مسألتنا حسب هذه الفرضية هو اننا اخطأنا اعتبار الشرع يطابق العقل ويلازم قراره، بدلالة قضيتنا الجزئية الشاذة، وهي ان ما اقره العقل من قبح نظام الرق لم يحكم به الشرع. إذاً بحسب هذه الفرضية أنه لا ملازمة بين العقل والشرع، فلكل طريقه ونتائجه المختلفة عن الآخر.
الفرضية الثانية: ان الخطأ متحقق في الجزئي الشاذ (عدم إلغاء الرق) لكون الكلي لا ينطبق عليه.
الفرضية الثالثة: انهما صحيحان معاً، لكن ما جعل الجزئي ينحرف عن الكلي هو لوجود أسباب خاصة غير معلومة دعته إلى ذلك. فلولا هذه الأسباب لخضع تحت طوق الكلي كبقية القضايا.
ولا يخفى ان الإفتراض الأول غير سليم باعتبار ان الكلي يحظى بقوة إحتمالية كبيرة بحسب الإستقراء، فلا يمكن التضحية به لمجرد وجود بعض الشذوذ. فمن الصعب قبول كون الشواهد المؤيدة للكلي دون غيره جاءت صدفة بلا ضابط يمحورها. كذلك لا يؤخذ بالإفتراض الثاني لعلمنا يقيناً ان ما ورد من شذوذ حول الجزئي هو صحيح. لذا ليس لنا من سبيل الا الأخذ بالإفتراض الثالث، وهو إفتراض وجود أسباب خاصة منعت انخراط الجزئي تحت حكم الكلي، سواء كنّا على علم بهذه الأسباب أم لم نكن.
وقد نقابل جزئيات اخرى دينية معارضة مع كليات الاعتقاد الديني والوجدان معاً. وابرز هذه الجزئيات ما يتعلق بعذاب الاخرة. فمن حيث كليات الاعتقاد الديني هو اننا نعلم بان الله تعالى لا يظلم احداً مثقال ذرة وما دون، وانه ارحم الراحمين كالذي تدل عليه النصوص القرآنية. كما انه من حيث الوجدان يفترض ان تكون العقوبة ليست اعظم من الجرم المرتكب، وعلى الاقل ان لا تكون بالغة الحجم مقارنة بالجرم. لكننا مع ذلك نواجه شاهداً يبدو انه معارض للاعتقاد الديني الكلي وللاعتبار الوجداني الانف الذكر، ويتعلق بعذاب الاخرة. فالكثير من الايات تبدي ان بعض الناس ينالون عذاباً غير منقطع، وهو بالغ الشدة والانتقام بحسب التصوير القرآني. وعلى الاقل انه طويل الامد (مادامت السماوات والارض). فكيف نوفق بين هذا الشاهد والاعتقاد الكلي؟ وما طبيعة الافتراضات التي يمكن تقديمها بهذا الصدد؟.
لا شك ان مثل هذا الاشكال يواجه الفهم الذي يكاد يجمع عليه علماء المذاهب والفرق الاسلامية. فهو يختلف عن الشذوذ في العلم، لأن هذا الشذوذ يفترض وجود التعارض رغم قبول النظرية، لكن مع قضيتنا المذكورة فان العلماء المسلمين لا يرون ذلك نوعاً من الشذوذ المتعارض مع اصل الفهم الكلي المتعلق بالعدالة الالهية، كما لا يرونه مخالفاً للوجدان ولا مع الاعتقاد بان الله ارحم الراحمين! باستثناء عدد ممن ينتمي الى الاتجاه الفلسفي والعرفاني، وعلى رأسهم ابن عربي الذي يقول: لو ان الله تعالى ‹‹فوّض امر خلقه الى احد من عباده وقدّره ومكّنه من التصرف فيهم، وكان خيّراً غنياً، لأزال العذاب عنهم، وهذا الراحم انا وامثالي، وهو تعالى ارحم الراحمين››.
صحيح ان لمذهب الاشاعرة ما يعذرهم بهذا الصدد، لإعتقادهم بأن لله كل الحق فيما يتصرف بعباده لكونه المالك المطلق. لكن النتيجة قد لا تكون مقنعة من حيث الوجدان. وعلى العموم ان قضيتنا هذه هي ايضاً تخضع الى عدد من الافتراضات التي يراد منها محاولة الغاء التعارض بين الشاهد الشاذ والاصل الكلي.
فقد يكون الشذوذ في العلم دالاً على المناقضة مع النظرية دون وجود ما يبرر له من التوافق، ومع ذلك تكون النظرية مقبولة طالما لا يوجد ما هو افضل منها تفسيراً يتسع لضم الواقعة الشاذة بين جناحيه. وبالتالي فما يجري في الفهم من هذه الناحية يختلف عما يجري في العلم، وسبب ذلك يعود الى اختلاف الموقف من اشكالية التطابق كالتي عالجناها في دراسة مستقلة.

المسكوت عنه في العلم والفهم
بداية نقصد بالقضايا المسكوت عنها ليس مسكوتاً عنها باطلاق، فقد يتعرض لها شخص هنا او هناك، لكن لا يوجد تركيز في البحث حولها بين المؤسسة الرسمية، سواء كانت علمية او دينية. وقد تكون بعض القضايا المسكوت عنها ليست ذات اهمية، الامر الذي يفسر علة السكوت حولها. لكن هناك من القضايا الهامة والخطيرة التي يصعب حلها ومعالجتها، لذلك فانه يفضل سدل الستار عليها ما امكن الى ذلك سبيلاً. وهي ما تعنينا من البحث.
وهنا يمكن التفريق بين المسكوت عنه والشذوذ، سواء في العلم او الفهم. فالمسكوت عنه هو ايضاً نوع من الشذوذ، وخصوصيته انه لا يُبحث فيه بجدية خشية نسف الاساس المعتمد عليه، فقد لا يعلن عنه صراحة، او يمرر مرور الكرام لحساسيته. وهو ما لا يحصل مع الشذوذ العادي كالذي سبق طرحه. وان كانت بعض القضايا يمكن ان تعالج بمنظارين: الشذوذ والمسكوت عنه، ومنها مسألة عذاب الاخرة، وحتى مسألة السبي في قضية الرق وما يترتب عليها من نتائج انسانية. فقد تعد المسألة الاولى مجرد قضية شاذة يصعب تظليلها تحت سقف العدالة ورحمة الله التي وسعت كل شيء. كما قد ينظر اليها بكونها من القضايا المسكوت عنها لدى ما يُطلق عليهم بالعدلية، او اصحاب منطق الحق الذاتي، كالمعتزلة والزيدية والاصولية من الامامية الاثنى عشرية، يضاف الى من يقاربهم في هذا المنظار كالسلفية من امثال مدرسة ابن تيمية وغيرهم.
وهناك العديد من القضايا المسكوت عنها في الفهم لحساسيتها. ومن بينها اقتتال الصحابة وتكفير بعضهم بعضاً كما لدى اهل السنة، اذ النقاش الجاد فيها قد يطيح بالكثير من المسلمات الهامة، والتي منها عدالة الصحابة وما يترتب عليها من امور عديدة؛ اهمها ما يتعلق بقيمة الحديث المنقول، وخشية ان يظهر ضعف موقف اهل السنة امام خصومهم من الشيعة الذين يؤكدون هذا الحال جهاراً نهاراً. ومن هذه القضايا ايضاً النقاش حول تدوين الحديث وعلاقته بتحفظ كبار الصحابة ونهي النبي عنه، فكثيراً ما لا يتركز حوله النقاش لحساسيته هو الاخر. ومثله قضية جمع القرآن الكريم واختلاف المصاحف والتي يبدو انها اهم القضايا المسكوت عنها، فلا نجد بحثاً جاداً يتناول المترتبات الفرضية عليها ومناقشتها من طرف المؤسسة الرسمية. يضاف الى ما لدى الشيعة من سكوت؛ مثل عدم تركيزهم على مناقشة توثيق اصحاب أئمة اهل البيت المعتمد عليهم في النقل، مع انه روي حولهم الكثير من الذم والمساوئ، ومثل ذلك عدم تعرضهم لمناقشة شدة اختلاف اصحاب الأئمة المقربين حول معرفة كل امام يصل اليه دور الامامة.
أما في العلم فقد أُتهم احياناً بانه يسكت عن ظواهر لأنها قد تنسف مبانيه، كالذي يذكره فيلسوف العلم فيرابند حول تطور بعض الاعراف الانسانية الموغلة في القدم. كما ان هناك ما يشير الى ان الكثير من المخلوقات الاولى متعددة الخلايا لا ينسجم مع التصنيف العلمي المعتمد عليه، فهي اقدم من الخلايا البسيطة. ايضاً انه تم الكشف عن وجود مخلوقات اولى غريبة لها اوصاف من بينها ان لها اعمدة فقرية شائكة. فلو لم تتح الفرصة لمخلوق معين يشبه الدودة بعد الابادة الحاصلة قديماً لانعدم امكان وجود الفقريات لكونها من الفقريات القديمة.
يضاف الى ما يلاحظ بان العلم يتحفظ عادة من الدخول في بحث القضايا الميتافيزيقية التي لها علاقة بالمسلمات الدينية، ومنها البحث في النفخة الاولى للانفجار العظيم؛ بدعوى انها قضية ميتافيزيقية لا تخضع للقوانين الفيزيائية، مع انه اخذ يعالج الكثير من القضايا التي تدخل ضمن الاطار الميتافيزيقي، بل والاسطوري ايضاً.



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قواعد الكشف بين العلم والفهم
- مبدأ التكافؤ بين العلم والفهم
- نظم العلم والهرمنوطيقا (3)
- نظم العلم والهرمنوطيقا (2)
- نظم العلم والهرمنوطيقا (1)
- الدليل الصناعي وأساليب العلم والوجدان
- ثلاث بنى عقلية منتجة: المثقف العلماني والديني والفقيه
- الفضاء الكوني والعلم المعاصر
- نظرية التجاوز المذهبي
- الفلسفة اليونانية والمصادر القديمة
- الإتجاهات الحديثة وتوظيف الواقع للفهم الديني
- أزمة الإجتهاد الشيعي
- الدليل الاستقرائي عند المفكر الصدر (قراءة نقدية)
- المعنى ومشكلة اللغة
- العرفاء والتنزلات الالهية للوجود
- جواب على سؤال مطروح
- المصلحة ودورها في التشريع
- الواقع وضبط الفتوى
- نظرية الطوفي والفكر الإمامي
- مقارنة بين علم الكلام والفقه


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - الشذوذ والمسكوت عنه في العلم والفهم