محمد الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4113 - 2013 / 6 / 4 - 01:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أكثر من عام ونصف من الآن , حذر عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى من ما أسماه حينها ( تسونامي ) أزمات تعصف بالبلد , ورغم أن المناسبة كانت (صلاة العيد ) , لكنه أبدى تخوفاً فاجأ المراقبين وعده البعض مبالغاً به . جاء ذلك الوصف بعد أن تجاهلت جميع القوى السياسية كل سبل معالجة الأزمة القائمة آنذاك بإصرار على تحقيق ما تريد هي دون أي تفكير بتنازل ما !
ربما تكون مناسيب الأزمة أرتفعت إلى درجة قرَبت حدوث (الزلزال) , ولعل أيار الذي أُعتبر الأكثر دموية منذ 2008 , دليل على ذلك الأرتفاع المؤدي لأنحدار الواقع العراقي والذي يعكس مدى هشاشة الجانب السياسي والأمني في البلد . الأوضاع المستجدة عُدت ناقوس خطر محدق , الأمر الذي أقلق القوى الوطنية والمرجعيات الدينية وجعلها تُسرع نحو تطويق الأزمة أو بمعنى أدق (الفتنة ) .
دستور معطل !
أن الدستور العراقي ضمن للجميع ممارسة الحريات العامة والشخصية شريطة أن لا تتعارض مع ثوابت الشعب , أضافة إلى تحديد تلك الحريات بمنع ممارسة أي نشاط سياسي أو ديني تحريضي ينتهج سلوك التكفير والتفريق بين أبناء الوطن الواحد .. المفارقة السائدة هي أن أغلب الفرقاء ينقضون الدستور بجوهره ثم يطالبون بتطبيق (بعض بنوده ) ويحتجون بها على بنود أخرى !! هذه الحالة جعلت من الدستور عقداً معطلاً , ومن المفترض أن يقضي ذلك العقد (الدستور ) على كل حالات الفوضى وينتقل بالدولة (ككل ) إلى الأستقرار وتتضح من خلاله معالمها والعلاقات بين جميع أجزاءها , أي أنه أتفاق مكتوب ينظم كل تلك الأمور , ومن هنا يكتسب (الدستور) قدسيته التي تعرضت لأنتهاكات عدة وصلت إلى حد التلويح برفضه , وعندما يكون رجل الحكومة الأول متوافقاً مع رافضي الدستور في بعض جوانبه تحصل الكارثة . أن عدم الأرتكاز على أرضية صلبة في طريقة أدارة الدولة يعرض العملية إلى الوقوع بمطبات وتخبط عقيم لا ينتج عنه إلا مزيداً من المشاكل , وهو ما حصل بالفعل عند تشكيل قيادات العمليات ومجالس الإسناد وغيرها من الإجراءات الفاقدة لأي سند قانوني .. بالجهة المقابلة , هناك أزدواجية صارخة في التعاطي مع الدستور , فتقوم أعتصامات تحت ذريعة ( كفالة الدستور ) بينما تضع إلغاء الدستور كمطلب أساسي لها !! هذه الموازين أدت إلى تراجعاً واضحاً في كافة المجالات وحالة من الركود ضمن واقع سلبي يعانيه المواطن بالدرجة الأساس .
البركة الراكدة !
هناك مفهومين أرتبطا بشكل مباشر بالحراك الدائر على مستوى الساحة الوطنية هما (التقسيم والتعايش ) , وقد تختلف وجهات النظر بين أطراف المكون الواحد حول تفاصيل تلك المفاهيم أو آلية التعامل معها .. أعتصامات الأنبار جعلت الحديث صريح جداً ودون مواربة وهذا وضع الأحزاب والكتل السياسية على محك خطير وأمام أختبار وتحدي تاريخي لا يمكن تجاوزه أطلاقاً ..الحديث عن التقسيم ليس بالجديد , وكما معلوم فأن جزء من السيناريو الامريكي هو ما يطلق عليه بمشروع (بايدن ) لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية وعرقية , المستحدث أن قوى التطرف التي فُسح أمامها المجال في المنطقة الغربية أعادت ذلك المشروع وحاولت ترويجه كحل لمشكلة , حقيقتها عقدة نفسية , صارت الدعوات علنية لإنفصال طائفي . أن أغتيال مجموعة من أفراد الجيش العراقي والتصريح برفض أسماء ذات دلالات مذهبية تعد محاولة لقطع كل أواصر الأرتباط .. ما أرادوا إيصاله هو عدم أمكانية التعايش السلمي بين الشيعة والسنة وأنهم يتطلعون لتغيير الواقع بشكل قطعي .
خلاف السنة !!
أفرزت تلك الأحداث سلوكين في الوسط السني , الأول يرفض تلك الأنتهاكات , وكنموذج (صالح المطلك ) رغم تعاطفه المعلن مع بعض المطالب التي ( يعتبرها مشروعة ) . أما الثاني فيمثله (أسامة النجيفي ) الذي يعلن عن تأييده الكبير لما يُطرح في الأعتصامات ,وقد يكون موقف النجيفي متعاطفاً مع رغبات شارعه بغير قناعة والذي يؤيد هذا الرأي تصريح لظافر العاني (كنا أمام أختبار ليس سهلا حول القبول أو الرفض , فأنتخابات نينوى والأنبار على الأبواب ) .. من هنا ندرك أن صراعاً قائماً بين تلك الأطراف حول بقاء الوضع كما هو مع تحقيق بعض المطالب بالتوافق عليها , أو الذهاب نحو تغيير الخارطة الجغرافية للبلد عبر سكين التقسيم الطائفية .
الموقف الشيعي !!
الموقف الشيعي بدوره منقسم على ذاته في الآلية المطروحة للتعامل مع تلك المفاهيم , فكل القوى الشيعية الرئيسية تتحدث بالوحدة وتعتبر أن الخلاف سياسي بأمتياز (رغم لعب البعض على المخاوف الطائفية ) , لكن يبقى الطرح يدور في أفق من الوحدة ورفض اي تقسيم مهما كان شكله أو مضمونه , القضية الخلافية بين بعض القوى الشيعية هي موضوعة (الجمود والحركة ) .. دولة القانون تصر على بقاء الوضع كما هو عليه مع تغليب الحلول الأمنية وسد النقص بالعجز , وهذا ما أكد عليه القيادي في القانون (حسن السنيد ) الذي قال ( أن دعاة الحوارات هم المسؤولين عن تفجيرات بغداد )! ولعل هذا التصريح يعكس طبيعة ونمط التفكير السائد في الكتلة.. اما المجلس الأعلى فيذهب بالضد من هذا القول حيث يدعوا للجلوس والتحاور تحت سقف الدستور بجو من التفاهم على أعتبار أن الديمقراطية العراقية لم تصل مرحلة النضوج , وتعد هذه نقطة الخلاف الابرز بين الأثنين .
الموقف الكردي !!
الموقف الكردي يستند إلى ثوابت تعد شرط في أي عملية أنسجام وتكامل للدولة , ورغم كون مشروع الدولة الكردية لم يبتعد عن طموحاتهم , لكن لا تلوح بالأفق أي بوادر لطرح هكذا مشروع في المستقبل المنظور , أضافة إلى الموقف الموحد للقوى الكردية حول القضايا الوطنية , وخصوصية تواجدهم ضمن (أقليم ) , تجعل وجودهم ضمن الجسد العراقي وتعايشهم (رغم محدوديته ) ممكن إذا ما حُلت العقد والمشاكل في حوار معمق .
خلاصة القول : أن المكونات العراقية تختلف بنقطة جوهرية هي : المتبنيات الأساسية , والتي تعبر في أحيان كثيرة عن هوية مذهبية أو عرقية ومن البديهي أن تتسيد المشهد دعوات الإلغاء والأنفصال طالما أن الجامع الوطني أصبح شيء ثانوي بالنسبة للكثيرين .. لا بد من أجواء جديدة توقف (رحلة المجهول ) .
مبادرة ..وحضور جماعي !
ليست المرة الأولى التي تُطرح بها هكذا مبادرات , ومن المؤكد أن قدرتها على تجاوز الأزمات سابقاً أكثر فعالية , نتيجة للهدوء النسبي المرافق للعملية السياسية من جهة , والوضع المستقر في المنطقة (سوريا تحديداً) والتي لها تأثيرات مباشرة على الوضع العراقي المربك من جهة ثانية , أضافة لكونها (الأزمة ) بدأت صغيرة وقابلة للتجاوز . لكن الجميع كان يضع شروطاً أو يتجاهل هكذا دعوات من شأنها تقليص الفجوة بين الفرقاء , ونادراً ما نجد من يتفاعل مع تلك الدعوات فضلاً عن تلبيتها , ليس لعدم الأيمان بها بقدر ما هو تصرف سياسي تنافسي نابع من خشية البعض أن يحسب أنجاز لجهةٍ ما !
.. ما الذي تغير , الجهة ذاتها والمدعوون أنفسهم ؟!
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من الوقوف على طبيعة العلاقة ( أبان تشكيل الحكومة ) بين القوى المتخاصمة اليوم , حيث أجتمعوا بأربيل متناسين كل خلافاتهم بعد أن توافقوا على توزيع المناصب الأمر الذي يعطي أنطباعاً بأن كل الصراعات ما هي إلا خلافات شخصية حدثت نتيجة التزاحم على الحصة المفضلة من الكعكة العراقية , وهذا ما كشفه النائب عن القائمة العراقية عبد الخضر الطاهر عندما قال (أن رفض مجلس السياسات سيدخل العراق بأزمة )! طفت الخلافات على السطح مجدداً , ولكنها كانت بأستخدام أوراق طائفية وبشكل علني لمحاكاة مخاوف كل فريق , بيد أنَ نتائج الأنتخابات الأخيرة أظهرت وبما لا يقبل الشك فشل المشاريع الطائفية والشخصية في كلا الطرفين وصعود واضح لقوى الأعتدال سيما في مكون الأغلبية , ولا يمكن تغافل حقيقة مهمة وهي أن نسبة المشاركة المتدنية جاءت نتيجة أحباط كبير تعاني منه الجماهير بسبب الفشل المخيب في تقديم الخدمات والأعتماد على الصراعات في أدارة الحكومة والبرلمان . الرسالة المهمة والتي فهمها الجميع على ما يبدو , أن نسبة كبيرة من الشعب تواقة لسماع أصوات التهدئة بعد أن سئمت الضجيج ودوي الأنفجارات , هذا هو السبب الرئيسي في أنجاز الخطوة الأولى على طريق الحل .
واقعية الدعوة !
الدعوة التي أطلقها الحكيم كانت محرجة لأطراف كثيرة نتيجة التردي الأمني الأخير والذي يعزوه الشعب إلى الخلافات السياسية , بالتالي أتت العاصفة الأمنية منذرة ومؤكدة صحة القول المحذّر من (تسونامي) .. المبادرة بدورها لم تقفز على الحقائق والمعطيات ولم يُدرج ضمن جدولها أي موضوع خلافي , إنما جاءت بواقعية لتحقيق لقاء رمزي يبعث رسالة أطمئنان للشعب ويهيئ الأرضية اللازمة لخطوات أكثر فاعلية . أن دقة أستخدام المفردة (أطمئنان ) يعكس حالة من القرب للمواطن الذي بات يشعر برعب من المجهول . هذه الأسباب جعلت الساسة يلتقون , وبلقائهم أنكسر حاجر مهم وصار التفكير بما هو كفيل لأنهاء الخلافات , ولعل أول الغيث مبادرة نائب رئيس الجمهورية . أعتقد أن المرحلة المقبلة ستذيب جليد العلاقات وتؤسس لحوارات كثيرة ستكون مثمرة إذا ما ظلت تحت سقف الدستور .
#محمد_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟