|
حكومة بنكيران بين منطق الاحتكام الى الوثيقة الدستورية و التسويات السياسية
جلال الفرتي
الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 12:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ اقرار الدستور الجديد الذي جاء كخطوة استباقية للتطورات التي كانت يعرفها السياق العربي و الاقليمي ، و المتمثل في بروز حركات اجتماعية عفوية حاملة لواء تحقيق العدالة الاجتماعية و الحرية ، قبل ان تتحول الى حركات راديكالية تنادي الجدري و إسقاط بعض الانظمة ، اثير التساؤل عما اذا كان هذا الاجراء الوقائي التي نهجه النظام السياسي المغربي قادرا ان يجعل من الوثيقة الدستورية بالمغرب، آلية للانتقال من بنية سياسية تقليدية إلى بنية سياسية مؤسسة لمقومات الدولة الحديثة؟ ومؤطرة لعلاقة الدولة بالمجتمع، بعيدا عن الآليات التقليدية للمخزن ومعبرة في صيرورتها عن ارادة التغيير المعلنة من قبل النظام السياسي ؟ . اظافة الى ذلك و في خضم الاحداث المتسارعة التي كان يعرفها المحيط العربي ، وضع الدستور الجديد من قبل العديد من الملاحظين و المراقبين للشان السياسي المغربي تحت المجهر ، و عما اذا كانت الحركات الاحتجاجية و تحديدا حركة 20 فبرابر قادرة على الدفع في اتجاه تفعيل بنوذ هذا الدستور ، رغم رفضها لمضمونه و كذا القطع مع منطق الدساتير السابقة و التي لم تكن سوى إطار قانوني خاضع باستمرار لتسويات سياسية ظرفية، خاضعة لميزان القوى، هدفها تكريس مراقبة الدولة للمجتمع بآليات حديثة؟ ان البطء الذي ميز اداء الحكومة التي يقودها حزب العدالة و التنمية في اخراج العديد من النصوص و المراسيم من اجل تفعيل بنود الدستور الاستباقي و ان كان يفسر في جزء كبير منه الى وجود قوى سياسية لازالت متوجسة من تجربة حكومية بقيادة ذات مرجعية دينية ، وعدم مراكمة هذه الاخيرة لتجربة متكاملة في تسيير الشان العام ، فان العديد من القضايا التي اثيرت سواء على الصعيد التقني للدستور و التي لا تستدعي مواقف سياسية راديكالية لخلخة النسق السياسي اثبتت ان الاحتكام الى الوثيقة الدستورية لا زال محكوما بمنطق التسويات السياسية . وفي هذا السياق لابد من طرح السؤال حول طبيعة ودور الوثيقة الدستورية في تأطير مجموع العلاقات السياسية؛ خصوصا أمام غياب تقاليد مؤسسة للأعراف الديمقراطية والدستورية/البرلمانية ، إذ يبدو أن هناك آليات وقنوات أخرى غير دستورية تحدد مجالات الاشتغال السياسي، بمعنى آخر فان المشروعية السياسية التي يحاول حزب العدالة و التنمية الدفاع عنها امام خصومه السياسيين ، غير مطابقة للشرعية الدستورية / القانونية؟ و بالتالي فمحاولة البعض التاسيس لعقد اجتماعي متخيل من خلال اقرار الدستور الجديد فيه دعوة ضمنية لاعادة قراءة النظام السياسي المغربي في شكله القانوني والمؤسساتي، من خلال اختزا ل الظواهر السياسية والاجتماعية كظواهر قانونية، وكأن القانون هو الذي يحدد مجال السياسة، فمثل هذا التصور الأخير هو الذي جعل البعض يعتبر هذا الدستور كغيره من الدساتير السابقة كثورة شكلت قطيعة مع الماضي السياسي والاجتماعي المغربي في حين أنها شكلت في الواقع استمرارا لذلك الماضي باعتماد تقنية الدستور الذي يجسد البيعة المقدسة بين الملك والشعب» وكمجرد وسيلة لخدمة السياسة الملكية وقد سبق للسوسيولوجيا القانونية ان حاولت رصد هذه المفارقة بين القانون والواقع، والتي يمكن تفسيرها سواء على مستوى التطبيق الفعلي للنصوص القانونية التي تبدو متقدمة على المجتمع ، أو على مستوى وجود بنيات سياسية تقليدية لازالت تشتغل ضد منطق فكرة الدستور . فالدستور المغربي في مختلف مراحله عكس مجالا واسعا للصراع حول السلطة، حيث كانت الوثيقة الدستورية إطارا بامتياز للتوفيق بين مجموعة من المتناقضات. فإذا كان مفهوم الدستورانية كتعبير عن مجموعة من الضوابط والآليات القانونية المحددة للعمل السياسي لا يمكن فصله عن بروز الطبقة البورجوازية الحاملة لمشروع ليبرالي للمجتمع. فإنها في المغرب ظلت خاضعة لسلسلة من التسويات والتوافقات دون أن تعكس تطورا على مستوى الفكرة الدستورية، إذ غالبا ما ثم الحسم في قضايا جوهرية خارج نطاق الشرعية الدستورية. فالممارسة الفعلية للسلطة بالمغرب أثبتت أن البنيات الحداثية (أحزاب، نقابات، برلمان)تبقى بنيات فرعية وتابعة لبنيات تقليدية أكثر فعالية وأكثر تأثيرا وبالتالي فالصراع في المغرب، كان يتم في مجال المشروعية، بينما كانت قواعد الشرعية خاضعة لمجالات الظرفية السياسية ولميزان القوى، فهذه الأخيرة أي الشرعية وضعت على مقاس المشروعية، ذلك أن الانتقال من مفاهيم السلطان والمخزن إلى ملك وحكومة اكتسى طابعا سيميائيا في غياب تحول عميق في البنيات السياسية والاجتماعية .
جلال الفرتي
#جلال_الفرتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطبقة الوسطى بالمغرب و اجهاض المشروع الحداثي
-
ازمة السياسي والعودة الى المقدس
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|