أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمود عبد الغفار غيضان - كوريا وثقافة الوجود داخل جماعة














المزيد.....

كوريا وثقافة الوجود داخل جماعة


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 4111 - 2013 / 6 / 2 - 18:48
المحور: كتابات ساخرة
    



من النادر أنْ تجدَ كوريًّا يأكلُ وحده أو يجلس في المقهى وحده أو يسافر إلى مكان وحده. فالثقافة الكورية تقوم بشكل أساسي على الوجود داخل الجماعة طيلة الوقت. وهو وجود تنظمه مجموعة من العادات والتقاليد التي يمكنها أن تكفل بقاء الرابطة بين أفراد الجماعة لزمن طويل جدًّا. الأفراد من مسقط الرأس نفسه تجمعهم رابطة ذلك المكان بقوة، الأشخاص المولودون في العام نفسه، الزمالة في المدرسة أو الجامعة أو الشركة إلخ. بعض التلاميذ الصغار ينتحرون لأنهم لم يتمكنوا من الانضمام للجماعة التي من المفترض أن يكونوا داخلها. المرشحون للرئاسة في كوريا مثلاً، يعتمدون بدرجة كبيرة على أصوات ناخبيهم في مساقط رؤوسهم. ويكون التنافس رهيبًا بين المناطق الكورية كل مرة وكأن الأمر يتعلق بالعائلة لا بالوطن. لقد وُصف الرئيس الراحل- المحترم- روه مو هيون- بالعنيد الأحمق لأنه ترك مسقط رأسه وترشح لرئاسة مدينة بوسان. فمن سينتخبه هناك وهو ابن إقيلم جولانامدو في الجنوب "صعيد كوريا".

منذ روضة الأطفال يتم تعليمهم كيفية العمل المشترك وقيمته ودوره في تحقيق الإنجاز. ويمتد ذلك طيلة سنوات الدراسة حتى يخيلُ إليك أنه لو أراد أحد أفراد الجماعة دخول الحمام، فستجد الباقين يتبعونه على الفور حتى ولو لم يكن لأيٍّ منهم حاجة يريد قضاءها هنا.
في إطار الجماعة يجب أن تختفي الميزات المتفردة للأفراد بحيث يبدو الجميع في أقرب درجات البساطة والاعتيادية. فالشخص الحريص على أن يبدو دائمًا عبقريًّا وفذًّا أو متميزًا ماليًّا أو اجتماعيًّا سيكون من الصعب عليه الاستمرار مع الجماعة لأنه سيسبب لها تعبًا أو إرهاقًا لا تريده. معظم أفراد الجماعة أشخاص عاديون ويرحبون جدًّا بمن على شاكلتهم. قد يجالسون ذلك المتميزة مرة ويبدون إعجابهم الشديد به لكنهم لن يحرصوا على التواصل معه مستقبلاً. وسيطلق عليه التعبير الكوري الشهير "إنه ليس شخصًا مثلنا: سارام أن يي يوو".

بغض النظر عن مشكلات هذا النظام لكن من أهم مميزاته أنه يعلم الفرد الحرص على التواضع- ولو مجبرًا على ذلك- والحفاظ على قيم الجماعة طالما أراد الوجود فيها وكذلك العمل داخلها بإخلاص. فالجماعة لو أوكل أليها بعملٍ ما ستنجزه على أكمل وجه مهما كان الخلاف بين أفرادها في وجهات النظر إلى طبيعة ذلك العمل أو الحياة بشكل عام.
في الأسبوع الماضي. نظم قسم اللغة العربية مسابقة بين الطلاب. قدمت "نور" محاضرة رائعة في ربع ساعة عن "العامية المصرية". وقدمت "علا" عرضًا لمدينة كوانج جو وقيمتها التاريخية والفنية والسياحية في كوريا. وتحدث "رامز" عن بعض المواقف الطريفة التي حدثت معه خلال إقامته بالأردن. وغنى "مصطفى وليلى" أغنية "على باب الله. مع مسابقة أخرى من خلال أسئلة تم طرحها على طلاب كل فرقة على حدة. بعد تقييم درجات المتسابقين كان "مصطفى وليلى" في المركز الأول. كنتُ سعيدًا طبعًا لأني دربتهما على أداء الأغنية- كذلك كنتُ سعيدًا طبعًا بكل الطلاب- لكني تأملتُ ورقة جمع الدرجات النهائية ووجدتُ أن درجات "نور" تضعها في المركز الأول. تحدثتُ إلى رئيس القسم وراجعنا الدرجات مرة ثانية ووجدنا أن "نور" فعلاً هي صاحبة المركز الأول. ثم تذكر رئيس القسم أنها فازت بالمركز الأول في مسابقة الفصل الدراسي السابق. فقال: "إذن هذه المرة نغير الفائز. سنعطي الجائزة لمصطفى وليلى." طلبتُ منه أن يخبر "نور" بهذا الموقف، فتفضل مشكورًا على الفور وتحدث معها. ردتْ بكل أدب وبابتسامة عريضة بالموافقة. ومن المركز الأول المستحق، نالت "نور" المركز الثالث دون غضاضة أو تأفف أو شكوى. ولأنها ذكية وتعرف أن هذه هي ضريبة الوجود في جماعة، فقد منحت الكل سعادة حقيقية حتى مع بعض الألم الإنساني الطبيعي الذي ربما أحست به لبعض الوقت، ولكنها تعلمت جيدًا ألا تسمح له أن يفسد عليها منظومة القيم التي تعلمتها منذ الصغر. هذا المثال البسيط يبين الكثير عن الثقافة الكورية وبخاصة بعض جوانبها التي تدعم تقدم المجتمع وسيره المستمر إلى الأمام.
ما أحوجنا الآن وفي هذا الظرف التاريخي بالذات لقيم الوجود في جماعة؛ جماعة لا تقوم على إيديولوجيا لها أغراض تسخر فيها كل الأفراد وكل شيء لتحقيق مكاسب خاصة ولو على حساب الآخرين والوطن نفسه. وإنما جماعة بين الزملاء والشركاء والأصدقاء يكون هدفها نجاح كل أفرادها والمحافظة على روابطهم فيها وبها لأطول وقت ممكن.

محمود عبد الغفار غيضان
2 يونيو 2013م



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لهم -فيسهم- ولنا -فيس-.
- التاريخ يهزم الجغرافيا
- صعودهم لأعلى وصعودنا أبدًا لا يليق بنا
- أنت -رايح جاي- أم -اتجاه واحد-؟
- مينا ومارك وبيتر وشم النسيم مع الكوري الجنوبي -شادي-
- خامس المستحيلات في أساليب الانتقاد بين الكوريين والعرب.
- تلصصٌ على شاعر كوري
- تلصص في الوجع
- تلصص فيسبوكي
- محروس أبو فريد... طبيب الأحذية
- وهيبة... تسالي المصاطب
- العم -توفيق-... خواجة من زمن المصاطب.
- أبو رجل لم تكن مسلوخة
- تلصصُ الوداع
- بورتريهات الدهاليز 1- - أبانا الذي في منيل الروضة-
- تلصص على حين غرة
- تلصص ٌخاص...
- صاصا .. آخرُ بوحِ المصاطب
- كُتَّاب الشيخ عبد الواحد
- المتلصص 4


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمود عبد الغفار غيضان - كوريا وثقافة الوجود داخل جماعة