أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عادل عبد العاطي - الخاتم عدلان .. نبيّنا الآخير














المزيد.....

الخاتم عدلان .. نبيّنا الآخير


عادل عبد العاطي

الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 11:11
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


نبينا الاخير !

غاب العقل الكبير؛ والروح الكبير؛ والانسان الاصيل؛ والرجل النبيل؛ صخرة اليقين عندما تعبث بنا الرياح؛ ومشكاة التائهين عندما يدلهم الظلام؛ وباعث الامل ومجدد الحلم والداعي الي العمل عندما تسقط الاحلام والاوهام والاصنام؛غاب معلم نفسه والاجيال؛ اجمل وانبل الرجال؛ ابن السودان؛ وبطل هذا الزمان؛ الخاتم عدلان!!

هل اقول قبض الريح هي الحياة؛ هل اشتكيها كما اشتكاها ايوب في العهد القديم؛ هل ابحث بين عصارات القلوب المنفطرة حزنا عن بيوت الشعر وكلمات الرثاء عبر التاريخ؛ لاجدها كلها تقل عن المقام ولا تعبر عن الفقد العظيم؛ هل اشاكس الموت واشتمه واتحداه؛ هل اقول ان خصومة قلبي مع الله؛ هل افعل كل ذلك امام رحيل نجمنا المضئ الكبير عن سماواتنا المصفدة بالقيود؛ وشجرتنا التي اشرفت علي العطاء في اراضينا المثتخنة بالجراح ؛ ونبينا الاخير في زمن الزيف والخداع؛ وحبيبنا واخينا ومعلمنا واستاذنا؛ تاركا لنا في اليتم والحرمان؛ عيوننا تركض في كل اتجاه؛ وافكارنا متهاوية في شتات ؛ وقلوبنا تنزف بدل الدمع دما.

أم اقول وانا اتمثل روح الخاتم؛ غاب الجسم وخلدت الروح؛ انهدم الرسم وصمد الاسم؛ انفرط الكثيف وبقي اللطيف؛ وانهزم الموت امام الخاتم عدلان؛ ودخل هو الخلود من اوسع ابوابه؛ اذ ان ان الموت لا يهزم الا ميتا؛ واذ ان الحياة هي حياة الفكر والشعور؛ لا حياة الجسد والجوارح؛ واذ ان سيرة الخاتم وفكره وروحه؛ لتتحدى الموت وقوانينه؛ والمادة وحتميتها؛ والعدم وخواءه؛ وتظل تحلق في سماء الوطن؛ كطائر اسطوري لا يعرف الوهن؛ وكنجمة بعيدة تضي الطريق في ظلمة الليالي؟

فقدنا الخاتم ونحن اكثر ما نكون حاجة له؛ فقدناه حين هيمن الاقزام علي شعب عملاق؛ وحين احاطت بالوطن كل الاخطار؛ وحين اصبحت قضية البديل الديمقراطي مسالة حياة او موت؛ وفي الوقت الذي نضجت فيه كل اداواته المعرفية والسياسية. فقدناه ونحن نتلمس الطريق من ظلمات الديكتاتورية والتسلط والهوس والجنون؛ الي انوار الحرية والعقل والتسامح والسلام. فقدنا الخاتم في وقت لا نحتمل فيه فقدا جديدا؛ فقد فقدنا الوطن وفقدنا الحلم وفقدنا الامل في قيادات ظنناها موسانا؛ فاتضح انها فراعيننا؛ فقدنا الخاتم الانسان النبيل والمفكر العميق والسياسي الشريف؛ ؛ في وقت انهزمت فيه الانسانية وتقهقر الفكر وانحطت السياسة؛ واصبح فيه النبل والعمق والشرف عملة نادرة في ساحة العمل العام السوداني.

الا ان الخاتم ما كان ليريد لنا ان نسقط في اليأس؛ وان نغرق في الالم؛ وان نتراجع عن الطريق الذي خطه مع الاف المناضلين والشرفاء؛ والذي توحد به حتي اصبح جزءا من حياته؛ وسرى سريان الدم في عروقه. لقد ارتبط الخاتم عدلان بالحلم السوداني؛ حلم التغيير والتنوير والنهضة؛ وتجسد فيه هذا المشروع كما لم يتجسد في انسان؛ فكان نموذجه الذي يسير علي الارض؛ انسانا مبدئيا وعلميا ومرتبطا بالمواطنين وقضاياهم؛ حميما في تعامله معهم؛ متواضعا دون زيف؛ مربيا دون تكبر؛ قائدا دون صلف؛ وواهبا زهرة عمره لهذا الحلم وذلك المشروع؛ فهل نخذله في مماته؛ كما خذلناه وخذله الكثيرون منا في حياته؟

خذلنا الخاتم عندما تراجعنا عن مقاربة المشاريع التي بناها وسط جحيم المعاناة وقساوة الظروف؛ فضلنا ان نركن الى السهل والسريع؛ وان نسير وراء الانبياء الكذبة؛ بدلا من ان ندعم نبينا الاخير !! وحتي في وسط اولئك الذين راؤا مشروعه واقتنعوا به؛ فان حجم المساهمة كان اقل من التحديات؛ وحده الخاتم عدلان كان مدركا لحجم الماساة والتحديات؛ ووحده وقف صامدا حينما اقفلت امامه كل الابواب؛ ووحده استعاد ثقة الجماهير والاجيال الجديدة؛ وقت نهشت فيه وفي مشروعه – مشروعنا الذئاب من دعاة القديم وبعض مدعي الجديد.

كان نضال الخاتم عدلان في الحزب الشيوعي؛ وعمله هناك من اجل التنوير والديمقراطية العدالة الاجتماعية؛ هو احد ثمرات شجرته الباذخة؛ ولكنه لم يتردد للحظة؛ ان يترك مسيرة 30 عاما؛ وهب لها شبابه وكل حياته؛ عندما شعر انها تقيد المشروع الكبير الذي آمن به؛ ففارق ذلك الحزب ولم يفارق مواقع التنوير والعدالة الاجتماعية والحرية؛ وكان ذلك الانسلاخ مؤلما؛ او كما قال وكأن الانسان يقطع من لحمه؛ ولكن قطع اللحم كان له افضل من اغتيال الحلم؛ ومن خداع الذات.

وكانت حركة حق ثمرة اخري من ثمار شجرة الخاتم المعطاء؛ وقد بذل فيها الكثير؛ ورغم الانجازات فقد كانت الاخفاقات كبيرة؛ وكان الخذلان كبيرا؛ ولكن الخاتم بحق وعبر حق قد خط طريقا جديدا؛ وهو ان قوى التغيير لا يمكن ان تركن الي السلبية؛ او ان تنضوى تحت لواء القديم؛ او تخدع نفسها بمحاولات التغيير التي لا تأتى ابدا؛ وان الطريق في مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة واحدة ؛ وان طريق الحق لا يمكن ان يمر بالتنازلات والمساومات وانصاف الخيارات وانصاف الثورات.

الا ان هذه كانت مجرد ثمرات اولي؛ في عطاء الخاتم؛ والذي لم يتم له الاكتمال؛ حيث رحل في اوج نشاطه؛ فالخاتم كان اكبر من الحزب الشيوعي؛ وكان اكبر من حركة حق؛ وكان اكبر من كل معسكر القوى الديمقراطية والفكر التقدمي ومعسكر الثورة في السودان؛ حيث كانت ثمراته الحقيقية المنتظرة هي لكامل اهل السودان؛ ولكل مشروع النهضة السودانية المجهضة؛ وكان الخاتم مشروع قائد وطني؛ فكري وسياسي؛ خرج من حدود الحزبية والايدلوجية الضيقة؛ ليصل الي حدود القيادات التاريخية التي تصنع التغيير؛ والتي افتقدناها في السودان منذ رحيل علي عبد اللطيف.

لقد فقدنا نبينا الاخير؛ ولكن نبوته ستظل تعيش بيننا؛ وخسرنا الحالم الكبير؛ ولكن حلمه قد غرس اقدامه في ارض الواقع؛ ورحل عنا قائد في لحظة ابتداء المعارك الحقيقية؛ معارك الحرية والتنوير والنهضة؛ ضد جيوش التسلط والبربرية والظلام؛ ولكن رفاقه واصدقاؤه وابناؤه وتلاميذه سيسدوا مكان غيابه؛ فبهذا فقط يمكن ان نخلص للخاتم؛ وبهذا فقط لا يموت الخاتم مرتين.

وإنا لفقدك يا خاتم لمحزونون.

عادل عبد العاطي
23 ابريل 2005



#عادل_عبد_العاطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد إبراهيم نُقُد وإخفاء وصية عبد الخالق محجوب الاخيرة
- الطريق الثالث بين الحرابة والتسوية: خطوط عريضة في اتجاه بلور ...
- الخروج من عنق الزجاجة:اسقاط النظام كيف ولماذا؟
- تأملات في أفق المعرفة والشهادة: في نضال واستشهاد عبد الخالق ...
- لماذا يرفض الليبراليون السودانيون تعدد الزوجات والطلاق الاعت ...
- مرة اٌخري نحو قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان
- نحو قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان
- الحملة الدولية لاطلاق سراح دكتور مضوي ابراهيم آدم ورفاقه
- النظام السوداني يهدف الي قتل الدكتور مضوي ابراهيم آدم
- تمخض التجمع فولد فاراً ميتاً : قراءة في قرارات هيئة- قيادة- ...
- كمال دُقدُق: نجمة الحياة في سماء العدم
- الخِدعة الكبرى
- العام 2005
- المنجز والمؤمل :إطلاق سراح عبد العزيز خالد والدور المرتقب لل ...
- ندى علي وتيسير محمد احمد وعودة بيوت الأشباح
- طلب بالتحقيق والتدخل في قضية المعتقلين والمفقودين من اعضاء ق ...
- رسالة مفتوحة الي بروفيسور تيسير محمد احمد علي
- رسالة مفتوحة الي الدكتورة ندى مصطفي علي
- رسالة مفتوحة الي شباب وشابات حزب الامة السوداني
- عبد العزيز خالد الشاهد والشهيد- مهام الحركة الجماهيرية علي خ ...


المزيد.....




- فرنسا: هل ستتخلى زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان عن تهديدها ...
- فرنسا: مارين لوبان تهدد باسقاط الحكومة، واليسار يستعد لخلافت ...
- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأوروغواي
- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا ...
- حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع ...
- صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
- بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
- فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح ...
- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عادل عبد العاطي - الخاتم عدلان .. نبيّنا الآخير