أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - العراقي الطائر














المزيد.....

العراقي الطائر


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


بسبب مواقفه ــ الشجاعة والمبدئية والمشرّفة ــ المناهضة لاحتلال بلده العراق، يتعرّض الشاعر الكبير سعدي يوسف إلى هجمات شرسة تأتي غالباً، وليس دون مفارقة في الواقع، من بعض مواطنيه العراقيين. الأخبار الجيّدة، في المقابل، تقول إنّ رياحاً كهذه لا تهزّ جبلاً مثل سعدي من جهة أولى؛ وهي من جهة ثانية تشحذ همّته أكثر، فيصبح أبو حيدر أشدّ عزيمة وأمضى أسلحة!
وحين أتمّ سعدي السبعين العام الماضي، كرّس محمود درويش افتتاحية «الكرمل» لهذه المناسبة، وقال في أعظم شعراء العراق الأحياء كلمة حقّ لعلها بين الأصدق والأصفى والأعمق: «منذ قرأت شعر سعدي يوسف، صار هو الأقرب إلى ذائقتي الشعرية. في قصيدته الشفافة صفاء اللوحة المائية، وفي صوتها الخافت إيقاع الحياة اليومية. وقد أجازف بالظنّ أنه، ودون أن يكتب قصيدة النثر السائدة اليوم، أحد الذين أصبحوا من ملهميها الكبار، فهي تتحرك في المناخ التعبيري الذي أشاعه شعر سعدي في الذائقة الجمالية، منذ أتقن فنّ المزج بين الغنائية والسردية».
والحال أنني، في مسألة خطوط التأثير في قصيدة النثر العربية المعاصرة، كنت قد أعربت عن رأي مماثل، ولكن بصدد بدر شاكر السياب، خلال ندوة أقامها معهد العالم العربي في باريس مطلع 1995، إحياء للذكرى الثلاثين لرحيل السيّاب. وهذا تفصيل يعيدني إلى حكايتين عن السيّاب رواهما سعدي في شهادته أثناء الندوة تلك، تنطويان على دلالات كبيرة حول شخصية السيّاب.
الحكاية الأولى أن إعادة ارتباط سعدي بخلاياالحزب الشيوعي العراقي، في أعقاب إعدام «فهد» والشبيبي وزكي نسيم وآخرين من قيادة الحزب، تمّت خلال موعد سرّي جرى في البصرة، وكان الطرف الثاني في ذلك الموعد هو... بدر شاكر السياب. وسعدي يحرص على ذكر هذه الحكاية كلما اتصل الأمر بجلاء الغموض المحيط بعلاقة السيّاب التنظيمية المباشرة بالحزب، وهو على حقّ في ذلك تماماً. الوجه الآخر لهذا الجانب النضالي والتنظيمي الصريح، الذي يلحّ سعدي على إبرازه إنصافاً لبدر الإنسان أيضاً، هو التوترات الجمالية والإبداعية التي اكتنفت تلك العلاقة.
وبدر شاكر السياب ــ رائد التجديد الأخطر في الشعر العربي الحديث، والعبقرية القلقة المعذَّبة التي أشعلت حرائق شعرية محتدمة الأوار إلى يومنا هذا ــ دافع حتى نهاية عمره عن وعي رفيـع بمعنى وخصائص الشعر العظيـم كما أدركـه، وكما لا ينبغي للعمل السياسي المباشر أن يتدخل في حرفه وقسره وتشويهه. ولقد نُقل عن السيّاب قوله لرفاقه الشيوعيين الذين شاطروه بيت الحزب السرّي في الكويت: «أخي، ليس ناظم حكمت وحده بل لو وقف ناظم حكمت، ثم وقف على رأسه بابلو نيرودا، ثم وقف على رأس هذا أراغون، ثم وقف قسطنطين سيمونوف فوق رأس أراغون، لما بلغوا جميعاً كعب شكسبير»!
الحكاية الثانية هي أن سعدي سأل السيّاب عن مقطع (بات بعدئذ شهيراً وكلاسيكياً) من قصيدته «غريب على الخليج» يقول فيه:
أصيح بالخليج. ياخليج!
ياواهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى كأنه النشيج:
يا خليج!
ياواهب المحار والردى.
وعن السبب في أن الصدى رجّع جميع مفردات الجملة مادّة الهتاف باستثناء «اللؤلؤ»، وكيف ردّ بدر بالقول إن الصدى لا يرجّع هذه المفردة لخلوّها من أحرف اللين والمدّ كما في «خليج» و«محار» و«ردى». ولقد هزّتني شخصياً هذه الحكاية، لأنني بين أولئك الذين يرون في الكتابة الشعرية حالة وعي فريد واشتغال شعوري وإدراكي نشط، لغوياً وموسيقياً وفكرياً و...، له عواقبه المعرفية والسوسيولوجية والثقافية، وليس مجرّد حالة شعورية جارفة يختلط فيها ضغط الوحي بهذيان الإسترسال.
وقبل سنوات أثلج عباس بيضون صدري حين سجّل، في مستهلّ حوار معمّق أجراه مع سعدي وهما معلّقان في طائرة تقودهما إلى كولومبيا، أنه يعتبر سعدي «أحد المعلّمين الأهمّ في شعرنا»، وأضاف: «ربما لا نبالغ إذا وصفنا سعدي بالطائر، بل إنّ له جسدياً وجه طائر ونقلة طائر، وربما كان له من الطائر سهو وغياب ومفاجأة ومبادرة، فأنت تجده كلّ لحظة على غصن، لكنك مع ذلك تشعر أنّ شيئاً فيه عصياً على الإمساك، كتلك النبرة الغائبة في صوته، والتي تجعله أحياناً غير مسموع»...
العراقي الطائر ربما، على غرار الهولندي الطائر؟ بديع أن يكون، في الآن ذاته، ذلك الجبل الذي لا تهزّه ريح الشتيمة!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيادة السورية: أيّ انقلاب أبيض يصلح البنية المستعصية؟
- غسان كنفاني... شكراً
- أمثولة مجزرة قانا: الماضي جثّة ثقيلة على صدر الحاضر
- مَن يعبأ بالصدى؟
- السودان والقرار 1593: مَن يتذكّر رادوفان كراجيتش؟
- سياسة الروح
- أيّ تغيير «من الداخل» تريد واشنطن في سورية؟
- «أشغال» الوكالة
- قمّة الجزائر: هل يمكن للنظام العربي الرسمي أن ينحطّ أكثر؟
- سطوة الحكاية
- عروس مجدل شمس
- يهود سورية: «التطهير العرقي» وصناعة الخرافة
- غلطة السيد... بألف ممّا نعدّ
- تظاهرة دمشق «الشبابية» واستئناف الهستيريا القديمة ـ المقيمة
- هويات غير قاتلة
- زائر غير منتظر في انتفاضة لبنان: رفعت الأسد
- واشنطن وحقوق الإنسان: لا عزاء للدالاي لاما و-الثورة الصفراء-
- إيهاب حسن وعذابات إدراك الأدب ما بعد الحديث
- خصال رجاء النقاش
- جمال مبارك بعد بشار الأسد: ما جديد الجمهورية الوراثية؟


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - العراقي الطائر