|
قصيدة النثر ومصيبة العصر
محمود عمري
الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 15:02
المحور:
الادب والفن
لم ينتبه الباحثون عبر التاريخ إلى الإبداع الذي أظهره الشعراء العرب في حقب سابقة من تاريخ هذه الملّة. وإنّي وإن كنت قليل الاطّلاع على الأدب القديم، غير أنّني عندما بحثت في أدب أبي العلاء المعرّي، اكتشفت بسرعة أنّني أمام عبقريّة خلّاقة بارعة، فقد استطاع المعرّي أن يكتب نثرًا شعرًا: " أصلحك الله وأبقاك، لقد كان من الواجب أن تأـتينا اليوم إلى منزلنا الحالي، لكي يحدث لي أنسك، يا زين الأخلّاء فما مثلك من غيّر عهدًا أو غفل". وهذا النثر هو شعر من بحر الرجز المجزوء، ويشمل على أربعة أبيات في رويّ اللام: أصلحك الله وأب قاك لقد كان من ال واجب أن تأتينا ال يوم إلى منزلنا ال حالي لكي يحدث لي أنسك يا زين الأخل لاء فما مثلك من غيّر عهدًا أو غفل ولم يعارض أحد هذا الشعر النثريّ، أو النثر الشعريّ، ثمّ لو نظرنا إلى الأدب الحديث وبحثنا قليلًا في أدب أمير الشعراء "أحمد شوقي"، لوجدنا مسرحًا شعريًّا، وأقصد بذلك المسرحيّة الشعريّة "مجنون ليلى" ، وما من أحد عارض هذا الفنّ، فقد ابتكروا وأبدعوا واختلقوا. ثمّ كانت القصيدة الحرّة أو ما يُعرف بشعر التفعيلة ، حتّى أصبحنا نسمع بشعر جديد وما هو بجديد يسمّونه قصيدة النثر. وهذا الفنّ لاقى وما زال يلاقي المعارضة إلى يومنا هذا، رغم أنّ المعرّي وشوقي قد أحدثا شيئًا شبيهًا إلّا أنّنا مازلنا نقدّس القديم ونكفر بالحديث، والقضيّة بسيطة لا تخرج عن كونها لونًا أدبيًّا يجب على كلّ باحث أن يُدلي دلوه في هذا اللون. وما زال الغموض يكتنف قصيدة النثر العربية، التي باتت تهدّد الملايين من عشّاق القصيدة الكلاسيكيّة القديمة والقصيدة الحديثة المحافظة على شيء من القديم، رغم ما آلت إليه من اعتراف على الصعيدين: العربيّ والعالميّ، إلّا أنّ الصراع قائم بين مؤيد ومعارض، وكلّ يتغنّى بما يستميل القرّاء من كلا الطرفين؛ ليتسنّى له ضمّ أكبر كوكبة من القرّاء جاعلًا من شعره أسمى وأرقى ما يصبو إليه العقل والفكر الإنسانيّ، وفي هذا الصراع يكمن الغموض حول ما يسمّى "قصيدة النثر". ففي مقال نشرته صحيفة الرأي الأردنيّة، تقول الشاعرة مريم الصيفي المعارضة لقصيدة النثر: "لا أؤمن بشيء اسمه قصيدة النثر، باختصار لأنّ التسمية تحمل تناقضاً، وهؤلاء الذين يحاولون كتابة القصيدة نثراً لا يمتلكون أصلاً المقدرة الكافية على وزن العمود، مع بعض الاستثناءات". وهذا الذي تقوله الشاعرة مريم الصيفي هو حجر الزاوية والعنصر الفعّال في العراك الحاصل بين مؤيدي ومعارضي قصيدة النثر، إذ لا يُعقل أن تكون قصيدة وفي نفس الوقت تكون نثرًا، وهذا ما يسمّى في لغتنا الأكاديميّة بالأوكسيمورون أي الشيء ونقيضه، وتهاجم شعراء قصيدة النثر بقولها: لا يمتلكون المقدرة الكافية على وزن العمود. أمّا أنا فأقول لها: لِمّ لَم تعارضي المسرحيّة الشعريّة لأحمد شوقي؟ كون الاسم يحمل تناقضًا، أم لانعدام الجرأة الكافية للتطاول على أمير الشعراء؟ ولِمّ لَم تنتبهي للشعر النثريّ للمعرّي كونك تمتلكين المقدرة الكافية على وزن العامود؟ وفي حوار نشرته (جريدة أخبار الأدب المصريّة) تحت عنوان: (محمود درويش في القاهرة: قصيدة النثر، ليست شعرًا، ولكنّني أخاف من ميليشياتها)، يتساءل درويش: لماذا تظلّ التسمية قصيدة نثر ولا تتحوّل إلى شعر؟ ويبدي في هذا الحوار تخوّفه من ميليشيات قصيدة النثر- كما يبدو الميليشيات هي الكثرة والسيطرة والقوّة الّتي سيحرزها شعراء قصيدة النثر . ومن جهة ثانية، هناك من يؤيّد قصيدة النثر، فنرى الشاعر الفلسطينيّ محمد عزّ الدين المناصرة، وهو يعزو الهجوم على قصيدة النثر، للأسباب التالية: 1- انتشار فوضويّة الحداثة، وهذا بسبب ظهور المئات من المجموعات الشعريّة الرديئة من قصيدة النثر في التسعينات من القرن العشرين. 2- الشبهة السياسيّة، لجهة أنّ العولمة ترعاها، وخوفًا من تهديد الغرب الراعي لهذه القصيدة تحت شعار التحديث. ويؤكّد المناصرة دعمه لقصيدة النثر قائلًا: "أي نعم لقصيدة النثر". ويرى أدونيس أنّه لا حاجة للدفاع عن قصيدة النثر فهي راسخة بحيث لم تعد بحاجة إلى من يدافع عنها، والّذين لا يزالون ينكرون قصيدة النثر فعليهم أن يراجعوا فهمهم ووعيهم. ومن منطلق الصراع بين المؤيّدين والمعارضين لقصيدة النثر، سواء كان الخلاف في تسمية الجنس الأدبيّ أم في فحوى ومضمون قصيدة النثر، فإنّنا نرى ضرورة حتميّة للتعامل مع هذا النّصّ الشّعريّ المولّد، والذي استولى على مخازن الكتب ليقول لنا: ها أنا أمامكم، لا مفرّ. والّذي ما زال غريبًا يبحث عن قرّاء من جهة، وعن نقّاد من جهة أخرى ليكشفوا النقاب عن هذا الكنز الثمين.
#محمود_عمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|